عرض وقفات التساؤلات

  • ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٥٣﴾    [الأنعام   آية:١٥٣]
س: ما تفسير قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ؟ ج: ذكر الله تعالى أصول الإسلام في الآيتين اللتين قبل هذه الآية فقال: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ثم أمر سبحانه باتباع هذه الأصول في قوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ونهى عن اتباع السبل أي الطرق المخالفة لسبيله ، وبين سبحانه أنهم إن اتبعوا غير صراطه وهديه الذي شرعه لهم تفرقت بهم السبل وضلوا عن سواء السبيل ، وقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فيما رواه الإمام أحمد والحاكـم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال : هذا سبيل الله مستقيما، وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وقال الحاكم : صحيح ولم يخرجاه ، رواه النسائي والترمذي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه ، وقال الترمذي : حسن غريب . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
  • ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣﴾    [التوبة   آية:٣]
س: ورد في سورة التوبة قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الآية ، المطلوب تفسير الآية الكريمة وكيف طريقة الإعراب عند النحويين وأن يكون ضمن الجواب إعراب ؛ لأنها لازم لكل إنسان لا يلم بقواعد النحو وأنا في مجال النحو مبتدئ ولا أكاد أحفظ الآجُرُّومِيَّة ، أفتونا مأجورين؟ ج: يقول تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي إعلام وإنذار إلى الناس يوم الحج الأكبر الذي هو يوم النحر وأفضل أيام المناسك وأظهرها وأكبرها ، تؤدى فيه كثير من مناسك الحج ، من رمي جمرة العقبة والنحر والحلق وطواف الإفاضة ، مع ما يتبع ذلك من ذكر وتكبير ونحو ذلك . وقوله: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي أعلم الناس وأنذرهم يا محمد أن الله بريء من المشركين وأن رسوله كذلك منهم بريء ، فرسوله في الآية مرفوع قطعا ونقلا عن القراء بالعطف على الضمير المستتر في بريء وتقديره هو يعود على الله سبحانه . وهذا هو معنى ما قاله ابن كثير عن الآية وغيره من علماء التفسير .
  • ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ﴿٧١﴾    [مريم   آية:٧١]
س: ما تفسير قوله تعالى في الآية (71) في سورة مريم: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ؟ ج: الورود في الآية الكريمة هو المرور على الصراط المنصوب على متن جهنم ، فقد دلت الأحاديث والآثار الكثيرة على أن الصراط ينصب على جهنم ويمر الناس عليه على قدر أعمالهم ، ونوصيك بمراجعة تفسير ابن كثير في ذلك لمزيد الفائدة . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
  • ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴿٧٨﴾    [هود   آية:٧٨]
س: هناك من يفسر المراد بقوله تعالى: هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ أن النبي لوطا عليه السلام كان يقصد بذلك تعالوا وافعلوا الفاحشة - أي الزنا- مع بناتي من صلبي ، وأن ما ورد عن المفسرين من تفسير الآية أن لوطا عليه السلام أب لجميع المؤمنات ، وأنه كان يقصد الزواج الشرعي يخالف ذلك ظاهر سياق الآية ، ويعلل ذلك بأن الزنى أقرب إلى الفطرة من اللواط وأقل شذوذا ، وبالتالي درءا لأعظم المفسدتين وهو اللواط بارتكاب أقل الضررين وهو الزنا حسب القاعدة المشهورة ، فما قولكم في هذا التفسير والحكم على الشخص؟ ج: المراد بجملة هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ، ندب هؤلاء الكفار إلى التزوج بالنساء ووطئهن في الحلال- سواء كن بناته أم بنات قومه ، فإن بنات قومه بناته حكما لكونه رسولا إليهم- واجتناب اللواط والاعتداء على ضيف لوط بالفاحشة ، وعلى كل حال لم يرد الإذن لهم في الزنا ببناته ولا ببنات أمته فإنه من كبائر الذنوب في جميع شرائع الله تعالى ، فينزه النبي عن الإذن فيه ، ومن قال إنه أذن فيه لأنه أخف من اللواط فقد أخطأ وغلط غلطا عظيما . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
  • ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾    [هود   آية:١٠٧]
س : ما تفسير قول الله تعالى : خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ . ج : هذه آية هود ، قال الله تعالى في النار : فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . فقوله تعالى : دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ . هذا الاستثناء فهم بعض العلماء منه أن النار يمكن أن يأتي عليها وقت تفنى فيه ؛ لأن الله تعالى قال : إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ؛ فهذا الاستثناء يدل على أن النار يمكن أن يأتيها وقت تفنى فيه ؛ لأنه علق بقاءها بمشيئته سبحانه ، بخلاف الجنة : فإنه قال تعالى فيها : وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، فقال تعالى: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ ، لكن قال سبحانه بعدها : عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، فدل ذلك على أن الاستثناء هنا لا محل له ، لقوله بعده عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ، أي غير مقطوع مما يفهم منه أن الاستثناء هنا غير مقصود ، فيكون نعيم أهل الجنة نعيمًا دائمًا ، كما قال جل وعلا : لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا ، ولكن بعضًا من أهل العلم يقولون : إن أهل النار مخلدون فيها أبدًا ، ويدل لذلك قول الله جل وعلا : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ . وقوله تعالى : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ . وقوله تعالى : ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ، فالآيات واضحة الدلالة في أن الخلود مستمر في النار ، نسال الله لنا ولكم العافية .
  • ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴿٢٣٨﴾    [البقرة   آية:٢٣٨]
س: يقول الله سبحانه في كتابه الحكيم: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ هل الصلاة الوسطى هي العصر أم المغرب؟ ج: الصواب أنها العصر، اختلف العلماء في ذلك، لكن الصواب أنها العصر، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوسْطَى صَلاَةِ الْعَصْرِ وغيره، ومن حديث علي رضي الله عنه مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ أنها العصر، هذا هو الصواب، وقيل غير ذلك، لكن الصواب أنها العصر .
  • ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴿٢٤٣﴾    [البقرة   آية:٢٤٣]
س: يقول االسائل : أرجو أن تتفضلوا بتفسير الآية الكريمة وهي قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ الآية ؟ ج: الآية على ظاهرها، يبين سبحانه وتعالى أن الفرار من الموت لا يمنع الموت، ولا يمنع من قدر الله شيئاً، فالواجب على المؤمن أن يستعد للقاء الله، وأن يعمل الصالحات وأن يتوب من السيئات ، حتى إذا هجم عليه الأجل إذا هو قد استعد للقاء ربه بطاعته والتوبة إليه، أما فراره من بلد إلى بلد ومن مستشفى إلى مستشفى ليسلم من الموت فهذا لا ينجيه من عذاب الله ولا يمنع الموت من المجيء إليه، فالأجل متى وصل لم يمنع منه مانع كما قال عز وجل: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وقوله سبحانه: إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ولهذا قال: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فالمقصود أن الخروج من البلاد أو من القبيلة أو من إقليم إلى إقليم أو من حي إلى حي لأجل الخوف من الموت لا يمنع من الموت، كما قال الله سبحانه: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ فالموت لابد منه كما قال سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فالواجب الإعداد للموت والتأهب بالأعمال الصالحة، بأداء فرائض الله وترك محارم الله، ومن وقوف عند حدود الله بالتوبة إليه من سائر المعاصي، بالتعاون على الخير وبالتواصي بالحق والصبر عليه، هذا هو الواجب على أهل الإسلام ، ولا ينبغي أن يغرهم الشيطان؛ لأن صحتهم أو فرارهم إلى مستشفيات راقية، أو إلى بلاد صحية، أو إلى غير هذا من أسباب الحياة أو من أسباب الرفاه أو من أسباب الصحة، لا ينبغي أن يغرهم هذا، فإن الموت لا يمنعه مانع ولو كان في أصح بلاد ولو كان في أرقى مستشفى، متى جاء الأجل لم يمنعه مانع كما سمعت من الآيات الكريمات .
  • ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴿٢٥٥﴾    [البقرة   آية:٢٥٥]
س: أرجو تفسير آية الكرسي ؟ ج: آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله بنص الرسول عليه الصلاة والسلام وهي قوله عز وجل: اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ هذه آية الكرسي وهي آية طويلة وهي أعظم آية في كتاب الله وقد اشتملت على معان عظيمة من جهة توحيد الله وإثبات أسمائه وصفاته وعموم علمه وقدرته جل وعلا ، فقوله سبحانه: اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ هذه معنى كلمة التوحيد ، لا إله إلا الله فإن معناها: الله لا إله إلا هو، أي لا معبود حق إلا هو، لا معبود حق سواه، والإله المعبود، التّأله التعبد، فمعنى لا إله أي لا مألوه، والمألوه المعبود أي لا معبود حق إلا الله، وهو الحي القيوم سبحانه وتعالى، الحي الذي لا يموت ولا يعتريه السِنة وهو النعاس، ولا نوم وهو ما فوق النعاس؛ لكمال حياته فلا نوم ولا موت ولا نعاس ولا غفلة بل هو في غاية من العلم والقدرة والبصيرة بأحوال العباد سبحانه وتعالى اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فهو حي حياة كاملة، لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا غفلة ولا نوم ولا نعاس ولا موت ولا غير ذلك من الآفات وهو القيوم ، القائم على أمر عباده والمقيم لهم سبحانه وهو المقيم لمخلوقاته والحافظ لمخلوقاته، فلا قوام للعباد ولا للمخلوقات إلا به سبحانه وتعالى، فهو الذي أقام السموات وأقام الأرض وأقام كل شيء، كما قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ فهو المقيم للخلائق، والحافظ والموجد لها والمعدم لها فهو على كل شيء قدير، سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعده: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ يعني لا تصيبه ولا تعتريه سِنة وهي النعاس وهو النوم الخفيف وَلا نَوْمٌ وهو النوم الثقيل، فلا يعتريه غفلة ولا نعاس ولا نوم ولا موت بل حياته كاملة سبحانه وتعالى ثم قال سبحانه: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يعني هو المالك لكل شيء، هو المالك للسماء وما فيها والأرض وما فيها، كما قال جل وعلا في آخر سورة المائدة: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقال في آية أخرى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فهو سبحانه المالك للسماوات والمالك للأرض والمالك لما فيهما والمالك لكل شيء، جل وعلا ثم قال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ أي لا أحد يستطيع أن يشفع إلا بإذنه سبحانه يعني يوم القيامة لا يتقدم أحد يشفع حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، حتى يأذن له وما ذاك إلا لعظم مقامه وجبروته وكونه سبحانه المستحق أن يعظم عز وجل، وألاّ يتقدم بين يديه إلا بإذنه سبحانه وتعالى، فإذا اشتد الكرب يوم القيامة بالناس، فزع المؤمنون إلى أبيهم آدم ليشفع لهم إلى الله حتى يقضي بينهم فيعتذر آدم ، ثم يحيلهم على نوح فيأتون نوحاً فيعتذر عليه الصلاة والسلام فيقول: اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيعتذر ويقول اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيعتذر كل واحد، يقول نفسي نفسي، فيقول لهم موسى اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى ، فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام ، فيأتون محمداً عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها عليه الصلاة والسلام ثم يتقدم فيسجد بين يدي ربه ويحمده بمحامد عظيمة، ويثني عليه سبحانه بمحامد، يفتحها عليه ثم يقال له: يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع، فلذلك يشفع عليه الصلاة والسلام في الناس أن يقضي الله بينهم فيقضي الله بين عباده بشفاعته، ثم بعد القضاء يصير أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ويوقف أهل الجنة لا يدخلونها حتى يشفع فيهم عليه الصلاة والسلام فيشفع في أهل الجنة حتى تفتح أبوابها بشفاعته عليه الصلاة والسلام ، أما في الدنيا فكل إنسان يدعو ربه، مأمور بالدعاء كما قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ كل يدعو ربه ويسأل ربه أن يغفر له ليدخله الجنة وينجيه من النار ويطلب من إخوانه أن يدعوا له، أن الله يغفر له، لا بأس بهذا لكن يوم القيامة لا أحد يتقدم إلا بإذنه سبحانه وتعالى: الأنبياء وغيرهم، لا أحد يشفع إلا بإذنه سبحانه وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ وقال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى وقال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى فالشفاعة لا تكون إلا لمن رضي الله قوله وعمله ، وهم أهل التوحيد والإيمان، هم الذين يشفع الله فيهم الأنبياء، أما أهل الشرك فلا شفاعة لهم كما قال تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وقال تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ الظالمون يعني: المشركين، والظلم إذا أُطلق فهو الشرك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فمعنى قوله تعالى فَمَا لِلظَّالِمِينَ ، يعني ما للمشركين من حميم ولا شفيع يطاع، فالمشرك لا تنفعه الشفاعة ولا يشفع فيه الرسول ولا المؤمنون، بل ليس له إلا النار يوم القيامة –نعوذ بالله من ذلك- وإنما الشفاعة لأهل التوحيد والإيمان، والعصاة الموحدين، أمَّا الشفاعة لأهل الموقف، فهي عامة لأهل الموقف كلهم، من الكفار وغيرهم في أن يقضى بينهم، هذه شفاعة عامة في القضاء بين الناس، يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقضي الله بينهم سبحانه بحكمه العدل جل وعلا كما تقدم ثم قال سبحانه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ يعني هو العالم بأحوال عباده، لا يخفى عليه خافية جل وعلا ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ما مضى وما يأتي ويعلم أحوال عباده الماضين والآخرين، ويعلم كل شيء سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وقال تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ فهم لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما أطلعهم عليه سبحانه وتعالى، أما هو فهو العالم بأحوال عباده كلهم: ماضيها ولاحقها، يعلم أحوالهم وما صدر منهم وما ماتوا عليه ومالهم في الآخرة، يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وقال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ فهم لا يعلمون ما عنده إلا بتعليمه سبحانه وتعالى بإطلاعه لهم على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أو بما يوجد الله لهم في الدنيا من مخلوقات وأرزاق وأشياء يطلعهم عليه سبحانه وتعالى، ثم قال سبحانه: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ الكرسي مخلوق عظيم فوق السماء السابعة ، غير العرش قال ابن عباس رضي الله عنهما هو موضع القدمين، قدمي الرب عز وجل وقال بعض أهل العلم إنه العرش، يعني العرش يسمَّى كرسيّاً، والمشهور الأول أنه مخلوق عظيم فوق السماء السابعة، غير العرش الذي هو عرش الله سبحانه وتعالى، الذي فوقه الله عز وجل، المذكور في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وفي قوله جل وعلا : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ في سبعة مواضع من كتاب الله ذكر فيها استواءه على العرش سبحانه وتعالى، وهو مخلوق عظيم قد أحاط بالمخلوقات وهو سقفها قال فيه عز وجل: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يعني يوم القيامة: وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا يعني لا يكرثه ولا يثقله ولا يشق عليه، حفظ المخلوقات سبحانه وتعالى، هو الحافظ للسماوات والحافظ للأرض وما فيهما ولا يشق عليه ذلك ولا يكرثه ولا يثقله سبحانه وتعالى؛ لأنه قادر على كل شيء ولهذا قال سبحانه: وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا يعني لا يكرثه ولا يثقله ولا يشق عليه، بل هو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ له العلو المطلق، علو الذات فوق العرش، وعلو القهر والسلطان وعلو الشرف والقدر سبحانه وتعالى، فله العلو الكامل سبحانه وتعالى، وهو العلي فوق جميع خلقه سبحانه فوق العرش ، وهو العالي من جهة كمال أسمائه وصفاته وسلطانه وقدرته جل وعلا وله الشرف والفضل، فهو أفضل شيء وأشرفه سبحانه وتعالى، فله العلو والقهر والسلطان وعلو الشرف والقدر وعلو المكان سبحانه فوق العرش قال تعالى: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ قال تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ فهو العلي فوق جميع خلقه، القادر على كل شيء، العظيم، السلطان المتصرف في عباده كيف يشاء، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، فله العظمة الكاملة سبحانه وتعالى فلا أعظم ولا أكبر ولا أعلم ولا أقدر منه سبحانه وتعالى، فهذه الآية العظيمة، فيها هذه الصفات العظيمة، ولهذا صارت أفضل آية في كتاب الله، لكونها اشتملت على هذه المعاني العظيمة، والأوصاف العظيمة للرب عز وجل، وأنه الحي القيوم وأنه لا معبود بحق سواه، وأنه كامل الحياة لا تعتريه سِنة ولا نوم، وأنه المالك لكل شيء، وأنه العالم بكل شيء، وأنه لا يؤوده حفظ مخلوقاته ولا يشق عليه ذلك، بل هو قادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأن كرسيه قد وسع السماوات والأرض، سبحانه وتعالى وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، لكمال قدرته وكمال عظمته، وأنه العلي، العلو المطلق، علو الذات، وعلو القهر والسلطان، وعلو الشرف والقدر وهو العظيم الذي لا أعظم منه سبحانه وتعالى، عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه وصفاته وأفعاله، قاهر فوق عباده كما قال جل وعلا : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وهو القائل جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقال سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا وبهذا يعلم كل مؤمن وكل مؤمنة عظم شأن هذه الآية وأنها آية عظيمة مشتملة على صفات عظيمة ولهذا صارت بحق أعظم آية في كتاب الله عز وجل بنص المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام ، والله ولي التوفيق .
  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾    [البقرة   آية:٢٧٨]
س: ما هو تفسير قول الحق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وما هو رأس المال المذكورفي هذه الآية؟ ج: كان أهل الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يرابون، يبيعون المتاع من أرض أو إبل أو غير ذلك بالثمن إلى أجل فإذا حل الأجل وصار المدين معسراً قالوا له: إما أن تعطينا حقنا وإما أن تربي، يعني إما أن تعطينا حقنا الآن من المال أو نؤخر الأجل، نفسح لك في الأجل فإن كان عنده مال سلّمه لهم وإلا رضي بهذا، فإذا كانت القيمة مثلاً مئة ريال قالوا نؤجلك أيضاً ستة أشهر أو عشرة أشهر وتكون مئة وعشرين، مئة وثلاثين، هذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد، وهذا معنى إما أن تربي وإما أن تقضي، تربي: تقبل الزيادة، تعطينا الزيادة وهي الربا وإما أن تعطينا حقنا الآن، فلما جاء الله بالإسلام نهاهم عن هذا، وخطبهم النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وأخبرهم أن الربا محرم موضوع وأن لكل واحد رأس ماله فقط وأنزل الله جلّ وعلا هذه الآيات، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ فأمرهم سبحانه أن يذروا، يعني يتركوا ما بقي من الربا لهم في ذمم الناس ويأخذوا رأس المال، فإذا كانت السلعة بمئة وأمهلوه وزادوا عليه عشرين، يتركوا له العشرين أو ثلاثين يتركوا الثلاثين، يأخذوا رأس المال فقط، هذا معنى، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا وإذا كان قد قبضوا رأس المال وبقي الربا يتركونه، ما يأخذون الربا ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يعني إن لم تدعوا الربا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني فاعلموا أنكم محاربون الله ورسوله، وعيد عظيم، لم يأت شيء مثله من المعاصي وهو يدل على عظم جريمة الربا وأنها جريمة عظيمة وكبيرة، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لَعَنْ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهَ وَكَاتِبَهُ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ فالربا من أقبح الكبائر، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ فجعل الربا من السبع الموبقات يعني المهلكات ثم قال: وَإِنْ تُبْتُمْ ، يعني من الربا فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ، يعني رأس المال فقط، وهو المبلغ الذي بيعت به السلعة إلى أجل، الزيادة تبطل، فإذا كان باع المطية أو السيارة إلى رمضان مثلاً من عام ألف وأربع مئة وأحد عشر بألف ريال، بعشرة آلاف ريال، بخمسين ألف ريال ثم حل الثمن فإنه يأخذ رأس المال فقط ولا يطلب زيادة، وإن أعسر ينظره، ولهذا قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ، إذا جاء رمضان، قال: أنا ما عندي شيء وثبت إعساره، فإنه يمهل بدون زيادة ولا يأخذ ربا، هذا معنى قوله عز وجل: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ إذا تبتم من الربا فلكم رؤوس أموالكم التي عند الناس، ما قبضتموها، لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ، يقبض رأس المال ويرفض الربا وإن كان قد قبض رأس المال، وبقيت الزيادة يترك الزيادة لا تَظْلِمُونَ ، بأخذ الزيادة ، وَلا تُظْلَمُونَ ، بمنعكم من رأس المال، لكم رأس المال فأنت لا تُظْلَم بمنعك رأس مالك وليس لك أن تَظْلِم أخاك بأخذ الربا، بل لك رأس المال فقط فإن كان المدين معسراً عاجزاً بالبينة الشرعية ، فإنه يمهل ولا يطالب بالزيادة، لقوله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إن تصدق عليه وأبرأه، فجزاه الله خيراً، هذا طيب، وإلا، فالواجب الإنظار إلى ميسرة، يقول: أنا أنظرك إلى ميسرة، والواجب على المدين تقوى الله إن كان صادقاً في الإعسار، فعليه أن يتقي الله ويتسبب حتى يحضر المال، وإن كان كاذباً فقد ظلم أخاه، فليتقِ الله وليؤدِ حقه إذا ادعى الإعسَارَ وهو يكذب، المقصود أن المدين عليه أن يتَّقي الله، فإن كان صادقاً في الإعسار، وجب إمهاله، وإن ثبت أنه مليء وَجَبَ أخذ الحق منه، والحاكم ينظر في ذلك ويعتني وإذا كان صاحب الدين يعلم أنه معسر فلا حاجة إلى المحكمة، يمهله وينظره حتى يحصل له اليسر، وإن تصدق عليه وسامحه فقد فعل خيراً كثيراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ينفس عنه، أي: بإنظاره، أو يضع عنه، يعني بالصدقة عليه، وفي الحديث الآخر، مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فيِ ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ وهذا فضل عظيم، فينبغي للمؤمن إذا عرف أن أخاه معسر أن ينظره أو يسامحه بالدين كله أو بعضه، رجاء ما عند الله من المثوبة.
  • ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٨٤﴾    [البقرة   آية:٢٨٤]
س: ما معنى قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ، وكيف نجمع بين معناها وبين قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ؟ ج: هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة لما نزلت وهي قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فقد شقّ عليهم هذا الأمر، وجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أن هذا شيءٌ لا يطيقونه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَين من قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فقالوا: سمعنا وأطعنا فلما قالوها وذلّتْ بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا فسامحهم الله وعفا سبحانه وتعالى ونسخ ما دلَّ عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا وبما أصروا عليه وثبتوا عليه؛ وأمّا ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب؛ فهذا معفو عنه ولهذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتكَلَّمْ فنزل هذا الأمر والحمد لله، وصارالمؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله أو قال أو أصرَّ عليه بقلبه عملاً من قلبه، كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق، ونحو ذلك، أما الخواطر التي تعرض والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين ، هذه لا تضرُّ، بل هي عارض من الشيطان ولا تضر، ولهذا لما قال الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا يجد في قلبه ما لأن يخرَّ من السماء أسهل عليه من أن ينطق به، أو كما قالوا: قال ذَاكَ صَرِيحُ الِإيمَانِ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحَدِّثُ أَنْفُسَنَا باِلشَّيْءِ لَأنْ يَكُونَ أَحَدُنَا حُمَمَةً أَحَبُّ إلَِيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بهِِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا: الْحَمْدُ للَِّهِ الَّذِي لَمْ يَقْدِرْ مِنْكُمْ إلاَّ عَلَى الْوَسْوَسَِة وَقَالَ: الآخَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ أَمْرَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص، وصحة الإيمان والرغبة فيما عند الله، وسوس عليه بعض الشيء وألقى في قلبه خواطر خبيثة، فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان سلم من شرِّها، ولهذا جاء في الحديث الآخر، يقول عليه الصلاة والسلام : لا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَْيءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ قَالَ: فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلكَِ فَلْيَقُلْ: آمَنت بِاللَّهِ ورسله وفي لفظ: فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ وَلْيَنْتَهِ هذا يدلنا على أن الإنسان عرضة لوساوس الشيطان فإن عرض له وساوس خُبْث وخطرات منكرة فليبتعد عنها وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينته ولا يلتفت إليها فإنها باطلة ولا تضره وهي من الخطرات التي عفا الله عنها سبحانه وتعالى .
إظهار النتائج من 131 إلى 140 من إجمالي 8502 نتيجة.