.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِن دُونِ اللَّهِ (93)) تأمل هذا الاستفهام كم يحمل في طياته من التحقير والتهكم والتوبيخ لمن كان يرجو غير الله. فقد أنزل ربنا ما كانوا يدعون من دون الله منزلة العدم لعدم جدواها فيما كانوا يأملون منها. فقال (مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ) ولم يقل "من كنتم تعبدون" فنسأل الله تعالى أن يجعلنا نجد ما كنا نأمل من لطف الله ورجمته إنه جواد كريم.
.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97)) ما أصعب أن يعقد الإنسان آماله على سراب خادع ثم ينكشف له زيفه فلا يجد من نفسه إلا أن تتعجب مما اقترفت. وهذا ما حذا بالمشركين بأن يقولوا (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) دون "والله" لأن القسم بالتاء يختص بالقسم في شيء متعجّب منه. فهم يعجبون من ضلالهم إذ أناطوا آمالهم بحجارة لا تغني عنهم شيئاً. وقد عبّروا عن شدة ضلالهم بقولهم (إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) ولم يقولوا "وإن كنا لضالين" ليعبّروا عن تمكن الضلال منهم. فهم قد توغلوا فيه ودخلوا في أعماقه وتاهوا في لججه. نسال الله أن يجعلنا في الحق على الباطل لا في الباطل على الحق.
.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112)) إن جواب نوح عليه السلام (وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) في الرد على قول قومه (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) يحتاج إلى تمعن في لفظه ومعناه. ألا ترى أن الجواب ابتدأ بالواو فقال (وَمَا عِلْمِي)؟ مع أن هذه الواو كان يمكن الاستغناء عنها. إقترن أول الجواب بالواو تنبيهاً على إتصال جواب نوح عليه السلام بكلام قومه. وهذا يدل على شدة استنكاره لما أتوا به. فلم يجد لقولهم في صدره أي قبول أو مناقشة. ولذلك أسرع في الاستفهام الدال على الإنكار والتعجب مما أتى به السائلون.
* ورتل القرآن ترتيلاً :
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132)) تأمل كيف علّق البيان الهي فعل التقوى في الآية الأولى بإسم الذات الإلهية فقال (فَاتَّقُوا اللَّهَ) للإشارة إلى استحقاقه تعالى التقوى لذاته. بينما على البيان الإلهي فعل التقوى في الآية الثانية بإسم الموصول الدال على نِعَم الله فقال (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ). للإشارة إلى إستحقاقه تعالى التقوى لاستحقاقه الشكر على ما أنعم به.
.
* ورتل القرآن ترتيلاً :
(إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)) انظر إلى هذا التهويل والترويع للمعرضين عن هدى الله وتقواه. حيث قال لهم هود عليه السلام (عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). فوصف اليوم بعظيم هول هذا اليوم في عقل السامع. فهو يوم عظيم بما يحصل فيه من الأهوال التي لا حصر لها ولا وصف. فحريٌّ بمن يسمع هذا التهديد أن يرعوي.
* ورتل القرآن ترتيلاً :
(وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)) أراد سيدنا صالح عليه السلام أن يصف نفوس المكذبين وما اشتملت عليه من حب الإفساد العريض في البلاد. فالفساد سجيّتهم التي لا يشوبها أدنى إصلاح. ولذلك لم يكتف بقوله (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بل عطف عليه (وَلَا يُصْلِحُونَ) ليؤكد وقوع الفساد منهم من خلال نفي ضد الفساد وهو الإصلاح.
.
* ورتل القرآن ترتيلاً :
(قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)) أُنظر إلى هذا الأسلوب الذي يسلكه الباطل لمواجهة الحق فهو ما إن يقف عاجزاً أمام صولة الحق حتى تراه يلجأ إلى تكذيب الحق وتسفيهه بالكلام العاري عن الحجج والبراهين. فها هم قوم صالح عليه السلام ينسبون نبيهم إلى السحر. ولم يكتفوا بأنه ساحر بل لجأوا إلى المبالغة فقالوا (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) دون "إنما أنت مسحور" لأن كلمة المسحّرين أبلغ في الإتصاف بالسحر لأنها تدل على نمكن السحر منه.
.
.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)) لو قال سيدنا لوط عليه السلام بل أنتم عادون لتم المعنى، فلمَ أخبر عتهم بقوله (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)؟ في جعل الخبر (قَوْمٌ عَادُونَ) دون الاقتصار على (عادون) تنبيه على أن العدوان سجيّة فيهم حتى كانت من مقومات قوميتهم وخصلة من خصالهم التي يتميزون بها عن سائر الأقوام.
.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)) هدد قوم نوح نبيّهم بالقتل والرجم فقالوا (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)) بينما نرى قوم لوط يهددون نبيهم بالإخراج، فلِمَ ههدوه بالإخراج من بين ظهرانيهم؟ هدد قوم لوط نبيهم لوطاً عليه السلام بالإخراج من مدينتهم لأنه كان من غير أهل المدينة بل كان مهاجراً بينهم وله صهر فيهم. فكان إخراجه من بينهم سهل المنال لعدم وجود النصير له من عشيرته.
.* ورتل القرآن ترتيلاً :
(قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)) في هذه الآية جاء رد قوم شعيب (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) وفي سورة الأعراف كان رد قوم عاد أشد وآكد فقالوا عن هود عليه السلام (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)) فأكّدوا تكذيبهم بـ (إنّا) فلِمَ كان تكذيب عاد أشد من تكذيب قوم شعيب؟ إذا عدنا إلى سياق القصتين رأينا ثمة فرقاً بين القائلين فقوم عاد كان القول للملأ الذين كفروا منهم قال تعالى (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)) بينما القائلون في قوم شعيب مختلطون فيهم شديد التكذيب والقليل والإمّعة والخائف. فهو تكذيب مختلِط لا يصل إلى تكذيب الذين كفروا خصوصاً ولذلك عقّب الله تكذيبهم بقوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (190)).