• ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل :٦٠] مع ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم :٢٧]
• ما وجه زيادة قوله : ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ بموضع الروم ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن ذلك إنما جرى بحسب مقتضى المقصود في كل من الآيتين، أما آية النحل : فقد تقدمها قوله تعالى : ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ﴾، فقوبل بحسب التفصيل، ومقتضى التقابل، بقوله تعالى : ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾؛ فتطابق الكلام وتناسب، موازنة لفظ، وجليل تقابل، ولم يقع قبلها ذكر السماوات والأرض، فلم يكن ليناسب ذلك ذكرهما بعده، وأما آية الروم : فتقدمها قوله عز وجل : ﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الروم :٢٦]، ثم قال بعد : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، ووضوح التناسب في هذا غير محتاج إلى زيادة بيان ".
• ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ ﴾ [النحل :٦١] مع ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ﴾ [فاطر :٤٥]
• ما وجه التعبير، بقوله : ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا ﴾ بموضع النحل، وبقوله : ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا ﴾ بموضع فاطر ؟
• قال ابن جماعة : لــ " أن آية النحل : جاءت بعد أوصاف الكفار بأنواع كفرهم في اتخاذهم إلهين اثنين، وكفرهم وشركهم في عبادة الله سبحانه، وجعلهم للأصنام نصيباً من مالهم، ووأد البنات، وغير ذلك، وكل ظلم منهم؛ ناسب قوله تعالى : ﴿ بِظُلْمِهِم ﴾ ولم يتقدم مثل ذلك في فاطر.
وأما ﴿ عَلَيْهَا ﴾ والمراد : الأرض، فإنه شائع مستعمل كثير في لسان العرب؛ لظهور العلم به بينهم؛ ولكراهية أن يجتمع ظاءان في جملتين مع ثقلها في لسانهم؛ لأن الفصاحة تأباه، ولم يتقدم في فاطر ذلك، فقال ﴿ عَلَى ظَهْرِهَا ﴾ مع ما فيه من تفتن ".
• ﴿ وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [النحل :٦٥] مع ﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل :٦٧] و ﴿ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل :٦٩]
• ما وجه تعقيب كل موضع بما يختص به ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن وجه مناسبة، قوله : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾؛ بناء ذلك على المتصل به قبله، من قوله : ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل :٦٤]، وإنما تحصل ثمرة الكتاب المنزل بسماعه.
وأما الآية الثانية : فلما وقع فيها ذكر السَّكَر، وذلك حكم لا يمكن الوصول إلى معرفة سببه، ولا تعليله بطريق الحواس، ولا يوصل إلى ذلك بجهة تفكر أو اعتبار؛ عبّر بقوله : ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾؛ إذ العقل يسلم إمكان ما لا تعلم له على مما ليس بمحال، فيكون مما ينفرد تعالى بعلمه، ويعجز البشر عن فهمه، وأما الآية الثالثة : فمحل ومجال للتفكر، ومتسع للاعتبار؛ فناسبه قوله : ﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾".
• ﴿ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [النحل :٧٠] مع ﴿ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [الحج :٥]
• ما وجه زيادة (من) بموضع الحج، بقوله : ﴿ مِن بَعْدِ عِلْمٍ ﴾ دون موضع النحل ؟
• قال ابن جماعة : لــ " أن (بعد) يستغرق الزمان المتعقب للعلم من غير تعين ابتداء وانتهاء، فلما أتى ما قبل آية النحل مجملاً؛ جاء بعده كذلك مجملاً، وفي الحج : أتى ما قبلها مفصلاً من ابتدائه، بقوله تعالى : ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ إلى آخره بعده؛ كذلك مفصلاً من ابتدائه، مناسباً لما تقدمه من التفصيل ".
• ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل :٧٨] مع ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [المؤمنون :٧٨] و ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك :٢٣]
• ورد في موضع المؤمنون والملك نفي شكرهم على المعروف من هذه العبارة أو تقليله بمقتضى اللفظ، وورد في آية سورة النحل ترجي شكرهم مع اتحاد المقصود من إبداء عظيم النعمة بالإسماع والإبصار، فللسائل أن يسأل عن الفرق ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن آية النحل : مبتدأة، بقوله تعالى : ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾؛ فناسب هذا لكونه وصف حال قبل تعيين التكليف ورود الترجي؛ لأن يكون منهم الشكر لذكره إياهم في حال لم يتهيؤوا فيها بعد لقبول أمر أو نهي أو إعراض عن ذلك، ولا يتعلق بهم التكليف؛ فناسب هذا ذكر الترجي، أما الآيتان بعد : فالإخبار فيهما عن أحوال من استوفى سن التكليف، وعقل الخطاب، وتكرر عليه التَّذكار؛ فلم يجد عليه شيئا ".
• ﴿ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل :٧٩] مع ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ [الملك :١٩]
• ما وجه التعبير، بقوله : ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ﴾ بموضع النحل، وبقوله : ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ﴾ بموضع الملك ؟
• قال الغرناطي : لــ " أن آية سورة الملك : لما انطوت على ذكر حالين للطائر من صفة جناحية وقبضهما، وهما حالتان يستريح إليهما الطائر، فتارة يصُفُّ جناحية كأنه لا حركة به، وتارة يقبضهما إلى جنبيه حتى يلزقهما بهما، ثم يبسطهما ويقبضهما موالاة بسرعة كما يفعل السابح؛ فناسب هذا الإنعام منه تعالى، وورد اسمه الرحمن، أما آية النحل : لم يرد فيها ذكر هذه الاستراحة، فقيل هنا : ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ﴾، وتناسب ذلك، وامتنع عكس الوارد بما تبين، والله أعلم ".
• ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل :٨٩] مع ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل :١٠٢]
• ما وجه زيادة قوله : ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ بالموضع الأول ؟
• قال الغرناطي : لـ " أن الأولى : مقصود بها بشارة وإنعام لا يشوبه غيره، وقد تبين ذلك، أما الثانية : فوارده مورد الزجر والتعنيف لمن لم يؤمن، مع البشارة للمؤمنين ".
• ﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : ٩٦ - ٩٧] مع ﴿ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الزمر :٣٥]
• ما وجه التعبير بــ (ما)، بقوله : ﴿ بِأَحْسَنِ مَا ﴾ بموضعي النحل، وبــــ (الذي) بموضع الزمر، بقوله : ﴿ بِأَحْسَنِ الَّذِي ﴾ ؟
• قال الغرناطي : لـ " أن آية النحل الأولى : لما افتتحت بما الموصولة، في قوله تعالى : ﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾، والمراد بها : الإطلاق والعموم؛ كانت في هذا الموضوع أولى من لفظ (الذي) وإن اشتركا في الموصولية، والآية الثانية : جارية مجرى الآية التي قبلها، و(مَن) أقرب لها من (الذي)؛ لما بينهما من الاشتراك في المعاني التي لا تشاركها فيها (الذي)، وأما آية الزمر : فوارده في معنى الخصوص المقصود به طائفة بعينها، ألا ترى ما قبلها من قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر :٣٣]، والمراد بالذي جاء بالصدق : رسول الله (ﷺ)، والذي صدق به : متقدمو أصحابه ممن سبق، وحسن تصديقه كأبي بكر (رضي الله عنه)، ومن قارب حاله، وجرى في نحو مضماره، وهؤلاء مخصوصون لا يشاركهم في حالهم غيرهم، وفيهم ورد ما بعد ".