قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كفَرُوا وَعَصُوا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الَأرْضَ. .) أي بأن يكونوا تراباً مثلها لعظم هوله، كما قال في الآية الأخرى " وَيَقُولُ الكافِرُ يا ليتني كنتُ تراباً ".
قوله تعالى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكمْ وَأيْدِيكُمْ. .) الآية.
زاد في المائدة عليه " منه "، لأنَّ المذكور ثَمَّ جميعُ واجباتِ الوضوء والتيمُّم، فحسُنَ البيانُ والزِّيادةُ،
بخلاف ما هنا فحسُنَ التَّركُ.
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ. .) الآية.
قال ذلك هنا، وقال في غيره " يا أهل الكتابِ " لموافقة التعبير هنا قبله وبعده " بالَّذينَ أُوْتُوا ".
ولأنه تعالى استخفَّ بهم هنا قبلُ، وختم بعد بالطمس وغيره، بخلاف ذلك في غير هذا الموضع.
قوله تعالى: (وَمَنْ يُشْرِكْ باللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) .
ختم الآية مرَّة بقوله: " فقدِ افْتَرَى إثْماً عَظِيماً ".
ومرَّة بقوله: " فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالَاَ بعيداً ".
ولا تكرارَ فيه وإِن اشتركا في الضلال، لأن الأول نزل في اليهود، والثاني في كفارٍ لا كتاب لهم، وخصَّ ما نزل في " اليهود " بالافتراء، لأنهم حرَّفوا وكتموا ما في
كتابهم وذلك افتراء، بخلافه في الكفار الذين لا كتاب لهم.
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ. .) الآية.
إن قلتَ: كيف ذمَّهم على ذلك، بما قاله ونهى عنه بقوله: " فَلَا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ " مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " واللَّهِ إنّي لأمينٌ في السماء، أمينٌ في الأرض " وقول يوسف عليه السلام: " قالَ اجْعَلْني عَلى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حفِيظٌ عَليمٌ "؟
قلتُ: إنما قال النبىُّ ما قاله حين قال المنافقون " اعْدِلْ في القسمة " تكذيباً لهم، حيثُ وصفوه بخلافِ ما كان عليه من العدل والأمانة. وإِنما قال " يوسف " ما قاله، ليتوصَّل إلى ما هو وظيفةُ الأنبياء، وهو إقامةُ العدل، وبسطُ الحقِّ.
ولأنه عَلِمَ أنه لا أحد في زمنه أقوم منه بذلك العمل، فكان متعَيّناً عليه.
قوله تعالى: (كلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا. .) أي بأن تُعاد إلى حالها الأول غيرَ منضجة أي متحرِّقة، فالمرادُ تُبدَّل الصفة لا الذَّاتُ، كما في قوله تعالى: " يومَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرْضِ
والسمواتُ ".
قوله تعالى: (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) .
هو عبارةٌ عن المستلذِّ المستطيب كقوله تعالى " ولهمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرةً وعشيّاً " جرياً على المتعارف بين الناس، وإِلَّا فلا شمس في الجنة طالعة ولا غاربة،
كما أنه لا بكرة فيها ولا عشيّة.
قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ. .) الآية.
إن قلتَ: هذا مدحٌ لمن يطيعُ اللَّهَ والرسول، وعادةُ العرب في صفات المدح، الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى، وهذا عكسُه؟
قلتُ: ليس هو من ذاك الباب، بل المقصودُ منه الإِخبارُ إجمالَاَ عن كون المطيعين للَّهِ ولرسوله، يكونون يوم القيامة مع الأشراف، وقد تمَّ الكلامُ عنه قوله " أنعمَ اللَّهُ عليهمْ " ثم فصَّلهم بذكر الأشرف فالأشرف بقوله " من النبيِّين " إلى آخره جرياً على العادة في تعديد الأشراف. ومثلُه " أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم " وكذلك " شهد اللَّهُ أنه لا إِله إلّا هو والملائكةُ وأولو العلم ".
قوله تعالى: (إِنَّ كيْدَ الشَّيْطَانِ كانَ ضَعِيفاً) .
إن قلتَ: كيف وصف فيه كيد الشيطان بالضعف،
وفي قوله " إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ " وصف كيد النِّساءِ بالعِظَم، مع أن كيد الشيطان أعظم؟
قلتُ: المرادُ أن كيد الشيطان ضعيفٌ بالنسبة إلى نصرةِ الله أولياءَه، وكيدُ النساءِ عظيم بالنسبة إلى الرجال.