"أَسْتَجِبْ لَكُمْ "
زكريا عليه السلام بلغه الكبر
وامرأته عاقر
لكن نفسه تواقة
حين أراد الذرية
لم يدع ربه ولدا فحسب
بل سأله أن يكون وليا له
وأن يكون رضيا
وأن يكون ذرية طيبة
ونبيا يرث النبوة منه...
وحين خاف إبراهيم على هاجر وإسماعيل الوحشة
دعا
(فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ )
فلم يطلب أن يأتيهم الناس فحسب
بل دعا الله
أن تهوي (الأفئدة منهم)
فتأتي القلوب مشتاقة محبة والهة
رغم قسوة واديهم غير ذي الزرع.
ولم يقل
(تشتاق)
بل قال (تهوي)
وهي غاية ما يكون من إسراع القلوب فلا أسرع من الشيء الواقع من العلو.
وحتى يعجل بالأنس لهم
وقال (إليهم.)..
ولم يقل إلى واديهم فحسب
ليحبهم المقبلون على الوادي ولا يؤذونهم...
انظر إلى الملايبن في مكة....اليوم
وتذكر ....الدعوة التواقة التي أسرت كل هذه القلوب من كل الألوان والأجناس والبقاع
كن طموحا في دعاءك
مع غاية الأدب
(فيها يفرق كل أمر حكيم)
قال للحسن رجل:
يا أبا سعيد! ، ليلة القدر في كلّ رمضان؟
قال: إي والله، إنها لفي كلّ رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها.
وقال مجاهد:
قوله ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها
وهو قول أكثر المفسرين.
• من رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل التقدير السنوي في رمضان وفي أواخر لياليه
وأعظمها بركة: ليلة القدر؛ وقد بلغ عباده أكمل أحوالهم
من العبودية والتضرع والتذلل والتعظيم لربهم
فيقدر لهم بفضله مقاديرهم في مظان رضاه عنهم ووقت محبته لهم.
فكن على الموعد في شهرك!
وتهيأ لموعد جريان أقلام القدر ومراسيم التدبير
دع مقاديرك تكتب؛
والله يراك صواما قواما تاليا لكتابه منفقا تائبا
فما ظنك بربك وهو يفرق الأمر الحكيم
الذي يناسب موضعه.
"ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "
«وقال أهل النار في النار لمعبودهم:
﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولم تكن تَسْويتهم لهم بالله في كونهم خَلَقُوا السماوات والأرض، أو خَلَقوْهم، أو خلقوا آباءهم، وإنما سوُّوهم بربِّ العالمين سبحانه وتعالى في الحُبِّ لهم كما يحب الله تعالى، فإن حقيقة العبادة هي: الحبُّ والذلُّ.»
وهذا هو الإجلال والإكرام الذي وَصَفَ به نفسه سبحانه في قوله سبحانه وتعالى: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٧٨)﴾.
وأصحُّ القولين في ذلك: أن الجلال هو التَّعظيم، والإكرام هو الحب.
وهو سِرُّ قول العبد: «لا إله إلا الله، والله أكبر»،
ولهذا جاء في مسند الإمام أحمد: من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» أي: الزموها والهجوا بها».
﴿رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَلِوَ ٰلِدَیَّ وَلِمَن دَخَلَ بَیۡتِیَ مُؤۡمِنࣰا وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا تَبَارَۢا﴾
فيه أن من سنة الأنبياء تخصيص الوالدين والأولى من الأقارب بالدعاء قبل عمومه.
فمع أن الوالدين يدخلان في مسمى المؤمنين
لكن خصهم بدعوة خاصة
وهذا التكرار فيه فوائد:
أولا أنه دعى لوالديه ثلاث مرات
(مرة بمفردهم ومرة مع من دخل بيته ومرة مع عموم المؤمنين)
ثانيا في بيان لعظم حق الوالدين على سائر الخلق.
فلو دعى الداعي فقال:
اللهم اغفر لأبي وأمي وأهلي وذريتي
وإخواني وأخواتي وللمسلمين يكون دعا لهم مرتين.
• الله تعالى يحب أن يُدعى ويُسأل والخلق لا يحبون ذلك بل هو سبحانه يأمر ويحض على كثرة سؤاله ودعائه ويحب السائلين ويغضب ممن أعرض عن سؤاله.
• والله يثيب من يسأله ويكتب له أجر فعل الدعاء أجرا غير إجابة الدعاء نفسه؛ فهل رأيتم كريما مهما بلغ كرمه يقول لرجل سأله ألف ريال فقال هذه ألف ريال وهذه ألف أخرى أجرة على تعبك في سؤالك لي.
• والله سبحانه لا ينقص ملكه مثقال ذرة ولو أجاب كل الخلق في صعيد واحد عن كل شيء سألوه...والخلق ليسوا كذلك.
• والله تعالى يعطى أعظم وأضعاف مما أمله السائل ورجاه والخلق قصارى كريمهم أن يعطيه ما سأل إن قدر أو بعضه.
• والله على كل شيء قدير فلا شيء وإن عظمت دعوات السائلين يعجزه والخلق قدرتهم محدودة وما أقل ما يقدرون عليه.
• والله يعطي من سأله ودعاه ولو عصاه والخلق غاية كرمهم أن يكظموا غيظهم
• والله يكثر لخلقه من مواعيد الإجابة ففي كل يوم مواعيد بين الأذان والإقامة وفي كل سجدة وثلث الليل الآخر وعند الأذان وأدبار الصلوات ويجيب الصائم والمسافر وفي المطر ويوم الجمعة والحاج والمعتمر والمضطر ....وغير ذلك كثير
والمقصود أن أفاض على عباده من مواعيد الإجابة حتى يكاد يصير الوقت كله إجابة
فقال (أجيب دعوة الداع إذا دعان)
بينما أكرم الخلق إن جلس للناس مرة في الأسبوع أو الشهر لحاجاتهم طاروا بكرمه.
• الله تعالى يعز سائليه ويرفع من يدعوه فيتشرف الخلق بدعائه ويرتفعون بسؤاله
• بينما يتألم الخلق من الذل لبعضهم وتؤذيهم المنة والجميل من غيرهم وتنغص عليهم.
• والله تعالى يعلم مراد طالبيه وحاجات سائليه بكل لغاتهم فيجيب الأعجمي والعربي والأبكم والطفل والقائم والقاعد والمضطجع مهما تعثرت كلماتهم واستعجمت عباراتهم وتنوعت أحوالهم ويعلم نطق قلوبهم قبل ألسنتهم وعبراتهم قبل عباراتهم ...والخلق لا يعلمون ...
• والخلق يستحيون ممن يسألون من الخلق ويتحرجون من سؤالهم
والله يستحي ممن يسأله....
• من يدعو الله يفرح ويجد لذة وراحة وسرورا وهو يقول يارب يارب بينما يعتصره الألم حين يسأل مخلوقا مثله.
(داء أمية بن أبي الصلت)
من مداخل الشيطان على بعض طلاب العلم:
أنه حين يدعو إلى خير ويجتهد فيه
أو ربما كان متخصصا فيه أو مشتغلا به
ثم يرى غيره يدعو لذات الخير ويجد قبولا
فيوغر الشيطان صدره وكأنه اختص بهذا الباب...
وربما زين له كره فعل صاحبه بأوهام النصيحة والخطأ والنقص والغيرة على العلم...
وليس من ذلك شيء وعلامته أنه بارد الغيرة في أخطاء أعظم وضوحا وأشد ظهورا لكنها ليست في الباب الذي أراد حيازته لنفسه..
وهو داء أعيذ نفسي وإياكم منه
فإنه أصل من أصول بلاء الأمم وتكذيبها للرسل
حين حسدوهم وأرادوا أن ينزل عليهم مثل ما نزل على الرسل.....
{ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ }
والمتجرد الصادق يفرح بانتشار العلم الذي يحب نشره ويسر لسبق الناس إليه وهو مأجور بفرحه وعناية الناس به وكثرة من يشتغل به
لأنه يحب ما يحب ربه.
"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ"
إن حدثوك عن ألم أعظم من ألم الذنوب
ووحشة المعصية، فلا تصدقهم!
كل الآلام يجبرها اليقين بفضل الصابرين والسلوة بفرج الله للمؤمنين.
أما وحشة الذنوب:
فآلام بلا سلوان،
وعذاب بلا أمل،
وطرد للروح في العراء.؛ بلا جبر ولا غطاء.
لا شيء يبعث على الرثاء في كل هذا العالم المكتظ بالأسى والألم: يشبه الرثاء لروح طريدة من حرم الله.
ليس هناك غربة أشد حلكة من غربة روح عن ربها
عندما تعرف الروح كل الوجوه ولكنها لا تعرف الرحمن.
استندي على ما شئت من الحيطان! أيتها الروح الشاردة! فكلها أيلة للسقوط.
استظلي بكل الأشجار! فشمس العذاب لا تقيها الظلال.
اهربي خلف الأسوار والأبواب فالآلام المتربصة هناك في الانتظار.
اهربي! أين تهربين؟ وأنت تحملين الخوف والضنك والوحشة في القلب والعصب والعظام.
التوبة باب الخلاص لو تشعرين
ألم يأن لك!!!
بل والله لقد آن.
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
التعامل المحض مع الله لاتعب فيه، ولا نصب، وعاقبته الربح والنعيم،
قال ابن القيم:
(فائدة: لما سافر موسى إلى الخضر وجد في طريقه مس الجوع والنصب، فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فإنه سفر إلى مخلوق. ولما واعده ربه ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، فلم يأكل فيها، لم يجد مس الجوع ولا النصب فإنه كان سفر إلى ربه تعالى، وهكذا سفر القلب وسيره إلى ربه لا يجد فيه من الشقاء والنصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين).
"لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ"
في معنى الإيلاف أقوال للمفسرين ومنها:
قول مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح-:
﴿لِإيلافِ قُرَيْشٍ﴾ قال: نعمتي على قريش،
﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾ قال: إيلافهم ذلك، فلا يشقّ عليهم رحلة شتاء ولا صيف.
وفيه معنى لطيف إذ لم يمتن الله عليهم الرحلة نفسها بل إيلافها وإعتياد النفوس عليها مع ما في أصل السفر من المشاق.
من نعم الله على العبد تهوين المشقة عليه وتعويده على عمله أو مهنته.
تمر بأصحاب المهن والعمال والمزارعين فتقول في نفسك كيف يطيقون هذا ولا يملون لو أعطيت كذا وكذا ما صبرت على هذا، والله عز وجل من لطفه ييسر على العباد إلف أعمالهم ويهونه عليهم في نفوسهم برحمته.