عرض وقفات التساؤلات

  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴿٤٣﴾    [النساء   آية:٤٣]
س: الأخت م. م. ز. ج. من تبوك ، تسأل عن تفسير قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ؟ ج: الصواب في ذلك أن معناه الجماع، لامَسْتُمُ جامعتم، أما اللمس الذي ليس فيه جماع ، كونه يقبلها، أو يلمسها بيده، فالصواب أنه لا ينقض الوضوء، هذا هو المعتمد، وللعلماء في هذا أقوال ثلاثة، أحدها أن اللمس ينقض الوضوء مطلقاً، والثاني أنه ينقض إذا كان بشهوة، كأن يقبلها أو يلمسها بشهوة، والقول الثالث: أنه لا ينقض مطلقاً، المسيس لا ينقض الوضوء مطلقاً، سواءً قبلها أو لمس يداً أو غير اليد من بدنها، الصواب أنه لا ينقض الوضوء، إذا لم يخرج منه شيء، إذا لم ينزل مذياً ولا منيّاً، فإن مجرد اللمس لا ينقض الوضوء، إذا لم يكن معه خروج شيء، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَبَّلَ بَعْضَ نسَِائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَِى الصَّلاَة وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ولأن ابن عباس والجماعة فسروا الملامسة بالجماع، فالصواب أن الملامسة المراد بها الجماع ؛ لأن الله جل وعلا ، نبه على الحدث الأصغر بقوله: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ هذا في الحدث الأصغر ثم أشار إلى الحدث الأكبر بقوله: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ هذا إشارة إلى الحدث الأكبر، وليس المراد المسيس باليد، الذي ذكره بعض أهل العلم، وأنه ينقض الوضوء، وبهذا يعلم أن الملامسة في الآية المراد بها على الصحيح الجماع، وليس المراد لمس اليد، فمس اليد لا ينقض الوضوء، وهكذا مس غير اليد كالرِجل والفم بالتقبيل، لا ينقض الوضوء على الصحيح .
  • ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴿٦٤﴾    [النساء   آية:٦٤]
  • ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٦٥﴾    [النساء   آية:٦٥]
س: قال الله تعالى: (الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 110) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا والسؤال هو أن بعض المسلمين يأخذون بهذه الآية، وأنه لا حرج على المسلم أن يذهب ويشد الرحل إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله أن يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في قبره فهل هذا العمل صحيح، كما قال تعالى، وهل معنى جاءوك باللغة أنهم جاءوك في حياتك، أم في موتك وهل يرتد المسلم عن الإسلام إذا لم يحكّم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل التشاجر هنا عن الدنيا أم عن الدين؟ ج: هذه الآية المراد بها في حياته صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو المنافقين وغيرهم إلى أن يأتوا إليه ليعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى الله عز وجل، ويطلبوا منه عليه الصلاة والسلام ، أن يسأل الله أن يقبل توبتهم، وأن يصلح أحوالهم، ولهذا قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ طاعة الرسل بإذن الله، من أذن الله وأراد هدايته اهتدى ومن لم يرد الله هدايته لم يهتد، فالأمر بيده سبحانه وتعالى، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ثم قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ يعني عليه الصلاة والسلام فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ يعني تائبين نادمين لا بمجرد القول وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ أي دعا لهم بالمغفرة، لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا فهو حث لهم، على أن يأتوا للنبي صلى الله عليه وسلم، ليعلنوا عنده توبتهم، وليسأل الله لهم، وليس المراد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، كما يظنه بعض الجهال، لا، وإنما بعد موته لا يؤتى لهذا الغرض، وإنما يؤتى للسلام عليه لمن كان في المدينة أو وصل إليها من خارجها، بقصد الصلاة في المسجد والقراءة فيه ونحو ذلك، فإذا أتى المسجد سلّم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه، لكن لا يشد الرحل من أجل زيارة القبر فقط، بل من أجل المسجد، وتكون الزيارة لقبر الرسول وقبري صاحبيه تبعاً لزيارة المسجد الحرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ : المَسْجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسََّلمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى فالقبور لا يشد لها الرحال ولكن متى وصل المسافر إلى المسجد وفي نيته السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه أو ليس في نيته ذلك، فإنه يشرع له أن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسلم على صاحبيه رضي الله عنهما، لكن لا يشد الرحل لأجل الزيارة فقط، يعني زيارة القبر فقط للحديث السابق، وأمَّا ما يتعلَّق بالاستغفار والتوبة، فهذا يكون في حياته لا بعد وفاته والدليل على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لم يفعلوا ذلك وهم أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأفقه الناس بسنته، ولأنه صلى الله عليه وسلم لا يملك ذلك بعد وفاته كما قال عليه الصلاة والسلام: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ : إلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بهِِ، أَوْ وَلَدٍ صَالحٍِ يَدْعُو لَهُ وأخبر عليه الصلاة والسلام : أن من صلى عليه تعرض صلاته عليه ، عليه الصلاة والسلام ، هذا شيء خاص فيما يتعلق بالصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام ، من صلى عليه صلى الله بها عليه عشراً، وقال عليه الصلاة والسلام : مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ، فَإنَِّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلاَتُنَا وَقَدْ أَرِمْتَ؟ - يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ، قَالَ: إنَِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الَأرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ هذا خاص بالصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام ، وفي اللفظ الآخر إنَِّ لِلَّهِ فِي الَأَرْضِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ، يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلاَمَ هذا شيء خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، أنه يبلغ ذلك. وأما أن يأتي من ظلم نفسه؛ ليتوب عند القبر ويستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو منكر ولا يجوز وهو وسيلة للشرك وسيلة أن يأتي فيسأله الشفاعة أو يسأله شفاء المريض أو كذا أو كذا، أو يسأله أن يدعو له، وهذا لا يجوز لأن هذا ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ولا من خصائص غيره، فكل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة ، لا النبي عليه الصلاة والسلام ولا غيره، إنما الشفاعة تطلب منه في حياته صلى الله عليه وسلم، فيقول الرجل: يا رسول الله اشفع لي أن يغفر الله لي، اشفع لي أن يشفي الله مريضي، أن يرد غائبي، أن يعطيني كذا وكذا، وهكذا يوم القيامة، بعد البعث والنشور؛ لأنهم أحياء فإن الناس يأتون آدم ليشفع لهم، حتى يقضى بينهم فيعتذر، ويحيلهم إلى نوح فيعتذر نوح ثم يحيلهم إلى إبراهيم فيعتذر، ثم يحيلهم إلى موسى فيعتذر ثم يحيلهم موسى إلى عيسى ، فيعتذر عليهم الصلاة والسلام ، ثم يحيلهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها فيتقدم ويسجد تحت العرش، عليه الصلاة والسلام ، ويحمد ربَّه بمحامد عظيمة، ثم يشفع في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم وهكذ يشفع في أهل الجنة، حتى يدخلوا الجنة لأنه حي قائم موجود، أمَّا في البرزخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فلا يُسأل الشفاعة ولا يُسأل أن يستغفر للناس، ولا يُسأل شفاء المريض ولا رد الغائب ولا غير ذلك من الأمور وهكذا بقية الأموات، لا يسألون شيئاً من هذه الأمور، بل يدعى لهم ويستغفر لهم إذا كانوا مسلمين، كذلك قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية على ظاهرها يعني لا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يجب على المسلم أن يحكّم شرع الله في كل شيء ، فيما يتعلق بالعبادات وفيما يتعلق بالمعاملات، في جميع الشؤون؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ ويقول عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ هذا عام لجميع الشؤون ولهذا قال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ يعني الناس يعني المسلمين، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يعني يحكِّموا السنة بعد وفاته، يحكموه في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته يكون التحكيم لسنته مع القرآن العظيم، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ يعني فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم أن يحكموا القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد وفاته يحكموا سنته التي هي شرح القرآن، وتفسير القرآن والدالة على معانيه، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا يعني يجب أن تنشرح صدورهم، وألاّ يبقى في صدورهم حرج من حكمه عليه الصلاة والسلام ؛ لأن حكمه هو الحق الذي لا ريب فيه، فالواجب التسليم له وانشراح الصدر بذلك، وعدم الحرج بل يسلم المؤمن بذلك تسليماً كاملاً، راضياً بحكم الله مطمئناً إليه، هذا هو الواجب على جميع المسلمين فيما شجر بينهم من الدعاوى والخصومات، سواء كانت تتعلق بالعبادات أو بالأموال أو بالأنكحة، أو بالطلاق أو بغيرها من شؤونهم، والإيمان هنا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ هو أصل الإيمان بالنسبة إلى تحكيم الشريعة، والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس فلا بدّ من هذا، فمن زعم شيئاً يحكم بغير ذلك، وأنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء والأجداد أو إلى القوانين الوضعية التي وضعها الرجال، سواء كانت شرقية أو غربية، من زعم أن هذا يجوز، فإن الإيمان منتفٍ عنه، وهذا كفر أكبر، فإذا رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه، ولكن لو حكم كان أفضل، أو يرى أن القانون أفضل، أو يرى أن القانون مساوٍ لحكم الله، كل هذا ردة عن الإسلام ، وهي ثلاثة أحوال: - الحالة الأولى: أن يقول: إن الشرع أفضل، لكن لا مانع من تحكيم غير الشرع، هذا ردة أيضاً ولو قال: إن الشرع أفضل. - الحالة الثانية: أن يقول: إن الشرع والقانون سواء ولا فرق فهذا ردة أيضاً. - الحالة الثالثة: أن يقول: القانون أفضل وأولى من الشرع وهذا أردأ الثلاثة وأقبحها وهو كفر أيضاً وردة عن الإسلام ، أما الذي يرى أن الواجب تحكيم الشرع، وأنه لا يجوز تحكيم القانون ولكنه حكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه، ضد المحكوم عليه أو لرشوة أو ما أشبه ذلك من الأسباب، وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع، هذا يكون نفي الإيمان في حقه نفي الإيمان الواجب، لا أصل الإيمان؛ لأنه مؤمن مسلّم بأن حكم الله هو الحق، وأنه عاصٍ بعمله، ولكنه حمله على حب المال، حتى حكم بغير ما أنزل الله، بسبب الرشوة أو العداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو لمحبة المحكوم له وقرابته ونحو ذلك، فيكون هذا منكراً عظيماً، وكبيرة عظيمة ونوعا من الكفر، لكنه مثل ما قال ابن عباس : كفرٌ دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وهكذا قال مجاهد وجماعة: قالوا: إن الحكم في هذا كفر أصغر، وفسق أصغر، وظلم أصغر؛ لأنه مؤمن بحكم الله، مقتنع به، يعلم أنه الحق، وأن ما حُكم به حكم باطل، وأنه عاصٍ لله، فلهذا صار بذلك ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، قد نُفي الإيمان عنه، الإيمان الواجب الكامل، لا نفي لأصله، الذي يجعله مرتدّاً، وهذا هو الحق الذي عليه جمهور أهل العلم، الذي لا ريب فيه أنه معتمد، ولا شك أن الحكم بغير ما أنزل الله الذي وقعت فيه دول كثيرة هو من المنكرات العظيمة، فهي بهذا العمل إذا كانت ترى أن حكم القانون أفضل وأولى أو أنه مساوٍ لحكم الله، أو أنه يجوز الحكم به فهذا كفر أكبر، وردة عن الإسلام- أعوذ بالله- بإجماع المسلمين ولا نزاع في هذا وإنما الكلام إذا كانوا يعلمون أنهم مخطئون، وأنهم عاصون بهذا الأمر، ولكن فعلوه لهوىً أو لإرضاء بعض الشعب، أو لأسبابٍ أُخرى، فعلوه لا يعتقدون حلّ ما فعلوه، بل يعلمون أنهم عاصون فيما فعلوا، ولكن فعلوه كما يفعل القاضي الذي يأخذ الرشوة، أو حَكَمَ لقريبه على غير قريبه، ويعلم أنه عاصٍ ومخالف لحكم الله، فإنه لا يرتد بذلك، ولكن يكون عاصياً وقد أتى كفراً دون كفر وظلماً دون ظلم وفسقاً دون فسق، وهذا معنى كلام السلف كابن عباس وغيره. وإثارة هذا الموضوع مرة بعد مرة مهم جدّاً، لينتبه العالم الإسلامي لهذا الأمر، ولينتبه الحكّام نسأل الله لنا ولهم الهداية، والمشاجرة في الآية فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ تَعُمّ، مثل المشاجرة التي تقع بين الناس في أمور دنياهم كالبيع والشراء، والبنايات وأشباه ذلك، وقد تكون مشاجرة لمعرفة حكم الله في العبادات وغيرها، يتشاجرون فهذا يقول: هذا حرام، وهذا يقول: هذا مباح وهذا يقول: هذا واجب وهذا يقول: غير واجب، فالمرد في هذا إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا إلى أهواء الناس وعاداتهم وآرائهم .
  • ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴿٧٩﴾    [النساء   آية:٧٩]
س: يقول السائل: اشرحوا لي قول الحق تبارك وتعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ج: معناها أن ما أصابك من حسنة فمن الله، هو الذي تفضّل بها عليك، وهداك لها وأعانك عليها، وهو المتفضل سبحانه، وهو الجواد الكريم، وقد سبق بها القدر، مع هذا تفضل عليك وأعانك عليها، وهداك لها حتى فعلتها: من صلاة وغيرها، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، من معصية أو غيرها، فمن أسباب نفسك، من معاصيك أو تساهلك عن القيام بالواجب، وقد سبق في علم الله أنها تقع، لكن أنت بأفعالك السبب، في وقوعها من معاصيك أو تفريطك وعدم أخذك بالأسباب الشرعيّة، فإذا سُرق مالك، فلأنك ما أقفلت الباب، أو ما فعلت ما ينبغي من حراسته، فأنت السبب، وكذلك إذ وقعت في المعصية، فأنت السبب، لأنك أنت الذي فعلتها، وأنت الذي تساهلت فيها وأنت الذي سعيت إليها، وإن كان بقدر سابق، لكن من أسبابك، أنت لك أسباب، لك فعل، لك قدرة، لك عقل، فمن نفسك وإن كانت بقدر الله، ولهذا قال بعدها: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني بقدر الله لكن الطاعة من فضله، والمعصية من أسباب تفريطك، وأسبابك الأخرى التي تساهلت بها حتى وقعت المعصية أو وقع المرض، أو وقعت السرقة أو وقع الهدم أو الانقلاب، أو ما أشبه ذلك .
  • ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٩٧﴾    [النساء   آية:٩٧]
س: تسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ؟ ج: هذه الآية الكريمة ذكر العلماء أنها نزلت في أناس تخلفوا في مكة ، ولم يهاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كانت غزوة بدر أجبرهم الكفار على الخروج معهم، وحضروا القتال، فنزلت الآية الكريمة فيهم لما قتل من قتل منهم وهي قوله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ المعنى ظالمو أنفسهم بالإقامة بين ظهراني المشركين وهم قادرون على الهجرة: قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ يعني قالت لهم الملائكة فيما كنتم قالوا: كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ يعني في أرض مكة ، قالوا: قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً يعني قالت لهم الملائكة : ألم تكن أرض الله واسعة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا الآية، فهم متوعدون بالنار؛ لأنهم أقاموا في أرض الكفار من دون عذر ، وكان الواجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام، إلى المدينة المنورة ، فلمّا أُجبروا على الخروج يعني أكرهوا، صار ذلك ليس عذراً لهم وكان عملهم سبباً لهذا الإكراه، وسبباً لهذا الخروج فجاء فيهم هذا الوعيد، لكونهم عصوا الله بإقامتهم مع القدرة على الهجرة، ولم يكفروا لأنهم مكرهون، أخرجوا إلى ساحة القتال ولم يقاتلوا ولكن قُتلوا، قُتل من قُتل منهم، أما لو قاتلوا مختارين، راضين غير مكرهين لكانوا كفاراً؛ لأن من ظاهر الكفار وساعدهم يكون كافراً مثلهم، لكن هؤلاء لم يقاتلوا وإنما أكرهوا على الحضور، وتكثير السواد فقط فقُتلوا من غير أن يقاتلوا، وقال آخرون من أهل العلم إنهم كفروا بذلك؛ لأنهم أقاموا من غير عذر، ثم خرجوا معهم وفي إمكانهم التملص، والخروج من بين الكفرة في الطريق، أو حين التقاء الصفين، وفي إمكانهم أن يلقوا السلاح ولا يقاتلوا، وبكل حال فهم بين أمرين، من قاتل منهم وهو غير مكره فهو كافر، حكمه حكم الكفرة الذين قتلوا، وليس له عذر في أصل الإكراه؛ لأنه لما أكره باشر وقاتل، وأراد مساعدة الكفار فصار معهم وصار مثلهم، ودخل في قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم بالسلاح أو بالمال ، فإنه يكون كافراً مثلهم، مرتداً عن الإسلام ، أما من أكره ولم يُقاتل ولم يرضَ بقتال أهل الإسلام ، ولم يوافق على ذلك ولكن أجبر وأكره بالقوة والربط والإكراه، حتى وصل إلى ساحة القتال، ولم يقاتل فهذا يكون عاصياً بأصل إقامته ومتوعداً على ذلك بالنار، لأنه أقام معهم من دون عذر، ولهذا ذكر ابن كثير رحمه الله وجماعة آخرون من أهل العلم، أن الإقامة بين أظهر الكفار وهو عاجز عن إظهار دينه، محرّمة بالإجماع، ليس للمسلم أن يقيم بين الكفار وهو يقدر على الهجرة، وهو لا يستطيع إظهار دينه بل هو مغلوب على أمره، فإنه يجب عليه أن يهاجر بإجماع المسلمين لهذه الآية الكريمة؛ لأن الله وصفهم بأنهم ظلموا أنفسهم بهذه الإقامة وتوعدهم بالنار، فدل ذلك على أنهم قد عصوا الله في هذه الإقامة. والهجرة لم تنقطع ما دام هناك دينان، الهجرة باقية وإنما الذي انقطع الهجرة من مكة ، لمّا فتحت، قال النبي فيها: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا يعني من مكة لأنها صارت بلد إسلام، بعد ما فتحها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، صارت بلد إسلام، فقال فيها صلى الله عليه وسلم: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ يعني من مكة بعد فتحها، أما الهجرة في أصلها فهي باقية ولهذا جاء في حديث آخر: لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّْمسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فكل بلد ظهر فيها الكفار، ولم يستطع المسلم فيها إظهار دينه، ولا إقامة دينه وهو يستطيع الخروج، فإنه يلزمه أن يهاجر، فإن أقام كان عاصياً بالإجماع، أمّا المستضعف من الرجال والنساء والولدان فقد عذرهم الله وهم الذين لا يستطيعون حيلة، لعدم النفقة أو لأنهم مقيدون مسجونون، أو لا يهتدون سبيلاً؛ لأنهم جهال بالطريق لا يعرفون الطريق، لو خرجوا هلكوا، لا يعرفون السبيل فهم معذورون، حتى يسهل الله لهم فرجاً ومخرجاً من بين أرض المشركين، والله المستعان .
  • ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٩٧﴾    [النساء   آية:٩٧]
س: يسأل الأخ عن تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ج: هذه الآية ذكر علماء التفسير أنها نزلت فيمن جلس في أرض للمشركين، ولم يهاجر من دون عذر، فإنه قد ارتكب إثماً عظيماً، بإجماع المسلمين كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره، فالملائكة تقول لهم: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، يعني لماذا لم تهاجروا وتتركوا بلاد الشرك؟ وهذه البلاد التي لا يظهر فيها الإنسان دينه ولا يستطيع أن يظهر دينه، فهذا لا يجوز له الإقامة بينهم، بل يجب عليه أن يهاجر إلا إذا كان عاجزاً؛ لكونه لا يهتدي السبيل وليس عنده نفقة لمن يدله على الطريق، هذا معذور لقوله تعالى: إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا لا يستطيعون حيلة لعدم النفقة، ولا يهتدون السبيل لعدم دله الطريق لو خرجوا، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا فهؤلاء هم الذين جلسوا في بلاد الشرك ولم يهاجروا مع القدرة، فالله توعّدهم بجهنم، نسأل الله العافية .
  • ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٩٧﴾    [النساء   آية:٩٧]
س: هذا السائل س. من الأردن ، يستفسر عن الآية الكريمة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ؟ ج: هذه الآية فيمن تخلّف عن الهجرة بغير عذر شرعي، والله جل وعلا عتب عليهم، ذلك الواجب على من كان بين المشركين ولا يظهر دينه أن يهاجر، ولا يجوز له التأخر فسمّاهم ظالمي أنفسهم يعني بترك الهجرة؛ لأنّ ترك الهجرة مع القدرة معصية، والواجب على من كان بين المشركين أن يهاجر وينتقل إلى بلاد المسلمين إذا قدر لدلالة الآية الكريمة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلمٍِ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ؟ قَالَ: لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ فالواجب على من كان بين المشركين أن ينتقل وأن يهاجر إذا استطاع ذلك: إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا من عجز فلا حرج عليه، لكن من قدر أن ينتقل من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام وجب عليه أن يهاجر، وصار بقاؤه بين المشركين ظلماً لنفسه ومعصية يستحق عليها العقوبة، وبهذا توعدهم الله بالنار .
  • ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴿١٠٥﴾    [النساء   آية:١٠٥]
س: قال جل جلاله في كتابه العزيز: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ هل معنى هذا أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بكتاب الله ولا يجتهد رأيه، فيما لم ينزل عليه كتاب، وهل اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ج: الله جل وعلا أمره أن يحكم بينهم بما أنزل الله قال تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فهو مأمور بالحكم بينهم بما أنزل الله، وكان يحكم بينهم بما أنزل الله عليه الصلاة والسلام ، فإذا لم يكن هناك نصّ عنده اجتهد عليه الصلاة والسلام وحكم بما يظهر له من الأدلة الشرعية كما قال في الحديث الصحيح: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَِقِّ مُسْلمٍِ، فَإنَِّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا معنى هذا أنه قد يجتهد في الحكم، لأنه لم ينزل عليه فيه شيء، فمن عرف أن الحكم ليس بمطابق وأن الشهود زور، فقد أخذ قطعة من النار، فليحذر ذلك وليتق الله في ذلك، ولو كان الرسول هو الحاكم عليه الصلاة والسلام ؛ لأنّ الحاكم ليس له إلا الظاهر، من ثقة الشهود وعدالة الشهود ، أو يمين المدعى عليه، فإذا كان المدعي أحضر شهوداً يعلم أنهم قد غلطوا ولو كانوا ثقات، وأن الحق ليس له، ولكنه كاذب أو يعلم أنهم شهود زور، ولكن القاضي اعتبرهم عدولاً، لأنهم عُدّلوا عنده، وزُكُّوا عنده فإن هذا المال الذي يحكم به له أو القصاص كله باطل بالنسبة إليه، وهو قد تعدّى حدود الله وظلم وإن حكم له القاضي لأن القاضي ليس له إلا الظاهر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَِقِّ مُسْلمٍِ، فَإنَِّمَا هِيَ قطِْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا فالنبي صلى الله عليه وسلم يحكم بما أنزل الله إليه ، فيما أوحاه إليه، وما لم يكن فيه نصّ اجتهد فيه عليه الصلاة والسلام ، حتى تتأسى به الأمة .
  • ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾    [النساء   آية:٤٨]
س: يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ج: هذه الآية آيةٌ عظيمة، وهي آيةٌ محكمة نزلت في أهل الشرك إذا ماتوا على الشرك، إذا مات المشرك على شركه، لا يغفر له، أمّا إذا أسلم وتاب إلى الله فيغفر له لكن إذا مات على الشرك فإنه لا يغفر له، ولهذا قال سبحانه في هذه الآية، في موضعين من سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ يعني لا يغفر له ذنوبه، بل يدخله النار كما قال في الآية الأخرى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ فالمشرك إذا مات على الشرك لا يغفر له بل له النار أبداً، أبد الآباد وجنته عليه حرام، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فالمقصود أن الشرك هو أعظم الذنوب، وأقبح القبائح فمن مات عليه ولم يتب لا يغفر الله له، وجنته عليه حرام بنص هذه الآية، وهو قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ثم قال سبحانه: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ يعني ما دون ذلك من الذنوب، كالزنى والعقوق والخمر ونحو ذلك، تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر لصاحبه يوم القيامة بأعماله الصالحة الأخرى، وبحسناته الأخرى، فضلاً من الله وجوداً وكرماً وإن شاء عاقبه على قدر معاصيه التي مات عليها من عقوق لوالديه أو أحدهما ومن شرب المسكر ومن زنى ومن غيبة ومن نميمة ومن غير ذلك، ثم قال: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا وفي الآية الأخيرة من سورة النساء: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا فالمشرك ضال ضلالاً بعيداً، وقد افترى على الله إثماً عظيماً، حين ظن أن الله يجيز هذا الشيء، ويرضاه فعبد الأنداد والأصنام من دون الله يظن أن هذا مرضي لله، وهذا باطل قد افترى على الله إثماً عظيماً، بهذا الظن السيء والخلاصة أن من مات على الشرك، لا يغفر له والجنة عليه حرام، من عرب وعجم ومن جن وإنس، ومن مات على ما دون الشرك، من المعاصي فهو تحت مشيئة الله، خلافًا للمعتزلة والخوارج ومن سار على مذهبهم، من سائر المبتدعة فإن الخوارج والمعتزلة ومن سار على مذهبهم، يرون أن العاصي مخلد في النار وأنه لا يغفر له إذا مات على الزنى يرونه مخلداً في النار، أو الخمر يرونه مخلداً في النار، هذا باطل؛ لأنه تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له، ومحى عنه سيئته، وأدخله الجنة بتوحيده وإسلامه، وأعماله الصالحة الأخرى، وإن شاء عذّبه على قدر معاصيه، يعذب في النار ما شاء الله ثم يُخرج من النار عند أهل السنة والجماعة، وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، يعذّب ما شاء الله فقد تطول مدته وقد تقصر على حسب أعماله السيئة، ثم يُخرج من النار، ولا يخلد في النار إلا المشركون والكفرة، أمّا العاصي الموحّد المسلم، لا يخلّد في النار ، إذا دخلها يعذب على قدر معاصيه التي مات عليها ولم يتب، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة عند أهل الحق، عند أهل السنة والجماعة بإجماع أهل السنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن سار على منهجهم، فالمقصود أن هذا القول باطل، وأنّ العاصي المسلم الموحد، تحت مشيئة الله لا يكفر ولا يخلد في النار، الخوارج يقولون كافر، من زنا كفر، إذا سرق كفر، إذا شرب الخمر كفر، وهذا باطل بل يكون عاصياً وليس كافراً، لكن إيمانه ضعيف، ولهذا جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إلَِيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ يعني إيمانه الكامل، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، يعني إيمانه الكامل، عنده أصل الإيمان، لكنه عاص، إيمانه ضعيف، ولهذا نفي عنه كماله، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم، لم يحكم على الزاني بالرِّدة، ولا على السارق بالرِدة، بل جاء النص في القرآن أن الزاني يجلد مئة جلدة ، يعني إذا كان بكراً والزانية كذلك، وإذا كان الزاني محصناً فإنه يرجم كما صحّتْ به السنة، ونزل به القرآن، الذي نسخ لفظه وبقي حكمه فهو جلد حدّاً ورجم حدّاً، وصلّى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لما رجموا، والسارق تقطع يده وليس بكافر ولو كان كافراً يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ولو كان السارق كافراً قتل، ما قطعت يده، وهكذا شارب الخمر لو كان كافراً قتل، ولكن يجلد أربعين جلدة ثم رأى عمر رضي الله عنه والصحابة جعلها ثمانين، يجلد ثمانين جلدة فقول الخوارج والمعتزلة من أبطل الباطل، فليس بكافر، الأصل أنه كان موحداً يعبد الله وحده، وليس عنده ناقض من نواقض الإسلام ، وليس مخلداً في النار، إذا مات على معصيته وهو موحد مسلم، ولكنه إذا لم يعف الله عنه يعاقب على قدر ذنبه، حسب حكمة الله ومشيئته سبحانه وتعالى، ثم يخرجه الله من النار، بعد التطهير والتمحيص إلى الجنة، ولا يخلد في النار إلا الكفار، الذين حكم الشرع بكفرهم، وخروجهم من الإسلام أو ارتدوا بعد إسلامهم، ارتدوا عن الإسلام وصاروا كفاراً، هؤلاء يخلّدون في النار، بإجماع المسلمين كما قال تعالى في حقهم، وأشباههم: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ وقال في حقهم: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ هذا هو الحق وهذه مسألة مهمّة عظيمة، يجب على كل من كان عنده شيء من إشكال، أن يعتني بهذا المقام، وأن يعرف حقيقة مذهب أهل السنة والجماعة، وأن يحذر قول الخوارج والمعتزلة ، ومن سار على منهجهم، من الباطل الذين يقولون إن العاصي كافر، كالزاني ونحوه، أو يقولون إنه مخلدٌ في النار، كل هذا باطل فالعاصي المسلم الموحد، ليس بكافر وليس مخلداً في النار ، ولكن إن دخلها يعذب على قدر جريمته، ثم يُخرج منها إلى الجنة كما تواترت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه أهل السنة والجماعة، وثبت عنه لكُِلِّ نَبيٍِّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَْن مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشِْركُ بِاللَّهِ شَيْئًا في الصحيحين وغيرهما أنه يشفع في العصاة شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي عدة شفاعات فيخرج الله من النار أقواماً كثيرين، قد امتحشوا، قد احترقوا، يخرجهم الله بشفاعته عليه الصلاة والسلام ، ويخرج الله أيضاً من النار، بشفاعة الملائكة والأنبياء الآخرين، والرسل والمؤمنين والأفراط، يخرج الله جمّاً غفيراً من النار بالشفاعة، ولا يبقى في النار موحّد، وبعد الشفاعات يقول جل وعلا بعد شفاعة الأنبياء وشفاعة الملائكة ، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة أحد، يخرجهم من النار سبحانه لأنهم كانوا يقولون لا إله إلا الله، موحّدين مسلمين دخلوا النار بمعاصيهم، فلما عوقبوا بقدر معاصيهم، أنقذهم الله من النار، بتوحيدهم وإسلامهم وسلامتهم من الشرك، هذا هو قول أهل الحق، من أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم، بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا من أتباعهم بإحسان، فالواجب على كل مؤمن وطالب العلم أن يعتني بهذا المقام، حتى يبصّر الناس وحتى يوضح لهم، بطلان قول المبتدعة من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب ومن سار على مذهبهم الباطل، نسأل الله للجميع الهداية .
  • ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾    [النساء   آية:٤٨]
س: فسّروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ؟ ج: هذه الآية على ظاهرها، يخبر سبحانه وتعالى أنه لا يغفر الشرك لمن مات عليه، إذا مات يسبّ الدين أو يسأل الأموات، ويستغيث بالأموات أو الملائكة أو بالجن أو بالأصنام، يدعوهم، يسألهم النصر، يسألهم الغوث وشفاء المرضى إلى غير هذا، هذا إذا مات على هذا العمل لا يغفر له، ومصيره إلى النار نعوذ بالله ، وهكذا على الصحيح لو مات تاركاً للصلاة، لا يصلي، يكون لا يغفر له، مات على الكفر بالله، أو مات جاحداً للصلاة، جاحداً للزكاة، جاحداً لصيام رمضان، جاحداً للحج مع الاستطاعة، يكون من أهل النار لا يغفر له، نعوذ بالله، أو مات يسبّ الدين، أو يستهزئ بالدين، أو ينكر الآخرة، والجنة أو النار، هذا كله كفر بالله وشرك به سبحانه، من مات عليه فإنه لا يغفر له أبداً، نسأل الله العافية بل له النار أبد الآباد، أمّا من مات على المعصية، التي دون الشرك، مات على الزنى، ما تاب، أو على الخمر أو على الربا، أو عقوق الوالدين أو أحدهما، أو قطيعة الرحم، أو ما أشبه ذلك من المعاصي ولم يتب، هذا تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له سبحانه بتوحيده، وإسلامه وطاعاته الأخرى، وإن شاء ربّنا سبحانه أدخله النار، وعذبه فيها على قدر المعصية، التي مات عليها ثم يخرج من النار إلى الجنة بعد ما يمحّص في النار ويطهر، والناس في النار على حسب أعمالهم، منهم من تطول مدته ويخلد فيها خلوداً له نهاية، ومنهم من لا تطول مدته لقلة معاصيه، إذا دخل النار قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ فذكر أنه يخلد المشرك والزاني والقاتل، لكن الخلود مختلف، خلود المشرك لا ينتهي أبداً، وخلود القاتل إذا كان ما استحل القتل، والزاني إذا كان ما استحل الزنى، بل مات على معصية، هذا خلود له نهاية، إذا انتهت المدة التي أرادها الله، خرج من النار، بعد التطهير والتمحيص، وهكذا قوله جل وعلا وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا هذا جزاؤه إن جازاه، وإن عفا عنه سبحانه، فهو العفو الغفور، وإن جازاه لأنه مات على التوحيد والإيمان، لكنه قاتل فهذا لخلوده نهاية، ما هو مثل خلود الكفار، إذا انتهت المدة أخرجه الله من النار، بتوحيده وإسلامه الذي مات عليه، وهكذا بقية العصاة الذين دخلوا النار، لهم مدة ينتهون إليها، ثم يخرجون، إمّا بشفاعة الشفعاء كالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بشفاعة الملائكة أو الأفراط أو المؤمنين، وبعضهم يخرج بدون شفاعة أحد، بل برحمة الله فقط، إذا طالت المدة رحمه الله، وأخرجه سبحانه، من دون شفاعة أحد.
  • ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴿١٠٦﴾    [يوسف   آية:١٠٦]
س: عن قوله تعالى وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ فما هو معنى الآية ؟ وما هو المراد بالشرك في الآية الكريمة ؟ . جـ: قد أوضح العلماء معناها كابن عباس وغيره ، وأن معناها أن المشركين إذا سئلوا عمن خلق السماوات والأرض ومن خلقهم يقولون الله ، وهم مع هذا يعبدون الأصنام والأوثان كاللات والعزى ونحوهما ، ويستغيثون بها ، وينذرون ويذبحون لها . فإيمانهم هذا هو توحيد الربوبية ، ويبطل ويفسد بشركهم بالله تعالى ولا ينفعهم ، فأبو جهل وأشباهه يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وخالق السماوات والأرض ، ولكن لم ينفعهم هذا ؛ لأنهم أشركوا بالله بعبادة الأصنام والأوثان . هذا هو معنى الآية عن أهل العلم .
إظهار النتائج من 161 إلى 170 من إجمالي 8502 نتيجة.