أسباب الخروج عن الصراط المستقيم إما الجهل أو العناد، فالذين خرجوا عنه لعنادهم: المغضوب عليهم، وعلى رأسهم اليهود، والذين خرجوا لجهلهم: كل من لا يعلم الحق وعلى رأسهم النصارى، وهذا بالنسبة لحالهم قبل البعثة -أي النصارى- أما بعد البعثة فقد علموا الحق، وخالفوه؛ فصاروا هم واليهود سواء، كلهم مغضوب عليهم.
"هل جرب الراكضون خلف سراب (عيد الحب) أن يملأ أحدهم قلبه بحب الله؟
ماذا لو جرب أن يناديه بأسمائه الحسنى كما يتقرب الحبيب إلى حبيبه بمنادته بأحب أسمائه؟
وكيف سيكون حبه لله لو حاول أن يفكر في معاني صفات الله العلى كما يفكر المحبوب بصفات حبيبه؟
إذن لأخذت عليه كل تفكيره، ولغمرته سعادة لا يمكن وصفها إلا بسعيه بالمزيد في إرضاء مولاه:(والذين آمنوا أشد حبا لله).
"
تأمل قوله تعالى بعد أن ذكر أهم أعمال الحج: (واستغفروا الله إن الله غفور رحيم)؛ ذلك أن الحاج يغشاه فرح وسرور بعد أداء تلك المناسك، وقد يصاحب ذلك إعجاب بعمله، إذ أنجز تلك الأعمال في فترة وجيزة، مع مشقة ظاهرة، فجاء الأمر بالاستغفار؛ ليستصحب التقصير الذي لا ينفك منه عمل وقربة، فيتلاشى الإعجاب والزهو، ولا يعارض ذلك الفرح والسرور (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) هذا بيان صريح من الذي يعلم السرَّ وأخفى -سبحانه- أنَّ هذا الصنف من الناس -سواء كانوا صحفيِّين، أو كتَّابًا، أو روائيين، أو أصحاب قنوات هابطة- يريدون يميلوا بالأمة ميلًا، وأكد هذا الميل بأنه عظيم، إذ لا تكفيهم مشاريع الإغواء الصغيرة.
في الكوارث الطبيعية من سيول ونحوها تذكرة ببعض ما سيكون يوم المعاد! يرأى الناس أثر تهدُّم بعض السدود فيما يقع من فواجع! فإذا كان هذا أثرًا لاجتماع سيل عارض من ماء، فكيف سيكون الحال إذا جاء زمان: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ)؟ هي مواقف نحياها، فالموفق يعتبر، ومن لم يعتبر، فليبحث عن قلب؛ فإن برودة الحس في أمثال هذه الأحداث علامة على قسوة القلب.
أوضاع أهلنا المستضعفين في أنحاء الأرض أمر يستوجب منا الفزع لربنا والتضرع إليه أن يفرج كربتهم، وأن ينتقم من عدوهم؛ فإن عدوهم مهما بلغت قوته فليس بشيء أمام قوة الجبار، ألسنا نقرأ قوله تعالى في سورة البروج:(نَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ )، إذا لم تَسْكُبْ هذه الآيات -وأمثالها- القوة في قلوبنا لنترجمها إلى دعاء صادق، فأي شيء إذًا؟ ألا فلننطرح بين يدي ربنا، ونستنصر لإخواننا في صلواتنا ودعواتنا.
قال الإمام مالك: قرأ عمر بن عبد العزيز في الصلاة سورة الليل، فلما بلغ: (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى)، خنقته العبرة، فسكت، ثم قرأ فنابه ذلك، ثم قرأ فنابه ذلك، وتركها وقرأ: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ).
قال محمد بن عوف الحمصي: «رأيت أحمد بن أبي الحواري قام يصلي العشاء، فاستفتح بـ (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فطفت الحائط كله، ثم رجعت، فإذا هو لا يجاوزها ثم نمت، ومررت في السحر، وهو يقرأ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فلم يزل يرددها إلى الصبح».
من أعظم طرق الشيطان في إغواء بني آدم: كشف العورات، كما قال تعالى:(يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)، وهكذا شياطين الإنس اليوم، في قنوات ماكرة وشبكات فاجرة؛ لأنه متى استمرأت الأسرة ذلك، انحلت أخلاقها وانحل بعد ذلك دينها.