س: يقول السائل ما تفسير قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ؟
ج: هذا من آيات الله، ومن دلائل قدرته سبحانه وتعالى، أنه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي ، هذه من آياته سبحانه وتعالى ومن دلائل قدرته العظيمة، وأنه رب العالمين، الخلاق العليم، القادر على كل شيء، وأنه سبحانه وتعالى يحي ويميت، ويتصرف في خلقه كيف يشاء، وأنه مستحق العبادة، وقد مثل أهل العلم لذلك بأشياء منها إخراج المسلم من الكافر، يكون كافراً ويخرج الله من صلبه أحياء مسلمين، فإن المسلم حي والميت كافر في المعنى، والله يخرج من المرأة الكافرة والرجل الكافر أولاداً مسلمين يهديهم الله، ويصلحهم سبحانه وتعالى، وأبوهم وأمهم ليسوا كذلك، وكذلك يخرج الميت من الحي، يكون مسلماً فيولد له أولاد فيكفرون، ولا يبقون على دين آبائهم
وأمهاتهم، بل يكونون على خلاف ذلك، ويعتنقون غير الإسلام ، فيكون هذا إخراج ميت من حي، ومن ذلك مما مثلوا به أيضاً، إخراج الدجاجة من البيضة، فالدجاجة حية حيوان، والبيضة في حكم الميت؛ لأنها جماد فالله جل وعلا يخرج منها حيواناً سميعاً بصيراً، حياً وهذا واضح والعكس كذلك، يخرج الحي من الميت، فالميت البيضة والدجاجة حية، فيخرج الله منها بيضة جماداً في حكم الميت والدجاجة حية وهذا له نظائر، ومن أراد المزيد على ذلك فليراجع كتب التفسير على الآية الكريمة .
س: ما معنى هذه الآية التي وردت في سورة الروم، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا وهل يقال لتارك الصلاة إنه مشرك؟
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبيَنَْهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضاً، أنه قال: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ خرجه مسلم في الصحيح من حديث جابر ، هذا يدل على أن تارك الصلاة يسمى كافراً، ويسمى مشركاً وهو الحق، وهو المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم، فإن عبد الله بن شقيق العقيلي رضي الله عنه ورحمه، التابعي الجليل قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلاَّ الصلاة ، فهذا يدل على أن الصلاة عند الصحابة، يعتبر تركها كفراً، يعني كفراً أكبر، ويسمى الكافر مشركاً، فالذي ترك الصلاة قد فرق دينه، وقد خرج عن جماعة المسلمين، واستحق أن يقتل إن لم يتب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلمٍِ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَِهَ إلاَّ الله وَأَنِّي رَسُولُ الله إلاَ بِإِحْدَى ثَلاثة: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ فالذي يترك الصلاة يعتبر تاركاً لدينه، ومفارقاً للجماعة، نسأل الله العافية والسلامة. ومن ترك الصلاة يقال له مشرك ويقال له كافر، في أصح قولي العلماء، لكن الجمهور قالوا: كفر دون كفر، وشرك دون شرك، والصواب الذي عليه جمع من أهل العلم أنه كفر أكبر، وشرك أكبر، كما حقق ذلك ابن القيم رحمة الله عليه، في كتاب الصلاة، وذكره الذهبي عن جماعة في الكبائر، وذكره آخرون رحمهم الله ودل عليه الحديث السابق، الذي رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّركِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصلاة فسّماه كفراً وشركاً، والكفر المعرف والشرك المعرف، بال التعريف، هو الكفر الأكبر والشرك الأكبر، بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ، رواه مسلم في الصحيح. أمَّا معنى هذه الآية الكريمة: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا .
فإن الله سبحانه وتعالى يبين أن هذا من صفات المشركين، تفريق الدين، والتشيع، كل شيعة لها رأي ، ولها كلام، ولها أنصار، هكذا يكون المشركون، وهكذا الكفار يتفرقون، وكل طائفة لها رئيس، ولها متبوع تغضب لغضبه، وترضى لرضاه، وليس همهم الدين وليس تعلقهم بالدين، أمَّا المسلمون فهم يجتمعون على كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وهدفهم هو اتباع الكتاب والسنة، فهم مجتمعون على ذلك، معتصمون بحبل الله، أما غيرهم من الكفار فهم أحزاب وشيع، فالله عز وجل، يحذرنا أن نكون مثلهم، يأمرنا أن نقيم الصلاة ، وأن نستقيم على دين الله، وأن نجتمع على الحق ولا نتشبه بأعداء الله المشركين، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وهكذا أصحاب البدع، شابهوا المشركين . فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، هذا معتزلي، هذا جهمي، هذا مرجئ، هذا شيعي، وهذا من المرجئة إلى غير ذلك، هذا تفرق في الدين، ومخالفة لما أمر الله به، من الاعتصام بحبل الله، والاستقامة على دين الله، وعدم التنازع والفشل .
س: يقول السائل: يقول الله سبحانه وتعالى: وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ هل تذكر كلمة الفرج في كتاب ربنا ويقصد بها عضو التناسل في كل من الذكر والأنثى، نرجو الإفادة مع شرح الآية جزاكم الله خيراً؟
ج: نعم المراد بذلك حفظ الفرج الذي هو فرج المرأة، وفرج الرجل، يعني حفظ فرجها عن غير زوجها وسيدها، وحفظ فرجه عن غير زوجته وأمته، والمعنى أن المؤمن والمؤمنة، قد حفظا فروجهما عن الزنى واللواط، والله سبحانه يقول: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا هذه آية عظيمة، ذكر الله سبحانه لهؤلاء الأصناف العشرة، أنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً، بسبب أعمالهم الطيبة من إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقاتهم وخشوعهم، وصيامهم وحفظ فروجهم، وذكرهم لله عز وجل وصبرهم إلى غير ذلك، مما هو معروف من خصال أهل الإيمان، فالحاصل من قوله: وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ، يعني الحافظين فروجهم عن الزنى واللواط ، والحافظات فروجهن عن الزنى، ونحوه كاللواط وهو الوطء في الدبر ؛ لأنه ليس للزوج أن يطأ زوجته إلاَّ في قبلها، وليس له أن يطأها في دبرها، هذا يقال له اللواطة الصغرى ، فليس له أن يطأها إلاَّ في محل الحرث، وهو الفرج وهو القبل، وليس له أن يطأ أمته وهي السرية إلاَّ في فرجها وهو القبل، ليس له أن يطأها في دبرها، والسرية هي التي يملكها بالسبي من الكفار أو بالشراء أو بالإرث الشرعي، وهكذا الأمة تكون لسيدها الذي ملكها بالسبي الشرعي أو بالشراء الشرعي أو بالإرث الشرعي كما يباح لزوجها ولكن بقيد ما ذكره الله، في الفرج فليس لأحدهما تعدي حدود الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال عز وجل في كتابه الكريم، في سورة المؤمنون: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ، فمن ابتغى وراء ما أباح الله، فهو العادي يعني الظالم المعتدي لحدود الله، فالواجب على كل مؤمن أن يلزم حدَّ الله سبحانه ، وأن يحرص على العفة عما حرم الله، فيطأ زوجته فيما أباح الله في الفرج في القبل، ولا يطأها في الدبر، ولا في الحيض ولا في النفاس، ولا في حال إحرامها، بل يطؤها في وقت الإباحة، وهكذا سُرِّيته التي هي أمته مملوكته بالملك الشرعي، والمرأة كذلك عليها أن تحفظ فرجها، إلاَّ من زوجها وسيدها الشرعي، وعليها أن تحذر ما حرم الله من الزنى، وما يلحق بالزنى من الوطء في الدبر من زوجها، أو من غير زوجها، كل ذلك حرام، كما أن الزنى حرام، هكذا الوطء في الدبر حرام، ولو من زوجها ليس له أن يطأها من دبرها، ولا سيدها يطؤها من دبرها، فالمؤمنة الكاملة هي التي حفظت فرجها، إلاَّ من زوجها وسيدها فيما أباح الله، والمؤمن الكامل هو الذي حفظ فرجه، إلاَّ مما أباح الله من زوجته الشرعية، وأمته الشرعية، في محل الوطء وهو القُبل.
س: يقول السائل: ما تفسير قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا الآية ؟
ج: هذه الآية على ظاهرها يخبر سبحانه، أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال، يعني بحملها والأخذ بها، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً، وهذه الأمانة هي التكاليف التي كلف الله بها العباد، من الأوامر والنواهي المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحق العباد ، فشأنها عظيم، وخطرها كبير وحملها الإنسان؛ لأنه كان ظلوماً جهولاً، هذا هو الغالب على بني آدم، الظلم والجهل، إلاَّ من تعلَّم واستقام على أمر الله، وخرج من حيز الجهل إلى العلم، ومن حيز الظلم إلى العدل، والإنصاف والاستقامة، فالتكاليف كلها أمانات، الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطهارة الصغرى والطهارة الكبرى، وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، كلها أمانات وهكذا ترك المحارم والحذر منها، أمانة الكف عن المحارم، وطاعة الله وتعظيم الله من الأمانات، وهكذا أداء الودائع والرهون، والعناية بها وصيانتها عن الأذى، أمانة يجب على المؤمن أن يصونها، وأن يؤديها كما أخذها من غير تفريط، ولا إضاعة ولا عدوان، فمن قصر في شيء من ذلك فقد قصر في الأمانة وخانها والخيانة تختلف بعضها أكبر من بعض، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، ومدح أهل الإيمان برعاية الأمانة، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ هذه من وصف أهل الإيمان؛ لأن الله قال في أول الآيات: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ثم ذكر صفات جليلة منها، قوله سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ
فالواجب على المؤمن أن يرعى الأمانة والعهد وأن يحذر الخيانة في جميع الأمانات ، أمانات الله سبحانه وتعالى وأمانات عباده .
س: من الأخ إ. أ.، ما هي الأمانة في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ نرجو منكم التوجيه؟
ج: هذه الأمانة أوضحها العلماء في كتب التفسير، هي دين الإسلام ، هي ما شرع الله لعباده من فرائض ومن محرمات يجب على المكلفين أداء الفرائض وترك المحرمات وهذه أمانة، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا فهي ما أوجبه الله علينا من التوحيد الذي هو أصل الدين وإخلاص العبادة لله وحده وهكذا ما أوجبه الله علينا من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان بأنه رسول الله والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والساعة وغير ذلك والحساب والجزاء، كل ذلك داخل في الأمانة، وهكذا الإيمان بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك داخل في الأمانة، لابد أن تؤدى الأمور على الوجه الذي شرع الله كل ذلك أمانة هكذا، فترك الأمانة فالواجب على كل مسلم أن يتقي الله وأن يؤدي فرائض الله وأن يحذر محارم الله وهذا العمل هو أداء الأمانة .
س: يقول السائل: أرجو تفسير هذه الآية الكريمة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا الآية ؟ .
ج: الأمانة هي حق الله على العباد، وما شرعه لهم من توحيده والإخلاص له ، وسائر ما أوجب عليهم من صلاة وغيرها، وترك ما حرم الله عليهم، وهكذا حقوق العباد من حق الوالدين، وحق الرحم وغير ذلك، فالأمانة ما أمر الله به، وما أوجبه الله على عباده، يجب أن يؤدوا هذه الأمانة على الوجه المشروع، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، فالمؤمن إذا أحرم هذا الإحرام، الإحرام العام، ينبغي له أن يجتهد في أداء ما فرض الله عليه، وإذا دخل في الصلاة يؤدي ما فرض الله عليه، وإذا دخل في الصوم يؤدي ما أوجب الله عليه، وفي الزكاة يؤدي ما فرض الله عليه، وهكذا كلها أمانات فالحج أمانة، والصوم أمانة، والزكاة أمانة والصلاة أمانة، وترك المحارم أمانة وبر الوالدين أمانة، فالواجب أداؤها بطيب نفس، وإخلاص وطلب لما عند الله، فإذا دخل في الصلاة ، دخلها بانشراح صدر ورغبة فيما عند
الله حتى يؤديها كاملة، وهكذا يخرج الزكاة عن طيب نفس، يرجو ما عند الله، وهكذا يصوم رمضان صياماً شرعيّاً، بعيداً عما حرم الله، وهكذا إذا حجَّ يصون حجه عما حرم الله عليه، وهكذا بقية الأمور، فإن هذه أمانة لا يساويها شيء، بل هي الأمانة العظمى، وهي دين الله جل وعلا ، فلهذا عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها؛ لعظم شأنها، فالواجب على المكلف من بني آدم، أن يعتني بها ويؤديها كاملة، على وجه الإخلاص لله في فعل الواجبات، وفي ترك المحارم، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله سبحانه .
س: تقول السائلة: أنا طالبة في الصف الثالث الثانوي التجاري، لكن المدرسة رفضت أن أرتدي النقاب رفضًا قاطعًا، وقد ذهبت إلى بعض العلماء عندنا، وسألته عن تفسير قول الله تعالى في سورة الأحزاب: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الآية، فكان ردّه كالآتي: لا يوجد نقاب، ولم تأت آية من السورة، توضح أن النقاب فرض أو سنة، وقال: إن سبب نزول هذه الآية: أنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لا توجد دورات مياه، فكان الرجال يدخلون على النساء، والعكس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تلبس المرأة النقاب لهذا السبب، هل هذا صحيح، مع أنني لم أصدق كلام هذا الرجل، أرجو الإيضاح جزاكم الله خيرًا؟
ج: الواجب النقاب والتستر حذرًا من الفتنة ، والآية الصريحة في هذا هي قوله تعالى في سورة الأحزاب، نفسها: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ هذه أصرح وأبين وتسمى آية الحجاب، وإذا سألتموهنّ أي: النساء، عن حاجة فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
والحجاب يكون من وراء الجدار، من وراء الباب، من وراء النقاب، من وراء الخمار، يعني شيء يحجبها عن الرجل، حتى لا يراها؛ لأن رؤيته لها قد تسبب فتنة؛ ولهذا قال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وهكذا قوله في سورة النور: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ إلى آخر الآية، والزينة منها الوجه، ومنها الرأس والشعر، ومنها الأيدي والأقدام والصدر، كل هذه زينة، فالواجب سترها عن الأجنبي، وليس بشرط النقاب.
المقصود: الحجاب عن الرجل بأي طريقة، بالنقاب أو بالخمار، أو تكلمه
من وراء الباب، من وراء الجدار، أو نحو هذا مما يكون فيه ستر لها.
وأما إذا كانت في مدرسة أو في كلية في أي شيء، فتحتجب عن المدرس أو عن الخدام والطلبة، ولا يجوز التعليم المختلط، يجب أن يكون النساء وحدهن، والرجال وحدهم، لكن لو بُلِيَتْ بوجود مدرس أو بوجود طلبة، فعليها الحجاب ولا تختلط بهم، بل يجب أن تلتمس مدرسة ليس فيها اختلاط؛ لأن وجودها مع الأولاد في الدراسة فتنة عظيمة وشر عظيم، ليس لها فعله.
س: يقول السائل: قال الله تعالى في سورة سبأ : لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ويقول ما هي سبأ ؟
ج: لقوله في آخر السورة: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ وسبأ محل في اليمن يقال له سبأ .
س: يسأل عن تفسير بعض الآيات، ففي سؤاله الأول، يسأل عن تفسير قوله تعالى: أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الآية؟
ج: هذا توجيه من الله سبحانه، لداود عليه السلام أن يعمل السابغات، وهي الدروع التي تلبس في الحرب، وأن يقدر في السرد، فهي حلق الدرع، يكون واسعاً، تكون الحلقة بقدر ما يدخل فيها حتى لا يسقط الدرع، وهو تعليم من الله جل وعلا لداود ، أن يحسن صناعة السابغات، التي هي الدروع التي ينتفع بها الناس، حتى يستفيد منها الناس وينتفع بها في الجهاد، ثم أمره بالعمل الصالح، والعمل الصالح يشمل جميع طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله ، فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح، وهو ترك معصية الله، وقيام بأمر الله وشرعه سبحانه وتعالى، هذا هو المشروع للجميع، في عهد داود ، وعهد الأنبياء قبله، وفي عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعده، المشروع للأمة العمل الصالح، ولهذا قال: وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فالله يعلم أحوال عباده، ويبصر أحوالهم وأعمالهم، لا تخفى عليه خافية جل وعلا ، فالمشروع لجميع أتباع الرسل، أن يعملوا الصالحات، ولأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أن يجتهدوا في العمل الصالح، قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ . فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح، وطاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله ، فالصانع مأمور بالعناية بالصنعة، وإتقانها وعدم الخيانة فيها، سواء كان يصنع الدروع أو السيوف، أو البنادق أوالمدافع، أو غير ذلك، كل صانع مأمور بالعناية بإتقان الصنعة وعدم الخيانة والغش .
س: يسأل عن تفسير بعض الآيات، يقول الحق تبارك وتعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ؟
ج: الرب جل وعلا يسلي نبيه صلى الله عليه وسلم، ويصبره حتى لا يجزع من تكذيب قومه له ، فقد كذبت أقوام كثيرة، لرسلها عليهم الصلاة والسلام ، فيقول له: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ يعني لك فيهم أسوة، فلا تجزع وعليك بالصبر، ولهذا قال في الآية الأخرى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا الله يأمر نبيه بالصبر والتأسي برسل عظام ، فقد كذبوا وأوذوا فصبروا، فهو كذلك عليه أن يصبر كما صبروا، وأن يتحمل كما تحملوا، وله عند الله الأجر العظيم، والخير الكثير وهو سبحانه الذي يهدي من يشاء، قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وقال سبحانه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
فلا بد من التحمل والصبر، والله جل وعلا هو الحكيم العليم، فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، وفي توفيق هذا للإسلام والطاعة، وفي إضلال آخر حتى لا يسلم، ويقبل الحق، فهو الحكيم العليم جل وعلا ، فعلى العبد أن يسأل الله التوفيق، وأن يستعين به على الخير، وأن يحذر الشر وأسبابه وأن يصبر كما صبر، وهكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام ، عليهم أن يصبروا وعلى نبينا أن يصبر كما صبر من قبله، وأمَّا الآية الآخرى ففيها التحذير من الاغترار بالدنيا، والاغترار بالشيطان وهو غرور، أي يجب على المؤمن أن يحذر الدنيا، وشهواتها الفاتنة، ولهذا قال جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ، وعده لكم بالحساب والجزاء وبالجنة والنار، وقيام الساعة، كله حق، لابد من قيام القيامة ولا بد من الجزاء على الأعمال، ولا بد من الجنة لأهل الإيمان والتقوى، والنار لأهل الكفر والنفاق، كله حق ولهذا قال: فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا في زينتها وأموالها وشهواتها، ومآكلها ومشاربها وغير ذلك، مما فيها فهي دار الزوال، دار الفناء كما قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وقال سبحانه: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ . فلا يليق بالعاقل المؤمن، أن يغتر بها وزينتها وأهلها وما أعطوا من الدنيا، بل يحذر ويستعد للآخرة، ويستعين بنعم الله على طاعة الله، ولا يغتر بالشيطان، فهو يزين للناس الباطل، ويغرهم ويدعوهم إلى الركون إلى الدنيا، ويدعوهم إلى التكذيب بالآخرة، ويزين لهم هذه العاجلة وربما يزين الإصرار على المعاصي، ويقول: التوبة بعد ذلك، إذا لم يجد حيلة بتكذيبهم وإنكارهم للآخرة، زين لهم أنهم يتساهلون بالمعاصي، وقال: في إمكانكم التوبة بعد ذلك، والله غفور رحيم، ونحو هذا مما يغرهم به، فالواجب الحذر من طاعة الغرور، الشيطان، والحذر من المعاصي كلها، والبدار بالتوبة عند وجود المعصية، ولهذا قال بعده: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا 3 أي عاملوه معاملة الأعداء، فهو عدو مبين كما قال سبحانه: إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ يعني أتباعه: لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ هذه مهمته وهذه دعوته، وهذا سبيله، الدعوة إلى النار، فالواجب على العاقل أن يحذر هذا العدو المبين وألاَّ يطيعه فيما يدعو إليه من الباطل ويحذر وساوسه، وما يزينه من المعاصي لعله ينجو .