• ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس :٣٣] مع ﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر :٦]
• ما وجه التعقيب، بقوله : ﴿ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ بموضع يونس، وبقوله : ﴿ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ بموضع غافر ؟
• قال الإسكافي : " فلأنه تعالى أراد أن يبين أنهم وإن أقروا بالله تعالى، وأثبتوه خالقاً قادراً صانعاً؛ غير مؤمنين، وما داموا يعبدون غيره؛ لا يؤمنون، فالقصد إلى إبطال ما بذلوه بألسنتهم من الإقرار بخالقهم، والقصد في الآية التي في سورة المؤمن؛ توعدهم على كفرهم بالنار، إذ لم يتقدم ذكر إقرار يشبه إقرار المؤمنين، فيبطل بتركهم سائر ما أمر الله تعالى به ".
• ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ [يونس :٤٧] و ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ [يونس :٥٤] مع ﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾ [الزمر :٦٩] و ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾ [الزمر :٧٥]
• ما وجه التعبير، بقوله : ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ بموضعي يونس، وبقوله : ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾ بموضعي الزمر ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن القسط يراد به : العمل والتسوية في الحكم، فمظِنّة وروده حيث يراد؛ موازنة الجزاء بالأعمال من غير زيادة، والحق : الصدق، فوروده حيث يراد؛ تصديق وعيد، أو إخبار متقدم، وإن الله سبحانه وعد المؤمنين بزيادة الأجور والإحسان بما يفوت الغايات، ويفوق الحصر، ولم يجعل جزاءهم على أعمالهم الدينية وِفاقاً لأعمالهم في مقادير الجزاء، ولما كان الوارد في آيتي الزمر مُنَزّلاً على الحكم حقاً بين النبيين والشهداء والملائكة، قال تعالى : ﴿ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾، وقال تعالى : ﴿ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ ﴾، والضمير في الأولى؛ إما أن يكون للنبيين والشهداء ولا كونه في أن هؤلاء ممن يضاعف أجورهم، فجيء بقوله : ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ تصديقاً لما وعدوا من الزيادة، وليس موضع ورود القسط، وإما أن يكون للخلق كافة وفيهم المؤمن والكافر؛ فورد قوله : ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ تصديقاً لما ورد في حق الفريقين من الزيادة في أجر المؤمن، والعدل في حق الكافر، فلا يظلم مثقال ذرة، وإنما جزاؤه وِفاق عمله، ولا يصح هذا إن لو قيل : ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ وعلى هذا ما ورد في الآية الأخيرة من فروق.
ولما لم يقصد هنا تفضيل أحوال المصدقين، بل حظ الطرفين من التصديق والتكذيب؛ كان موضع التعبير بالقسط الذي هو العدل بين المصدق والمكذب، وإنما بناء الآي على إرغام المكذبين، ولا يناسب هذا، إلا ذكر العدل بحسب ما بنيت عليه الآي قبله ".
• ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ [يونس :٩٣] مع ﴿ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الجاثية :١٧]
• ما وجه التعبير، بقوله : ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ بموضع يونس، وبقوله : ﴿ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ﴾ بموضع الجاثية، مع اتحاد المعنى المقصود في الآيتين ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن آية يونس : تقدم قبلها دعاء موسى (عليه السلام) على فرعون وملئه، فأجاب سبحانه دعاء نبيّه، وطمس على أموال آل فرعون وملئه، وأغرقه وآله، ونجى بني إسرائيل من الغرق، وقطع دابر عدوهم، وأورث بني إسرائيل أرضهم وديارهم يتبوؤون منها حيث شاؤوا، فقال سبحانه معرفاً نبيه محمدا (ﷺ) : ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ﴾ أي : مكنّاهم ومهدنا لهم أمرهم بإهلاك عدوهم، وبما أورثناهم بعد ضعفهم من مشارق الأرض ومغاربها، فبعد تمكن أمرهم، واستحكام حالهم، واستقرار أمر دينهم بما شاهدوه من الآيات، وعظيم البراهين الـمُعْقِبة لمن شاهدها اليقين؛ اختلفوا جرياً على ما سبق لهم ولغيرهم.
أما آية الجاثية : فتقدم قبلها بسط الدلالة والبراهين، والتنبيه بخلق السموات والأرض، وما بث سبحانه فيهما من أصناف المخلوقات، واختلاف الليل والنهار وتعاقبهما، وإنزال الرزق من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها بما ينزل من الرزق إليها، وتصريف الرياح، ثم ذكر سبحانه أن هذه الآيات إنما يعتبر بها، ويهتدي بأنوارها مَن منحه الله تعالى العقل، وهداه إلى الاعتبار؛ فاقتضى ذلك ما قدم من بسط الآيات، وواضح ما خصه تعالى من واضح الدلالات في صدر هذه السورة بسط ما منحه بنو إسرائيل، وما بين لهم مما أشار إليه، قوله تعالى : ﴿ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ﴾؛ فنوسب الإيجازُ بالإيجازِ، والإطنابُ بالإطنابِ، وجاء كل على ما يجب ويناسب، مع اتحاد المقصود في السورتين ".
• ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ [هود :٢] مع ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ﴾ [البقرة :١١٩] و ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب :٤٥] و ﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت :٤]
• ما وجه تقديم النذارة على البشارة، بموضع هود، وتأخيرها في المواضع الأخرى ؟
• قال ابن جماعة : " لما قال هنا : ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾؛ ناسب تقديم النذارة على عبادة غير الله تعالى، وفي الأحزاب والبقرة : كان الخطاب له؛ فناسب كرامته تقديم البشارة، وكذلك في ( حم )؛ ناسب ذكر الرحمة ووصف الكتاب، تقديم البشارة، والله أعلم ".