عرض وقفات تذكر واعتبار

  • ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴿١٠﴾    [المزمل   آية:١٠]
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ كيف نفهم الأثر: اعتزل ما مايؤذيك! في شعب الإيمان عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال : اعتزل ما يؤذيك، وعليك بالخليل الصالح، وقلما تجده، وشاور في أمرك الذين يخافون الله تعالى. ومعنى قول أمير المؤمنين رضي الله عنه: اعتزل ما يؤذيك ما تمحض ضرره وأذاه الديني أو الدنيوي وما زاد ضرره عن نفعه وما استوى فيه الأمران وهناك من الأذى ما يجب احتماله ولا يجوز اعتزاله، ومنه ما يستحب احتماله. والقصد أن بعضهم يحتج بأثر عمر رضي الله عنه، فيضيع ما يجب عليه من الخلطة بمن تجب خلطته وتحمل أذاه، وبمن تستحب خلطته وتترجح منفعته فيترك كثيرا من الخير لأدنى عارض من الأذى وهو يردد: اعتزل ما يؤذيك وينزلها في غير موضعها! والعبرة بالأجر في الآخرة، لا لمجرد أهواء النفوس ونشاطها. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ ويَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النّاسَ ولا يَصبرُ على أذاهُمْ". وكم من مؤمن يتأذى ليدخل السرور على غيره وينفعه فيكون بأعلى المنازل.
  • ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿٥٠﴾    [الصافات   آية:٥٠]
  • ﴿قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿٥١﴾    [الصافات   آية:٥١]
  • ﴿يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾    [الصافات   آية:٥٢]
  • ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾    [الصافات   آية:٥٣]
الصدقة بالاستماع: استمع النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تقص إحدى عشرة قصة في ليلة واحدة في حديث أم زرع... نعم: القصة فيها فوائد؛ لكن الفائدة العظمى: التأسيس لهذا التطوع النبيل بالإنصات في قصص النسوة تفاصيل يضيق عنها الوقت النبوى لكن النبي الكريم أشبع فاقة أهله لمن يستمع إليهم. في عالمنا اليوم الذي تضخمت فيه ذواتنا حتى لم تعد تطيق أن تهب لأحد وقتا ليقول شيئا نفوسنا تشبعت بالمقاطع والتيك توك والسنابات فلم يعد أحبابنا يجدون طريقا لآذاننا. استمعوا لأهلكم وأقاربكم وأصدقائكم تبرعوا بأوقات لما يقولون لستم في قاعة محاضرات أو مؤتمر علمي تقبلوا ما يقولون مهما بدا غير مهم تذكروا أن الله جعل من نعيم الجنة الجلوس إلى الأحبة والحديث إليهم. وقص القصص لهم. فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَسَاۤءَلُونَ ۝٥٠ قَالَ قَاۤىِٕلࣱ مِّنۡهُمۡ إِنِّی كَانَ لِی قَرِینࣱ ۝٥١ یَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُصَدِّقِینَ ۝٥٢ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَدِینُونَ ۝٥
  • ﴿وَالْعَصْرِ ﴿١﴾    [العصر   آية:١]
  • ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾    [العصر   آية:٢]
  • ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾    [العصر   آية:٣]
﴿وَٱلۡعَصۡرِ ۝١ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ ۝٢ إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ ۝٣﴾ في صفتهم الرابعة أنهم يتواصون بالصبر والناس يتفاوتون في صفة التواصي بالصبر فأجدرهم بها، أكثرهم مداومة عليها وأحسنهم عملا بها فترى الموفقين كثيرا ما يعمرون المجالس بالحديث عن الصبر وفي الوقت نفسه يحسنون الحديث عنه بالنصوص والعبر والأمثال مع صدق النفوس وما فيها من الرحمة فيقع لكلامهم من الأثر العظيم والناس في هذه الصفة أربعة: من لا يداوم على الوصية ولا يحسنها وهذا أدنى المنازل ومنهم من يكثر الوصية ولا يحسنها وعكسه وأكملهم، من يداوم على وصية الناس بالصبر ويصرف الحديث عنها بألوان من الحديث الذي تشفى منه صدور المبتلين. والناس أعظم ما يعينهم على النوائب والآلام ويخففها عنهم ويذهب ما يجدونه في نفوسهم تذكر عاقبة الصبر. وليس هناك دواء ينفع كل أحد وفي كل حال مثل ترياق الصبر فصِفه لكل الناس.
  • ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴿٢٣﴾    [الفرقان   آية:٢٣]
  • ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿٧٢﴾    [المائدة   آية:٧٢]
  • ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾    [النساء   آية:٤٨]
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ شبهة يكررها بعض الزائغين والجهال، وهي أنهم إذا سمعوا خبرا أن أحد الكفرة اخترع شيئا نافعا للناس أو اكتشفه.. قالوا: هذا يدخل النار! أو هذا ما يدخل الجنة! بطريق التعجب والتهكم.. والجواب المختصر عن هذه الشبهة، هو أن يقال له: ‏إذا كانت الجنة ملك البشر وهي جزاء من يحسن إليهم؛ فحق عليهم أن يدخلوه إياها! أما اذا كانت لله تعالى، وجعلها سبحانه جزاء الإيمان به وعبادته؛ لكن هذا العبد لم يفعل وذهب يحسن لغيره ويعبد غيره؛ فقد حكم عز وجل أنه لا يدخلها. ويكون كرجل أحسن إليه -مثلا- خالد وأكرمه، ثم ذهب هو يُحسن لأحمد وأعرض عن خالد، ثم بعد ذلك ينتظر من خالد أن يجازيه ويبالغ في إكرامه، فيكون من أحمق الناس! وقد ذكر الله في كتابه: {إنه من يشرك بالله فقد حَرَّمَ الله عليه الجنة وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ من أنصار}. وقال الله تعالى:{إِنَّ الله لَا يغفر أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}. وقد بعث الله رسوله محمدا بدين الإسلام وأمره أن يدعو إليه كافة الخلق؛ {ليكون للعالمين نذيرا} {وما أرسلناك إلا كافة للناس}، فكل من لم يؤمن به؛ فهو كافر به ﷺ وبمن أرسله. وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، والنصوص فيه لا تحصى كثرة، وأجمع عليه أهل العلم، وإن تجاهله أو جهله أهل الزيغ والجهل.
  • ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾    [الفاتحة   آية:٥]
"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" • إنَّ موضع الرُّقية منها: (أي من سورة الفاتحة) ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ . ولا ريب أنَّ هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدَّواء، فإنَّ فيهما من عموم التَّفويض والتَّوكُّل، والالتجاء والاستعانة، والافتقار والطَّلب، والجمع بين أعلى الغايات وهي عبادةُ الرَّبِّ وحده وأشرفِ الوسائل وهي الاستعانة به على عبادته= ما ليس في غيرها). انتهى كلامه رحمه الله. وفيه إشارة لطيفة إلى تجزئة الدواء الواحد وأن بعضه أنفع للداء من بعض. فلو كرر الآية التي يعتقد أنها محل الرقية كان له وجه من هذه الجهة.
  • ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴿٥٥﴾    [القصص   آية:٥٥]
"وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ" الاحتساب والتطوع والصدقة بالسكوت فيما لا يحسن العبد من القربات وكم لهذا الصمت من الأثر الحسن على الناس من وجوه كثيرة: منها: إراحتهم من اللغو وسلامة جاهلهم من الخطأ وإراحة عالمهم من الرد وبيان خطأ الجاهلين وترك مزاحمة الحق بغثاء الباطل وحشمة العلم وتعظيم مهابته في قلوب الناس فلا يجرئ بعضهم بعضا على الكلام فيه بلا حجة. فاحتسب رحمك الله في الصمت في كل ما تجهله ولو كنت عالما بغيره جاهد شهوة الكلام وأفسح الطريق للحق فإن فعلت فوالله إنه صدقة منك على نفسك.
  • ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿١٥﴾    [فاطر   آية:١٥]
"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ " لفظ الجمع في قوله تعالى (الفقراء) يدل على عموم الفقر لكل الخلق كما دل عليه لفظ (الناس) كما يدل العموم في (الفقراء) على استواء الخلق فيه ففقرهم إلى الله واحد فليس بعضهم دون بعض في شدة الفاقة والفقر بل فقرهم جميعا كلي اضطراري متحد في القدر والنوع فأكثرهم ثراء في فاقته إلى ربه كأشدهم فقرا وعريا وبؤسا. وأتمهم عافية كأوهنهم ضعفا ومرضا. كما يدل حذف الظرف وزمان الفقر على لزوم الفقر لهم في كل وقت فهم في حالة واحدة من شدة الاضطرار والفاقة في كل طرفة عين. فحاجتهم لربهم وهم متكئون على الآرائك يضحكون هي ذات حاجتهم واضطرارهم وهم تحت الزلازل أو الحرائق أو ركوب الأمواج أو في غرف العمليات فالضاحكون والباكون سواء في الفقر. ودخول (ال) الدالة على الاستغراق تدل شمول أنواع الفقر فهم في غاية الاضطرار إلى ربهم في كل شيء ونوع في الإيجاد والإمداد والهداية والسعادة والتوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة وفي كل شيء . واستغراق فقرهم إلى الله دال على عدم فاقتهم لأحد سواه أصلا. ولفظ الجلالة (الله) دال على فقرهم إلى ربهم في الألوهية متضمن لفقرهم إليه في الربوبية ففاقتهم إلى عبادته وسؤاله كفاقتهم إليه في رزقه وإحيائه وتدبيره واضطرارهم إليه في الصلاة كاضطرارهم إليه في تتابع الأنفاس لو كانوا يعقلون. ودل العموم أيضا على التصاق هذا الوصف بهم وعدم انفكاكهم عنه ونسيانهم له نسيان أنفسهم وحقيقتها ودل على أن أكمل الخلق هداية هو القائم بمقتضى هذه الحقيقة الموقن بحتمية الاضطرار فهو المفتقر اختيارا بكليته المقبل بأسمال فاقته الملازم لأبواب مولاه الرافع يديه على الدوام بحاجته المتعرض لربه في كل حال بالسؤال والاستغاثة والطلب فلا ينفك عن الدعاء عبادة أو سؤالا فتجري روحه إلى ربه في أنهار الفقر الاضطراري والاختياري معا.
  • ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿٢٣﴾    [الإسراء   آية:٢٣]
"وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" عقوق الوالدين كبيرة من كبائر الذنوب وبيان حده حكم شرعي وضابطه يعرف بالأدلة الشرعية وليس بالأذواق وآراء النفوس وأهوائها. قال النووي رحمه الله في شرح مسلم وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْعُقُوقِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا فَقَلَّ مَنْ ضَبَطَهُ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ﵀ لَمْ أَقِفْ فِي عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَفِيمَا يَخْتَصَّانِ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَى ضَابِطٍ أَعْتَمِدهُ . وقال البلقيني؛ ضَابِطِ الْعُقُوقِ مِنْ أَنَّهُ إنْ يَفْعَلْ مَعَ أَحَدِ وَالِدَيْهِ مَا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ كَانَ مُحَرَّمًا صَغِيرَةً فَيَنْتَقِلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا كَبِيرَةً، وهذا الأخير الذي ارتضاه ابن حجر الهيتمي في الزواجر يدل على أنه يكون في الأصل محرما وذنبا لكن يكون صغيرة في غير الوالدين كبيرة في حقهما. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ الْعُقُوقُ الْمُحَرَّمُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ أَوْ نَحْوُهُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ ونقل كثير من العلماء لهذا الحد والقيد (ليس بالهين) لأن طول المعاشرة لا تنفك عن نوع أذى والله المستعان.
  • ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾    [الطلاق   آية:٢]
كلام نفيس في التوكل؛ هذا كلام لابن تيمية رحمه الله في تأثير التوكل في جلب المنفعة ودفع المضرة وإبطال بدعة وقول من قال إنه مجرد عبادة يؤجر العبد عليه لا تغير شيئا فما يقع بالتوكل يقع بدونه. قال رحمه الله: وَالْمَقْصُود هُنَا الْكَلَام على التَّوَكُّل فَإِن الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن المتَوَكل يحصل لَهُ بتوكله من جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة مَا لَا يحصل لغيره وَكَذَلِكَ الدَّاعِي. وَالْقُرْآن يدل على ذَلِك فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ثمَّ هُوَ سَبَب عِنْد الْأَكْثَرين وعلامة عِنْد من يَنْفِي الْأَسْبَاب قَالَ تَعَالَى: " وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء قدرا" والحسب: الْكَافِي فَبين أَنه كَاف من توكل عَلَيْهِ وَفِي الدُّعَاء يَا حسب المتَوَكل فَلَا يُقَال هُوَ حسب غير المتَوَكل كَمَا هُوَ حسب المتَوَكل لِأَنَّهُ علق هَذِه الْجُمْلَة على الأولى تَعْلِيق الْجَزَاء على الشَّرْط فَيمْتَنع فِي مثل ذَلِك أَن يكون وجود الشَّرْط كَعَدَمِهِ وَلِأَنَّهُ رتب الحكم على الْوَصْف الْمُنَاسب لَهُ
  • ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿١٥﴾    [فاطر   آية:١٥]
"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ" لفظ الجمع في قوله تعالى (الفقراء) يدل على عموم الفقر لكل الخلق كما دل عليه لفظ (الناس) كما يدل العموم في (الفقراء) على استواء الخلق فيه ففقرهم إلى الله واحد فليس بعضهم دون بعض في شدة الفاقة والفقر، بل فقرهم جميعا كلي اضطراري متحد في القدر والنوع فأكثرهم ثراء في فاقته إلى ربه كأشدهم فقرا وعريا وبؤسا. وأتمهم عافية كأوهنهم ضعفا ومرضا. كما يدل حذف الظرف وزمان الفقر على لزوم الفقر لهم في كل وقت فهم في حالة واحدة من شدة الاضطرار والفاقة في كل طرفة عين. فحاجتهم لربهم وهم متكئون على الآرائك يضحكون هي ذات حاجتهم واضطرارهم وهم تحت الزلازل أو الحرائق أو ركوب الأمواج أو في غرف العمليات فالضاحكون والباكون سواء في الفقر. ودخول (ال) الدالة على الاستغراق تدل شمول أنواع الفقر فهم في غاية الاضطرار إلى ربهم في كل شيء ونوع في الإيجاد والإمداد والهداية والسعادة والتوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة وفي كل شيء . واستغراق فقرهم إلى الله دال على عدم فاقتهم لأحد سواه أصلا. ولفظ الجلالة (الله) دال على فقرهم إلى ربهم في الألوهية متضمن لفقرهم إليه في الربوبية ففاقتهم إلى عبادته وسؤاله كفاقتهم إليه في رزقه وإحيائه وتدبيره واضطرارهم إليه في الصلاة كاضطرارهم إليه في تتابع الأنفاس لو كانوا يعقلون. ودل العموم أيضا على التصاق هذا الوصف بهم وعدم انفكاكهم عنه ونسيانهم له نسيان أنفسهم وحقيقتها ودل على أن أكمل الخلق هداية هو القائم بمقتضى هذه الحقيقة الموقن بحتمية الاضطرار فهو المفتقر اختيارا بكليته المقبل بأسمال فاقته الملازم لأبواب مولاه الرافع يديه على الدوام بحاجته المتعرض لربه في كل حال بالسؤال والاستغاثة والطلب فلا ينفك عن الدعاء عبادة أو سؤالا فتجري روحه إلى ربه في أنهار الفقر الاضطراري والاختياري معا.
إظهار النتائج من 6121 إلى 6130 من إجمالي 6233 نتيجة.