• ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ مع ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾
• لم قيل في الأولى ﴿ بِأَفْوَاهِهِم ﴾، وفي الثانية ﴿ بِأَلْسِنَتِهِم ﴾ ؟
• قال الغرناطي : لـ " أن قوله في الأولى ﴿ بِأَفْوَاهِهِم ﴾، ينبئ عن مبالغة واستحكام وتمكن في اعتقاد أو قصد لا يحصل من قوله: ﴿ بِأَلْسِنَتِهِم ﴾، ولما كان المراد بالآية الأولى؛ الإخبار عن المنافقين كعبد الله بن أُبي وأصحابه ممن استحكم نفاقه وتقرر؛ ناسب الإبلاغ في قوله تعالى: ﴿ بِأَفْوَاهِهِم ﴾ ما انطووا عليه واستحكم في قلوبهم من الكفر، وأما آية الفتح: فإخبار عن أعراب، وهؤلاء لم يستقر نفاقهم كالآخرين، وإنما أخلّ بهم قرب عهدهم بالكفر وإن لم يتقرر الإيمان في قلوبهم لكن لا عن نفاق كنفاق الآخرين؛ فعبر بالألسنة إشعاراً بأن حال هؤلاء ليس كحال المنافقين المقصودين في آية آل عمران ".
• ﴿ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ مع ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾
• ما توجيه زيادة الباء في ﴿ وَبِالزُّبُرِ ﴾ في سورة فاطر ؟
• قال الكرماني : " لأنه في هذه السورة، وقع في كلام مبني على الاختصار، وهو إقامة لفظ الماضي في الشرط مقام لفظ المستقبل، ولفظ الماضي أخف، وبني الفعل للمجهول؛ فلا يحتاج إلى ذكر الفاعل، وهو قوله : ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [ آل عمران:١٨٤ ] لذلك حذفت الباءات؛ ليوافق الأول في الاختصار، بخلاف ما في فاطر، فإن الشرط فيه بلفظ المستقبل والفاعل مذكور مع الفعل، وهو قوله : ﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [ فاطر:٢٥ ]، ثم ذكر بعدها الباءات؛ ليكون كله على نسق واحد ".
• ﴿ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ مع ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ و ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
• ما السر في زيادة اللام في موضع الشورى، في ﴿ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ ؟
• قال الغرناطي : " والجواب - والله أعلم -؛ اختلاف ما وقع الحض على الصبر عليه في هذه الآيات، وأشير إليه بذلك، وأنه من عزم الأمور، أما الأولى: فإن قبلها : ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾ [ آل عمران:١٨٦ ]، وأما آية لقمان : فأشير فيها بذلك إلى أربع خصال أمر بها لقمان لابنه، وذلك قوله : ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [ لقمان:١٧ ]، وأما آية الشورى : فالإشارة فيها بقوله:﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ إلى اثني عشر مطلوبًا من لدن قوله تعالى: ﴿ فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [ الشورى:٣٦ ] إلى ﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ ﴾ [ الشورى:٤٣ ]، وبعد هذه الخصال النيفة على العشر، قال تعالى في التزام جميعها: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ ".
• ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ مع ﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
• ما السر في تقديم قوله : ﴿ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ في آل عمران، وتأخيره في يونس ؟
• قال ابن جماعة : " لما قال هنا ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ آل عمران:١٨٩ ] أتبعه بخلقها، ثم بــاختلاف الليل والنهار.
وفي يونس لما قال: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ [ يونس:٥ ]، وإنما ذلك باختلافهما؛ ناسب ذلك إتباعه بذكر اختلاف الليل والنهار ".
• ﴿ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [آل عمران:١٩٧] مع ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [التوبة:٧٣]، و ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [التوبة:٩٥]، و ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [الرعد:١٨]، و ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [التحريم:٩]
• ما السر في تخصيص موضع آل عمران بـــ (ثم) في ﴿ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ وفي غيرها بالواو ؟
• قال الكرماني : " لأن ما قبلها في هذه السورة ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾ [آل عمران :١٩٦-١٩٧] أي: ذلك متاع في الدنيا قليل، والقليل يدل على تراخٍ، وإن صغر وقل، و(ثم) للتراخي؛ فكان طبقًا له ".
• وقال ابن جماعة : " لما تقدم قوله تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾ والمراد في الدنيا، وجهنم إنما هي في الآخرة؛ فناسب (ثم) التي للتراخي.
وآية الرعد: عطف جهنم على ﴿ سُوءُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد:١٨] وهما جميعًا في الآخرة؛ فناسب العطف بالواو ".
• ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ﴾ [المائدة: 2] مع ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ [المائدة: ٨]
• ما وجه الاختلاف في سياق الموضعين، ومناسبته لما تقدمه ؟
• قال الغرناطي: لـ " أن الآية الأولى: ورد فيها الإفصاح بعلة البغضاء الحاملة على الانتصار والانتقام، وهي صدهم عن البيت الحرام عام الحديبية، وذلك قوله تعالى: ﴿ أَن صَدُّوكُمْ ﴾ أي: من أجل أن صدوكم، أي: منعوكم، فـ (أن) هنا مصدرية في موضع المفعول من أجله، فلما وقع الإفصاح بسبب الشنآن؛ ناسب النظم الإفصاح بالعقوبة عليه، وهو الاعتداء بالانتقام والمجازاة، السيئة بالسيئة، لولا ما ندب سبحانه إليه من التخلف الإيماني، المشروع للمؤمنين تقديمه واختياره فقيل: ﴿ أَن تَعْتَدُوا ﴾ أي: لا يحملنكم ذلك على أن تعتدوا، أي: على الاعتداء، أولا يكسبنكم ذلك المرتكب الفارط منه الاعتداء، ولما لم يرد في الآية الثانية: إفصاح بجريمة، بل بنيت على أمر المؤمنين بالعدل، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾ فلما أمروا بالعدل؛ ناسب ذلك وصيتهم، وأمرهم أن لا يحملهم شيء على ترك العدل الذي أمروا به فقيل: ﴿ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾ ".
• ﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: ٦] مع ﴿ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [النحل: ٨١]
• ورد في الآيتين إتمام نعمته سبحانه على عبادة بعبارة متحدة، ثم اختلف المرتجى منه سبحانه جزاء على ذلك؛ فما وجه ذلك؟
• قال الغرناطي : لـ " أن آية المائدة : خطاب للمؤمنين بما يجب عليهم من الطهارة لصلاتهم، وتعليم لهم كيفية عملهم في ذلك، وإنعام عليهم برخصة التيمم إذا عدموا الماء، وكل هذا مستوجب للشكر لله سبحانه، فقيل في ختام هذه الآية : ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، وأما آية النحل: فإن السورة كلها مكية إلا آيات من آخرها، وغالب حالها أنها خطاب لكفار قريش وما كان مثلهم، وكذلك ورد فيها تذكيرهم بإنعام الله عليهم كثيراً إلى قوله: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا ﴾ وكل هذا تذكير بعجائبه من إنعامه تعالى، لا يمكن نسبة شيء منها لغيره، ثم أعقب ذلك بقوله ﴿ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ أي: تدخلون في دين الإسلام الذي لا يقبل في الآخرة سواه، فهذا أوضح تناسب، والسورة مكية ".
• ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: ٩] مع ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: ٢٩]
• ما وجه تخصيص موضع المائدة، بقوله : ﴿ لَهُم ﴾، والفتح بقوله : ﴿ مِنْهُم ﴾ ؟
• قال ابن جماعة : لـ " أن آية المائدة : عامة غير مخصوصة بقوم بأعيانهم، وآية الفتح : خاصة بأصحاب النبي ﷺ، وكان من جملة من صحبه منافقون، فقال: ﴿ مِنْهُم ﴾، تمييزاً وتفضيلاً، ونصًا عليهم بعد ما ذكر من جميل صفاتهم.
وأيضًا : آية المائدة بعد ما قدم خطاب المؤمنين مطلقًا بأحكام، فكأنه قال : من عمل بما ذكرناه؛ له مغفرة وأجر عظيم، فهو عام غير خاص بُمعينين ".
• ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: ٤٦] ، [المائدة: ١٣] مع ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: ٤١]
• ما وجه التعبير في موضع النساء والموضع الأول من المائدة بقوله : ﴿ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾، وفي الموضع الثاني بقوله : ﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ ؟
• قال ابن جماعة : لـ " أن الأولى هنا، وآية النساء ربما أريد بهما : التحريف الأول عند نزول التوراة، ونحو تحريفهم في قولهم موضع (حطة) حنطة، وشبه ذلك، فجاءت (عن) لذلك.
والآية الثانية : تحريفهم في زمن النبي (ﷺ)، وتغييرهم عن المقُوْل لهم في التوراة بغير معناه، كأنه قال من بعد ما عملوا به، واعتقدوه، وتدينوا به كآية الرجم ونحوها، فـــ (عن) لما قرب من الأمر، و (بعد) لما بعد ".
• ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [المائدة : ١٥] مع ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾ [المائدة : ١٩]
• ما السر فيما جاء في هاتين الآيتين من الاختلاف، فيما خوطب به بنو إسرائيل، ووجه خصوص كل من الموضعين بالوارد فيه، مع اتحاد مقصودهما ؟
• قال الغرناطي : لـ " أنه لما تقدم قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ فبيّن تعالى ما عهد إليهم فيه، أي: في معرفة نبوته، وأن يؤمنوا به ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ﴾ وألزموا الوفاء به، وأعلموا بما يكون من أمرهم أن وفوا، فقيل لهم : ﴿ لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾؛ فالتزموا بما ألزموا، بدليل قالوا : أقررنا، ثم نقضوا وحرفوا؛ فجُوْزُوا باللعنة، وقساوة القلوب، قال تعالى : ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ فلما تقدم هذا؛ ناسبه قوله تعالى لهم : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ وهذا أوضح تناسب.
ولما تقدم الآية الثانية، قول النصارى في المسيح (ﷺ)، وإخباره تعالى عنهم بذلك في قوله : ﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾، وبيّن تعالى حال المسيح في عبوديته، وانسحاب القهر الرباني عليه كسائر المخلوقات، فقال تعالى : ﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ ثم جمع أهل الكتابين في التعريف بقولهم : ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ وليس هذا الإخبار كالمخبر به من حال اليهود، في قبيح عنادهم، وشنيع تحريفهم، ولم يجرِ خطاب النصارى، وما عرف به من حالهم في الكتاب العزيز، على حد ما جرى في ذلك في يهود من التعنيف والتوبيخ، وضرب الذلة، واللعنة عليهم، والبوء بالغضب، فلما كان هذا التعريف المتقدم على الآية الثانية، أوطأ مساقًا، ودون ما تقدم الآية المتقدمة من التوبيخ والمبالغة في شنعة المرتكب؛ ناسب هذا ما بنى عليه، وأتبع به، من قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾، وفي هذا الخطاب؛ استلطاف ورفق، ولم يَردْ هنا ذكر تحريف ولا تبديل؛ ليلائم ما تقدمه في لِين القول، ووطأة الإخبار، وتأمَّل التناسب بين الخطابين، وما بُنِيا عليه يَلُحْ لك جليل الانتظام، وعظيم التلاؤم، وأن عكس الوارد لا يمكن، ولا يلائم، والله سبحانه أعلم ".