عرض وقفات تذكر واعتبار

  • ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿١٥٠﴾    [الأعراف   آية:١٥٠]
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِی مِنۢ بَعۡدِیۤۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُۥۤ إِلَیۡهِۚ) من لطف الله سبحانه بأوليائه ومحبته لهم أنه تعالى قدم عذر وليه وكليمه موسى عليه السلام واعتذر له بشدة الغضب والأسف وقبل ببسط جرم قومه.. قبل ذكر قصة إلقاء الألواح وأخذ لحية أخيه....حتى لا تسبق الأفهام إلى اللوم والعتاب. حماية الله لأوليائه ولو من سبق الأفهام.
  • ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾    [البقرة   آية:١٢٧]
﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ جملة الدعاء في تقدير جملة الحال من الفعل (يرفع) أي أنهم دعوا ربهم في نفس ساعة العمل ولحظة الانشغال برفع القواعد. قل يارب وأنت منغمس في جهدك وتعبك وعملك، وأنت تحمل متاعك أو تكتب أوراقك أو تقود سيارتك أو تصلح شيئا وأنت طبيب تجري جراحة ومهندس تصمم دارا ومعلم تشرح درسا ونجار وحداد وخباز الدعاء في لحظات التعب علامة على صدق الافتقار والتبرؤ من جهد النفوس وحولها.
  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴿١﴾    [الممتحنة   آية:١]
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّی وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُوا۟ بِمَا جَاۤءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ یُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِیَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَـٰدࣰا فِی سَبِیلِی وَٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِیۚ تُسِرُّونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَاۤ أَخۡفَیۡتُمۡ وَمَاۤ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن یَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ﴾ اتفق المفسرون أن سبب نزول هذه الآية... قصة حاطب رضي الله عنه الثابتة في الصحيحين...في مراسلة قريش بخبر النبي صلى الله عليه وسلم وإفشاء سره لكفار مكة قبل فتحها... وفي هذا الخطاب لحاطب ألوان من لطف الله تعالى بعباده ورأفته بهم مع عتاب الله له؛ ومنها: أن الله بدأ عتابه له بندائه بأرفع ألقاب المؤمنين وأشرفها. ولما كان حاطب مذعورا من فقد هذا الوصف أسكن خوفه من النفاق باستحقاقه لوصف الإيمان وثبوته له وبدأ به. وقال سبحانه: (لا تتخذوا عدوي وعدوكم) فشرفه الله بإشراكه في حقيقة العدواة مع الكفار وأنه مع رسالته لهم لم يفقد هذه العداوة وأنه لازالوا أعداءه. ومنها: (تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُوا۟ بِمَا جَاۤءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ ) شرفه الله باختصاصه بمجيء الحق إليه وإيمانه به ونوه وذكره بهذا الشرف ومنها: قوله عز وجل: (یُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِیَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ) يبين الله تعالى سبب عداوته لهم وأن من أسبابها إخراجهم لحاطب وإخوانه من ديارهم.. وأن الله أبغض الكفار الذين راسلتهم من أجل أذيتهم لك ولإخوانك وهذا من ألطف العتاب وأبلغه في قلوب المحبين.... وقوله تعالى: ( أن تؤمنوا بالله ربكم). تزكية في طي العتاب وتذكير بشرف ماضيهم وتضحياتهم بسبب الإيمان. (إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَـٰدࣰا فِی سَبِیلِی وَٱبۡتِغَاۤءَ مَرۡضَاتِیۚ ) وهذا ثناء آخر بسوابق الأفعال الجميلة من الجهاد والهجرة ابتغاء رضوان الله.... فيا لله كم في هذا العتاب مع عظم الفعل من ألطاف الله تعالى ووده للمؤمنين.
  • ﴿لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿١١٧﴾    [التوبة   آية:١١٧]
﴿لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِیِّ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُ فِی سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ یَزِیغُ قُلُوبُ فَرِیقࣲ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ ۝١١٧ وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِینَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰۤ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ وَضَاقَتۡ عَلَیۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوۤا۟ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّاۤ إِلَیۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیۡهِمۡ لِیَتُوبُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ ۝١١٨ جبر الله قلوب التائبين الثلاثة في هاتين الآيتين بألوان من الجبر والرحمة لكن من أعجبها.. أن الله افتتح خبر التوبة عليهم بخبر توبة الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذي بذلوا أنفسهم وأموالهم في ساعة العسرة فعطف الثلاثة على فعل التوبة عليهم جميعا بفعل واحد.. حتى إن السياق لم يعد الفعل (تاب) في آيتهم بل عطف بالواو فقط على الفعل الأول... حين يتوب الله على عبده يستره ويجبره ويرفع ذكره ويغمره بكرامات الصالحين... أبى الله أن يجرد التائبين الثلاثة وحدهم في قصة التوبة حتى لا تكون ثلمة لهم؛ بل أفاض السياق في ذكر صدق توبتهم ومعاناتهم وضيق أنفسهم وضيق الأرض عليهم وصدق التجائهم وتوبتهم وكلها ألوان من الثناء الجميل والتزكية والحمد تتعطر بها المحاريب إلى يوم القيامة. هذه معاملة الله للتائبين جميعا وهذا عاجل فضله.
  • ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٨٣﴾    [القصص   آية:٨٣]
﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ نزه الله أهل الآخرة من طلب العلو في الأرض قبل تنزيههم من الفساد، لأن ترك الاستعلاء ومحبة الظهور على الخلق والامتياز عليهم أشق على النفوس من ترك كل أنواع الفساد. في تفسير الطبري: عن عليّ رضي الله عنه قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ فتش نفسك وحولك، تجد معركة مستعرة على المكانة والعلو والتكاثر كم مرة أحببت أن تكون أفضل الجالسين وأشهر الحاضرين وأنبل الزائرين وأذكى المتحاورين وأفصح المتكلمين وأظرف المتحدثين ان تكون كلمتك أجمل منهم وحديثك أمتع منهم وخطابك أكثر تأثيرا ورأيك أكثر إعجابا وحجتك أقوى وأن يقولوا عنك.. هذا أحسنهم أذكاهم أظرفهم أطيبهم أكرمهم أشجعهم أجملهم هل تمنيت أن تخرج وأنت بؤرة الاهتمام وحديث السمار، ومحط الأنظار، هذه أيها النائم إرادة العلو نحن نخسر من الآخرة بقدر هذه المشاعر في قلوبنا الآخرة الكاملة لأولئك الذين سحقوا رغبة التفوق على الغير في نفوسهم يسارعون في الخيرات نعم لكنهم لا يلتفتون للآخرين، ولا لردود أفعالهم ولا أين هم في سلم الحياة معهم اللهم اجعلنا منهم.
  • ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴿٤﴾    [الزلزلة   آية:٤]
﴿یَوۡمَىِٕذࣲ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا﴾ "تحدث أخبارها" كل موضع صليت فيه كل بقعة ذكرت الله فيها أي أرض وطئتها سيرا إلى صلاة إلى علم ودعوة إلى بر والدين إلى صلة رحم إلى جنازة إلى تفريج كربة كل أرض جلست فيها تقرأ القرآن أو شبر مررت بها وأنت تسبح ... مكان تبسمت فيه لأخيك الأرض التي دست عليها في طوافك وسعيك في منى وعرفة ومزدلفة أرض صبرت فيها على الألم وعفوت عن مسيء المساجد التي سجدت فيها وركعت من طفولتك إلى المشيب أرض مررت بها وأنت صائم الأرض التي وقفت عليها حين تصدقت وتبرعت كل مجلس أطعت الله فيه بكلمة طيبة مكتبك وغرفتك ومجلسك تأتي للشهادة والخبر والأحاديث تقول أرض: سمعته يقول لا إله إلا الله وتقول أخرى شهدته يقرأ القرآن مر من هنا إلى أمه يلبي حاجاتها في هذا المكان سلم على الناس وتبسم لهم. في ليلة تبرع .. قال  مجاهد بن جبر -- ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾، قال: تُخبِر الناس بما عملوا عليها.  وقال مقاتل بن سليمان: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ يقول: تُخبر الأرض بما عُمل عليها مِن خير أو شرّ، تقول الأرض: وحَّد الله على ظهري، وصلّى عَلَيَّ، وصام، وحج، واعتمر، وجاهد، وأطاع ربّه، فيفرح المؤمن بذلك
  • ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾    [التكاثر   آية:١]
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ عَنْ عبْدِاللَّه بنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟! رواه مسلم. • حد القناعة مال تأكله....تفنيه (فأفنيت) أو تلبسه. ( فأبليت) أو تسكنه أي تحتاجه تستهلكه لك ولمن تعول أو تتقرب به للآخرة. وغير ذلك فضول. كم من مال فائض (ليس شرطا أن يكون نقدا....أغراض ...مساكن ...ملابس... أدوات) ليس للطعام ولا للشراب ولا للسكن ولا للباس ولن نستهلكه ولا للصدقة
  • ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿٦٢﴾    [النمل   آية:٦٢]
(أمن يجيب المضطر إذا دعاه) الاضطرار نوعان: قهري وكسبي فالاضطرار القهري يقع بانقطاع الإنسان فعلا من كل الأسباب التي اعتاد الناس أن يتعلقوا بها في فاقتهم. فهو في حال جرت العادة ألا سبيل إلى نجاته منها كاضطرار أهل السفينة التي عصف بها الريح والموج وأحاط الغرق بركابها. وهناك اضطرار كسبي يربي العبد المؤمن عليه نفسه بحيث أنه يسكن قلبه هذا الاضطرار في كل حال فيسأل ربه حين يسأله مؤمنا أن تحصيل حاجته لا تكون أبدا إلا بالله فهو يشعر من جهة انقطاعه إلى ربه كشعور الغريق في أمواج بحر في ظلمة ليل بعيدة عن كل أحد. والعبد في حقيقته مضطر على الدوام مع خفقات قلبه وطرف عينه. لكن تحصيل ذلك في القلب والبصيرة به يتفاوت به المؤمنون بقدر توحيدهم. مثال للبيان: لو سأل العبد ربه شفاء مرض فإنه يدعو وقلبه منشعب إلى الطبيب والمستشفى وحذاقة الاستشاري ونفع العلاج فهو يدعو وفي قلبه بعض الركون لتلك الأسباب. فإن وفقه الله لبذل تلك الأسباب مع الانخلاع من التعلق بها والاعتقاد الكلي المطلق بأنها لا تنجيه إلا بإذن ربه. وداس بقدم يقينه على تلك الأسباب وكأنها لم تكن فيدعو دعاء من لا طبيب ولا مستشفى ولا علاج ولا دواء ولا شيء عنده. فهذا اضطرار كسبي والناس فيها يتفاونون وهو أحد ركني التعبد في قوله تعالى: (إياك نستعين) فاضطرارنا إلى الله كلي ودائم وحق اللهم اسكن اليقين به قلوبنا.
  • ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿١٧﴾    [الأعراف   آية:١٧]
﴿ثُمَّ لَـَٔاتِیَنَّهُم مِّنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَیۡمَـٰنِهِمۡ وَعَن شَمَاۤىِٕلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَـٰكِرِینَ﴾ قال (الطبري): وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل. قلت وختام الآية يدل على أعظم هذه الوجوه وهو الشكر (وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَـٰكِرِینَ﴾ أي لآتينهم من كل وجه حتى لا يكونوا شاكرين لله. وهذا أمر يجده كل أحد من نفسه فإن الشيطان لا يزال بالإنسان يورد عليه من الخواطر فيما يقع له من الأقدار ما يحمله على السخط والضجر وترك الشكر. ومن أخبث أعماله حمل العبد على ترك الشكر بعد تحصيل النعم. وقد ورد علي هذا الأمر فذات مرة في شأن من شؤوني تأخر تحقيقه ووقع قبله بعض العراقيل والأمور غير المتوقعة ثم حصل والحمد لله. فلما لم يكن لأبليس مدخل من جهة وسوسة الحرمان أورد علي عدو الله: الناس يحصلون هذا الغرض وغيره بسهولة ويسر ولم يكن في تحصيله ما لقيت أنت من التأخير والتعب. فقلت: يا عدو الله! الله بلغني هذه النعمة وأكرمني بتحصيلها ورحمني بتيسيرها مع الأمور التي كادت تحول دونها وأردت أن تشغلني عن شكر ربي فيها بهذه الوساوس والشكر مني أوجب من غيري فلولا الله ما بلغتها ولولا عناية خاصة من ربي لكان فواتها أقرب من حصولها. ثم أردت ياعدو الله أن تنسيني نعمة الوصول وتحصيل المقصود بهذه الخواطر الأبليسية. وأن تريني أن الله منعني ما أعطاه غيري فتنفخ من نفث كبرك في نفسي وتنسيني أن ربي أعطاني ما لا أستحقه وأفاض علي مع أن عندي من الذنوب ما يحول بيني وبين مثاقيل الذر من النعم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
  • ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴿٦٢﴾    [الكهف   آية:٦٢]
من لطيف انتزاعات السعدي من قصة موسى مع الخضر: (أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ﴾ والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفر على الحقيقة، وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا ْ﴾ فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده). وقد استنبط أربعين فائدة من هذه القصة.
إظهار النتائج من 6171 إلى 6180 من إجمالي 6233 نتيجة.