قوله تعالى: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ. .) الآية.
إن قلتَ: كيف قال ذلك، وقد قال " ولقد جئتُمونا فُرَادى كما خَلَقْناكُم أوَّلَ مرَّة "؟
قلتُ: معناه يأتي به مكتوباً في ديوانه. أو يأتي به حاملَاَ إثمه
قوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ واللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
أي ذوو درجات.
فإِن قلتُ: الضميرُ في " هم " يعودُ على الفريقينِ،
وأهلُ النَّار لهم دركاتٌ لا درجات؟
قلتُ: الدَّرجات تُستعملُ في الفريقين، قال تعالى
" ولكلٍ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا " وإِنِ افترقتا عند المقابلة في قولهم: المؤمنون في درجاتٍ، والكفَّارُ في دركاتٍ.
قوله تعالى: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ. .)
قال ذلك مع أنهم كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما قتلوا أنبياء قطُّ، لكنهم لما رَضُوا بقتل أسلافهِم أنبياءهم، نُسب الفعلُ إليهم.
قوله تعالى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ وَأنَّ اللَّهَ
لَيْسَ بِظَلَاّمٍ لِلْعَبِيدِ) .
قاله هنا. . بجمع اليد، لأنه نزل في قومٍ تقدَّم ذكرهم، وقاله في الحج بتثنِيتها لأنه نزل في " النَّضر بن الحارث " أو في " أبي جهل " والواحد ليس له إلَّا يدان.
قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ) .
فإِن قلت: " ظلام " صيغة مبالغةٍ من الظلم، ولا يلزم من نفيها نفيه، مع أنه منفيٌّ عنه قال تعالى " ولا يظلمُ ربُّك أحداً "؟
قلتُ: صيغةُ المبالغة هنا لكثرة العبيد لا لكثرة الظلم، كما في قوله تعالى " مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكم " إذِ التشديد فيه لكثرة الفاعلين، لا لتكرار الفعل.
أو الصيغةُ هنا للنسبة، أي لا يُنسب إليه ظلمٌ، فالمعنى ليس بذي ظلمٍ.
قوله تعالى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ. .)
جوابُ الشرط محذوفٌ، إذْ لا يَصْلحُ قولُه "
فقد كُذِّب رسلٌ من قبلك " جواباً له، لأنه سابقٌ عليه. والتقديرُ: فإِن كذَّبوك فتأَسَّ بمن كُذّب من الرسل قبلك، فهو من إقامة السبب مقام المسبّب.
قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ. .)
أي أجسادها إذِ النّفْس لا تموت، ولو ماتت لَمَا ذاقت الموت في حال موتها، لأن الحياة شرِطٌ في الذوق وسائر الِإدراكات، وقولُه تعالى " اللَّهُ يتوفى الأنفس حين موتها " معناه حين موت أجسادها.
قوله تعالى: (وَإِذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أوْتُوا الكِتَابَ لتُبيِّنُنَّهُ لِلنَاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ. .) .
إنْ قلتَ: ما فائدةُ " ولا تكتمونه " بعد " لتبينُنَّه للنَّاس " مع أنه معلومٌ منه؟
قلتُ: فائدته التأكيدُ، أو المعنى لتبينُنَّه في الحال، ولا تكتمونه في المستقبل.
قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ. .) .
إن قلتَ: هذا يقتضي خزيَ كلِّ من يدخُلها، وقولُه
" يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " يقتضي انتفاء الخزي عن المؤمنين فلا يدخلون النار؟
قلتُ: " أخزى " في الأول من " الخِزْي " وهو الإِذلالُ والِإهانة، وفي الثاني من " الخِزاية " وهي النَّكالُ والفضيحةُ، وكلُّ من يدخل النار يذلُّ، وليس كلُّ من يدخلها يُنكَّل به.
فالمراد بالخزي في الأول الخلودُ. . وفي الثاني تَحلَّةُ القَسَم. أو التطهير بقدر ذنوب الداخل.
قوله تعالى: (رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ. .) .
إن قلتَ: المسموعُ النِّداءُ لا المنادي؟
قلتُ: لما قال " منادياً يُنادي " صار معناه: نداءَ منادٍ، كما يُقال: سمعتُ زيداً يقول كذا، أي سمعت قوله، فمنادياً مفعول سمع. و " يُنادي " حال دالَّةٌ على محذوف مضاف للمفعول.