• ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه :١١٢] مع ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء :٩٤]
• ما وجه التعبير بالواو بموضع طه، بقوله : ﴿ وَمَن ﴾، وبالفاء بموضع الأنبياء ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن قوله : ﴿ وَمَن يَعْمَلْ ﴾ بواو النسق؛ ورد في مقابلة ما تقدمه من المعنى الحاصل، من قوله : ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه :١١١]، وقد خاب من حمل ظلماً؛ لأن عَنَت الوجوه؛ ذلتها في القيامة، فمن حمل ظلماً؛ خاب وخسر، ومن قدم خيراً، وعمل صالحاً؛ فلا يخاف ظلماً، أي : زيادة في سيئاته، ولا هضماً، أي : نقصاً في حسناته، وهذا معنى الكلام، والله أعلم.
أما قوله، في الأنبياء : ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ﴾ فافتتح تفصيل أحوال الفريقين لما قال تعالى : ﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ [الأنبياء :٩٣]، والمراد : اختلافهم وافتراقهم في المذاهب والأديان؛أتبع ذلك تعالى ببيان حال المحسن والمسيء في افتراقهم، فاستؤنف تفصيل جزائهم فقال : ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ ".
• ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم ﴾ [طه :١٢٨] مع ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم ﴾ [السجدة :٢٦]
• ما وجه زيادة قوله : ( مِن ) بموضع السجدة، بقوله : ( مِن قَبْلِهِم ) ؟
• قال الغرناطي : " وأما زيادة (من) في قوله في آية السجدة : ( مِن قَبْلِهِم )؛ فإنها مقصود فيها استغراق عموم، لمناسبة ما تقدم هذه الآية، من حصر التقسيم في قوله : ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ ﴾ [السجدة :١٨]، وأعقب به ما يفهمه قوله : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴾ [السجدة :٢٦]؛ إذ ليس هنا الوارد كالوارد في سورة طه، من قوله : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى ﴾ [طه :١٢٨]، فهذا يشعر بخصوص يناسبه سقوط (من) الاستغراقية، وما في آية السجدة : يشعر بعموم واستغراق تناسبه (من)، في قوله : ( مِن قَبْلِهِم )؛ فجاء كل على ما يناسب ويجب، والله أعلم ".
• ﴿ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [الأنبياء :٣٦] مع ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾ [الفرقان :٤١]
• ما وجه تعقيب كل موضع بما يختص به ؟
• قال الغرناطي : لــ " أنه لما تقدم في سورة الأنبياء، ذكر الآلهة، في أكثر من موضع، كقوله تعالى : ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ [الأنبياء :٢١]، فلما تكرر ذكر مرتكبهم في اتخاذهم معبودات لا تغني عنهم؛ ناسبه قولهم : ( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ).
أما آية الفرقان : فقد تقدمها، قوله : ﴿ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان :٧]، فأنكروا كون الرسول من البشر؛ فجرى مع ذلك، وناسبه قولهم : ( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ) تعجباً واستبعاداً أن يكون الرسل من البشر ".
• ﴿ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [الأنبياء :٤٥] مع ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ [النمل :٨٠] ، [الروم :٥٢]
• ما وجه التعقيب، بقوله : ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ بموضع الأنبياء، وبقوله : ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ بموضعي النمل والروم ؟
• قال ابن جماعة : لــ " أن آية الأنبياء : نسب فيها السماع إليهم؛ فلم يحتج إلى توكيد ومبالغة فيه، ولذلك قال : ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ أي : يتشاغلون عن سماعه، فهم كالصم الذين لا يسمعون.
وفي آية الروم والنمل : نسب الإسماع إلى النبي (ﷺ)؛ فبالغ في عدم القدرة على إسماعهم، بقوله تعالى : ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾؛ لأن المولّــي عن المتكلم، أجدر بعدم القدرة على إسماعه من الماكث عنده؛ ولذلك شبههم بالمولّي، وفيه بسط عذر النبي (ﷺ) ".
• ﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء :٥٣] مع ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء :٧٤]
• ما وجه زيادة (بل) بموضع الشعراء، في قوله : ﴿ بَلْ وَجَدْنَا ﴾ ؟
• قال الإسكافي : " إن الآية الأولى : وقع السؤال فيها على وجه لا يقتضي (بل) في الجواب؛ لأنه قال : ما هذه الأصنام التي نحتّموها تماثيل، وعكفتم عليها، فكأنه سفّه آراءهم، وقال لهم : لم تفعلون ذلك، وتعبدون ما تنحتون ؟ فقالوا : وجدنا آباءنا لها عابدين، فاقتدينا بهم.
وفي سورة الشعراء : تقدم سؤال أضربوا عنه، ونفوا ما تضمّنه، لأنه : ﴿ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴿٧٢﴾ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ [الشعراء : ٧٢ - ٧٣] فقالوا مضربين عن هذه الأشياء التي وبّخوا عليها من عبادتهم ما لا يسمع ولا ينفع ولا يضر، وما يعلمون أنه جماد لا حياة فيه ولا نفع ولا ضرر عنده، وكأنهم قالوا : لا، بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون؛ فلأنّ السؤال هنا يقتضي في جوابهم، أن ينفوا ما نفاه إبراهيم (عليه السلام)؛ أضربوا عنه إضراب من ينفي الأول، ويثبت الثاني؛ فاختصاص المكان بـ (بل) لهذا ".
• ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء :٨٤] مع ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [ص :٤٣]
• ما وجه التعقيب، بقوله : ﴿ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ بموضع الأنبياء، وبقوله : ﴿ وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ بموضع ص ؟
• قال الغرناطي : " فتأمل الوارد من قصص داود وسليمان في الأنبياء، والوارد من قصصهما في سورة ص، واعتبر ذلك، فإن الفرق في ذلك بيِّن، وقد تنزل على كل من هذه القصص في السورتين ما يناسبهما من قصص أيوب، وإذا استوضحت ذلك، علمت أن كلاً منهما لا يناسبهما من قصص أيوب، وإذا استوضحت ذلك، علمت أن كلاً منهما لا يناسبه غير موضعه، ثم إن كلاً من الآيتين في السورتين؛ قد جرى على ما اتصل به مما تقدمه وتأخر عنه من فواصل الآي ومقاطعها، فلو وردت على العكس، لما ناسب آية منها ما اتصل بها؛ فحصل التناسب في اللفظ والمعنى على أوضح شيء، وأنه لا يمكن عكس الوارد، والله أعلم بما أراد ".