{وَهَذَا ذِكْرٌ "مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ" أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}
[الأنبيـاء: 50]
{وَهَذَا كِتَابٌ "أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ" مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ..}
[اﻷنعـــام: 92]
{وَهَذَا كِتَابٌ "أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ" فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
[اﻷنعام: 155]
{كِتَابٌ "أَنزَلْنَاهُ" إِلَيْكَ "مُبَارَكٌ" لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
[ص: 29]
موضع التشابه : في جميع المواضع تمّ تقديم (أَنزَلْنَاهُ) على (مُبَارَكٌ) باستثناء موضع الأنبياء الذي انفرد بتقديم (مُبَارَكٌ) على (أَنزَلْنَاهُ).
الضابط : لنتذكَّر أنّ موضع الأنبياء هو الوحيد الذي تمّ فيه تقديم كلمة (مُبَارَكٌ) نضبطه بجملةِ [الأنبياء مباركون]،
دلالة الجُملة:
«الأنبــياء» للدّلالة على اسم سُّورَة الأنبياء.
«مباركون» للدّلالة على تقديم كلمة (مُبَارَكٌ) في آية الأنبياء.
وبضبط موضع الأنبياء بهذه الجُملة تتّضح المواضع الأُخرى.
* القاعدة : قاعدة الضبط بالجُملة الإنشائية.
* القاعدة : قاعدة العناية بالآية الوحيدة.
ملاحظة/
١- آية ص الوحيدة التي وَرَدَت فيها كلمة (إِلَيْكَ) من بين آيات البند فتنبّه لها.
٢- عند قراءتك لآية [اﻷحقاف: 12] (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا..) انتبه أن تقول فيها بعد (وَهَذَا كِتَابٌ) قول الله (أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ).
* القاعدة : قاعدة العناية بالآية الوحيدة.
====القواعد====
* قاعدة العناية بالآية الوحيدة ..
كثير من الآيات المتشابهة يكون بينها [تماثل تامّ عدا آية واحدة تنفرد] عنها في جزء من الآية ، فعناية الحافظ بهذه الآية الوحيدة ومعرفته لها يريحه فيما عداها، مع التنبيه على أنّه في الغالب تكون الآية الوحيدة هي الآية الأولى في المواضع المتشابهة
* قاعدة الضبط بالجملة الإنشائية ..
من القواعد النيّرة والضوابط النافعة [وضع جملة مفيدة] تجمع شتاتك
-بإذن الله- للآيات المتشابهة أو لأسماء السّور التي فيها هذه الآيات..
{قَالُوا وَجَدْنَا "آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ" "قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ" أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
[الأنبياء: 53 - 54]
{قَالُوا "بَلْ" وَجَدْنَا "آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ" "قَالَ أَفَرَأَيْتُم" مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}
[الشعراء: 74 - 75 - 76 - 77]
موضع التشابه الأوّل : وَرَدَت (بَلْ) في آية الشُّعراء دون آية الأنبياء.
الضابط : في سُّورَة الأنبياء وَرَدَ سؤالٌ واحدٌ قبل الآية وَهُوَ (إِذۡ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِیلُ ٱلَّتِیۤ أَنتُمۡ لَهَا عَـٰكِفُونَ (52)) ثُمَّ وَرَدَت الإجابة بدون (بَلْ)،
أمّا آية الشُّعراء فازدادت سؤالًا عن آية الأنبياء حيث ورد فيها سؤالين قبل الآية وَهُمَا (قَالَ هَلۡ یَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ (72) أَوۡ یَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ یَضُرُّونَ (73)) ثُمَّ وَرَدَت الإجابة بـزيادة (بَلْ)،
* القاعدة : قاعدة الضبط بالمجاورة والموافقة.
* القاعدة : قاعدة الزيادة للموضع المتأخر.
ضابطٌ آخر/
- قال بزيادة (بل) في الجواب في آية الشعراء، وهو حرف إضراب [يراد به نفي الأول وإثبات الثاني] لأنّه قال لهم (قَالَ هَلۡ یَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ (72) أَوۡ یَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ یَضُرُّونَ (73))، وهو استفهام استنكاري يراد به النفي، فجاءت إجابتهم مصدَرَة بحرف الإضراب.
- أمّا في آية الأنبياء فلم تصدر الجملة بحرف الإضراب، لأنّها إجابة [مباشرة] عن سؤال إبراهيم عليه السلام.
(معجم الفروق الدلالية / بتصرف).
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
موضع التشابه الثّاني : ( آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ - آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ )
الضابط : تكرر لفظ العبادة في سُّورَة الأنبياء، وَ تذكُّره معينٌ لضبط كثير من متشابهات السُّورة؛ ومن بينها هذا المتشابه؛
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا "لَهَا عَابِدِينَ"}
[اﻷنبيـاء: 53]
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا "كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ"}
[الشعراء: 74]
{..أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا "فَاعْبُدُونِ"}
[اﻷنبياء: 25]
{..أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا "فَاتَّقُونِ"}
[النّــــحل: 2]
{..أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى "لِلْعَابِدِينَ"}
[اﻷنبياء: 84]
{..أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى "لِأُولِي الْأَلْبَابِ"}
[ص: 43]
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ "فَاعْبُدُونِ"}
[اﻷنبـــياء: 92]
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ "فَاتَّقُونِ"}
[المؤمنون: 52]
وبضبط آية الأنبياء تتّضح آية الشُّعراء.
* القاعدة : قاعدة العناية بما تمتاز به السُّورة (كثرة الدّوران).
موضع التشابه الثّالث : ردّ إبرام عليه السّلام
( قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ - قَالَ أَفَرَأَيْتُم )
الضابط :
- في آية الأنبياء بَدَأ إبراهيم عليه السّلام ردّه بكلمة (لَقَدْ) وهذه الكلمة متكررة في الوجه الذي وَرَدَت فيه الآية، حيث بُدِأت آيتان بهذه الكلمة
(وَ"لَقَدۡ" ءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ (48))
(وَ"لَقَدۡ" ءَاتَیۡنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ رُشۡدَهُۥ (51))
فنربط (لَقَدْ) من الآيات ببعضها لتسهيل ضبط ردّ إبراهيم عليه السّلام في الأنبياء.
- في آية الشُّعراء بَدَأ إبراهيم عليه السّلام ردّه بكلمة (أَفَرَأَيْتُم) وهي متوافقة مع آيةٍ قبلها وهي قول الله تعالى (فَلَمَّا تَرَ ٰءَا ٱلۡجَمۡعَانِ (61))، فنربط (أَفَرَأَيْتُم) بــ (تَرَ ٰءَا) لتسهيل ضبط ردّ إبراهيم عليه السّلام في الشُّعراء.
* القاعدة : قاعدة الضبط بالمجاورة والموافقة.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له
* قاعدة الضبط بالزّيادة للموضع المتأخر ..
كثير من الآيات المتشابهة يكون [الموضع المتأخّر منها فيه زيادة] على المتقدّم وقد يأتي خلاف ذلك، ولكننا كما أشرنا سابقًا نضبط الأكثر ونترك المستثنى الأقلّ على ماسبق بيانه (ولا نعني بالزّيادة والنّقصان في الآيات ظاهر مايتبادر من الألفاظ الزّائدة والنّاقصة، وإلّا فإنّ القرآن في الحقيقة محروس من الزّيادة والنّقصان، ولولا أنّ هذا الاصطلاح (الزّيادة والنّقصان) استعمله الأوائل المصنفون في هذا الفنّ مثل: الكرماني، وابن الجوزي، لما استعملناه تحاشيًا لما فيه من الإيهام غير المقصود..
* قاعدة الضبط بالمجاورة والموافقة ..
نقصد بهذه القاعدة أنّه إذا ورد عندنا موضع مشكل، فإننا ننظر [قبل وبعد] في [الآية] أو [الكلمة] أو [السّورة] المجاورة، فنربط بينهما، إمّا بحرف مشترك أو كلمة متشابهة أو غير ذلك ..
* قاعدة العناية بما تمتاز به السّورة ..
هذه القاعدة تأتي من التمكّن وكثرة التأمّل لكتاب الله،
فإنّ كثير من الآيات المتشابهة عادة ما تمتاز بشيء من [الطّول والقِصَر]، أو [كثرة التشابه]، أو [كثرة الدّوران للكلمة] في السّورة كما هي عبارة بعض المؤلفين، أو غير ذلك .
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا "يَنفَعُكُمْ" شَيْئًا وَلَا "يَضُرُّكُمْ"}
[الأنبياء: 66]
تمّ سابقًا بحول الله وقوته ضبط تقديم (النّفع) على (الضّرّ) أو تقديم (الضّرّ) على (النّفع) في جميع مواضعها
ولزيادة الفائدة نضبط هذه الآية بالتأمّل في المعنى:
تمّ في الآية تقدیم النّفع على الضّر لموافقة ما قبلها؛ حيث تمّ قبلها تقديم "الحقّ على لاعبين، وشاهدين على مُدبرين (قَالُوا أَجِئْتَنَا [بِالْحَقِّ] أَمْ أَنتَ مِنَ [اللَّاعِبِينَ] (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ [الشَّاهِدِينَ] (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا [مُدْبِرِينَ] (57))"*
(القواعد الأربعينيّة في ضبط المتشابهات القُرآنيّة - دُريد الموصلي)*
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له ..
{"وَأَرَادُوا" بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ "الْأَخْسَرِينَ" "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ" الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}
[الأنبيــاء: 70 - 71]
{"فَأَرَادُوا" بِهِ كَيْدًا "فَجَعَلْنَاهُمُ "الْأَسْفَلِينَ" "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ" إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}
[الصافات: 98 - 99]
موضع التشابه الأوّل : ( وَأَرَادُوا - فَأَرَادُوا )
الضابط : اقترنت الكلمة بالفاء (فَأَرَادُوا) في آية الصّافّات ولضبطها نربط فاء (فَأَرَادُوا) بــ فاء الصّافات، وبضبط آية الصّافات تتّضح آية الأنبياء التي اقترنت الكلمة فيها بالواو (وَأَرَادُوا).
* القاعدة : قاعدة ربط الموضع المتشابه باسم السُّورة.
موضع التشابه الثّاني : ( الْأَخْسَرِينَ - الْأَسْفَلِينَ )
الضابط : وَرَدَت كلمة (الْأَسْفَلِينَ) في آية الصّافّات ولضبطها نربط فاء (الْأَسْفَلِينَ) بــ فاء الصّافّات، وبضبط آية الصّافّات تتضح آية الأنبياء التي وَرَدَت فيها كلمة (الْأَخْسَرِينَ).
* القاعدة : قاعدة ربط الموضع المتشابه باسم السُّورة.
ضابط آخر/
قاله هُنا: بلفظ [(الْأَخْسَرِينَ)] وفي الصَّافات بلفظ (الْأَسْفَلِينَ)؛ لأنَّ ما هُنا تقدَّمه أنَّ إبراهيم كادَهم، وأنّهم كادوه، وأنَّه غلبهم في الكيْدِ، [فخسرت] تجارتهم حيث كسر أصنامهم، ولم يبلغوا من إحراقه مرادهم، فناسب ذِكر (الْأَخْسَرِينَ).
وما في الصّافّات: تقدَّمه (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)) فأجَّجوا نارًا عظيمةً، وبنوْا بنيانـًا عظيمًا، ورفعوا إبراهيم إليه ورموه منه [إلى أسفل]، فرفعه الله إليه، وجعلهم في الدنيا من الأسفلين، وردّهم في العقبى أسفل سافلين، فناسبَ ذكرُ [(الْأَسْفَلِينَ)].
(كتاب فتح الرّحمن بكشف ما يلتبس من القُرآن - أبو يحيى زكريّا الأنصاري)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
موضع التشابه الثّالث : ما بعد (فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ - فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)
الضابط : في آية الأنبياء ذُكِرَ قول الله في إنجاء إبراهيم ولوط عليهما السّلام إلى أرض الشام (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)
أمّا في سُّورَة الصّافّات ذُكِرَ قول إبراهيم عليه السّلام أنّه يريد الهجرة إلى أرض الشام (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)
فتذكّر أيُّها الحافظ أنّ كِلتا الآيتين تدوران حول موضوع انتقال إبراهيم عليه السّلام إلى أرض الشّام؛ عُبِّر في الموضع [الأوّل عن ذلك بقول الله] سُبحانه، وعُبِّر في الموضع [الثّاني عن ذلك بقول إبراهيم] عليه السّلام.
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتّدرُّج.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له ..
* قاعدة الرّبط بين الموضع المتشابه واسم السّورة ..
مضمون القاعدة: أنّ هناك [علاقة] في الغالب بين الموضع المتشابه واسم السّورة، إمّا [بحرف مشترك أو معنى ظاهر] أو غير ذلك، فالعناية بهذه العلاقة يعين -بإذن الله- على الضبط ..
* قاعدة التدرّج ..
يقصد بهذه القاعدة أن يأتي المذكور في الآية أو الآيات [بصورة تدريجية]، من الأسفل للأعلى أو العكس -أي بشكل تصاعدي- وهذه القاعدة وإن كان لها صلة بقاعدة "الرّبط بالصّورة الذّهنية" إلّا أنّها لأهميتها تمّ إفرادها..
{"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً" يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا "وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ" فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}
[الأنبيـاء: 73]
{"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً" "يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ}
[القصص: 41]
{"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً" يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا "لَمَّا صَبَرُوا" وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
[السجـدة: 24]
موضع التشابه الأوّل : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً - وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً - وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً )
الضابط : في الموضع الأول والثاني -الأنبياء والقصص- وَرَدَت (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً)، وفي الموضع الأخير -السّجدة- وَرَدَت (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) بزيادة (مِنْهُمْ)؛ أي أنّ الزيادة وَرَدَت في الموضع المتأخّر.
* القاعدة : قاعدة الزيادة في الموضع المتأخّر.
ضابط آخر/
- في الأنبياء: المقصودون بالآية هم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السّلام لذلك قال (وَجَعَلْنَاهُمْ) أي [كُلّهم].
- في القصص: السياق عن فرعون وجنوده لذلك قال (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).
- في السّجدة: المقصودون بالآية هم بنو إسرائيل [ولم يكونوا كُلّهم] أئمةً بل بعضهم لذلك قال (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ).
(ربط المتشابهات بمعاني الآيات - د/ دُعاء الزّبيدي)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
موضع التشابه الثّاني : ما بعد (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)
موضع التشابه هذا خاصٌّ بآية الأنبياء والسّجدة، فلم يرد (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) في القصص لأنّ السِّياق عن فرعون وجنوده لذلك قال (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).
الضابط :
- في الأنبياء قال (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ) [لأنّهُم أنبياء].
في السّجدة قال (لَمَّا صَبَرُوا) لأنَّهم عبادٌ مكلّفون بالصبر واليقين و[ليسُوا أنبياء] يُوحى إليهم.
(ربط المتشابهات بمعاني الآيات - د/ دُعاء الزّبيدي)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالزّيادة للموضع المتأخر ..
كثير من الآيات المتشابهة يكون [الموضع المتأخّر منها فيه زيادة] على المتقدّم وقد يأتي خلاف ذلك، ولكننا كما أشرنا سابقًا نضبط الأكثر ونترك المستثنى الأقلّ على ماسبق بيانه (ولا نعني بالزّيادة والنّقصان في الآيات ظاهر مايتبادر من الألفاظ الزّائدة والنّاقصة، وإلّا فإنّ القرآن في الحقيقة محروس من الزّيادة والنّقصان، ولولا أنّ هذا الاصطلاح (الزّيادة والنّقصان) استعمله الأوائل المصنفون في هذا الفنّ مثل: الكرماني، وابن الجوزي، لما استعملناه تحاشيًا لما فيه من الإيهام غير المقصود..
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له ..
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ "فَاسِقِينَ"}
[الأنبياء: 74]
{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ "فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ"}
[الأنبياء: 77]
موضع التشابه : ما بعد (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ)
( فَاسِقِينَ - فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ )
الضابط : بين موضعي التشابه علاقة تدرّج:
- حيث تكون أولًا المعصية (فَاسِقِينَ)
- ثُمَّ تكون العقوبة (فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)
- أي أنّك أيُّها الحافظ إذا التبس عليك الموضعان فاقرأ في خاتمة الموضع الأول ما يدلّ على المعصية، وفي خاتمة الموضع الثّاني ما يدلّ على العقوبة.
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتّدرُّج.
ضابط آخر/
- في [الأنبياء: 77] الحديث عن [قوم نوح] لذلك قال (فَأَغْرَقْنَاهُمْ).
(ربط المتشابهات بمعاني الآيات - د/ دُعاء الزّبيدي)
* القاعدة : قاعدة الضبط بالتأمل.
====القواعد====
* قاعدة الضبط بالتأمل للمعنى في الموضع المتشابه ..
وهذه من أمهات القواعد ومهمّات الضوابط، ولذا اعتنى بها السابقون أيّما عناية، وأُلّف فيها كثير من المؤلّفات النافعة، بل هي لُبّ المتشابه، والكثير الحاصل من التشابه إنما جاء [لمعنى عظيم وحكمة بالغة]، قد تخفى على من قرأ القرآن هَذًّا، ويدركها اللبيب الفطن، ولذا من [تدبر] كثيرًا من الآيات المتشابهة وجد أنّ الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والإبدال، إلى غير ذلك إنّما هو لمعنى مراد ينبغي الوقوف عنده، والتأمل له ..
* قاعدة التدرّج ..
يقصد بهذه القاعدة أن يأتي المذكور في الآية أو الآيات [بصورة تدريجية]، من الأسفل للأعلى أو العكس -أي بشكل تصاعدي- وهذه القاعدة وإن كان لها صلة بقاعدة "الرّبط بالصّورة الذّهنية" إلّا أنّها لأهميتها تمّ إفرادها..