قال الله تعالى ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )
قال ابن كثير رحمه الله ( ليس المراد : ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ،
بل على تركهم له ؛
فإن الأمر بالمعروف معروف ، وهو واجب على العالم
ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به ولا يتخلف عنهم .... فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب ، لا يسقط أحدهما بترك الآخر.)
ا.هـ
الناس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله
فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة.
قال الله تعالى ( وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر)
قال السعدي رحمه الله : أي : لا تمنن على الناس بما أسديت إليهم من النعم الدينية والدنيوية ، فتتكثر بتلك المئة ، وترى لك الفضل عليهم بإحسانك المنة ، بل أحسن إلى الناس مهما أمكنك ، وانس عندهم احسانك ، ولا تطلب أجره إلا من الله تعالى واجعل من أحسنت إليه وغيره على حد سواء.
وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين العارف بالله لا يعاتب ولا يطالب "أي انه يفعل الخير للناس ولا ينتظر منهم ردا ، سواء بكلمة طيبة أو فعل مقابل قال تعالى في سورة الإنسان "(إِنَّمَا نَطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )
(اهدِنَا الصراط المُستَقِيمَ )
وهذا الدعاء
من المؤمنين
مع كونهم
على الهداية
بمعنى التثبيت
وبمعنى طلب
مزيد الهداية
لأن الألطاف
والهدايات من الله تعالى لا
تتناهى
قال الله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا )
قال السعدي رحمه الله : هذا
أبلغ من قوله: ( فلا تفعلوها ) ؛ لأن القربان يشمل النهي عن فعل المحرم بنفسه، والنهي عن وسائله الموصلة إليه والعبد مأمور بترك المحرمات والبعد منها غاية ما يمكنه وترك كل سبب يدعو اليها.)
قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى )
قال ابن مفلح رحمه الله لولا المصائب لبطر العبد، وبغى وطغى، فيحميه بها من ذلك ويطهره مما فيه, فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه .
قال الله تعالى:
* (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) * قال الشوكاني رحمه الله تعالى أي : جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ورجاء ما عنده من الخير لنهدينهم سبلنا ، أي الطريق الموصل إلينا ويقول ابن القيم: "علّق سبحانه الهداية بالجهاد؛ فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد جهاد النفس ، وجهاد الهوى والشيطان، والدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله ، فهذه سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد، فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد " أ.هـ تأمل جاهدوا فينا.
قال الله تعالى (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا مَا ابْتَلَاهِ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن )
قال ابن تيمية رحمه الله :
ليس إذا ما ابتلى الله الإنسان فأكرمه ونعمه يكون ذلك إكرامًا مطلقًا وليس إذا ما قدر عليه رزقه يكون ذلك إهانة بل هو ابتلاء في الموضعين
وهو الاختبار والامتحان.
فإن شكر الله على الرخاء وصبر على الشدة كان كل واحد من الحالين خيرا له ، وإن لم يشكر ولم
يصبر = كان كل واحد من الحالين شرا له .
ثم تلك السراء التي هي من ثواب طاعته إذا عصي الله فيها كانت سببا لعذابه.
والمكاره التي هي عقوبة معصيته إذا أطاع الله
فيها = كانت سببا لسعادته.
فتدبر هذا ؛ لتعلم أن الأعمال بخواتيمها، وأن ما ظاهره نعمة هو لذة عاجلة : قد تكون سببًا
للعذاب، وما ظاهره عذاب وهو ألم عاجل : قد يكون سببًا للنعيم، وما هو طاعة فيما يرى الناس : قد يكون سببًا لهلاك العبد برجوعه عن الطاعة إذا ابتلي في هذه الطاعة ، وما هو معصية فيما يرى الناس : قد يكون سببا لسعادة العبد بتوبته منه وتصبره على المصيبة التي هي عقوبة ذلك الذنب . إهـ
قال الله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا )
قال ابن جزي رحمه الله ( يتركون مضاجعهم بالليل من كثرة صلاتهم النوافل ،
* ومن * صلى العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه من هذا .)
وقال السعدي رحمه الله
( خَوْفًا وَطَمَعًا )
أي : جامعين بين الوصفين ، خوفا أن ترد أعمالهم، وطمعا في قبولها
خوفا من عذاب الله ، وطمعا في ثوابه . ) وقال البقاعي رحمه الله
( وطمعا ) أي : في رضاه الموجب لثوابه ، " بـ وعبر به دون الرجاء
إشارة إلى أنهم لشدة معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئا ، بل يطلبون فضله بغير سبب ، وإذا كانوا يرجون رحمته بغير سبب فهم مع السبب أرجى ، فهم لا ييأسون من روحه .)
قال الله تعالى( وَالَّذِينَ كَذِبُوا بِآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) قال سفيان : الاستدراج يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر.
وقال غيره : كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة .
قال الله تعالى (واصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بالله ) قال ابن القيم
رحمه الله :
فالآلام والمشاق
إما عدل وحكمة
وإما إصلاح
وتهيئة لخير
يحصل بعدها
وإما لدفع ألم
هو اصعب منها( شفاء العليل )