{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ "وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ"}
[الأنبياء: 110]
{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ "وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ"}
[اﻷنعــــــام: 3]
موضع التشابه : ( وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ - وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )
الضابط : تكررت في آية الأنعام الكلمات التي احتوت على حرف السّين (السَّمَاوَاتِ) (سِرَّكُمْ) ثمّ خُتِمت بكلمة فيها حرف السّين أيضًا (تَكْسِبُونَ)؛ فاستأنس بتكرُّر حرف السّين لضبط آية الأنعام وبضبطها تتضح آية الأنبياء التي وَرَدَت فيها (تَكْتُمُونَ).
* القاعدة : قاعدة الضبط بالمجاورة والموافقة.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالمجاورة والموافقة ..
نقصد بهذه القاعدة أنّه إذا ورد عندنا موضع مشكل، فإننا ننظر [قبل وبعد] في [الآية] أو [الكلمة] أو [السّورة] المجاورة، فنربط بينهما، إمّا بحرف مشترك أو كلمة متشابهة أو غير ذلك
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ "وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ" مَّرِيدٍ}
[الحــــــــــجّ: 3]
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ "وَلَا هُدًى" وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ "ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ" عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}
[الحـــــجّ: 8 - 9]
{..وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ "وَلَا هُدًى" وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا" أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}
[لقمان: 20 - 21]
موضع التشابه الأوّل : ما بعد (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
( وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ - وَلَا هُدًى - وَلَا هُدًى )
الضابط : ثلاثُ آياتٍ وَرَدَت فيها (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وجاءت بعدها في الموضع الأوّل (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ) وفي الموضعين الآخَرَين وَرَدَت (وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)، ونضبط ذلك بجُملة [اتّبِع الهُدى]،
- دلالة الجُملة:
«اتّبـــع» للدّلالة على آية [الحـجّ: 3] (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ)
«الهُدى» للدّلالة على آية [الحـجّ: 8] + [لقمان: 20] (وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالجُملة الإنشائية.
* القاعدة : قاعدة العناية بالآية الوحيدة.
موضع التشابه الثّاني : ما بعد (وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)
( ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ - وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا )
الضابط : موضع التشابه هذا خاصٌّ بموضع [الحـجّ: 8] + لقمان حيث لم يرد في موضع [الحــجّ: 3] هذا القول ونضبط ذلك كالآتي:
- بين موضعي التشابه علاقة تدرُّجٍ ولو من بعيد:
- في الموضع الأوّل ذَكَرَ تكبُّره (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ) أي:
لاويًا عنقه تكبُّرًا ليصرف الناس عن الإيمان.
- وفي الموضع الثّاني ذَكَرَ إعراضه حتّى بعد نُصح غيره له (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا)
أي: وإذا قيل لهؤلاء المجادلين في توحيد الله: اتّبعوا ما أنزل الله على رسوله من الوحي، قالوا: لا نتبعه، بل نتبع ما وجدنا عليه أسلافنا من عبادة آلهتنا.
- أي أنّ في الموضع الأوّل إعراضه كان أقلّ، وفي الموضع الثّاني إعراضه كان أكثر.
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتّدرُّج.
===القواعد===
* قاعدة الضبط بالجملة الإنشائية ..
من القواعد النيّرة والضوابط النافعة [وضع جملة مفيدة] تجمع شتاتك
-بإذن الله- للآيات المتشابهة أو لأسماء السّور التي فيها هذه الآيات..
* قاعدة العناية بالآية الوحيدة ..
كثير من الآيات المتشابهة يكون بينها [تماثل تامّ عدا آية واحدة تنفرد] عنها في جزء من الآية ، فعناية الحافظ بهذه الآية الوحيدة ومعرفته لها يريحه فيما عداها، مع التنبيه على أنّه في الغالب تكون الآية الوحيدة هي الآية الأولى في المواضع المتشابهة ..
* قاعدة التدرّج ..
يقصد بهذه القاعدة أن يأتي المذكور في الآية أو الآيات [بصورة تدريجية]، من الأسفل للأعلى أو العكس -أي بشكل تصاعدي- وهذه القاعدة وإن كان لها صلة بقاعدة "الرّبط بالصّورة الذّهنية" إلّا أنّها لأهميتها تمّ إفرادها..
{..لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَ"تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً" فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}
[الحــــجّ: 5]
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ "تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً" فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[فصلت: 39]
موضع التشابه : ( تَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً - تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً )
الضابط :
- جاء في سُّورَة الحجّ وصف الأرض بــ (هَامِدَةً)، وهذا وصفٌ مناسبٌ لبداية السّورة حيث وَرَدَ في البداية قوله تعالى (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَیۡءٌ عَظِیمࣱ)[1]، فـ (هَامِدَةً) وصفٌ مناسبٌ للزلزال.
- جاء في بداية سُّورَة فُصِّلت وصف الأرض بــ (خَـٰشِعَةً)، وهذا وصفٌ مناسبٌ لبداية السّورة حيث وَرَدَ في البداية قوله تعالى (تَنزِیلࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ)[2]، والخشوع وصفٌ مناسبٌ للقرآن.
القاعدة : قاعدة ربط الموضع المتشابه بأوّل السُّورة.
مُلاحظة/ آية الكهف (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ "وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً" وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)) قريبة من الآيات التي ضُبطت في هذا البند، لكن الآيات التي ضُبطت في هذا البند أكثر تشابهًا لبعضها فلم ندرج آية الكهف.
====القواعد====
* قاعدة الرّبط بين الموضع المتشابه واسم السّورة ..
مضمون القاعدة: أنّ هناك [علاقة] في الغالب بين الموضع المتشابه واسم السّورة، إمّا [بحرف مشترك أو معنى ظاهر] أو غير ذلك، فالعناية بهذه العلاقة يعين -بإذن الله- على الضبط
[الحـــــــــــجّ: 6]
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ "وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ" وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
[الحجّ: 62 - 63]
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ "وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ" وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
[لقمان: 30 - 31]
موضع التشابه : ما بعد (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)
( وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى - وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ - وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ )
الضابط :
- في [الحــــجّ: 6] عَقَّبَ بقوله (وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى) لأنَّ السِّياق في [إثبات البعث] ..
- وفي [الحجّ: 62]: قال (هُوَ الْبَاطِلُ) مؤكّدًا بزيادة الضّمير المنفصل (هُوَ) لوقوعه بعد [عشر آيات كُلّ آية مؤكّدة] مرّةً أو مرّتين باللام والنون والهاء والواو، [ولم] يتقدّم آية لُقمان مثل ذلك. ولهذا أيضًا زِيدَ بعدها بقليل الكلام في قوله (وَإِنَّ اللَّهَ [لَهُوَ] الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) وليس في القرآن غيرها، بينما قال قبل آية لُقمان بقليل (إِنَّ اللَّهَ [هُوَ] الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)).
(ربط المتشابهات بمعاني الآيات - د/ دُعاء الزّبيدي)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
ضابط آخر/
اسم سُّورَة الحجّ بدون أل التّعريف مكوّنٌ من حرفين (حجّ) وَ وَرَدَت في آيتها كلمة (هُوَ) المكوّنة من حرفين أيضًا في قوله (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)، ولا تنطبق ذلك على اسم سُّورَة لُقمان وآيتها.
* القاعدة : قاعدة ربط الموضع المتشابه باسم السُّورة.
ضابط آخر/
سُّورَة الحجّ أطول من سُّورَة لقمان فكانت الزيادة -(هُوَ)- في السُورَة الأطول -الحجّ-.
* القاعدة : قاعدة الزّيادة للسُّورة الأطول.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له
* قاعدة الرّبط بين الموضع المتشابه واسم السّورة ..
مضمون القاعدة: أنّ هناك [علاقة] في الغالب بين الموضع المتشابه واسم السّورة، إمّا [بحرف مشترك أو معنى ظاهر] أو غير ذلك، فالعناية بهذه العلاقة يعين -بإذن الله- على الضبط
* قاعدة ربط الزّيادة بالآية أو السّورة الطويلة ..
قد يكون مكمن التشابه بين الآيتين [طولًا وقِصَرًا]، ويكون الحل بربط الزّيادة بالسّورة أو الآية الطويلة
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ "وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى" وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
{كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا "مِنْ غَمٍّ" أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}
[الحـــــــجّ: 22]
{..كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا "وَقِيلَ لَهُمْ" ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}
[السّجـــدة: 20]
موضع التشابه الأوّل : وَرَدَت (مِنْ غَمٍّ) في آية الحجّ دون آية السّجدة.
موضع التشابه الثّاني : وَرَدَت (وَقِيلَ لَهُمْ) في آية السّجدة دون آية الحجّ.
الضابط :
- في الحجّ: الآية في ذِكْر عذاب الذين كفروا، وسَبَقَها ذِكْر [تفاصيل] ذلك العذاب في قوله (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)) فناسب زيادة قوله [(مِنْ غَمٍّ) لبيان شدّة] العذاب سابِق الذِّكْرِ، وعدم ورود قوله (وَقِيلَ لَهُمْ) بل قال (وَذُوقُوا) كأنّما [الأمْر منهُ سُبحانه مباشرةً]، واستعمال لفظ (عَذَابَ الْحَرِيقِ) والحريق هو النّار البالغة في الإحراق فهو [أشدُّ] من (عَذَابَ النَّارِ).
- بينما في السَّجدة: الآية في ذِكْر عذاب الذين فَسَقُوا [ولم يذكر قبلها تفاصيل] العذاب فكان الأسلوب [أقلّ شدّةً]؛ فلم يرِد قوله (مِنْ غَمٍّ)، وَوَرَدَ قوله (وَقِيلَ لَهُمْ) أيّ قالت لهُم الملائكة، وَ وَرَدَ لفظ (عَذَابَ النَّارِ) بدلًا من (عَذَابَ الْحَرِيقِ).
(ربط المتشابهات بمعاني الآيات - د/ دُعاء الزّبيدي)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له ..