قال الشيخ السعدي -رحمه الله-
تحت باب قول الله تعالى:
{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه}
قال: «أصل التوحيد: إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى، ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة، والمعارف الجميلة، والتعبد لله بها ودعاؤه بها.
فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه؛ فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى.
فمن دعاه لحصول رزق؛ فليسأله باسمه الرزاق، ولحصول رحمة ومغفرة؛ فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب، ونحو ذلك.
وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة، وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى، وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها، وتمتلئ بأجل المعارف.
فمثلاً: أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة؛ تملأ القلب؛ تعظيمًا لله وإجلالاً له.
وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود؛ تملأ القلب محبة لله وشوقًا له وحمدًا له وشكرًا.
وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة؛ تملأ القلب خضوعًا لله، وخشوعًا وانكسارًا بين يديه.
وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة؛ تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات، وحراسة للخواطر عن الأفكار الردية، والإرادات الفاسدة.
وأسماء الغنى واللطف؛ تملأ القلب افتقارًا، واضطرارًا إليه، والتفاتًا إليه كل وقت، في كل حال.
فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته، وتعبده بها لله؛ لا يُحصِّل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله لعبده، وهي روح التوحيد وروحه.
ومن انفتح له هذا الباب؛ انفتح له باب التوحيد الخاص، والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكُمَّل من الموحدين.
وإثبات الأسماء والصفات هو الأصل لهذا المطلب الأعلى.
وأما الإلحاد في أسماء الله وصفاته؛ فإنه ينافي هذا المقصد العظيم أعظم منافاة».
"وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ ١٠ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ ١١ فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ ١٢"
قال الطبري:
عن عثمان بن أبي سودة، قال ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ أوّلهم رواحا إلى المساجد، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله.
وهذا تفسير بالمثال
قال ابن القيم رحمه الله
«ويكون المعنى: السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات، والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان».
السبق يتفاوت الناس فيه ويتبعض
ولكن أفراده يسيرة على من يسرها الله عليه
إذا كنت أول الواصلين للمسجد
فأنت من السابقين في هذه الصلاة...
جرب لذائذ السبق للصلوات ولو مرة أو عدة مرات..
جرب لذة السبق في،يوم أن تكون من أكثر الناس ذكر...
جرب أن تسابق إلى طاعة أو صدقة أو صلة أو عفو أو سلام أو إحسان.
لطيفتان:
قال تعالى:
﴿قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَۖ وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ ٢٧ قَالَ ذَ ٰلِكَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَۖ أَیَّمَا ٱلۡأَجَلَیۡنِ قَضَیۡتُ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ عَلَیَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِیلࣱ ٢٨
من جهة العقود في هاتين الآيتين لطيفتان:
منها:
جواز ثناء أحد المتعاقدين على نفسه لطمأنة الطرف الآخر بشرط أن يكون صادقا
فقد يكون من الإحسان لأخيك المسلم أن تذهب قلقه وتزيل شكوكه وتذكره بوفائك والتزامك وعزمك على الخير.
كما قال والد الفتاتين:
(وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَۚ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ ٢٧
ومنها
في العقود كثيرا ما يكون أحد المتعاقدين في الطرف الأضعف أو الأقل من جهة الضمانات وهو الذي غالبا ما يذكر بمراقبة الله وشهادته سبحانه على عقدهما.
حيث قال الله في خبر موسى عليه السلام
قَالَ ذَ ٰلِكَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَۖ أَیَّمَا ٱلۡأَجَلَیۡنِ قَضَیۡتُ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ عَلَیَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِیلࣱ ٢٨
(ويرزقه من حيث لا يحتسب)
قال ابن عباس:
من حيث لا يدري.
وقال قتادة:
من حيث لا يُؤمّل ولا يرجو.
العبد يفرح بالرزق من أي جهة كانت لكن فرحته بالرزق المفاجئ له لذة أخرى وسرور مضاعف إذ يباغته فضل ربه في لحظة انقطاع ويأس
فالعبد يفرح براتبه وثمرة زرعه وكراء سيارته أو بيته
وكلها من فضل الله ورزقه عليه
لكنه يترقبها ويتوقعها
أما الرزق الذي يأتيه من حيث لا يتوقعه فإن له لذة خاصة
فجمعها الله للمتقي ( الرزق ولذة الدهشة)
مع ما في هذا الرزق من إشراق اليقين بقدرة الله ولطفه وإيصاله الألطاف للعبده بأسرار خفيه.
وهذه الفرح بمفاجأة الأرزاق أمر مركوز في الفطر
ولذا ترى الناس يقولون دعونا نفاجئ فلان بهدية.
من أساليب القرآن في ذكر نعيم الجنة
تنزيه ذلك النعيم عن آفات الدنيا ونفيه عنها
وهو نفي متضمن لكمال ضده.
ولكن النفوس المتعبة من شقاء الدنيا وخوفها وحزنها ومرضها وحرها وبردها وفراقها وزوالها يشوقها الحديث عن دار خالصة من هذه الآفات
قال تعالى
﴿ٱلَّذِیۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبࣱ وَلَا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبࣱ﴾
وقال سبحانه
مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۖ لَا یَرَوۡنَ فِیهَا شَمۡسࣰا وَلَا زَمۡهَرِیرࣰا ١٣﴾
وقال عز وجل
وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورࣱ شَكُورٌ ٣٤
وفي الصحيحين:
أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ على صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيها، ولا يَمْتَخِطُونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ،
لذا فإنه ينبغي للواعظ أن ينتبه لهذا الأسلوب في وعظه
فإنه بضدها تتبين الأشياء.
(وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ ٢٢﴾
كمال الصفح أن تعود كما كنت قبل إساءة الآخرين لك.
كما تحب أن يكون الله لك بعد ذنبك كما كان قبله.
حين تغير مرتبة الذين أساؤوا إليك أو تلغي بعض امتيازاتهم عندك ولو لم تقطعهم وتهجرهم
فيخشى عليك أن يعاملك الله كما عاملتهم فلا يقطعك لكن ينزلك عن درجتك في محبته.
ويحرمك بعض أفضاله عليك.
حين تتأخر في الصفح
يتأخر الصفح عنك...
كيفما كان صفحك جميلا
في وقته وهيئته وجماله
يكون صفح الله عنك أجمل.
حين يكون عفوك سريعا يكون عفو الله أسرع
حين يكون الخطأ الذي ارتكب في حقك جسيما يعفو الله عنك ولو عظم ذنبك.
حين تقبل بالخير على من ظلمك
يقبل الله عليك بالخير بعد ظلمك.
قال الطبري رحمه الله:
﴿وَلْيَصْفَحُوا﴾ يقول: وليتركوا عقوبتهم على ذلك، بحرمانهم ما كانوا يؤتونهم قبل ذلك، ولكن ليعودوا لهم إلى مثل الذي كانوا لهم عليه من الإفضال عليهم.
من أعاجيب سورة الكهف
وهي السورة التي جاء فيها الأمر بقول إن شاء الله،
كما قال تعالى
﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَا۟یۡءٍ إِنِّی فَاعِلࣱ ذَ ٰلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِیتَ وَقُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَهۡدِیَنِ رَبِّی لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَـٰذَا رَشَدࣰا ٢٤﴾
إلا أن الله تعالى أثنى على فتية الكهف في قولهم
(فَأۡوُۥۤا۟ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ یَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَیُهَیِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقࣰا﴾
وهم لم يقولوا إن شاء الله.
لأن حسن الظن بالله يكون على التحقيق لا التعليق.
قل سيرحمنا الله
سيعطينا الله
سيفرجها الله
كان فتية الكهف محسنين للظن بربهم موقنين بفرجه
وقد ظهر ذلك في قولهم كما أخبر عنهم تعالى:
(فَأۡوُۥۤا۟ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ یَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَیُهَیِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقࣰا﴾
لكنهم مع حسن ظنهم ما ظنوا أن تذهب جميع مخاوفهم قبل أن يستيقظوا
ولا أن يكونوا آية للعالمين
ولا أن يبقي الله لهم لسان الصدق في الآخرين، بل قاموا من مرقدهم حذرين خائفين يتواصون بالتلطف والاستخفاء،
كما قال الله عنهم:
إِنَّهُمۡ إِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ یَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ یُعِیدُوكُمۡ فِی مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا ٢٠﴾
(وَإِن تَتَوَلَّوۡا۟ یَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ )
التولي عن طاعة الله يقع على أحوال
منها التولي بالكلية ومنها دون ذلك...
وقد يتبعض، حتى يكون من أنواعه التولي عن طاعة نافلة كان مستديما لها ثم يتركها
ودون ذلك التولي بالنية والإرادة عن طاعة
فيعزم القلب على تركها فيستبدله الله ربما قبل أن يتركها بفعله
فتتعذر عليه حتى لو أرادها بعد تعسرت وتباعدت منه.
وهذا أمر معلوم تيقنه كل من تلبس بشرف طاعة ودعوة وعلم ثم أخلد للراحة والدنيا فإنه يجد من ذهاب نور العلم والبصيرة وانطفاء العزم ما يرى معه الاستبدال عيانا.
وليس أعظم حسرة على العبد أن يكون له منزلة عند ربه فيطرده منها ويعطيها لمن هو خير منه.
ولذا لم يذكر الله هنا عقوبة للمتولين إلا هذه ليردع بها من آمن بالله وأحبه
اللهم اعف عنا وردنا إليك ردا جميلا.
تحرير رائع لشيخ الإسلام في تنزيل آيات الكفار على المسلمين، يقول:
(فطائفة من المفسرين تقول في هذه الآيات وما أشبهها:
{وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما}
هذه الآية في الكفار فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه ليس لمن يظهر الإسلام في هذا الذم والوعيد نصيب؛ بل يذهب وهمه إلى من كان مظهرا للشرك من العرب فلا ينتفع بهذه الآيات التي أنزلها الله ليهتدي بها عباده. فيقال:
أولا: المظهرون للإسلام فيهم مؤمن ومنافق والمنافقون كثيرون في كل زمان والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.
ثانيا: الإنسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر وإن كان معه إيمان كما قال النبي ﷺ: {أربع من كن فيه كان منافقا خالصا…وقد ثبت أنه قال لأبي ذر: {إنك امرؤ فيك جاهلية} وأبو ذر من أصدق الناس إيمانا..وإذا عرف هذا علم أن كل عبد ينتفع بما ذكر الله في الإيمان من مدح شعب الإيمان وذم شعب الكفر وكما يقول بعضهم في قوله:
{اهدنا الصراط المستقيم} . فيقولون المؤمن قد هدي إلى الصراط المستقيم فأي فائدة في طلب الهدى ثم يجيب بعضهم بأن المراد ثبتنا على الهدى ويقول بعضهم زدني هدى وإنما يوردون هذا السؤال لعدم تصورهم الصراط المستقيم فإن المراد به العمل بما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه في جميع الأمور).