عرض وقفات أسرار بلاغية

  • ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾    [هود   آية:١٠٣]
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُود} [هود: 103] قال: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} ولم يقل: (مجموع فيه الناس) للدلالة على عظم ذلك اليوم، فإن الناس يجمعون له ولأجله، فالجمع إنما يكون لأجل ذلك اليوم، فهو علة الجمع، ولو قال: (فيه) لكان المعنى أنهم مجموعون فيه لأمر آخر. وإنما قال: (له) ليدل على أنه هو الغرض من جمعهم كما قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9]، وقال: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: 25]. وقال: {مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُود} فجاء باسم المفعول، والمعنى (سيجمعون له) للدلالة على أنه كائن لا محالة.جاء في (الكشاف): "فإن قلت: لأي فائدة أوثر اسم المفعول على فعله؟قلت: لما في اسم المفعول من دلالة على اثبات معنى الجمع لليوم، وأنه يوم لا بد من أن يكون ميعادًا مضروبًا لجمع الناس له، وأنه الموصوف بذلك صفة لازمة، وهو أثبت أيضًا لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه" (1). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 339 إلى ص 340. (1) الكشاف 2/115.
  • ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾    [هود   آية:١٠٤]
{وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} "الأجل يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها، فيقولون: انتهى الأجل، وبلغ الأجل آخره" (1).وقيل: (لأجل معدود) "أي لانتهاء مدة قليلة، فالعد كناية عن القلة، وقد يجعل كناية عن التناهي" (2). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 340 إلى ص 340. (1) الكشاف 2/115. (2) روح المعاني 12/138.
  • ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾    [هود   آية:١٠٥]
{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] حذف الياء من (يأت) والأصل: (يأتي). وحذف التاء من (تكلم) والأصل: (تتكلم)، في حين ذكر الياء في مواطن أخرى، قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام: 158]. {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 52 – 53]. "فحذف الياء من (يأت) واجتزأ بالكسرة في آية هود دون الآيتين الأخرين ولهذا الحذف سببه. فقد ذكر الله في عدة مواطن من هود تعجل الذين كفروا للعذاب، كما تردد الوعد بقرب نزوله، فقد قال: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود: 8].وقال قوم نوح: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: 32]. وقال صالح لقومه: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوب} [هود: 64 - 65].وقال في قوم لوط: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81].وقال في موطن آخر: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83].فأنت ترى أنه تردد ذكر استعجال العذاب من ناحية، ومن ناحية اخرى أنه تردد الوعد بقرب حلوله، فكان من المناسب الحذف من فعل الإتيان إشعارًا بقرب حلوله.هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه ذكر في سورة (هود) عقاب الأمم السابقة وهلاكهم، ثم ذكر أن يوم القيامة آت وأنه سيحل فيه عقاب الكافرين كما حل عقاب الأمم السابقة، وإن هو إلا أجل معدود فيحل، فحذف الياء من فعل الإتيان للدلالة على سرعة الإتيان.وليس الأمر كذلك من الآيات الأخرى.هذا ومن ناحية أخرى أنه تردد ذكر الإتيان باشتقاقاته المختلفة في كل من (الأنعام) و(الأعراف) أربعًا وعشرين مرة، وفي (هود) ثلاث عشرة مرة، فلما كثر الفعل في سورتي الأنعام والأعراف كثر البناء، ولما قل تردده في هود قلل من البناء ...ويمكن أن يضاف شيء أخر: وهو أنه لما منع الكلام في آية هود إلا بإذنه حذف من الكلام، فحذف الياء من (يأتي) وحذف التاء من فعل التكلم فقال: (تكلّمُ) ولم يقل: (تتكلم) إشعارًا بقلة الكلام في ذلك الوقت" (1). وقدم (الشقي) على (السعيد) لأنه سبق الكلام على الأشقياء من الأمم المعذبة. ألا ترى أنه قدم السعداء على الأشقياء في آل عمران في قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] فقدم الذين ابيضت وجوههم لأنه سبق الكلام على المسلمين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100] ويستمر الكلام في مخاطبة المؤمنين إلى أن قال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} فناسب كل تعبير سياقه الذي ورد فيه. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 340 إلى ص 342. (1) التعبير القرآني 109 – 110.
  • ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾    [هود   آية:١٠٦]
{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 106 - 107] قدم الجار والمجرور (لهم) على (فيها) فقال: (لهم فيها) ولم يقل: (فيها لهم) لأن الكلام على الذين شقوا لا على النار فقدم ضميرهم على ضمير النار. وذكر هنا أن لهم فيها زفيرًا وشهيقًا، وفي حين ذكر في موضع آخر أن لهم فيها زفيرًا وهم فيها لا يسمعون، ولم يذكر الشهيق. قال تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 97 - 100]. ذلك أن العذاب في آيات الأنبياء أشد من أكثر من جهة: 1- فقد ذكر الكفرة ومعبوديهم من دون الله فقال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا إما أن يكون شركًا أو أكبر من الشرك وهو أكبر الذنوب.في حين ذكر الأشقياء على العموم في آية وهم أعم مما ذكره في الأنبياء. فإن من بين الأشقياء من لا يكون عبد الصنم، وقد يكون من أهل الكتاب. فذكر في آيات الأنبياء أشقى الأشقياء وهم الذين يعبدون من دون الله. 2- إنه ذكرهم وآلهتهم وجمعهم معًا في العذاب، وهو أشد تبكيتًا وإهانة لهم ولآلهتهم التي يعبدونها، فاقتضى ذلك زيادة تعذيبهم. 3- وإنه قال عنهم إنهم حصب جهنم، وهو أسفل النار، فإن الحصب إنما في القاع والنار تسعر عليه وبه. 4- قال: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} ولم يذكر الشهيق. فإن الإنسان يحتاج الشهيق ليزفر، وإن لم يستطع أن يأخذ الشهيق ضاق صدره. وهو ظاهر فيما نرى في المصابين بأمراض التنفس ممن لا يستطيع أن يأخذ الشهيق، فإن الدنيا تضيق به على سعتها، وهو مستعد أن يدفع كل ما يملك ليشهق.فدل ذلك على ضيق صدورهم، فهم يطلبون الشهيق ولكن لا يمكنون منه، وذلك من أشد العذاب. فإنه إذا كان الشخص في جنة ولم يستطع أن يأخذ الشهيق كان في عذاب، فكيف إذا كان مع ذلك في النار؟! 5- وأضاف إلى ذلك أنهم لا يسمعون فكان عذابًا آخر. 6- قال في آية هود: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فذكر استثناءً وهي مشيئته سبحانه. والله أعلم بهذه المشيئة، حتي قال بعضهم إنه قد تتسع رحمته فيدرك شيء منها هؤلاء المعذبين.ولم يقل مثل ذلك في آيات الأنبياء ولم يستثن، وإنما قال: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} فكان مل تعبير في مكانه هو المناسب. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 342 إلى ص 344.
  • ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾    [هود   آية:١٠٧]
{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107]{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي أرض الآخرة وسماؤها. وأما هذه الأرض والسماوات فستبدل كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم: 48] وذلك يدل على الدوام غير المنقطع. وقيل في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} أقوال منها: أن هذا الاستثناء يعني حالهم في البرزخ وفي يوم الحساب قبل أن يقتضي الله بين الخلائق. وقيل: هو استثناء من أنواع العذاب المذكورة فيصيرون إلى عذاب آخر.وقيل غير ذلك والله أعلم.قد تقول: لقد قال في سورة الأنعام: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 128]. فقال: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فأسند المشيئة إلى لفظ الجلالة (الله).وقال ههنا في آية هود: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فأسند المشيئة إلى رب مضافًا إلى ضمير مخاطب. فما السبب؟فنقول: إن الكلام في الأنعام إنما هو خاطب من الله للكافرين من معشر الجن و الإنس، فقد قال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فهو سبحانه بخاطب الإنس والجن وليس يخاطب الرسول، فلا يصح أن يقول: (إلا ما شاء ربك).ولما انتهى من خطابهم التفت إلى الرسول فقال له: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} كما اختلفت خاتمة كل من الآيتين، فقد ختمها في آية هود بما يدل على القدرة وهو قوله: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وهو المناسب لما فعله ربنا في الأمم التي أهلكها مما ذكره في السورة، ومناسب لما ذكره من مشيئته سبحانه.وختمها في آية الأنعام بما يدل على الحكمة فقال: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} لما تردد من ذكر حكمته في السورة، فقد ختم عدة آيات بذلك، فقد قال: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} في آيتين وهما الآية الثامنة عشرة والآية الثالثة والسبعون.وقال: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} و{إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} في ثلاث آيات وهن: الآية الثالثة والثمانون، والآية الثامنة والعشرون بعد المائة، والآية التاسعة والثلاثون بعد المائة. فهذه خمس آيات ختمت آيات ختمت بالحكمة.في حين لم يرد في هود إلا واحدة وهي قوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هذه إضافة إلى أنه قد ترددت الألفاظ المشتقة من الحكمة والحكم في الأنعام أكثر مما في هود.فقد قال: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136].وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57].وقال: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }[الأنعام: 62].وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأنعام: 89]. وقال: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114]. في حين قال في هود:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ} [هود: 1]. وقال: {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45].فقد ترددت الألفاظ المشتقة من الحكمة والحكم عشر مرات في الأنعام.وترددت أربع مرات في هود. فناسب كل تعبير موضعه من أكثر من جهة. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 344 إلى ص 347.
  • ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾    [هود   آية:١٠٨]
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108].قال في الأشقياء: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} فأسند الشقاء إليهم، ولم يقل: (فأما الذين أشقوا) ليدل على أن ذلك بما قدمت أيديهم، فهم الذين أشقوا أنفسهم وقال في السعداء: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} بالبناء للمجهول، ليدل على أن الله هو الذي أسعدهم برحمته وفضله. جاء في (روح المعاني): "وما ألطف الإشارة في شقوا وسعدوا على قراءة البناء للفاعل في الأول و البناء للمفعول الثاني. فمن وجد ذلك فليحمد الله تعالى، ومن لم يجد فلا يلومن إلا نفسه" (1).{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} "أي غير مقطوع عنهم ولا مخترم" (2). ولم يقيد العطاء بشيء وإنما أطلقه ليشمل كل ما تقتضيه السعادة، وهذا العطاء مستمر غير مقطوع.قد تقول: لقد قال في سورة الواقعة: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32 - 33]. وقال ههنا: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع، ولم يقل: (ولا ممنوع) كما قال في الواقعة. فنقول: لقد قال ههنا: (عطاء) أي يعطون، فدل ذلك على أنه غير ممنوع وإلا فكيف يعطون والعطاء ممنوع؟! ولم يقل مثل ذلك في الواقعة، فناسب أن يقول: (ولا ممنوعة). وقال: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يقل: (غير مقطوع) كما قال في الواقعة: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} وذلك أنه أفاد فائدتين: الأولى: أن العطاء غير مقطوع. والأخرى: أنه سالم غير مكسور ولا محطم وليس فيه عيب، فإن من معنى الجذ: الكسر. فالمجذوذ أعم من المقطوع لأنه يشمل المقطوع وغيره. وقوله: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أفاد معنيين: أنه غير مقطوع وأنه سالم. والعطاء أعم من الفاكهة، فهو يشمل الفاكهة وغيرها. فناسب العموم العموم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 347 إلى ص 348. (1) روح المعاني 12/146. (2) روح المعاني 12/146.
  • ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ﴿١٠٩﴾    [هود   آية:١٠٩]
{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود: 109] نهاه في آية سابقة عن أن يكون في مرية مما أنزل إليه فإنه الحق من ربه فقال له: {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} ونهاه ههنا أن يكون في مرية مما يعبد قومه فإنهم متبعون لآبائهم. وقوله: {مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ} يحتمل معنين: الأول: أن تكون (ما) اسمًا موصولاً، أي مما يعبده هؤلاء من الآلهة، فـ (ما) ههنا تعني آلهتهم. والأخر: أن تكون (ما) مصدرية، فيكون المعنى: فلا شك من عبادة هؤلاء (1). فمعبوداتهم وعبادتهم باطلتان. فقد يكون المعبود حقًا والعبادة باطلة كما هو شأن كثير مما نرى، فإن المعبود هو الله وهو الحق وقد تكون العبادة باطلة كما هو شأن أهل الكتاب والمبتدعين ونحو ذلك. وأما هؤلاء فمعبوداتهم وعبادتهم كلتاهما باطلتان فجاء بما يجمع هذين المعنيين. وقال: {إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} والأصل أن يقول: (كما عبد آباؤهم) إلا أنه عدل إلى صيغة المضارع للدلالة على أن ذلك كان عادة لهم وهو ما يسمى بالماضي المستمر أو المضارع المعتاد، ويكون بالفعل المضارع مسبوقًا بـ (كان)، فكان الأصل في هذا المعنى أن يقال: (إلا كما كان يعبد آباؤهم)، وقد دل قوله تعالى: (من قبل) على المضي. جاء في (روح المعاني): "ومعنى (كما يعبد) كما كان عبد، فحذف لدلالة (قبل) عليه. وكأن اختيار هذا للإشارة إلى أن ذلك كان عادة مستمرة لهم" (2). ومعنى ذلك أن هؤلاء سيصيبهم مثل ما أصاب الأولين ممن قصصنا عليك من سوء عاقبتهم. وقد تقول: ولم لم يقل: (كما كان يعبد آباؤهم) كما قال في آيات أخرى، وذلك نحو قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [الأعراف: 70]. وقوله: {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [إبراهيم: 10]. فنقول: إن قوله: {مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} يفيد الاتصال مع آبائهم في العبادة. ولو قال: (ما يعبدون إلا كما كان يعبد آباؤهم من قبل) لاحتمل الاتصال والانقطاع، وليس ذلك نصًا في اتصال الأبناء بالآباء في العبادة. فإن قولنا: (أعبد ما كان يعبد أبي) يحتمل الانقطاع والاتصال، فقد يحتمل أن أباه كان يعبد شيئًا ثم انقطع عن عبادة ذلك الشيء وأصبح يعبد شيئًا أخر، وذلك نحو كثير من الصحابة كابن عباس وابن عمر، فقد كان آباؤهم يعبدون الأصنام في الجاهلية ثم أسلموا وعبدوا الله سبحانه، فلو قال ابن عمر مثلًا (أعبد ما كان يعبد أبي) لم يصح ذلك، بخلاف ما لو قال (أعبد ما يعبد أبي). ويحتمل الاتصال أيضًا. وأما قولنا: (أعبد ما يعبد أبي) فهو يفيد الاتصال وأنه مستمر على نحو عبادة أبيه.فقوله تعالى: {مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} يفيد الاتصال ومماثلة عبادة هؤلاء لعبادة آبائهم. وقوله: {مِنْ قَبْلُ} يفيد الزمن الماضي في عبادة آبائهم وأنه متصلة متماثلة منذ الزمن الماضي. فلو قال: (ما يعبدون إلا كما كان آباؤهم) ولم يقل (من قبل) لربما أفاد ذلك عبادة آبائهم الأقربين إليهم دون القدامى.ولو قال: (ما يعبدون إلا كما كان آباؤهم) لربما أفاد الانقطاع واحتمل الاتصال.ولكنه قال: {مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} فأفاد الاتصال والمضي. وقد تقول: ولم قال إذا في آيات أخرى: {وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} ونحو ذلك بذكر (كان)؟ فنقول: إنه حيث قال ذلك جاء بما يفيد الاتصال بعبادة آبائهم، فقد قال مثلًا: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [الأعراف: 70] فإنه واضح من التعبير أنهم يعبدون ما كان يعبد آباؤهم، وأنكروا على رسولهم دعوته إلى التوحيد. ونحو ذلك قوله: {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [إبراهيم: 10] وقوله: {مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ} [سبأ: 43]. فاتضح الفرق. {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} أي حظهم من الخير والشر، فإنا موفوهم ما كتب لهم من الخير والشر كاملًا غير منقوص. وأسند الإيفاء إليه سبحانه بضمير التعظيم، ولم يقل: (وهم سيوفون نصيبهم غير منقوص) ليدل على أنه سبحانه وحده بيده مقاليد الأمور من الخير والسوء. ولو قال: (سيوفون) لم يدل على أن الذي يفعل ذلك هو الله ولم تعلم الجهة التي ستوفيهم ذلك. وقال: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ} بالاسم ولم يقل: (وإنا سنوفيهم) بالفعل للدلالة على ثبات هذا الأمر وأنه مقطوع بحصوله، وقد أكد ذلك بإن واللام إضافة إلى اسمية الحدث. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 348 إلى ص 351. (1) انظر الكشاف 2/117، روح المعاني 12/147. (2) روح المعاني 12/147 – 148.
  • ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴿١١٠﴾    [هود   آية:١١٠]
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110] ذكر ربنا لرسوله  أنه لم يكن بدعًا من الرسل ولا أن قومه بدع من الأقوام، فقد آتى موسى الكتاب كما آتاك ربك فاختلفوا فيه، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر. ولولا أن الله سبحانه جعل لكل شيء أجلًا لقضي بينهم في هذا الاختلاف. ثم قال: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} ولم يقل: (إنهم كانوا في شك مريب) ليدل على أن الاختلاف والشك لا يزالان قائمين في عهده ، وإن كلا سيوفيه ربنا أعمالهم كما قال في قومه  { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} . قد تقول: لقد قال ههنا: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} .وقال في آية أخرى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] فقال: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ولم يقل مثل ذلك في آية هود فما السبب؟ فنقول: لقد ذكر في آية هود ملة واحدة وهي ملة موسى. وأما في آية الشورى فذكر مللًا متعددة، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 13 - 15]. فقد قال: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وذلك في يوم القيامة. فقوله: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يعني يوم القيامة. وقوله: {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} يعني ذلك أيضًا. فناسب أن يقول: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ههنا دون آية هود التي ليس فيها ذلك. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 351 إلى ص 353.
  • ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿١١١﴾    [هود   آية:١١١]
{وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [هود: 111] أي إن كلًا من قومك وغيرهم سيوفيهم ربك أعمالهم. وقال: (ليوفينهم) بالفعل المضارع المؤكد الدال على الاستقبال ليدل على أن ذلك سيكون حتمًا. وقد أكد الفعل بلام القسم والنون لما أكد شكهم بإن واللام فقال: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} فلما كان شكلهم مؤكدًا أكد توفيه أعمالهم. ألا ترى أنه لما خاطب عيسى عليه السلام لم يؤكد العذاب ولا توفيه الأجور لأنه ليس في مقام شك، وذلك قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 55 - 57]. فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ} من دون توكيد. وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} من دون توكيد. فناسب كل تعبير موضعه. وقد تقول: لقد قال في آية سابقة: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ }بالاسم (موفوهم). وقال ههنا: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} بالفعل، فما السبب؟ فنقول: إن كل تعبير مناسب لموضعه. فقد قال في الآية الأولى: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فذكر النصيب ولم يذكر أن النصيب لم يكتمل. وأما في هذه الآية فقد قال: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فقال: {بِمَا يَعْمَلُونَ}، و(يعملون) فعل مضارع يحتمل الحال والاستقبال، فهم لم ينتهوا من أعمالهم بعد. والتوفية إنما تكون بعد انتهاء العمل. فلما لن ينته العمل لم يأت بالاسم الدال على الثبوت، وإنما جاء بالفعل المضارع الدال على عدم الانتهاء. وقدم {بِمَا يَعْمَلُونَ} على (خبير) لأن الكلام على الأعمال، فقد قال:{وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} فناسب تقديم العمل. وقال: (خبير) لأنه ذكر أنهم في شك، والشك أمر قلبي فاحتاج إلى الخبرة، والخبرة: المعرفة ببواطن الأمر (1). والخبير: هو الذي يعلم بواطن الأمور، و(خبرت الأمر أخبره) إذا عرفته على حقيقته (2). فناسب ذلك ما ورد في سياقه. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 353 إلى ص 354. (1) المفردات في غريب القرآن (خبر). (2) لسان العرب (خبر).
  • ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١٢﴾    [هود   آية:١١٢]
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112] الاستقامة هي "لزوم المنهج المستقيم، وهو التوسط بين الإفراط والتفريط. وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق" (1). {وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} معطوف على الضمير المستمر في (استقم) وهو الفاعل، وصح العطف للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله: {كَمَا أُمِرْتَ}، ولم لم يكن بينهما فاصل لكان ضعيفًا. ولا يصح عطف على التاء في (أمرت) وهو نائب الفاعل لا من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى. أما من حيث اللفظ فلعدم الفاصل، وأما من حيث المعنى فلأنه سيكون المعنى أنه أمر هو ومن تاب معه، وأنه طلب منه وحده الاستقامة على ما أمروا به، ولم تطلب الاستقامة ممن تاب معه ، أي استقم كما أمرتم.وهذا لا يصح. قد تقول: لقد قال ههنا: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ} وقال في الشورى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [الشورى: 15] ولم يقل: (ومن تاب معك). كما لم يقل في آية هود: (فلذلك فادع). فما السبب؟ فنقول: أما قوله في الشورى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ} دون آية هود فلأنه ذكر التفرق في أهل الأديان وقد كان نهاهم عنه، فقد قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13]. ثم قال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}. فقال مخاطبًا رسوله: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ} أي ادع إلى الائتلاف وعدم التفرق. جاء في (روح المعاني): "(فلذلك) أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفوق ... (فادع) إلى الائتلاف والاتفاق على الملة الحنفية القديمة" (2). وقال أيضًا: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} فقال له: لا تأبه بالمشركين وداع لما أمرت به وإن كان كبر عليهم ذلك. ولم يتقدم مثل ذلك في هود، فلم يقل مثل ما قال في الشورى، وإلا لو قال ذلك لقيل: (لأي شيء أدعو؟) وأما قوله في آية هود: {وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} فلأن الخطاب موجه إليه  وإلى من معه ثم يستمر في خطابهم قائلًا {وَلَا تَطْغَوْا}، {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]. وأما في آية الشورى فالخطاب خاص برسول الله وهو موجه له على سبيل الخصوص. فقد قال {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}، {وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}، {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}. فلما كان الخطاب خاصًا برسول الله مأمورًا على وجه الخصوص لم يذكر من معه، ولا يناسب أن يذكروا. وقد تقول: ولم قال: (ومن تاب) دون (من آمن) مثلًا أو نحو ذلك؟ فنقول: إن الذي يتوب إنما يتوب من معصية، وفاعل المعصية عليه بعد التوبة أن يستقيم فناسب ذكره في السياق. {وَلَا تَطْغَوْا} أي لا تتجاوزوا الحد الذي أمرتم به، فطلب منهم الاستقامة على ما أمروا به وألا يتجاوزوا ذلك. فناسب أن يذكر (ولا تطغوا) بعد قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} لأن عليهم أن يعلموا أولًا ما أمروا به فلا يتجاوزوه. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 355 إلى ص 357. (1) روح المعاني 12/152. (2) روح المعاني 25/23.
إظهار النتائج من 10711 إلى 10720 من إجمالي 12316 نتيجة.