س: هل من لا يطبّق حكم الله، يطلق عليه لفظ كافر، كما قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ أم أن هذا اللفظ لمن يقول: بأن حكم الله لا يصلح لهذه الدُّنيا نرجو الإفادة؟
ج: يطلق عليه أنه كافر وظالم وفاسق، لكن إن كان يرى أن حكم الله لا يصلح، أو أنه يجوز تحكيم القوانين، فهذا كفر أكبر، فإن كان لا يرى ذلك، لكنه يفعل ذلك عن معصية، وعن هوى فهو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، فإطلاق الكفر عليه والظلم والفسق جائز على الأحوال الثلاثة، لكن إذا كان استجاز الحكم بغير ما أنزل الله واستباحه، سواء قال: حكم الله أفضل، أو مُسَاوٍ أو قال: إنّ حكم الطاغوت أفضل، فهو بهذا مرتد وكفره كفر أكبر، وظلم أكبر وفسق أكبر، أمَّا إذا حكم بغير ما أنزل الله لهوىً في نفسه، على المحكوم عليه أو لمصلحة المحكوم له، أو لرشوة أخذها من المحكوم له، فهذا كله يكون من باب الكفر الأصغر، والظلم الأصغر والفسق الأصغر، وإن أُطلق عليه الكفر فهو بهذا المعنى من باب الزجر .
س: الأخ/ ع. م. من جمهورية مصر العربية ، يسأل ويقول: ما تفسير قول الحق تبارك وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ؟
ج: المعروف عند أهل العلم مثل ما قال ابن عباس : إنه كفر دون كفر، إذا كان يعتقد أن حكم الله هو الواجب، وأن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز، ولكن حكم بغير ما أنزل الله لأسباب أخرى، فإنه حينئذ يكون فاسقاً وظالماً وكافراً، لكنه ظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكفر دون كفر، لأنه يعرف أنه ظالم وأنه مخطئ وأنه عاص لله، ولكن حمله على الحكم بغير ما أنزل الله أسباب، اعتقد أنها مبرّرة لعمله السيئ، كأخذ الرشوة ووجوده في الأمارة، والسلطنة وما أشبه ذلك، فهذا كفر
دون كفر وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، أما من حكم بغير ما أنزل الله يعتقد جواز ذلك ، أو أنه أفضل من حكم الله، فهذا كافر كفراً أكبر، بعض الناس- نعوذ بالله- يعتقد أن الحكم بما أنزل الله مضى زمانه وأنه لا يليق، بهذا الزمان وهذا من أعظم الكفر- نسأل الله العافية- كذلك لو اعتقد أنه يسوغ، أو أنه مفضول ولكن يسوغ يقول حكم الله أفضل كل هذا كفر، لابد أن يعتقد أن حكم الله هو الواجب، هو اللازم، وأن الحكم بغير ما أنزل الله، أمر يجب طرحه ويجب تركه، وأنه منكر فأمّا إذا استساغه وجوّزه، وله رأى أن الشريعة أفضل منه، فإنه يكون كافراً- نسأل الله العافية-
س: تقول السائلة فسّروا لنا قول الحق تبارك وتعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ وهل كفارة اليمين يجب أن تكون بالترتيب؟
ج: الآية الكريمة فسّرها أهل العلم وبينوا معناها وهي قوله سبحانه
في سورة المائدة:: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ وفي سورة البقرة: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ فما عقد عليه القلب وكسبه القلب، فالعبد مؤاخذ به من الأيمان، وكفارته كما بين الله في سورة المائدة، إطعام عشرة مساكين، بما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة، هذه مخيّرة، ليس فيها ترتيب، إن شاء كفَّر بالإطعام وإن شاء كفَّر بالكسوة، وإن شاء كفَّر بالعتق، فهو مخيّر؛ لأنه سبحانه أتى بأو للتخيير، فإن عجز عن الثلاث فإنه يصوم ثلاثة أيام، والأفضل أن تكون متتابعة، وهذا إذا كان قاصداً لليمين، كاسباً لها، أمَّا إذا مرت على الإنسان من غير قصد، ولا تعمد لليمين فليس عليه فيها شيء، تعتبر لغواً، أو حلف يظن أنه صادق، يعتقد أنه صادق قال: والله ما فعلت كذا، والله لأفعلن كذا، والله لقد فعلت كذا، يظن أنه فعله ثم بان أنه لم يفعله، هذا ليس عليه شيء، أو والله لقد رأيت فلاناً يعتقد أنه رآه ثم تبيّن أنه غيره فلا شيء عليه على الصحيح، وهذا من لغو اليمين لأنه ما قصد الكذب، وإنما حلف يقصد صدق نفسه، يعتقد أنه صادق .
س: الأخ/ ا. ع.من السودان ، يقول: أسأل عن الآية الكريمة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ ؟
ج: نعم، الأمر كما قال الله سبحانه وتعالى، لا يؤاخذ الله باللغو، اليمين التي تجري في اللسان من غير قصد، والله، ولا والله، من غير قصد في تحدُّثه جرى كذا، وصار كذا، والله صار كذا، سافر فلان، وجاء فلان، لا والله ما جاء، من غير قصد، هذه ما فيها كفارة، أمّا إذا تعمد اليمين ، قصدها، ليعقدها فإنه يؤاخذ بها؛ لأن الله قال: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ وفي الآية الأخرى: بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ إذا كان قصد اليمين يؤاخذ بها، فإذا قال والله ما سافرت، والله ما فعلت كذا، يؤاخذ بيمينه إذا كان كاذباً وعليه الإثم، وإذا قال والله لأفعلنّ كذا وما فعله، عليه كفارة، والله لا أكلم فلاناً ثم كلمه، عليه كفارة إذا كان عقدها قاصداً، هذا من كسب القلوب، فإذا قال والله ما أزور فلاناً ثم زاره، عليه كفارة، إذا قال: والله ما أكلم فلاناً وهو قاصد ثم كلمه عليه كفارة، أمّا إذا جرت على لسانه، من غير قصد، فهذا من لغو اليمين .
س: قال الله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ما المقصود بالإطعام هل يكفي العيش، أو الخبز أم أنه لابد أن أعطي الفقير، ملحاً ودهناً، ولحمة، وصلصة وبصلاً إلى آخره، أو أعمل غداء وأعزم الفقراء عليه، أو أعطيه المساكين جاهزاً في منازلهم، وما كيفية الكسوة، هل هي ثوب فقط، أو ثوب وغترة وطاقية وسروال وفنيلة إلى آخره؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
ج: الإطعام، أوّل العلماء وأهل التفسير معناه وهو أن يشمل ما ذكره السائل، يشمل أن يعطيهم طعاماً نيئاً، يصنعه الفقير في بيته، يعطيهم مثلاً نصف صاع من الأرز، من الحنطة أو من الشعير، يتصرف فيه الفقير، هذا هو أحسن ما قيل في ذلك، نصف صاع، كيلو ونصف تقريباً، من هذه الحبوب التي يعيش بها أهل البلد، يعني من قوت البلد، نصف صاع من قوت البلد، قريب كيلو ونصف، ومثله التمر نصف صاع من التمر كذلك أو الزبيب من قوت البلد أيّاً كان، وله أيضاً أن يطعمهم طعاماً جاهزاً في البيت، مجهز من خبز وأدم، يغدّيهم أو يعشّيهم، مثل أرز مطبوخ مع اللحم، يعشيهم أو يغديهم كل هذا طيب إذا صنع لهم طعاماً من أرز أو من حنطة، من خبز مع إدامه هذا طيب، ودعاهم إليه وأكلوا كفى، فالمقصود أن الإطعام يشمل هذا وهذا، يشمل كونه يعطيهم طعاماً يأكلونه في بيوتهم ويشمل ما لو دعاهم إلى طعام يأكلونه في بيته وصنعه لهم أو في فندق أو في مطعم لا بأس بذلك، أما الكسوة فهي ما يجزئه في الصلاة ، كما نبه عليه أهل العلم، الكسوة التي يلبسها وتجزئه في الصلاة مثل إزار ورداء، طيب، يعطيهم على قميص لا يلزم غترة، إذا أعطى كل واحد قميصاً كفى، أو إزاراً ورداءً أو سروايل ورداء، كل هذا يجزئ لأن هذا يجزئ في الصلاة وهو كسوة تامّة، سراويل ورداء أو إزار ورداء أو قميص وهو الثوب، هذه كسوة، فإذا أكمل وأعطى مع القميص عمامة فهو طيب، هذا مزيد في الخير.
ولهذا في حجة الوداع لما بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بنِْ مَعْقِلٍ ، قَالَ: جَلَسُْت إلَِى كَعْبِ بنِْ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسََألْتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى - تَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لاَ، فَقَالَ: فَصُمْ ثلاثة أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ معنى قوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فقد بيّن الصدقة وأنها نصف صاع من تمر، لكل مسكين فإذا أعطاه نصف صاع من التمر أو من غيره من الحبوب كفى .
س: يسأل سماحكتم عن الميسر المذكور في القرآن الكريم، يقول الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ؟
ج: الميسر : القمار، وهو اللعب بالمال يتسابقون بالأقدام أو يقول: هذا كذا وهذا كذا، ولك إن غلبتني كذا، فالمال يسمى الميسر ويسمى القمار، أو يراهنون على شيء يقول: إن غلبتني في المصارعة أو غلبتني في السبق إلى كذا على الأقدام أو على الحمير أو البغال فلك كذا، وهذا كله قمار وميسر، أما إذا كان بالإبل أو بالخيل أو بالرمي، فهذا مشروع لا بأس به؛ لأن المسابقة بالخيل أو بالرمي أو بالإبل يجوز أن يأخذ عليها عوض لقوله صلى الله عليه وسلم: لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ فالنصل الرمي، والخُفّ الإبل، والحافر الخيل .
س: سائل من جدة ، أرجو أن تتفضلوا بتفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ؟
ج: هذه الآية الكريمة وجه الله فيها الصحابة رضي الله عنهم ألا يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تبد لهم تسؤهم، بل عليهم أن ينتظروا حتى ينزل القرآن، إلا إذا نزل بهم نازلة أو أشكل عليهم شيء من الأحكام يسألونه، أما التعنت والسؤال عن أشياء ليس لهم بها حاجة ولم تنزل عليهم ، فهم نصحوا ألاّ يسألوا ولكن يسأل الإنسان عمّا أهمه، عمّا نزل به حتى يعرف الحق من الباطل.
سماحة الشيخ الذين يصرفون معنى هذه الآية الكريمة إلى الفتوى هل هم على حق ؟
لا، ليس بصواب، الإنسان يسأل عمّا أشكل عليه، يجابُ عليه، الله قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ لكن كونه يسأل عن أشياء لا دخل له فيها ويبحث عن عيوب الناس، هذا منهي عنه، هذا الشيء قد يُفضي إلى معرفة عورات الناس وتتبع عوراتهم، فهذا لا يجوز، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في النهي عن التجسس، برقم (4888). إنَِّكَ إنِِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ
النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ ونهى عن اتباع العورات، أن تتبع عورات أخيك، عورات المسلمين تفسدهم.
الحاصل أنه لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورة أخيه بل يحذر عن السؤال عمّا ليس له فيه شأن، من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فليس له أن يسأل عن أشياء قد تسوؤه وتضره، لا من جهة كذا، سأله: هل هو يتعاطى كذا الزنا؟ هل هو يتعاطى كذا، هو يتعاطى كذا شرب الخمر؟ ما دام ظاهره الخير، يترك ولا يتعرض له، المقصود التنقيب عن أحوال الناس ليعرف عوراتهم، هذا لا يجوز .
س: السائلة: ن.ش.ح. من مكة المكرمة ، تستفسر عن الآية الكريمة في سورة المائدة: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ ؟
ج: هذه أشياء كانوا في الجاهلية يفعلونها ثم حرمها الله وأنكر عليهم، البحيرة والسائبة، هذه كلها أشياء جاهلية يفعلونها، فأنكرها الله عليهم ونهاهم عنها وأبطلها، والله جل وعلا أباح لهم إبلهم وبقرهم وغنمهم وليس هناك بحيرة الأصنام، ولا سائبة ولا وصيلة، ولا حام، وقد فسر العلماء هذه الأشياء في كتاب التفسير، فمن أراد ذلك يراجع تفسير ابن كثير وتفسير البغوي ، وغيرهما من التفاسير يجد مطلوبه إن شاء الله .
س: رسالة بعث بها المستمع ع.ع. ع.، من جدة ، يقول: أستفسر عن قول الحق تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ؟
ج: معنى الآية أن على المؤمن أن يجاهد نفسه، وأن يتقي الله ويطيع أوامره وينتهي عن نواهيه، ولا يضره من ضلّ إذا اهتدى هو واستقام على أمر الله ومن ذلك أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو
إلى الله ويقوم بالواجب الذي عليه لأهل بيته من نصيحتهم وتوجيههم وأمرهم ونهيهم؛ لأنه لا تقوم الهداية إلا بها والله يقول: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فلا تتم الهداية إلا بقيامه هو بما أوجب عليه، وقد يظن بعض الناس أن معناه أنه لا يضره من عصى وكفر ولو أنه جالسه أو آكله لم يضره والواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد إلى الخير حتى يكون مهتدياً وقد خطب الصديق رضي الله عنه لما تولى الخلافة خطب الناس وقرأ عليهم هذه الآية وقال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِِهِ فالمعنى أن على المؤمن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ولا يترك ذلك ويقول أنا سالم ولم أفعل المنكر، لا، لابد أن ينهى أخاه عن المنكر، لابد أن يأمره بالمعروف ولا تتم الهداية إلا بهذا وإلا فقد يضر نفسه؛ لأن الله قال: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
وهو إذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر لا تحصل له الهداية الكاملة بل تكون ناقصة هدايته حتى يؤدي الواجب الذي عليه من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
س: الأخ/ ص.ح.ج. من الجمهورية العربية السورية ، يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وهل معنى هذه الآية أن نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ج: الآية الكريمة تدل على أن الواجب على الإنسان أن يعتني بنفسه وأن يهتم بها وأن يجتهد في إصلاحها، ولا يَضُرُّهُ من ضَلَّ بعد ذلك إذا اهتدى، الإنسان مسؤول عن نفسه ولا يَضُرُّهُ ضلال غيره، يقول الله جل وعلا: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وفي الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، لاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَ لا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ فعلى المؤمن أن يسعى في إصلاح نفسه، واستقامتها على طاعة الله ورسوله ولا يضرُّه من ضَلَّ إذا اهتدى ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما اهتدى فهو ناقص الهداية، ناقص الإيمان، فالمعنى أنه لا يضرُّه من ضلَّ إذا أدّى الواجب الذي عليه، ومن الواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا من الواجب عليه وقد خطب الصدّيق رضي الله عنه، وقف على الناس وقال لهم: إن بعض الناس يقرأ هذه الآية ويضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ ومراده رضي الله عنه أنه ما يكون مهتدياً من ضيع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يكون ناقص الهداية، ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان، ومعنى إذا اهتديتم يعني إذا أدّيتم الواجب الذي عليكم وتركتم ما حرم الله عليكم، لا يضرّكم من ضلّ بعد ذلك، لا يضرّك ضلال أبيك، ولا أخيك ولا أهل بلدك، ولا الناس كلهم، لا يضرّك، إذا أديت الواجب واجتهدت بالواجب، فإنّه لا يضرك من ضل، وربّك يقول سبحانه: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى لكن إن قصّرت في الواجب عليك يضرّك، فإذا كنت لا تدعو إلى الله ولا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، ولا
تؤدِّي ما أوجب الله عليك لحقّ أولادك أو لحق زوجتك أو لحق جيرانك، أنت ناقص الهداية، حينئذ يضرّك ذلك، حتى تؤدِيَ الواجب الذي عليك لله ولعباده ومن حق الله عليك أن تؤدي ما أوجب الله عليك من الطاعات وأن ترك ما حرم الله عليك، ومن حقّ الله عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تنصح لله ولعباده وأن تدعو إلى الله، على حسب طاقتك ومن حقه عليك أيضاً أن تؤدِّي حقّ زوجتك وأولادك بنصيحتهم وتوجيههم إلى الخير، وتربيتهم التربية الإسلامية، وأن تقوم بحق جيرانك من إكرامهم والإحسان إليهم، وإبعاد الأذى عنهم وإكرام ضيفك، إلى غير هذا من الحقوق، فالذي لا يؤدي الحقوق التي عليه ما يسمى مهتدياً، يسمى ناقص الهداية، ضعيف الإيمان .