قوله تعالى: (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. .) الآية.
وقال بعده (يُحرِّفون الكَلِمَ مِنْ بعدِ مواضعِهِ) لأن الأول في أوائل اليهود، والثاني فيمن كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي حرَّفوها بعد أن وضعها الله مواضعها، وعرفوها وعملوا بها زماناً.
قوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ. .) الآية.
إن قلتَ: لمَ قال ذلك ولم يقل: ومن النَّصَارى.
قلتُ: إنما قاله توبيخاً لهم، لأنهم كانوا كاذبين في دعواهم أنهم نصارى، ادِّعاءً منهم لنصرة اللَّهِ بعدما اختلفوا " نسطورية " و " يعقوبيّة " و " ملكانيَّة " أنصار الشياطين.
قوله تعالى: (يَا أهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لكُمْ كثِيراً ممَّا كنْتُمْ تُخْفونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كثِيرٍ. .) الآية.
إن قلتَ: لمَ عَفَا، أي تَرَك كثيراً ممَّا أخفَوْه من كتابهم، مع أنه مأمورٌ ببيانه؟
قلتُ: إنما لم يبيِّنْه لأنه لم يُؤمر ببيانه، أولأن المأمور ببيانه ما يكون فيه إظهارُ حكمٍ شرعيّ، كصفته، وبعثته، والبشارة به، وآية الرجم، دون ما لم يكن فيه ذلك ممَّا فيه افتضاحُهم، وهتكُ أستارهم فيعفو عنه.
قوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُمِْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانهُ) .
إن قلتَ: كيف قال ذلكَ، مع أن العبد ما لم يهده الله لا يتَّبع رضوانه فيلزم الدَّورُ؟
قلتُ: فيه إِضْمارٌ تقديرُه: يهدي به اللَّهُ منْ علِم أنه
يريد أن يتَّبع رضوانه، كما قال: " والَّذينَ جاهَدُوا فينَا لَنَهْدِينَّهمْ سُبُلَنَا)
أي والّذين أرادوا سبيل المجاهدة لنهدينهم سبيل مجاهدتنا.
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالَأرْض وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ) .
فإن قلتَ: لمَ كرَّرها وختم الأولى بقوله (واللَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ) والثانية بقوله (وإليهِ المَصِيرُ) ؟
قلتُ: لأنَّ الأولى نزلت في النَّصارى، حين قالوا " إن اللَّهَ هو المسيحُ ابنُ مريم " فردَّ الله عليهم بقوله " وللَّهِ مُلْكُ السَّمواتِ والأرضِ " تنبيهاً على أنه مالكٌ لعيسى وغيره، وأنه قادرٌ على إهلاكه وإهلاك غيره. والثانيةُ: في اليهود والنَّصارى، حين قالوا " نحنُ أبناءُ اللَّهِ وأحبَّاؤُه " فردَّ الله تعالى بقوله " وللَّهِ مُلْكُ السَّمواتِ والأرضِ " تنبيهاً على أن الجميع مملوكون له ومصيرهم إليه، يُعذِّب من يشاء ويغفر لمن يشاء، ولو كان " عيسى " ابنه لم يملكه ولم يعذبه، إذِ الأب لا يملك ابنه ولا يعذّبه.
قوله تعالى: (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ. .) الآية.
إن قلتَ: كيف يصحُّ الاحتجاج عليهم به، مع أنهم ينكرون تعذيبَهم بذنوبهم، مدَّعين أن ما يُذنبون بالنَّهار يُغفرُ بالليل وبالعكس؟
قلتُ: هم مقرُّون بأنهم يُعذَّبون أربعين يوماً، مدة عبادتهم العجل في غيبة " موسى " عليه الصلاة والسلامٍ لميقات ربه كما قال تعالى " وَقَالُوا لَنْ تمسَّنَا النَّارُ إِلّاَ أَيَّاما معدودة ".
قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. .) .قال ذلك هنا، وقال في إبراهيم " وإذْ قَالَ موسَى لقَوْمِهِ اذكُرُوا " لموافقة ما قبله وما بعده من النِّداء، أو لأن التصريح باسم المخاطب مع حرف الخطاب يدلُّ على تعظيم المخاطَبِ به، وقد ذُكِرَ هنا نِعَمٌ جِسامٌ، وهو قوله " جَعَلَ فيكمْ أَنْبياءَ " فناسب ذكر " يا قومِ " بخلاف ذلك في إبراهيم.
قوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِكُّمْ غَالِبُونَ) .
هو من مقول الداخلين.
فإن قلتَ: من أين عَلِما أنَّهم غالبون حتَّى قالا ذلك؟!
قلتُ: من جهةِ وُثوقِهم بإخبار موسى عليه السلام بقوله " ادخلُوا الأرْضَ المقدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لكُمْ ". وقيل: عَلِمَا ذلكَ بغلبة الظنِّ، وما عهداه من صُنْعِ الله تعالى بموسى عليه السلام من قهر أعدائِهِ.