قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقيمٌ) .
هو كقوله في مريم " وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي ورَبكمْ " وقال في الزخرف " إِنَّ اللَّهَ هو رَبِّي وربُّكمْ " بضمير الفعل، الدَّالَ على حصر المبتدأ في الخبر، بمعنى إن الله ربي لا أبَ كما زعمتِ النَّصارىَ، ولم يتقدَّم ذلك ما يغني عن الحصر، فحسن ذكرُ " هو " بخلافه في الأخْرَيَينِ، فإنه ذكر في آل عمران عشر آيات من قصة مريم وعيسى، وفي مريم عشرون آية منها، فأغنى ذلك فيهما عن ذكر " هو ".
قوله تعالى: (وَاشْهَدْ بأَنَّا مُسْلِمُونَ)
قال هنا بـ " أنَّا " وفي المائدة ب " أَنَّنَا " لأن ما فيها أول كلام الحواريين، فجاء على الأصل، وما هنا تكرارٌ له بالمعنى، فناسب فيه التخفيف، لأنَّ كلّا من التخفيف والتكرار فرعٌ، والفرع بالفرع أولى.
قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ. .) .
إن قلتَ: كيف قاله واللَّهُ رفعَه ولم يَتَوفَّه؟
قلتُ: لما هدَّده اليهودُ بالقتل، بشَّره الله بأنه لا يقبض روحه، إلّا بالوفاة لا بالقتل، والواوُ لا تقتضي الترتيب. أو إنّي متوفّي نفسك بالنوم من قوله تعالى " اللَّهُ يَتوفَّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها. . " ورافعك وأنت نائم لئلا تخاف، بل تستيقظُ وأنتَ في السَّماء آمن مقرَّب.
قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كمَثَلِ آدَمَ. .) .
إن قلتَ: كيف قاله وآدمُ خُلق من التراب، وعيسى
من الهواء، وآدمُ خُلق من غير أب وأم، وعيسى خُلق من أم؟
قلتُ: المرادُ تشبيهه به فىِ الوجود بغير أبٍ، والتشبيهُ لا يقتضي المماثلة من جميع الوجوه.
قوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ. .) .
إن قلتَ: لِمَ خصَّ أهل الكتاب بذلك، مع أن غيرهم منهم الأمينُ والخائنُ؟
قلتُ: إِنَّما خصَّهم باعتبار واقعة الحال، إذْ سببُ نزول الآية أن " عبد اللهِ بن سلام " أُودع ألفاً ومائتيْ أوقيةً من الذهب، فأدَّى الأمانةَ فيها، و " فنحاص بن عازوراء " أُودع ديناراً فخانه. ولأنَّ خيانة أهل الكتاب المسلمين، تكون عن استحلالٍ بدليل آخر الآية، بخلاف خيانة المسلم المسلمَ.
قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّموَاتِ
وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً. .) .
إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن أكثر الِإنس والجنِّ كفرة؟
قلتُ: المرادُ بهذا الاستسلامُ والانقيادُ لما قدَّره عليهم، من الحياةِ والموتِ، والمرضِ والصّحةِ، والشقاءِ والسعادةِ، ونحوها.
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كفْراَ لَنْ تقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ. .) .
إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن المرتدَّ وإِن ازداد ارتداده مقبولُ التوبة؟
قلتُ: الآية نزلتْ في قومِ ارتدُّوا، ثم أظهروا التوبة بالقول، لسترِ أحوالهم، والكَفرُ في ضمائرهم.
قوله تعالى: (قُلْ يَا أهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً. .) .
قال ذلك هنا، وقال في الأعراف " من آمَنَ بِهِ وتبغونها عوجاً. . " بزيادة " بِهِ " و " الواو " جرياً هناك على الأصل، في ذكر " بهِ " لكونه معمولًا، وذكر " واو العطف " إذ مدخولها معطوفٌ على " توعِدُون " المعطوف عليه " تصدُّون " وجرياً هنا على موافقة " وَمَنْ كَفَرَ " في عدم ذكرِ " بِهِ ".
وإِنما لم يذكر الواو هنا، لأنَّ " تَبْغونَها " وقع حالًا، والواو لا تزاد مع الفعل إذا وقع حالًا، كما في قوله تعالى " ولاتَمْننْ تَسْتَكْثِر ".