برنامج لمسات بيانية
* (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة) إذا كانت الآيات مرتبطة ببعضها الآيات التي سبقت الآية تتحدث عن أهل الكتاب وكذلك الآيات التي بعدها فهل تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم متعلق بأهل الكتاب؟ وما هو الأمر الذي أراده الله تعالى من الرسول أن يبلغه؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً الكلام عام لما قال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) لم يقل بلغ أهل الكتاب أطلق الفعل ولم يحدده ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لم يقل يعصمك منهم. إذن الكلام عام لكن يبقى وقوعه في هذا السياق. وقعت الآية في سياق الذين أوتوا الكتاب ومحاربتهم لرسول الله والمفروض تبليغهم كتبيلغ غيرهم مع أنهم يكثرون مجادلته ويدّعون العلم وكلما جاءهم رسول قتلوا فريقاً وكذبوا فريقاً آخر وطبعاً هذه من المثبطات أن تدعو من لا تأمنه لو كانوا أقل مجادلة لأمل منهم خيراً. دعوة أهل الكتاب من المثبطات لما فيها من جدال يقولون نحن أصحاب الكتب وأصحاب العلم لكن ربنا أوقعها هنا بالذات حتى لا يترك مجالاً لأهل الكتاب أو غيرهم أمره بالتبليغ لا يمنعه من ذلك مانع ولا يثبطه مثبط ثم قال (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) مع أنهم حاولوا قتله كما قتلوا قبله من الأنبياء وهذا إعجاز لأن الرسول كان يُحرس ولما نزلت الآية صرف الحرس وقال الرسول انصرفوا فقد عصمني الله هذا دليل على أنه يأتيه الوحي من الله تعالى.
برنامج لمسات بيانية
آية (2):
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (ربََمَا يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) بتخفيف الباء في كلمة (ربما)؟وما دلالة استخدام ربما في هذا الموقف مع أنها للشك؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً رُبّ ليست للشك وإنما هي للتقليل أو التكثير وهذا مقرر في علم النحو واللغة. النحاة يذكرون هذا الأمر ابتداء من سيبويه الذي يقول هي للتكثير وكثير من النحويين يقول هي للتكثير. هم اختلفوا بين التكثير والتقليل وليس في مسألة الشك لا أحد يقول هي للشك ولكن يقولون هي للتكثير أو التقليل وفي الحديث (رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، رب أخ لم تلده لأمك، قيل أنها للتقليل (ألا رب مولود وليس له أب) وقيل هي بحسب السياق وهو أرجح الأقوال السياق هو الذي يقضي بها مثل (قد) التي تدخل على المضارع قد تكون للتقليل (قد يصدق الكذوب) أو التكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) للتكثير، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ (64) النور) تكثير. فإذن قسم قالوا (رُبّ) للتكثير وقسم قالوا للتقليل وقسم وقفوا وقالوا هي بحسب سياقها وقد ترد للتكثير وقد ترد للتقليل وهي ليست في الشك.
(ربما) هي (رُبّ) حرف جر زائد و (ما) قد تكون زائدة. يبقى أن فيها قراءتان متواترتان (ربَما) و(ربّما). المشددة آكد من المخففة التشديد آكد (ربّ) آكد من (رُبَ) مثل إنّ المخففة وإنّ الثقيلة الثقيلة آكد من المخففة ومثل نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) لما أرادت السجن أكّدت على السجن وخففت في الثانية. ربّما آكد من ربَما فكيف نفهمها؟ قيل هذا في الدنيا عندما يرى الكفرة الغلبة للمسلمين والغنائم التي يحصلون عليها يتمنون أن لو كانوا مسلمين هذا بحسب رغبة الناس فيها، قسم رغبته فيها شديدة تأتي (ربّما) وقسم رغبته أقل (ربَما) فقراءتان تشمل كل الراغبين في الدنيا من له رغبة شديدة ومن له رغبة قليلة القراءتان تشملهم كلهم من له رغبة شديدة ومن رغبته دون ذلك. وقسم قال هي في الآخرة عندما يُعطى المسلمون الأجور العظيمة فيتمنى الكافرون لو كانوا مسلمين وهنا تأكيد على تمنيهم لأنهم رأوا أجر المسلمين. تكون (ربّما) ولكن القراءة المعتمدة عندنا (ربَما) مخففة ولا تعارض بين القراءتين. وهذان الإحتمالان التمني القليل والتمني الكثير لا يمكن أن يُعبّر عنهما إلا باستخدام القراءتين التين وردتا في الآية (ربّما المشددة) و(ربما المخففة) فشمل كل الإحتمالات في جميع المواقف في الدنيا وفي الآخرة.