عرض وقفات أسرار بلاغية
*(يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) الطور) ما اللمسة البيانية في الآية؟(د.فاضل السامرائى)
تمور يعني تضطرب تشقق والمور هو الحركة بتموّج وربنا تعالى ذكر هذا الأمر (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ (1) الإنشقاق) (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ (1) الإنفطار) فإذن قسم قال هي تمور يعني تجيء وتذهب. وهو مشهد من مشاهد يوم القيامة دالّ على الهول والفزع الأكبر أن تضطرب السماء وتمور مما هو غير مألوف.
|
* (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) يس) و (هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) الطور) ، كيف نفهم الفرق بين الآيتين؟
في يس بعد أن ذكر الذين أضلهم الشيطان ذكر مآلهم وحالهم (هذه جهنم) أوقفهم على شفير جهنم، لم يقل تلك وإنما قال (هَذِهِ جَهَنَّمُ) إنتقل بهم باعتبار ما سيكون في الآخرة (هَذِهِ جَهَنَّمُ) متى هذا الوعد؟ (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) فإذن أوقفهم هناك، إذن هذه قريبة أوقفهم عليها.
أما في سورة الطور (هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ) ربنا سبحانه وتعالى قال (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)) عندما قال يدعّون إلى نار جهنم ذكر النار قال (هَذِهِ النَّارُ).
بالنسبة لتوعدون وتكذبون كل واحدة مناسبة في سياقها، في سياق يس قال (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)) قال تعالى (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) هذا هو الوعد. متى هذا الوعد؟ هذا ما كنتم توعدون حتى في القرآن ورد (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ). في الطور قال (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)) عندما قال للمكذبين ناسب (تُكَذِّبُونَ). هناك قال (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) ناسبها (تُوعَدُونَ) فهي بحسب سياقها.
|
* ما دلالة استعمال الوصف (متكئين) لأهل الجنة خاصة؟(د.فاضل السامرائى)
الاتّكاء غاية الراحة كأن الانسان ليس وراءه شيء لأن الانسان لو وراءه شيء لتهيّأ له ولم يتكيء. والاتّكاء في القرآن ورد مع الطعام والشراب ومع الجلسات العائلية هذا أكثر ما ورد إلا في موطن واحد.
جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) يس) والاتكاء يحسُن في هذا الموضع. وقال تعالى (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) ص) يرتبط الاتكاء مع الطعام والشراب وكذلك في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)) وقوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) الواقعة) و (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) الطور) جاء في السياق مع هذه الآيات ذكر الطعام والشراب.
فالاتكاء غاية الراحة ولهذا وًصِف به أهل الجنة ولم يأت وصفهم بالنوم لأنه لا نوم في الجنة أصلاً. ووصِفوا في القرآن بأوصاف السعادة فقط يتحادثون فيما بينهم ويتذاكرون ما كان في الدنيا والاتكاء غاية الراحة والسعادة.
|
*في سورة الطور (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)) التنازع يكون في شيء شاق وقد نهينا عن التنازع (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (46) الأنفال) فهل التنازع في الدنيا مذموم وفي الآخرة محمود؟(د.فاضل السامرائى)
التنازع هنا ليس معناها الخصومة كما في الدنيا وإنما تعني التبادل أحدهم يعطي الآخر حتى في الدنيا نقول نتنازع الكؤوس أي نتبادلها.
|
*ما الفرق بين ولدان وغلمان؟(د.فاضل السامرائى)
الولدان هم الصغار أما الغلمان أي الغلام الشاب الذي أوشك على البلوغ. الوليد منذ أن يولد إلى أن يصل إلى سن البلوغ الغُلمة يسمى ولداً ثم يقال غلام. في الجنة لما يذكر غلمان يقول غلمان لهم أي مختص بهم (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ (24) الطور) أما ولدان فعامّة (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) الواقعة) لا يقول ولدان لهم لأنهم صغار أما الكبير يكون مثل الأسرة خاص بالبيت. الغلام أقل من الشاب سنّاً أو بداية الشباب إذا طال شاربه.
|
*ما الفرق بين الآيتين (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)الإنسان) و(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)الطور) ؟(د.فاضل السامرائى)
الفرق بين الآيتين أنه في آية سورة الإنسان قال تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)) لم يذكر (لهم) وإنما ذكر الولدان الذين يأتون بالأشياء كما يأمر الله تعالى أما في آية سورة الطور (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)) ذكر (لهم) بمعنى خاصّين بهم وليسوا عامّين كالذين ورد ذكرهم في آية سورة الإنسان، فأصبحوا مكنونين لأنهم أصبحوا في الأسرة والعائلة متخصصين في خدمتها. أي عائلة؟ إذا نظرنا إلى الآيات التي سبقت الآية المذكورة في الطور نجد قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)) فالكلام عن الأسرة وهذه الأسرة أصبح لها خصائص كذلك قوله تعالى (ويطوف عليهم غلمان لهم) أي خاص بهم كأنهم لؤلؤ مكنون وسياق الآيات في سورة الطور فيه خصوصية شديدة للمؤمنين.
|
قال تعالى في سورة الطور:( فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29))وقال في سورة القلم( مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)) فزاد قوله :(بكاهن) في سورة الطور ، فما سبب ذاك ؟(د.فاضل السامرائى)
هناك أكثر من سبب دعا إلى هذه الزيادة.
1- منها أنه فصّل في سورة الطور في ذكر أقوال الكفرة في الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكروا أنه كاهن ، وذكروا أنه مجنون ، وذكروا أنه شاعر . ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون). وقالوا إنه كاذب :(أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون).
في حين لم يذكر غير قولهم إنه مجنون في سورة القلم :(ويقولون إنه لمجنون) فناسب ذكر هذه الزيادة في سورة الطور.
2- ومنها أنه ذكرفي سورة الطور قوله :(أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين) والاستماع مما تدعيه الكهنة لتابعيهم من الجنِّ ، فناسب ذلك ذكر الكهنة فيها.
3- ومنها أنه ذكر السحر في سورة الطور فقال :(أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ). فناسب ذكر السحر ذكرَ الكهنة.
4- ومما حسن ذلك أيضاً أنه توسع في القَسَم في أول سورة الطور بخلاف سورة القلم ، فقد قال :(والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع* والبحر المسجور).
في حين لم يقسم في سورة القلم إلا بالقلم وما يسطرون. فناسب التوسع في الطور هذه الزيادة.
5- ذكر في سورة القلم في آخر السورة قول الكفرة ، إنه لمجنون ولم يزد على هذا القول ، فقال :(وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون) فرد عليهم في أول السورة بنفي الجنون عنه فقال:(ما أنت بنعمة ربك بمجنون). فناسب آخر السورة أولها.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف ناسب التأكيد بالباء الزائدة في النفي (بمجنون) التوكيد باللام في الإثبات (لمجنون) لأن الباء لتوكيد النفي واللام لتوكيد الإثبات. والله أعلم.
|
*في قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) الطور) هل المنون جمع أو مفرد؟ وما أصل الكلمة؟(د.حسام النعيمى)
كلمة المنون كما ورد في المعجمات مأخوذة من الفعل (منّ، يمنّ) بمعنى قطع يقطع. لكن هذه الكلمة (منون) على وزن (فعول) معناه فيها نوع من صيغة المبالغة كما نقول غافر وغفور، غفور فيها مبالغة (فعول) فإذن هي صيغة مبالغة من (منّ) وإسم الفاعل (مانّ) أي قاطع ومنون مثل غافر وغفور. فهي صيغة مبالغة لكن العرب استعملتها إستعمالات كثيرة بحيث استعملوها للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع وعبروا بها عن الموت لأن الموت يقطع حياة الإنسان. (نتربص به ريب المنون) أي نتربص به مصائب الموت. المون هنا الموت ويذكر ويؤنث، بيت أبي ذوئيب الهذلي:
أمن المنون وريبه تتوجعوا والدهر ليس بمعتب من يجزع
له روايتان (أمن المون وريبه تتوجعوا) و(أمن المنون وريبها تتوجعوا) أمن المنون وريبه تقوموا فمن قال وريبه قال ذهب إلى الموت ومن ذهب إلى المنيّة قال (وريبها) جعلها مؤنثة.
هذه اللفظة توسعت فيها العرب كثيراً بحيث استعملوها للمذكر والمؤنث والجمع والمثنى والمفرد. وهنا تأتي بمعنى الموت. والتربص فيه معنى الإنتظار لكن مع شيء من التلبّث كأنه يشتاق إلى الشيء (يتربص به) أي يشتاق إليه ليس شوق الغرام والحب ولكن يرغب رغبة شديدة في هذا الأمر وهو من الفعل ربص أي إنتظر وربص به يتعدى بالباء (ربص به) ولما نأخذ نظرية الإشتقاق اللفظي لإبن جنّي منه: صبر والصبر فيه معنى اللبث فالتربص إنتظار مع اللبث وتشوق لوقوع الحادث، كأنهم يتشوقون إلى موته .
|
*ما دلالة تنوع وصف السحاب فى قوله تعالى في سورة الطور (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44))؟ (د.حسام النعيمى)
المركوم الذي بعضه فوق بعض لم ينسبوه إلى الله تعالى لكن هذه صورته سحاب بعضه فوق بعض، قطعة من هذا السحاب. الكِسَف والكِسْف هو جمعُ كِسفة لكن الكِسٍف يوحي بأنه واحد والكِسَف كأنه جمع. كلاهما لغتان في جمع كسفة بمعنى قطعة،كل قطعة من شيء تسمى كسفة منه. (وإن يروا كسفاً) مقطعاً من مقاطع من السحاب ساقطاً هذا المقطع لما كان مظلماً لأنه كلن عقاباً من الله عز وجل وهم يحسبونه سحاباً متراكماً فقالوا (سحاب مركوم) فيه إشارة إلى ظلمته وضخامة شأنه هو عقاب ولذلك هذا هو وصفهم قالوا (سحاب مركوم) (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)) الأمم التي أصابها ما أصابها وفيه إنذار وتحذير للعرب، لقريش من سواهم أن هذا يمكن أن يقع لكم فترون شيئاً تحسبونه سحاباً مركوماً لكنه في الحقيقة الصاعقة التي ستصعقكم.
|
*ما دلالة استعمال (إذا) و(إن) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
(إذا) في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله كما في الآية: (إذا حضر أحدكم الموت) ولا بد ان يحضر الموت، (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) ولا بد للأشهر الحرم من أن تنسلخ، وقوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت) ولا بد للشمس من أن تطلع وكقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ولا بد للصلاة أن تنقضي.
وللكثير الحصول كما في قوله تعالى (فإذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها). ولو جاءت (إذا) و(إن) في الآية الواحدة تستعمل (إذا) للكثير و(لإن) للأقلّ كما في آية الوضوء في سورة المائدة .
أما (إن) فستعمل لما قد يقع ولما هو محتمل حدوثه أو مشكوك فيه أو نادر او مستحيل كما في قوله تعالى (أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) هنا احتمال وافتراض، و (وإن يروا كِسفاً من السماء ساقطاً) لم يقع ولكنه احتمال، و(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الأصل أن لا يقع ولكن هناك احتمال بوقوعه، وكذلك في سورة (انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه) افتراض واحتمال وقوعه.
|
إظهار النتائج من 5551 إلى 5560 من إجمالي 12316 نتيجة.