قوله تعالى: (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا
سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) .
فإِن قلتَ: كيف قال الثاني مع أنه معلومٌ من الأول؟
قلتُ: المعنى مختلفٌ، لأن الغُفران مجرَّد فضلٍ، والتكفير محو السيئات بالحسنات.
قوله تعالى: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ. .) .
أي على ألسنتهم.
فإِن قلتَ: ما فائدةُ الدُّعاء، مع علمهم أن الله لا يُخلف الميعاد؟
قلتُ: فائدتُهُ العبادةُ، لأن الدُّعاء عبادة، مع أن الوعد من الله للمؤمنين عام، يجوز أن يُراد بِهِ الخصوص، فسألوا الله أن يجعلهم ممن أرادهم بالوعد. 56 - قوله تعالى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كفَرُوا فِي البِلاَدِ) .
النَّهيُ في اللفظ " للتقلُّب " وفي الحقيقة " للنبي " والمرادُ أمته.
والقصدُ بذلك النَّهيُ عن الاغترار بالتقلُّب، ففي ذكر الغرور تنزيل السبب منزلة المسبَّب، والمنعُ عن السبب -
وهو غرور تقلُّبِهم له - منعٌ للمسبَّب وهو الاغترار بتقلبهم.
والمراد بتقلبهم: تصرُّفهم في التجارات، والأموال، والانتقال بِها في البلاد متنعّمين، والفقيرُ إنما يتألم وينكسر قلبُه، إذا رأى الغنيَّ يتقلَّب ويتمتع بها، فلذلك ذكر التقلب.
قوله تعالى: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا. .) أي حواء.
فإِن قلتَ: إذا كانت مخلوقةً من " آدمَ " ونحنُ مخلوقون منه أيضاً، تكون نسبتُها إليه نسبةَ الولد، فتكونُ أختاً لنا، لا أمّاً؟
قلتُ: خلقُها من آدم لم يكن بتوليد، كخلق الأولاد من الآباء فلا يلزم منه ثبوت حكم البنتية والأختية فيها.
قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) أى: إذا بلغوا وإن لم يسموا أيتاما بعد البلوغ، وإنما سموا أيتاما هنا لقرب عهدهم بالبلوغ ففيه مجاز الكون.
قوله تعالى: (وَلاَ تَأْكلُوا أمْوَالَهُمْ إِلَى أمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) أي مضمومة إليها.
إن قلتَ: أكلُ مال اليتيم حرامٌ وإِن لم يُضمَّ إلى مال الوصيّ، فلم خصَّ النهي بالمضموم؟
قلتُ: لأن أكل مال اليتيم مع الاغتناء عنه أقبحُ، فلذلك خصَّ النهي به، ولأنهم كانوا يأكلونه مع الاغتناء عنه، فجاء النهي على ماوقع منهم.
قوله تعالى: (وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. .) أي سواء أكان الولد ذكراً أو أنثى.
وما يأخذه الأب فيما إذا كان الولد " أنثى "، من الزائد على السدس، إنما يأخذه تعصيباً، والآيةُ إنما وردت لبيان الفرض.
قوله تعالى: (وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ)
ذكر " الواو " فيه هنا، وتركها في التوبة، موافقة لذكرها هنا قبله، في قوله تعالى " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ " وبعده
في قوله تعالى " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ " وقوله تعالى " وله عذاب مهينٌ " بخلاف ذلك.
قوله تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفاهُنَّ المَوْتُ. .) أي مَلَك الموتِ، إذ المتوفّي هو الموتُ، ولا يصحّ به المعنى بغير إضمار، إذ يصير المعنى حتى يميتهن الموتُ.
قوله تعالى: (إِنمَا التّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ. .) أي إنما قبولُها عليه لا وجوبُها، إذْ وجوبُها إنما هو على العبد، وتوبةُ الله رجوعُه على العبد بالمغفرة والرحمة.
فإِن قلتَ: لم قيَّد " بجهالةٍ " مع أن من عمل سوءً بغير جهالة، ثم تاب قُبلت توبتُه؟
قلتُ: المرادُ " بالجَهَالةِ " الجَهَالَةُ بقدر قُبح المعصية، وسوء عاقبتها، لا بكونها " معصية " و " ذَمًا "!!
وكلُّ عاصٍ جاهلٌ بذلك حال معصيته، لأنه حمال
المعصية مسلوبٌ كمالَ العلم به، بسبب غلبة الهوى.
قوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً. .) .
إن قلتَ: حرمةُ الأخذ ثابتة، وإِن لم يكن قد آتاها المسمَّى، بل كان في ذمَّته أو في يده؟
قلتُ: المرادُ بالِإيتاء: الالتزامُ والضَّمانُ، كما في قوله تعالى " إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالمَعْرُوفِ " أي التزمتم وضمنتم.