.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)) في كلمة (نَزَلَ بِهِ) قراءتان: الأولى بالتخفيف (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) لأن جبريل عليه السلام قد نزل بالوحي إلى قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم. والقرآءة الثانية بتشديد الزاي (نزّل به الروح الأمين) أي نزّله الله به لأن الله تعالى هو الذي أرسل جبريل بآيات الذكر الحكيم إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
* ورتل القرآن ترتيلاً :
(كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)) لِمَ عبّر الله سبحانه وتعالى عن المشركين بـ (المجرمين)؟ عبّر الله تعالى عن المشركين الكافرين بالمجرمين لأن كفرهم بعد نزول القرآن وتوضيحه للأدلة والبراهين هو إجرامٌ بحق أنفسهم أولاً وبحق النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً.
.
* ورتل القرآن ترتيلاً :
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)) الإلقاء هو رمي شيء في اليد كالحجر فتقول ألقيت الحجر على الأرض. فكيف يُلقى السمع أو يُرمى إلى الأرض؟ استعمل البيان الإلهي إلقاء السمع للتعبير عن شدة السمع حتى كان الأفّاك الأثيم يُلقي السمع ويوجهه إلى المسموع الخفي ليبلغ أقصى غاية في السمع والإصغاء ليعي ما يقال له. فالأفّاك الأثيم لا يكتفي بمجرد السماع بل يبالغ باستقصاء ما يُلقى إليه. ولذلك قال عنهم عز من قائل (تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)) .
.
.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)) تأمل هذا التصوير والتمثيل لحال الشعراء فقد صورهم القرآن بمظهر الهائمين في أودية كثيرة مختلفة. لأن الشعراء يقولون في فنون من الشعر من هجاء واعتداء على أعراض الناس وفن نسيب وغزل بالنساء ومدح من لا يستحق المدح رغبة في عطائه وذم من يمنعهم وإن كان من أهل الفضل وربما ذموا من كانوا يمدحونه.
قصة طريفة: اندسّ أحد الظرفاء في زمرة الشعراء عند خليفة فعرّف الحاجِب الشعراء وأنكر الذي اندسّ فيهم فقال له هؤلاء الشعراء وأنت من تكون؟ هل أنت من الشعراء أيضاً؟ إن كنت منهم فأسمعنا، قال لست منهم بل أنا من الغاوين. فاستطرفها الخليفة. وقوله من الغاوين إشارة إلى قوله تعالى (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ).
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا (132)) لم آثر الله أن يأمر رسوله بقوله (وَاصْطَبِرْ) دون (واصبر عليها)؟
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من خلاله بالاصطبار على الصلاة .لأن الهمم قد تتثاقل عن أداء النوافل مع مرور الأيام . ولذلك جاء بالفعل الذي يدل على المبالغة في الصبر بقوله (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).
(قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى(135)) انظر أخي الحبيب إلى هذا التحدي السافر الذي يعلنه البيان الإلهي . فقد أمر المشركين بالتربص فقال (فَتَرَبَّصُوا) . ولكنه لم يقل (إنا متربصون مثلكم ) بل قال (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) وفي هذا تعريض بأن المؤمنين هم أصحاب الصراط المستقيم المهتدون . لأن مثل هذا الكلام لا يقوله في مقام المحاجّة إلا الموقن بأنه الحق .
*تناسب خواتيم الذاريات مع فواتح الطور*
خاتمة الذاريات (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)) وفي الطور (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11))،(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60))مقابل(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)) المشهد هوواحد،كلاالمشهدين في الآخرة.المكذبون طائفةمن الذين كفروا.
**هدف سورة الطور : إختيار الجنّة أو النار**
سورة الطور تبدأ يالقسم بخمسة أمور دليل على أهمية الموضوع وهو أهوال الآخرة وما يلقاه الكافرون في ذلك الموقف الرهيب وأقسمت أن العذاب واقع بالكفار لا محالة ولا يمنعه مانع. والسورة تطرح اختياراً جديداً هو: ماذا نختار؟ عذاب أهل النار أو نعيم أهل الجنّة؟ تبدأ السورة بوصف جهنم وأهلها (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) آية 11 ثم تنتقل إلى وصف الجنّة وأهلها من المتقين (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) آية 17 . وفي السورة آية محورية (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) آية 21.
وقد سميّت الطور لأن الله تعالى بدأ بالقسم بجبل الطور الذي كلّم الله تعالى عليه موسى وقد نال هذا الجبل من الأنوار والتجليات الإلهية ما جعله مكاناً مشرّفاً على سائر الجبال في الأرض.
*(وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) الطور) ما اللمسة البيانية في كلمة رَقّ؟(د.فاضل السامرائى)
الرَق هو الجلد الرقيق يُكتب فيه ومنشور أي المبسوط بالنظر، لكن ما هو هذا الرَق الذي كُتب فيه؟ يختلف المفسرون قسم يقول هي أعمال العباد ربنا سبحانه وتعالى يعطي للعبد يوم القيامة يخرج له كتاباً يلقاه منشوراً، ربنا يُقسم الكتاب المسطور في الرَق المنشور وقسم قال هو اللوح المحفوظ وقسم قال هو ما يؤتاه العبد يوم القيامة (صحائف الأعمال) والرَق جلد رقيق للكتابة. منشور توضح الرَق قد يكون منشوراً لمن يراه في الملأ الأعلى والله أعلم والآية تحتمل الوجهين ليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى دون الآخر.
*ما الفرق بين (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)؟ لماذا استعمل مرة (ليس) ومرة (ما)؟
سؤال طريف حقيقة يدل على تنبّه أنه كلتا الآيتين تنفي وجود الدافع عن العذاب. العذاب واقع ففي الآية الأولى لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب وفي الآية الثانية لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب. لكن صيغة التعبير مرة جاءت (ما له من دافع) ومرة جاءت (ليس له دافع) فهو من حقه أن يسأل حقيقة لأنها تلفت النظر. بشكل أولي حقيقة نحن عندنا تأكيد الجمل : الجملة الإسمية آكد وأقوى من الجملة الفعلية. (ليس) فعل فحينما تنبني مع مبتدأ وخبر تكون الجملة فعلية ولذلك الجملة مع (ليس) أقل توكيداً. أنت تقول: ليس زيدٌ حاضراً في نفي حضور زيد لمن ليس في ذهنه شيء لكن إذا كان شاكّاً فلك أن تقول له: ليس زيدٌ بحاضر لك تؤكده بالباء ولك أن تنتقل من الجملة الفعلية إلى الجملة الإسمية فتقول: ما زيد حاضراً لأن (ما) حرف فدخولها على الجملة لا ينقلها من إسميتها إلى الفعلية. (ما زيدٌ حاضراً) آكد من (ليس زيد حاضراً) فيها تأكيد.
الآية الأولى استعملت(ما له من دافع) (ما) فالجملة الإسمية، (ليس له دافع) الجملة فعلية، فالآية التي في سورة الطور آكد يعني فيها تأكيد من الجملة التي في سورة المعارج. لكن يبقى السؤال: طبعاً هنا (ما له من دافع) (من) التبعيضية يعني فيها زيادة تأكيد حتى جزء دافع ما له. (ما و من) بدل (ليس). لو قال: (ماله دافع) ستكون مجرد تأكيد بينما (ما له من دافع) زيادة في التأكيد. يبقى السؤال: السياق الذي وردت فيه الآيتان: لما ننظر فيه نجد أن الآية الأولى التي في الطور فعلاً تنسجم مع شدة التوكيدات والآية الثانية أصلاً ليس فيها توكيد. نلاحظ الآية الأولى في الطور تبدأ السورة بقسم والقسم توكيد، لما تقسم على شيء فأنت تؤكده فإذن فالجو جو تأكيد (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)) قسم لتذكير بيوم القيامة (إن عذاب ربك لواقع) و(إنّ) تأكيد مشددة واللام (لواقع) مؤكدة، لاحظ المؤكدات فالجو جو توكيد فجاء (ماله من دافع) فجاءت منسجمة مع الجو العام للسورة التي هي تعيش في توكيدات.
لكن لما نأتي إلى السورة الثانية سورة المعارج (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) هكذا تبدأ السورة فليس فيها جو توكيدات حتى يؤكد. هناك الجو بكامله جو تأكيد فاستعمل الصيغ التي تتناسب مع جو السورة ونحن دائماً نقول حقيقة الكلمة تناسب جو السورة ،الآية تناسب جو السورة هناك تناسب. لما ننظر هنا لاحظ (سأل سائل) كلام اعتيادي لماذا؟ هذا سائل والسائل هنا لا يعني المستفهم وإنما يعني الذي يدعو، هذا شخص لم يذكره القرآن الكريم من هو على عادته في إفال ذكر الأشياء التي لا أهمية لها. (سأل سائل) يعني دعا على قومه ونفسه بالعذاب وهذا معنى سأل والعذاب واقع ، العذاب سيقع سواء هو سأله أو لم يسأله واقع على الكافرين لا محالة.
هل أفادت التعدية بالباء معنى التكذيب؟ التعدية بالباء في (بعذاب) حقيقة سأل بالشيء يعني كأنه دعا به لبيان أن هذا الفعل قد استُخدم في معنى آخر غير المعنى الأساسي الذي هو الاستفهام لكن هذا السؤال هو دعاء أيضاً أو طلب فهو طلب هذا العذاب لكن حمّله معنى الدعاء أنه طلب بدعاء فدخلت الباء كما تدخل على الفعل دعا (دعا بكذا على قومه).