عرض وقفات أسرار بلاغية

  • ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ﴿١٢﴾    [الأنبياء   آية:١٢]
{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)} الركض: ضرب الدابة بالرجل، يقال: (ركض الدابة) أي ضربها برجله لتسرع. ومعنى الآية أنهم لم أحسوا العذاب ركضوا دوابهم هاربين من القرية. ويحتمل أنهم جروا على أرجلهم مشبهين من يركض الدابة لسرعة عدوهم. و(إذا) فجائية، أي هربوا عند إحساسهم بالعذاب من دون تأخر أو انتظار. جاء في (الكشاف): "والركض: ضرب الدابة بالرجل، ومنه قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42]. فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب ويجوز أن شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم" (1). وجاء في (البحر المحيط): "والظاهر أنهم لما أدركتهم مقدمة العذاب ركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين. قيل: ويجوز أن شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم، فهم يركضون الأرض بأرجلهم كما قال: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} (2). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 40 إلى ص 41. (1) الكشاف 2/322. (2) البحر المحيط 6/300.
  • ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴿١٣﴾    [الأنبياء   آية:١٣]
{لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)} من المحتمل انه قيل لهم ذلك والقول محذوف، أو أن ذلك قول بلسان الحال، أي حريّ بهم أن يقال لهم ذلك. جاء في (تفسير أبي السعود): "أي قيل لهم بلسان الحال أو بلسان المقال" (1). والهروب من مساكنهم وما فيه من ترف ورفاه وسعة عيش فجأة من دون تأخر يدل على شدة ما نزل بهم. {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} عما نزل بكم وما جرى لأموالكم ومساكنكم وماذا تأمرون وبم تشيرون علينا وماذا نفعل. وهذا تهكم بهم. جاء في (الكشاف): "فإن قلت: من القائل؟ قلت: يحتمل أن يكون بعض الملائكة أو من ثم من المؤمنين أو يجعلوا خلقاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل. {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} من العيش الرأفة والحال الناعمة، والإتراف: إبطار النعمة وهي الترفة. {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} تهكم بهم وتوبيخ، أي ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غدًا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة" (2). وجاء في (روح المعاني): {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات والنوازل، أو تسألون عما جرى عليكم ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، أو يسألكم حشمكم وعبيدكم فيقولوا لكم: بم تأمرون وماذا ترسمون وكيف نأتي ونذر كما كنتم من قبل" (3). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 41 إلى ص 42. (1) تفسير أبي السعود 3/690. (2) الكشاف 2/322. (3) روح المعاني 17/16.
  • ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿١٤﴾    [الأنبياء   آية:١٤]
  • ﴿فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾    [الأنبياء   آية:١٥]
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)} أي نادوا بالويل وهو الهلاك. وذكروا علة الهلاك وهي الظلم. وأطلقوا الظلم ولم يخصصوه بشيء للدلالة على عموم الظلم وأن ظلمهم كان عامًا لا ينحصر بشيء. وجاء بالاسم للدلالة على اتصافهم بالظلم على جهة الثبات والدوام وليس على جهة الحدوث، فاستحقوا ما نزل بهم من العذاب. {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي ظلوا يرددون هذا القول ويدعون بالويل حتى جعلهم ربنا كالزرع المحصود، خامدين كالنار الهامدة. وقال: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ} ولم يقل: (حتى صاروا) أو (حتى أصبحوا) أي إن ذلك من فعل ربنا بهم عقوبة لهم. جاء في (الكشاف): "(تلك) إشارة إلى (يا ويلنا) لأنها دعوى. كأنه قيل: فما زالت تلك الدعوى دعواهم. والدعوى بمعنى الدعوة، قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10] {وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فإن قلت: لم سميت (دعوى)؟ قلت: لأن المولول كأنه يدعو الويل فيقول: تعال يا ويل فهذا وقتك... (حصيدًا) الحصيد: الزرع المحصود، أي جعلناهم مثل الحصيد، شبههم به في استئصالهم واصطلامهم" (1). و"(خامدين) أي موتى دون أرواح مشبهين بالنار إذا طفئت" (2). وقوله: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} "أي فما زالوا يرددون تلك" (3). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 42 إلى ص 43. (1) الكشاف 2/322. (2) البحر المحيط 6/301. (3) تفسير أبي السعود 3/690.
  • ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴿١٦﴾    [الأنبياء   آية:١٦]
  • ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴿١٧﴾    [الأنبياء   آية:١٧]
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)} لما أثبت للناس اللهو واللعب في أول السورة وذمهم بذلك في قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)} نفى عن نفسه ذلك في هاتين الآيتين، بل نفى عنه ذلك منذ أول الخلق إلى الأبد، فإنه لم يفعل شيئًا ولا يفعل شيئًا إلا عن حكمة، وقد أظهرت شيئًا من ذلك آيات السورة من أولها إلى أخرها. فقد قال ههنا: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} وهذا أول الخلق. وقال في خواتيم السورة: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء: 97]، وقال: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ (104) }. وكما قال ذلك في مواضع عدة من القرآن الكريم من نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر: 85]. وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: 27]. وقال بعد الآية: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ }[الأنبياء: 18]. جاء في (نظم الدرر): "ولما ذمهم باللعب وبين أنه يفعل في إهلاك الظلم وإنجاء العدل فعل الجاد بإحقاق الحق بالانتقام لأهله وإزهاق الباطل باجتثاثه من أصله... عطف عليه قوله: وَمَا خَلَقْنَا} أي بعظمتنا التي تقتضي الجد ولابد... ولما نفى عنه اللعب أتبعه دليله فقال: {لَوْ أَرَدْنَا}" (1). وجاء في (الكشاف): "أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق... للهو واللعب، وإنما سويناها للفوائد الدينية والحكم الربانية، لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعد... ثم بين أن السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالي هو أن الحكمة صارفه عنه وإلا فأنا قادر على اتخاذه إن كنت فاعلاً (2). وقال: (خلقنا) بإسناد الخلق إلى ضمير العظمة، ولم يرد (خلقت) في نحو هذا التعبير في القرآن العظيم. قد تقول: لقد قال ههنا: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } وقال في سورة الدخان: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)}. وفي التعبيرين تشابه واختلاف. من ذلك إفراد السماء في آية الأنبياء وجمعها في الدخان، وذكر اللهو في سياق الأنبياء في قوله: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} ولم يذكر من ذلك سببه المناسب. 1- فقد نفى عن نفسه سبحانه اللعب واللهو في آيتي الأنبياء، فقد قال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} فنفى عنه اللهو، وذلك أنه أثبت في أول السورة للناس اللعب واللهو فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}. وأما في الدخان فقد أثبت لهم اللعب فقال: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}. فنفى عنه سبحانه اللعب. 2- أثبت في الدخان لهم الشك فقال: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} ونقيض الشك العلم فنفى عنهم العلم فقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ذلك أن الشاك ليس عنده علم يفضي إلى اليقين فنفى عنهم ذاك. 3- أفرد السماء في سورة الأنبياء فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} وذلك مناسب لما ورد في أول السورة، فقد قال سبحانه: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)}. وجمعها في سورة الدخان فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} وهو مناسب لما ورد في أول السورة، فقد قال: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الدخان: 7]. فناسبت كل آية مفتتح سورتها. 4- إن الكلام في سورة الأنبياء مبني على العموم، فقد قال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}. فذكر الناس على العموم. وقال: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} والسماء أعم من السماوات. ذكر الأمم على العموم فقال: {مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}. فجاء بـ (من) الاستغراقية. وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} فذكر الرسل قبله. وقال: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} فجاء بـ (كم) الخبرية الدالة على التكثير. أما في الدخان فقد ذكر على سبيل الخصوص. فقد ذكر قوم فرعون فقال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} ثم ذكر كفار قريش فقال: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ}. وذكر قوم تبع والذين من قبلهم فقال: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ (37)}. فذكر القرى على العموم في الأنبياء. وذكر قومًا مخصوصين في الدخان. فناسب العموم العموم وهو (السماء). وناسب الخصوص الخصوص وهو (السماوات). فإن السماء قد تأتي أعم من السماوات كما ذكرنا في أكثر من مناسبة. 5- ذكر الأنبياء في سورة الأنبياء على العموم. ثم ذكر من أسمائهم ما هو أعم وأكثر مما هو في سورة الدخان. فقد قال في سورة الأنبياء: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}. وقال: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي (24) }. وهذا يعم جميع الأنبياء بلا استثناء. وذكر من الأنبياء موسى وهرون فقال: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً (48)}. وذكر إبراهيم فقال: { وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ (51).} ولوطًا فقال: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا (71).} {وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (74).} وإسحاق ويعقوب (۷۲)، ونوحًا (٧٦)، وداود وسليمان (۷۸)، وأيوب (83)، وإسماعيل وإدريس وذا الكفل (٨٥)، وذا النون (۸۷)، وزكريا (۸۹)، ويحيي (۹۰). في حين لم يذكر في الدخان اسم رسول وإنما ذكر قوم فرعون بشيء من التفصيل، وأشار إلى قوم تبع والذين من قبلهم. فلما كان الكلام في الأنبياء على العموم ذكر السماء التي تفيد العموم. فناسب العموم العموم من كل وجه. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 43 إلى ص 48. (1) نظم الدرر 12/397 – 398. (2) الكشاف 2/322.
  • ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴿١٨﴾    [الأنبياء   آية:١٨]
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)} لما نفى سبحانه عن نفسه اللهو واللعب أضرب عن اتخاذهما فأخبر أنه يقذف بالحق على الباطل. وأصل القذف: الرمي الشديد بجسم صلب كالحجارة والحصا ونحو ذلك. جاء في (روح المعاني): "وأصل القذف الرمي البعيد كما قال الراغب وهو مستلزم لصلابة الرمي" (1). فكأن الحق جرم صلب شديد والباطل جسم رخو وقد قذف به على الباطل فحطمه. وجاء بـ (إذا) الفجائية للدلالة على سرعة زهوقه واضمحلاله. وقال: {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} بالاسم ولم يقل: (فإذا هو يزهق) للدلالة على الثبات وللدلالة على سرعة زهوقه، فكأن الأمر حاصل وثابت، ولم يدع له فرصة لبقائه ومكثه. وقد ذكر ربنا في السورة أمثلة لما قذف به من الحق على الباطل، فقد ذكر في أكثر من موطن أنه أهلك الظالمين والمسرفين ومن استحق العقوبة فقذف الحق على الباطل فدمغه. قال تعالى: {مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)} فذكر أنه أهلك القرى بسبب عدم إيمانها. وقال: {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) }. وقال: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً (11)}. وقال: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)} وذكر قذف الحق على الباطل بالحجة والبرهان فقال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} وقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)}. فناسب ذلك قوله: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}. جاء في (الكشاف): "(بل) إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه لذاته... بل من عادتنا وموجب حكمتنا واستغنائنا عن القبيح أن نغلب اللعب بالجد وندحض الباطل بالحق. واستعار لذلك القذف والدمغ تصويرًا لإبطاله وإهداره ومحقه، صلب كالصخرة مثلا قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه" (2). وجاء في (تفسير أبي السعود): "وقد استعير لإيراد الحق على الباطل القذف الذي هو الرمي الشديد بالجرم الصلب كالصخرة، ولمحقه للباطل الدمغ الذي هو كسر الشيء الرخو الأجوف وهو الدماغ بحيث يشق غشاءه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا له بذلك... وفي (إذا) الفجائية والجملة الاسمية من الدلالة على كمال المسارعة في الذهاب والبطلان ما لا يخفى فكأنه زاهق من الأصل" (3). {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} هو تهديد ووعيد بالهلاك لأهل الكفر بسبب ما يصفونه به سبحانه من أمور لا تجوز ولا تليق بشأنه. و(من) في (مما) تعليلية. و(ما) في (ما تصفون) تحتمل الموصولة، أي بالذي يصفونه به سبحانه، وتحتمل المصدرية، أي بوصفهم له سبحانه بما لا يليق. جاء في (روح المعاني): {مِمَّا تَصِفُونَ}: و(ما) إما مصدرية أو موصولة أو موصوفة، أي ومستقر لكم الويل والهلاك من أجل وصفكم له تعالى بما لا يليق بشأنه الجليل تعالى شأنه، أو بالذي تصفونه، أو بشيء تصفونه به من الولد ونحوه" (4). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 48 إلى ص 50. (1) روح المعاني 17/20 وانظر مفردات الراغب (قذف). (2) الكشاف 2/323، البحر المحيط 6/280. (3) تفسير أبي السعود 3/692. (4) روح المعاني 17/20 وانظر تفسير أبي السعود 3/692.
  • ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴿١٩﴾    [الأنبياء   آية:١٩]
  • ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴿٢٠﴾    [الأنبياء   آية:٢٠]
{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} ذكر قبل هذه الآية أنه خلق السماء والأرض وما بينهما فذلك يعني أنها ملكه، وذلك قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}. وذكر في هذه الآية أن له من فيهما وذلك قوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. فالسماوات والأرض وما بينهما ومن فيهما ملكه. وذكر في أوائل السورة أنه يعلم القول فيهما ما أسروه وما جهروا به فقال: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)}. وذكر أن من عنده من الملائكة يعبدونه لا يكلون ولا يملون، وأنهم يسبحون الليل والنهار لا ينقطعون عن التسبيح. جاء في (الكشاف): "أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا يتخلله فترة بفراغ أو شغل آخر" (1). قد تقول: لقد قال هنا: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20}. وقال في سورة فصلت: {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)}. وقال في سورة الأعراف: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206}. فقال في الأنبياء: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}. وقال في فصلت: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ}. وقال في الأعراف: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}. فقال في الأنبياء: {وَمَنْ عِنْدَهُ}. بذكر (من). وقال في فصلت والأعراف (الذين عند ربك) بذكر (الذين). وفي تعبير آخر: قال في الأنبياء: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}. وقال في فصلت: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}. وقال في الأعراف: {وَيُسَبِّحُونَهُ}. فأطلق التسبيح في الأنبياء، وقيده بحرف الجر فصلت، وقيده بالمفعول به في الأعراف. فما سر هذا الاختلاف؟ والجواب أن كل تعبير مناسب لسياقه وما أريد له من معان. وذلك أن آية الأنبياء أعم من الموضعين الآخرين من جهات عدة منها: 1- أنه قال في آية الأنبياء: {وَمَنْ عِنْدَهُ} وقال في فصلت: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} وقال في الأعراف: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} و(من) أعم من (الذين) لأنه اسم موصول مشترك، و(الذين) مختـص. فـ (مـن) يطلـق علـى الـواحـد والمثنى والجمع، المـذكـر والمؤنث، بخلاف (الذين) فإنه خاص بجماعة الذكور. هذا إضافة إلى أنه مناسب لما تقدم في الآية من قوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، فناسب عموم من في السماوات والأرض عموم من عنده، وناسب ذكر (من) في الموضعين. أما في فصلت فقد خاطب الناس أو جماعة منهم بقوله: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ولا شك أن قوله: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أعم من هؤلاء. فجاء بالاسم الموصول المختص مناسبة للخصوص. وكذلك ما ورد في الأعراف، فإن قبل الآية قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. ولا شك أن ما ورد في الأنبياء أعم بكثير من المخاطبين في الأعراف. فجاء بالاسم الموصول المختص في الأعراف مناسبة للخصوص. وهذا من لطيف المناسبات. 2- وقال في الأنبياء: {يُسَبِّحُونَ} وقال في فصلت: {يُسَبِّحُونَ لَهُ} وقال في الأعراف: {وَيُسَبِّحُونَهُ} و(يسبحون) أعم من (يسبحون له) و(يسبحونه)؛ لأنه غير مقيد، فهو يشملهما ويشمل غيرهما من أنواع التسبيح من نحو: (سبح اسمه) و(سبح باسمه) و(سبح بحمده) وغير ذلك من أنواع التسبيح. 3- قال في الأنبياء: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } أي لا يكلون ولا يتعبون، فدل ذلك على دوام العبادة وعدم انقطاعها. ولم يقل مثل ذلك في الموضعين الآخرين. ولا شك أن ما في آية الأنبياء أعم وأدوم. 4- قال في الأنبياء: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي على الدوام لا ينقطعون. وقال في فصلت: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي في هذين الوقتين. فما في الأنبياء أدوم. ولم يذكر في الأعراف وقتًا للتسبيح ولا للسجود وإنما ذكر الحدث فقال: {وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}. وهذا لا يدل على الدوام والاستمرار. فإنك إذا قلت: (أحمد يصلي) أو يقرأ القرآن فإن ذلك لا يدل على الاستمرار فيهما وأنه لا يقطع ذلك في وقت من الأوقات. أما في الأنبياء فتنصيص على الدوام وعدم الانقطاع. فهو أعم. 5- قال في الأنبياء: {لَا يَفْتُرُونَ} فلا تحصل فترة منهم. أي لا يسكنون. ولم يقل مثل ذلك في الموضعين الآخرين، فدل على دوام التسبيح. وكل تعبير مناسب للسياق الذي ورد فيه. فإن التخصيص في فصلت مناسب لما تقدمه وهو قوله: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37} فهو طلب أمر مخصص وهو السجود لله. وكذلك التخصيص في الأعراف فإنه مناسب لما تقدمه وهو قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)}. فهو طلب أمر مخصص وهو الاستماع للقرآن عند قراءته، وطلب الذكر من الرسول على الخصوص. ولا شك أن هذا أخص بكثير من عبادة الملائكة المطلقة المستمرة وتسبيحهم الذي لا يفتر ولا ينقطع. وأما آية الأنبياء فلم يتقدمها شيء من ذلك، وإنما تقدمها قوله سبحانه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ (18} والحق عام والباطل عام فناسب العموم في آية الأنبياء ما تقدمها. وناسب كل تعبير السياق الذي ورد فيه. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 50 إلى ص 55. (1) الكشاف 2/234.
  • ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴿٢١﴾    [الأنبياء   آية:٢١]
{أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)} أنكر عليهم في هذه الآية اتخاذ آلهة من الأرض، ثم أنكر عليهم اتخاذ آلهة من دون الله على العموم في آية بعدها فقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً (24)}. فأنكر اتخاذ الآلهة على العموم من الأرض أو من غيرها. فهو إنكار على متخذي الآلهة من دون الله سواء اتخذوها من الأرض أم من غيرها. وذكر الآلهة في الأرض لأن كفار قريش وهم الذين أنزل عليهم القرآن كانوا يعبدون الأصنام وهي حجارة. وقد تقول: ولماذا لم يقل: (أم اتخذوا من دون الله آلهة من الأرض) فيقول: (من دون الله) كما قال في آيات أخرى من نحو قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: ۸۱]. وقوله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] وكما قال في آية بعدها: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً}؟ فنقول: لما قال: {آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ} دل ذلك على أنها من دون الله. ثم إن قوله: {آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ} مناسب لما ورد في السورة من إهلاك القرى الظالمة على الأرض وأهلها من نحو قوله تعالى: {مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}، وقوله: {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ}، وقوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَة} فماذا فعلت الآلهة وإله السماء يدمر قرى الأرض وساكنيها من الظالمين الذين يعبدون هذه الآلهة؟! ومناسب لما ورد في السورة من اتخاذ قوم إبراهيم آلهة من الأرض فحطمها إبراهيم وجعلها جذاذًا، فماذا فعلت هذه الآلهة المضحكة؟! ومناسب لما ورد في السورة من قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}. فماذا تفعل هذه الآلهة في الأرض وإله السماء ينقص ما هم عليه حتى أتى عليهم كلهم وما هم عليه؟! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه ذكر في الآية شيئًا واحدًا لهذه الآلهة وهو قوله: {هُمْ يُنْشِرُونَ}، فلما كان الأمر جزئيًا ذكر جزءًا من الآلهة وهو الآلهة من الأرض. في حين قال آية بعدها: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}. فلم يقل: (من الأرض) بل ذكر اتخاذ الآلهة على العموم، وذلك أن ما ذكره في الآية الثانية أمر عام غير مقيد بشيء. فناسب العموم العموم، وناسب الخصوص الخصوص. وقوله: {هُمْ يُنْشِرُونَ }أي يبعثون الموتى من قبورهم. وذكر الإنشار مناسب لقوله في أول السورة: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}، ومناسب لقوله سبحانه في السورة: {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} وقوله: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}، ولما ذكره في آخر السورة من الرجوع إلى الله والحساب والجزاء. وهو تهكم بهم فإنهم لا يؤمنون بالحشر مع أنهم يؤمنون بالله كما ذكر الله عنهم في أكثر من موضع من نحو قوله: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} [الجاثية: 32]، وآيات أخرى. جاء في الكشاف: "هذه أم المنقطعة الكائنة بمعنى: بل والهمزة، قد آذنت بالإضراب عما قبلها والإنكار لما بعدها... فإن قلت: كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدّعون ذلك لآلهتهم؟ وكيف وهو أبعد شيء عن هذه الدعوى، وذلك أنهم كانوا – مع إقرارهم لله عز وجل بأنه خالق السماوات والأرض {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى – منكرين البعث، ويقولون: من يحيي العظام وهي رميم؟... قلت: الأمر كما ذكرت، ولكنهم بادعائهم لها الإلهية يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار؛ لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل... ومعنى نسبتها إلى الأرض: الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض" (1). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 55 إلى ص 57. (1) الكشاف 2/324 وانظر تفسير أبي السعود 3/693.
  • ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿٢٢﴾    [الأنبياء   آية:٢٢]
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)} أي لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله لفسدتا. و(إلا) هنا وصفية بمعنى غير. قد تقول: لقد قال في هذه الآية: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} فذكر (رب العرش). وقـال فـي مـوطـن آخـر: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: ۱۰۰]. وفي موضع آخر يقول: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91، الصافات: ١٥٩]. وفـي مـوضـع آخـر يـقـول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: ۱۸۰]. وقال في موضع آخر: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الزخرف: ۸۲]. فما السر في ذلك؟ فنقول: إن كل تعبير مناسب للموضع الذي ورد فيه. أما قوله في آية الأنبياء: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ} فإنه ذكر رب العرش لما تقدم من ذكر الذين عنده أنهم يسبحون الليل والنهار وهم الملائكة فناسب ذكر العرش. وأما قوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} فإنه يقول ذلك إذا ذكر أمرًا واحدًا كأن يذكر قول المشركين باتخاذ الولد، فإذا ذكر معه الشرك أضاف إلى ذلك قوله (تعالى)، فيضيف تنزيها آخر إلى ما ذكر. فالشيء الواحد يذكر له تنزيها، فإذا زاد عليه ذكر تنزيها آخر. هذا إضافة إلى ذكر صفات أخرى تناسب المقام. وإيضاح ذلك: أنه سبحانه قال في سورة الصافات: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)}. فقال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} لما ذكر شيئًا واحدًا وهو اتخاذ الولد. وقال في الأنعام: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}. فقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى} لما ذكر أمرين: الشرك وذلك قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ}. واتخاذ الولد وذلك قوله: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ... أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}. وقال في المؤمنون: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)} فقال:{ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}. وقال بعدها: {فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. وذلك أنه ذكر أمرين: اتخاذ الولد وهو قوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ}. ونفي الشرك وهو قوله: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}. وأما قوله في الصافات: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} فهو مناسب للسياق الذي وردت فيه الآية وذلك قوله: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)}. فالسياق – كما هو ظاهر – في نصر المؤمنين وإنزال العذاب بالكافرين وذلك من مقتضيات العزة. فإن العزيز هو الذي ينصر ويغلب فناسب ذلك أن يقول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}. وقال: (سبحان ربك) بإضافة الرب إليه؛ لأنه المتفضل عليه وهاديه وهو الذي أرسله برسالته وقد وعده بالنصر وذلك قوله: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)...} فناسب أن يقول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} وأما قوله في الزخرف: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} فهو مناسب لما ورد في سياقه. فقد قال في الزخرف: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)} فذكر اتخاذ الولد وهو قوله: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}. ثم قال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} فذكر أنه الإله فيهما. ثم قال: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا }… فذكر أن له ملكهما. وقدم الجار والمجرور (له) للحصر، فإنه له وحده ملك السماوات والأرض حصرًا لا يشاركه في ذلك أحد. وقال في الآية: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }فذكر أنه ربهما. فجمع السياق الدلالة على الربوبية والألوهية والملك فناسب أن يذكر أنه رب العرش فإن العرش للملك. إضافة إلى ما ذكر بعد ذلك من صفات الكمال. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 58 إلى ص 61.
  • ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴿٢٣﴾    [الأنبياء   آية:٢٣]
{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} لما ذكر سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما، وذكر أن له من في السماوات والأرض، وأن له القوة والعزة فأهلك القرى الظالمة وبطش بها، وأنه يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فلا تكون أفعاله إلا حقًا ولا تصدر إلا عن حكمة، وأنه الإله في السماوات والأرض لا شريك له علم أنه لا يسأل عما يفعل وإنما هو الذي يسأل غيره، فكل من عداه عبد له مملوك وكلهم مسؤولون أمامه. فلا يسأل لأنه الإله وأنه الخالق وأنه الملك وأنه المالك وأنه القوي العزيز وأن أفعاله كلها لا تصدر إلا عن حكمة، وإن كل واحدة من هذه الصفات لا يسأل من اتصف بها عما يفعل فكيف إذا اجتمعت؟! ثم إن هذه الآية مناسبة لما افتتحت به السورة وهو قوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} فالناس مسؤولون أمامه وقد اقترب حسابهم. ومناسبة للآية قبلها وهي قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} فهو الإله في السماوات والأرض لا شريك له، والإله لا يسأل عما يفعل. وهو (رب العرش)، ورب العرش لا يسأل؛ لأن رب العرش هو الملك، والملك لا يسأل عما يفعل وإنما هو الذي يسأل غيره. وقوله: (سبحان الله) يعني أنه المنزه في أفعاله وصفاته، والمنزه لا يسأل عما يفعل لأنه الكامل في ذلك. جاء في (البحر المحيط): "ثم وصف نفسه بكمال القدرة ونهاية الحكم فقال: {}، إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء، وفعله على أقصى درجات الحكمة فلا اعتراض عليه ولا تعقب عليه. ولما كانت عادة الملوك أنهم لا يسألون عما يصدر من أفعالهم مع إمكان الخطأ فيها كان ملك الملوك أحق بألا يسأل" (1). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 61 إلى ص 62. (1) البحر المحيط 6/305.
  • ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٢٤﴾    [الأنبياء   آية:٢٤]
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)} أنكر عليهم قبل هذه الآية اتخاذ آلهة من الأرض، وأنكر في هذه الآية اتخاذ الآلهة من دون الله على العموم. وقد أقام البرهان على فساد القول باتخاذ الآلهة فقال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وطلب منهم أن يأتوا ببرهان على صحة قولهم باتخاذ الآلهة فقال لهم: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} سواء كان من جهة العقل أم النقل. أما هو سبحانه فقد ذكر الحجة العقلية وهي قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، ثم تحداهم بالبرهان النقلي وهو الكتب المنزلة على الرسل سواء ما أنزل عليه أو ما أنزل على من قبله فقال لهم: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} وهو ما أنزل إليه، و{وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} وهو ما أنزل إلى من قبله من الأنبياء فإنها كلها تدعو إلى توحيد الله والنهي عن الشرك. ثم أضرب فبين أن أكثرهم لا يعلمون الحق ولذلك هم معرضون عنه. ثم ذكر في الآية التي تلي هذه الآية ماذا في ذكر من قبله وماذا أوحى إلى رسله فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}. جاء في (الكشاف): "كرر{{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً} استفظاعًا لشأنهم واستعظامًا لكفرهم، أي وصفتم الله تعالى بأن له شريكاً فهاتوا برهانكم على ذلك: إما من جهة العقل، وإما من جهة الوحي، فإنكم لا تجدون كتابًا من كتب الأولين إلا وتوحيد الله وتنزيهه عن الأنداد مدعو إليه، والإشراك به منهي عنه متوعد عليه. أي (هذا) الوحي الوارد في معنى توحيد الله ونفي الشركاء عنه كما ورد علي فقد ورد على جميع الأنبياء. فهو ذكر، أي عظة للذين معي، يعني أمته، وذكر للذين من قبلي، يريد أمم الأنبياء عليهم السلام" (1). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 62 إلى ص 63. (1) الكشاف 2/325 وانظر تفسير أبي السعود 3/695.
إظهار النتائج من 10741 إلى 10750 من إجمالي 12316 نتيجة.