عرض وقفات التساؤلات

  • ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾    [المزمل   آية:٤]
هل أفضل كثرة قراءة القرآن في رمضان بسرعة هو الحل... أو الأفضل القراءة بالتَّدبُّر وإنْ قلَّ الختم؟ عامَّةُ أهل العلم؛ بل جُمهُورهم على أنَّ القراءة على الوجه المأمُور بها أفضل وإنْ قَلَّتْ، والشَّافعي -رحمهُ الله- وبعضُ العُلماء يَرَوْن أنَّ استغلال مثل هذا الوقت بالقراءة السّرَيعة مع تكثير الحُرُوف أفضل؛ لأنَّ لهُ بكل حرف عشر حسنات، وصُورة الخِلاف إنَّما تَرِد فيمن أراد أنْ يجلِس ساعة بعد صلاة الصُّبح مثلاً أو بعد صلاة الظُّهُر أو بعد العصر، ويقول: هل أقرأ في هذهِ السَّاعة جُزْئِين أو خمسة أجزاء؟ جُزئين بالتَّدبُّر والتَّرتيل أو خمسة أجزاء بالسُّرعة؟! نقول الجُمهور على أنك تقرأ جُزئين أفضل، والشَّافعيَّة يرون أنَّ كُلَّما كثُرت الحُرُوف كان أفضل وأكثر الحسنات، وعلى كُلِّ حال القراءة على الوجه المأمُور بها أفضل ولو تَرَتَّب على ذلك إنَّهُ لا يقرأ القُرآن إلا أربع مرَّات، خمس مرَّات، ثلاث مرَّات، أو مع السُّرعة يقرأ عشر مرَّات، خمسة عشر مرَّة؛ لا شكَّ أنَّ التَّدبُّر والتَّرتيل أفضل.
  • ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾    [النساء   آية:٨٢]
كيف يكون المَنْهَجْ لِتَدَبُّرْ القُرآن؟ المنهج تبدأ بقراءة القرآن آية آيَة، ثُمَّ ترجع إلى هذهِ الآية كلمة كَلِمة، وما يُشْكِل عليكَ معناهُ من الألفاظ تبحث عنهُ في كتب التَّفاسير الموثُوقة، أو في كُتب غريب القرآن؛ لأنَّها أخصر وتصل إليها بسُهُولة، وهُناك كتاب في غريب القرآن لطيف الحجم، كبير القدر عند أهل العلم، اسمُهُ غريب القرآن أو نُزهة القلوب في غريب القرآن لابن عُزيْز السجستاني، وغريب القرآن لابن قتيبة وغيره كتب كثيرة في غريب القرآن، فعليك أوَّلاً أنْ تُحلِّل ما يُشْكِل عليكَ معناهُ تحليلاً لفظِيًّا؛ لتفهم المعنى، ثُمَّ بعد ذلك الآية كاملة تنظر في معانيها في كتب التَّفسير الموثُوقة.
  • ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٨٧﴾    [البقرة   آية:١٨٧]
تحرم قراءة القرآن بالمعنى وبغير العربية، لكن هل تجوز ترجمته لغير العربية؟ نقول: إن الترجمة على قسمين: ترجمة حرفية، وترجمة معنوية. والترجمة الحرفية غير ممكنة وغير متصورة، فلو أتيت بكلام عربي كمقطوعة شعرية، أو حديث، أو قصة، وأعطيتها شخصًا يترجمها إلى اللغة الإنجليزية أو إلى اللغة الفرنسية، ثم أَطْلعت عليها طرفًا ثالثًا، فقلت له: أعِده إلى العربية، أو: ترجمه إلى العربية، هل يتطابق الكلام الثالث مع الأول؟ لا يتطابق ذلك، فالترجمة الحرفية مستحيلة؛ لأن المترجم ينظر إلى معنى من المعاني يسبق ذهنه إليه فيترجم به، واللفظة الواحدة في العربية لها عدة معانٍ في الترجمة، وقد يُحرِّف في المعنى المترجم لعدم فَهمه لمعاني العربية، فإذا أراد إعادته إلى الأصل ما استطاع، مثال ذلك قوله تعالى: {هنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] كيف يترجمه حرفيًّا إلى غير العربية؟ هل معنى الترجمة أن تأتي إلى (الهاء) في كلمة {هُنَّ} وتضع مكانها حرف (H) بالإنجليزية، ثم بقية الحروف كذلك؟ لا أحد يترجم حرفًا بحرف، بل الترجمة تكون كلمة بكلمة، فلو قال في ترجمة قوله تعالى: {هنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، قال: (أنت بنطلون لها وهي بنطلون لك)، نقول: هذا لا يصح ولا يمكن. فالترجمة الحرفية مستحيلة. أما ترجمة المعاني والتعبد بالقراءة بها، وترتيب الآثار عليها، وتصحيح العبادات بها، فهي كذلك لا تمكن؛ لأن الترجمة لا تكون إلا بتجاوز مرحلتين: قراءة معنى، وقراءته بغير العربية، ولذا يحرِّمون أيضًا رواية القرآن بالمعنى، بخلاف رواية السنة بالمعنى، فقد أجازها الجمهور للحاجة والضرورة، وعليه فيحرم ترجمة القرآن؛ لأنها نوع أو فرع عن قراءته بالمعنى، فإذا كانت قراءته بالمعنى لا تجوز، فقراءته بغير العربية من باب أولى. والأمور المتعبّد بها عمومًا لا يجوز قراءتها بغير العربية، كالقراءة في الصلاة، وأذكار الصلاة كالتكبير، والتسبيح، والتشهد، وغير ذلك، فلا بدّ أن يكون بالعربية، ومن العلماء مَن يقول: إذا لم يستطع تعلّم العربية فيأتي بها بلغته أحسن من لا شيء. وأيضًا خطبة الجمعة، لا يجوز أن تكون بغير العربية، وللخطيب أن يُترجم بعض الجمل أو بعض الكلام، وإن كان هذا بعد نهاية الصلاة كان أَولى؛ لأن العبادات توقيفية. وقضية ترجمة معاني القرآن الكريم وقعت بسببها فتنة منذ سبعين أو ثمانين سنة، وأُلِّف فيها مصنفات كثيرة، وردود من أطراف متعددة، لكن استقرّ الأمر الآن على الجواز، وتُرجِمت معاني القرآن، ونفع الله بها نفعًا عظيمًا.
  • ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴿٦٠﴾    [غافر   آية:٦٠]
يقول السائل: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)) فما هو العلاج الناجع لضعف اليقين والقطع بالإجابة حال الدعاء؟! المسلم مأمور بالدعاء، والدعاء سبب قد يقترن به ما يحقق الإجابة، وقد يقترن به المانع من قبول الدعوة والإجابة؛ فعلى الإنسان أن يبذل الأسباب لقبول الدعوة، وعليه أنْ يسعى في انتفاء الموانع من قبولها، فإذا حصل له ذلك؛ يلح على الله -جلا وعلا- بالدعاء، ويعظم الرغبة، ولا يتردد في دعائه، ولا يستثني، ويستحضر فضل الله -جل وعلا-: ((لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسأل كل واحد منكم مسألته؛ فأعطى الله -جل وعلا- كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من مُلكه شيئاً، ويمين الله ملئ لا تغيظها النفقة))، فعلى الإنسان أن يستحضر مثل هذه النصوص، ويجزم، ويعظم الرغبة، ويقطع بالإجابة؛ لكن لا يغفل عن واقعه هو، يعني يعظم الرغبة في الله -جلا وعلا-؛ لكن قد يُسِيء الظن بنفسه، وأنَّ عنده موانع تمنع من قبول هذه الدعوة؛ قلنا إنَّ الدعاء سبب {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لكم} [(60) سورة غافر] سبب؛ لكن ((ادعوا الله يجعلني مستجاب الدعوة قال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) وذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا ربِّ، يا ربِّ، يا ربِّ، أسباب، السَّفَر مَظِنَّة لِلانْكِسَار، كذلك الشَّعْث كذلك مظن انكسار القلب وهي ممَّا يُعِينْ على الإِجَابة يُعِين الإنسان، وكذلك السَّفَر كونُهُ أَشْعَثْ، كونه يُكَرِّر يا ربِّ، يا ربِّ، حتَّى قال جَمْعٌ من أهل العلم أنه إذا دعا الدَّاعي بيا ربِّ، يا ربِّ وكرَّرَها خَمْسْ مَرَّاتْ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ لَهُ، اسْتِدْلَالاً بِمَا جَاءَ فِي آخِر سُورة آل عِمْرَان، يُطِيلُ السَّفَر أَشْعَثَ أَغْبَر يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاء يا ربِّ، يا ربِّ؛ لكنَّ المَانع موجُود، ((مَأْكَلُهُ حَرَام، ومَشْرَبُهُ حَرَام، ومَلْبَسُهُ حرام، وغُذِيَ بِالحَرَام؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ)) اسْتِبْعَاد! ومع ذلك لو قال قائل: أنا والله عندي مُعاملات فيها مُحَرَّم، أَدْعُوا ولَّا ما أدعُوا؟ نقول: ادْعُ الله -جلَّ وعَلا-؛ لأنه قد يقترن بهذه الدَّعوة في وقتٍ من الأوقات ذُلّ وانْكِسَار بين يديّ الله -جَلَّ وعلا-، فَتُسْتَجَاب دَعْوَتُك، ولو وُجِدَ المانع! وبعضُهُم بالنِّسبة لصلاة الاستسقاء، يقول: استسقينا، استسقينا مرتين ثلاث خمس ما حصل شيء! ووضْعُنَا وحالُنا مع ارتكاب المُحرمات، ووجود الموانع كأنَّنا نَسْتَهْزِئ! يعني هذا يتكرَّر على ألسنة كثير من الناس هذا هو اليأس - نسأل الله العافية -، أنت عليك أنْ تَسْعَ في إصلاح نفسك، وعليك أنْ تَبْذُلْ الأسْبَابْ.
  • ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿١﴾    [الإخلاص   آية:١]
كيفَ أْكْتَسِبُ صِفَة الإخلاص، تلك الصِّفة القَلْبِيَّة التِّي بها نجاةُ المُؤمن في الدُّنيا والآخرة؟! لا شكَّ أنَّ الإخلاص شرط لقبُول العمل، فلا يُقبل العمل ما لم يكُن خَالِصاً لله -جلَّ وعلا-، مُراداً بِهِ وَجْهُه، فلا بُدَّ من تَحقُّق هذا الشَّرْط لِقَبُول العمل، إضَافةً إلى الشَّرط الثَّاني وهو المُتابعة للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ويكُون الإخلاص بِمُعالجة القلب، كما قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ تعالى-: "إذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بالإخلاص؛ فاعْمَد إلى حُبِّ المَدْحِ والثَّناء؛ فاذْبَحْهُ بِسِكِّينِ عِلْمِكَ أنَّهُ لا أحد مَدْحُهُ زين وذَمُّهْ شين إلاَّ الله -جلَّ وعلا-، ثُمَّ اعْمَدْ إلى الطَّمَعَ واذْبَحْهُ بِسِكِّينِ عِلْمِكَ ويَقِينِك أنَّهُ لا أحد يَسْتَطِيع أنْ يَنْفَعَكَ بِشَيءٍ لم يُقدِّرْهُ الله لك"، ولا شكَّ أنَّ الذِّي يُخلّ بالإخلاص؛ إمَّا حُبّ المَدْح والثَّناء من النَّاسْ، أو الطَّمع فيما عندهم، فإذا عَرَفْتَ أنَّ مَدْحْ المَخْلُوق وذَمّ المَخْلُوقْ لا ينفع! إذا لم يكُن ذلك على أمرٍ مُوافقٍ لمُراد الله -جلَّ وعلا-، وإلاَّ فإذا مُدِحَ الإنْسَانْ بما يَفْعَلُهُ من الأعمال الصَّالحة المُوَافِقَة لِمُرادِ الله -عَزَّ وجل-؛ هذا عاجل بُشرى المُؤمن؛ لكنَّهُ لا يُؤثِّرُ في العمل؛ ولِذا لمَّا جاء الأعرابي إلى النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فقال: أعْطِني يا مُحمد! فإنَّ مَدْحي زين وذمِّي شين، قال: ذاكَ الله -عزَّ وجل-، ما هو بأنت، فيحرص الإنسان على هذا.
  • ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٩٥﴾    [البقرة   آية:١٩٥]
كيف يصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان؟ المسلم العادي لا شك أنه يستطيع في زيادة قدر إسلامه وإيمانه بكثرة الطاعات واجتناب المعاصي حتى يكون مؤمناً يزيد قدر ما في قلبه على مجرد الإسلام الأعمال الظاهرة، فإذا زاد من الطاعات ازداد بذلك إيمانه، ثم بعد ذلك يزداد حتى يصل إلى مرتبة المراقبة التي هي الإحسان ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
  • ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٤﴾    [الحديد   آية:٤]
ما المراد بمعية الله، ودلالة (مع) في لغة العرب؟ قال ابن تيمية: «وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ } [الحديد: 4] أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ» وهذا وإن كان تأويلًا، إلا أنه تأويل صحيح دل عليه القرآن والسنة، فهو تأويل بدليل وقرينة صحيحة، وإذا دل الدليل على أن المراد من الكلام غير ظاهره وجب المصير إليه، فالمراد هنا بالمعية غير الاختلاط. ولغة العرب لا تحصر معنى (مع) في المخالطة والامتزاج بالأبدان، بل تستعمل في معانٍ مختلفة باعتبار سياق الكلام، وأصل (مع) في اللغة العربية المصاحبة المطلقة والمشاركة بين الشيئين، فإذا قيل: (سِرْنا والقمر معنا) فهذا حقيقة لغوية وهي لا تدل على سير القمر بجنب الساري، وإذا قيل: (حضرت وقلبي معي) فهذا حقيقة لغوية كذلك وهي تدل على المعية مع أن القلب مستقر في جوف الإنسان، وكذا لو قيل: (ذهبت وصاحبي معي) فهذا أيضًا حقيقة لغوية وهي تدل على المصاحبة بالأبدان. هذه كلها معان لغوية للمعية مع الاختلاف في نوع المصاحبة، فإذا أمكن اختلاف نوع المعية باختلاف المخلوقين فإمكانه في حق الله أولى إذ هو ليس كمثله شيء -سبحانه-. وكما أن اللغة لا توجب هذا المعنى وإنما هو بحسب السياق، فكذلك هذا الفهم يخالف ما أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من أن الله ليس مختلطًا بعباده ولا حالًّا في العالم، بل هو في العلو فوق سمواته مستوٍ على عرشه.
  • ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾    [الأنفال   آية:٢]
هل الإيمان يزيد وينقص؟ الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والزيادة ثبتت بالآيات الصريحة كقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2]، وقوله: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، وقوله: {زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] إلى غير ذلك من الآيات، وفي القرآن ثمان آيات كلها مصرحة بالزيادة، ولم يرد التصريح في القرآن بالنقصان، لكن الإمام مالك -رحمه الله- يقول: (ما قَبِل الزيادة قَبِل النقصان)، وقد جاء في حديث نقصان دين المرأة: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين» [البخاري: 304]، فدل على أن الدين ينقص، وزيادته بما يقوي الإيمان من الأعمال الصالحة مثل كثرة الذكر وتلاوة القرآن وغيرها.
  • ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴿٦٧﴾    [المائدة   آية:٦٧]
ما الفرق بين الرسول والنبي والمفاضلة بينهما؟ النبي: بدون همز، وقد يهمز، وقرئ بالهمز. والنبي في قول الجمهور: (إنسان ذكر، أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه)، فخرج بـ(إنسان) غير الإنسان، وخرج بـ(الذَّكر) النساء، وإن زعم بعضهم أن من النساء من كُلِّف بأعباء النبوة كمريم –عليها السلام-، لكن هذا قول مرجوح، وقولهم: (أوحي إليه بشرع) أي: من قِبَل اللَّه –عز وجل-، وخرج بـ(ولم يؤمر بتبليغه) الرسول، فإنه أُمر بالتبليغ، وفي ذلك يقول اللَّه تعالى: {بلِّغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67]، ويقول: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر:94]، ويقول: {قم فأنذر} [المدثر:2]، فمن أوحي إليه بشرع وأُمر بالتبليغ فهو رسول إجماعًا ونبي أيضًا؛ لأن النبوة تدخل في الرسالة، فكل رسول نبي ولا عكس، هذا على قول الأكثر. وقول الجمهور: (لم يؤمر بتبليغه) يَرد عليه: أن الوحي إنما يُنزله اللَّه –عز وجل- على لسان المَلَك إلى النبي من أجل أن يعمل به هو في الدرجة الأولى ومَنْ حوله، وآدم –عليه السلام- نبي وليس برسول؛ لأن نوحًا –عليه السلام- هو أوَّل الرسل، وقد جاء في حديث الشفاعة ما يدل على ذلك صراحة [البخاري: 4476]، وقد بلَّغ آدم –عليه السلام- أولاده، وحكم فيهم بشرعه الذي أوحي إليه، وإلا لم يؤاخذ ولده الذي قتل أخاه. واختار شيخ الإسلام –رحمه الله- أن النبي: من يأتي مكمِّلًا لشريعة رسول قبله، فهو لا يأتي بشرع مستقل، والرسول: هو الذي يأتي بشرع جديد. ويَرد على هذا: أن آدم –عليه السلام- ينبغي أن يكون رسولًا؛ لأنه لم يتقدمه أحد، وأن عيسى –عليه السلام- ينبغي أن يكون نبيًّا؛ فقد أتى في الغالب بشرع مُكمِّل. فإذا قال قائل: كيف يقال: النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وأهل العلم -وهم دونهم- أُمروا بالتبليغ، كما قال الله –عز وجل- في ميثاقه على أهل العلم: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]؟! قلنا: الأمر بالتبليغ بالنسبة لأهل العلم واجب؛ لأنهم بمثابة أنبياء بني إسرائيل كما جاءت بذلك بعض الأحاديث، وقد جاء التكليف لأهل العلم من الله مباشرةً، فأخذ الميثاق عليهم من باب أولى، وهذا تنزُّل على حد قول الجمهور. ونَخلُص من هذا أن الرسالة تشمل الرسول والنبي، فكل منهما مرسل، وكل منهما منفذ وموحىً إليه، وكلاهما مأمور بالتبليغ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج: 52]. ومن حيث التفضيل بينهما: فعلى قول الأكثر: الرسالة أفضل من النبوة، وقال بعضهم: هما سيان، وجنح العز بن عبد السلام –رحمه الله- إلى تفضيل النبوة على الرسالة.
  • ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾    [العلق   آية:١]
هل يجوز إبدال لفظ (النبي) بـ(الرسول) والعكس؟ قلنا: النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نبئ بـ{اقْرَأْ} [العلق: 3] وأرسل بـ{الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، فهو نبي رسول، فيجوز حينئذ أن نقول: (اللهم صل على رسولنا محمد) بدل (نبينا)؛ لأن ذات النبي –صلى الله عليه وسلم- لا تتغير بأحد الوصفين، أما إذا كان اللفظ في ذِكرٍ مُتعبد بلفظه فلا يغيَّر لفظ بلفظ، كما ردَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- على البراء –رضي الله عنه- في حديث الذِّكر لما قال: «آمنت بكتابك الذي أنزلت، ورسولك الذي أرسلت»، قال: «لا، ونبيك الذي أرسلت» [البخاري: 247]، وإلا فالأصل أن اللفظين إذا دلَّا على ذات واحدة فلا فرق بينهما، وإن كان لفظ الرسالة يوحي بتعدي المقول إلى غيره.
إظهار النتائج من 1111 إلى 1120 من إجمالي 8502 نتيجة.