قال تعالي في سورة يوسف : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ } [ يوسف : 24 ] .
سؤال : هل هم سيدنا بامرأة العزيز , كما يقال ؟
الجواب : الذي يدل عليه التعبير – والله أعلم – أن سيدنا يوسف لم يهم بها , وذلك أن ( لولا ) حرف امتناع لوجود , وذلك نحو قولك : ( لولا أبوه لضربته ) , فأنت لم تضربه لوجود أبيه .
فإن قدمت ما يدل علي الجواب , فقلت ( كنت أضربه لولا أبوه ) , فأنت لم تضربه أيضا . والحكم واحد , وتقدم ما يدل علي الجواب أو تأخر .
وكذلك ههنا , فقد تقدم ما يدل علي الجواب , فالهم منتف لوجود البرهان , نظير قولك : ( لولا أن رأي برهان ربه ) . فامتنع الهم لوجود البرهان , وإلا لم يكن لقوله : ( لولا أ، رأي برهان ربه ) فائدة .
ونظير هذا التقديم في القرآن قوله تعالي : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ } [ الفرقان : 77 ] , وقوله : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا } [ القصص : 10 ] , وقوله : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا } [ الفرقان : 42 ] .
والحكم واحد تقدم أو تأخر , ونحو ذلك في ذكر الجواب مؤخرا قوله سبحانه : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [ الاسراء : 74 ] . ولو قلت : ( لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا لولا أن ثبتناك ) لكان المعني واحدا . وهذا نظير ذلك .
جاء في ( البحر المحيط ) : " والذي أختاره أن يوسف – عليه السلام – لم يقع منه هم ألبتة , بل هو منفي لوجود رؤية البرهان , كما تقول : ( قارفت الذنب لولا أن عصمك الله ... [ والتقدير هنا ] : لولا أن رأي برهان ربه لهم بها " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 66)
قال تعالي في سورة يوسف لاخوته : { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي } [ يوسف : 90 ] .
سؤال : لماذا قال يوسف لأخوته : { أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي } , مع أنهم يعلمون أنه أخوه ؟
الجواب : إنه قال لهم ذلك ليخبرهم أنه أخوه , وهو يعرفه حقا , أي : وهذا أخي أعرفه كما عرفتكم وأنتم لم تعرفوني , كما قال تعالي : { وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [ يوسف : 58 ] .
أي : إنكم لم تخدعوني بشخص آخر جئتموني به , فتزعمون أنه أخي , كما فعلتم مع أبيكم حين دخلتم عليه بالبكاء والمجئ بالقميص بالدم الكذب , فإن هذا أخي , أعرفه كما عرفتكم .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 67)
- قال تعالي في سورة يوسف : { وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ } [ يوسف : 100 ] .
سؤال : لما ذكر إحسان الله به في إخراجه من السجن , ولم بذكر إخراجه من البئر ؟
الجواب : لم يذكر إخراجه من البئر ؛ لأنه أخرج من الرق والعبودية , ثم إلي السجن بتهمة مخلة بالشرف , فلا يكون في ذلك منة .
وأما إخراجه من السجن فإلي الإحسان إليه , وجعله عزيز مصر .
فاختلف الأمران .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 68)
سؤال : قال تعالي في سورة يوسف : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ يوسف : 109 ] .
ونحو ذلك قال في آيات عدة من القرآن الكريم , كما في [ غافر : 82 ] , و [ محمد : 10 ] , وغيرها بإضافة ( قبل ) إلي الضمير ( من قبلهم ) .
غير أنه قال تعالي في سورة الروم : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ } [ الروم : 42 ] .
فلم يضف ( قبل ) , وإنما قطعها عن الإضافة , فما السبب ؟
الجواب : إن قوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ونحوه إنما هو تقرير لهم بأمر قد فعلوه , فهم قد ساروا ونظروا , وذلك في أسفارهم في طرقهم المعهودة , فقررهم بذلك . فقولك : ( ألم أقل لك كذا وكذا ؟ ) يعني أنك قد قلت له .
أما قوله : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ } فإنه أمر لهم بالسير والنظر علي العموم , وليس فيما اعتادوا عليه في أسفارهم فحسب . وهذا أوسع وأعم مما عهدوه وساروا فيه ونظروا , ولذا حذف المضاف إليه ؛ للتعميم , فقال : { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } .فالسير أعم , والنظر أعم , والزمن أعم . والله أعلم .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 69)
استعمل ( القميص ) ثلاث مرات , كل مرة في دلالة :
1- فقد استعمل بينة مزورة للدلالة علي هلاكه واكل الذئب إياه , وذلك في قوله سبحانه : { وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [ يوسف : 18 ] .
2- واستعمل بينة صحيحة للوصول إلي الحكم وبراءة يوسف , وذلك في قوله تعالي : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ [26] وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ [27] فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [28]} [ يوسف : 26 – 28 ] .
3- واستعمل بينة صحيحة للدلالة علي نجاة يوسف , وأنه لا يزال حيا , وبشري لوالده وسببا لرد بصره . وهو بينة صحيحة بقرينة الرائحة , وقرينة الرائحة تستعمل الآن في القضاء .
فقد استعمل بداية لحزن يعقوب عندما جاؤوا بقميصه , وأخبروه أن الذئب قد أكله , واستعمل نهاية لحزنه عندما جاء البشير , وألقاه علي وجهه , واستعمل للدلالة علي أنه لا يزال حيا .
واستعمل القميص لثلاث مراحل من حياته :
1- المرحلة الأولي : رميه في الجب , وصيرورته مملوكا بعد أن كان حرا , والفرقة بينه وبين أهله .
2- المرحلة الوسطي : سجنه وفقدان الحرية , والفرقة بينه وبين العزيز متولي أمره .
3- المرحلة الثالثة : في جمع شمله بأهله وسعادتهم اجمعين .
الموافقات في القصة :
1- القمصان ثلاثة .
2- الرؤي ثلاث : رؤيا يوسف , ورؤيا صاحبي السجن , ورؤيا الملك .
3- الرحلات إليه للامتيار من قبل إخزته ثلاث :
أ- عندما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون .
ب- الرحلة التي جاؤوا فيها بأخيهم , وفقد صواع الملك .
ت- الرحلة التي قالوا فيها : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } , وقال لهم : { هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 70)
قال تعالي في سورة الرعد : { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [19] الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [20] وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ [21] وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } [ الرعد : 19 – 22 ] .
سؤال : لماذا جاء قسم من الصلات بالفعل المضارع , والقسم الآخر بالفعل الماضي ؟
الجواب : يمكن أن نضع إجابة موجزة بما ياتي :
1- ما كان له وقت محدد , أو ليس مستمرا استمرار بقية الصفات , غبر عنه بالفعل الماضي , وهو إقامة الصلاة والانفاق .
2- ما كان سابقا لكل الأوصاف المذكورة , عبر عنه بالفعل الماضي وهو الصبر , ولم يرد في القرآن صلة إلا بالماضي .
3- وما عدا ذلك , وهو المستمر مما ليس له وقت محدد عبر عنه بالفعل المضارع .
فقوله : { الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ } عام يشمل عموم جميع أوامره ونواهبه , وهو مستمر بالليل والنهار .
وقوله : { وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ } توكيد لما قبله , ولما كان ما قبله مستمرا أيضا , ويشمل أيضا جميع ما يعطونه للناس من مواثيق . وقوله : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } يشمل عموم ما أمر به من الاطعام , وصلة الرحم وعموم ما أمر الله به أن يوصل , وقوله : { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } يفيد الاستمرار وعدم الانقطاع , فهو مستمر في كل حين . ونحوه قوله : { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } .
وأما قوله : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ } فإنه جاء به بالفعل الماضي ؛ لأنه أسبق من كل ما ذكر , ولأن تلك الصلات مترتبة علي حصول الصبر وتقدمه عليها . ولذا لم يرد الصبر صلة إلا بصيغة الماضي في القرآن الكريم . قال تعالي : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ } [ الشوي : 43 ] , وقال : { إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ } [ هود : 11 ] , وقال : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ } [ الرعد : 22 ] , وقال : { الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ النحل : 42 ] , وقال : { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم } [ النحل : 96 ] .
وقوله : { وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ } عبر عنها بالماضي ؛ لأن لها أوقاتا محددة , وليست مستمرة استمرار الصفات الأخري كما ذكرنا , ولتحققها وتمكنها من أنفسهم .
ثم إنه أوقع الماضي صلة احتمل أن يراد به المستقبل , وذلك نحو قوله تعالي : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [159] إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [160]} [ البقرة : 159 – 160 ] .
فقوله { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ } يفيد الاستقبال أي : يتوبون ويبينون ؛ لأنه واقع بعد الكتمان , والكتمان عبر عنه بالمضارع .
وقوله : { وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } ليس ذلك مستمرا استمرار ما قبلها , وهو دون الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليو والليلة , فجاء بالفعل ماضيا كما ذكرنا .
وقوله : { وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } جاء به المضارع ؛ لأن ذلك ليس له وقت محدد كالصلاة والانفاق الواجب .
ثم إن هذا له حالتان :
إنه إذا أتوا بمعصية درؤوها ودفعوها بالتوبة والحسنة , كما قال تعالي : { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ } هود : 114 ] , وكما قال - صلي الله عليه وسلم - : " واتبع السيئة الحسنة تمحها " .
وأنهم لا يقابلون الشر بالشر , بل بالاحسان . والانسان كثيرا ما يسئ أو يساء إليه , ويدرأ ذلك كله بالحسنة .
جاء في ( روح المعاني ) في قوله : { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } [ الرعد : 22 ] : ويظهر أن اختصاص هذه الصلة بالماضي , وما تقدم بالمضارع أن ما تقدم قصد به الاستصحاب والالتباس , واما هي مترتبة علي حصول الصب , وتقدمه عليها . ولذا لم تأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي ؛ إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 71)
قال الله سبحانه في سورة الحجر : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ [16] وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ [17] إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ [18]} [الحجر : 16 - 18 ] .
وقال في سورة الصافات : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [6] وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ [7] لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ [8] دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [9] إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [10]} [ الصافات : 6 – 10 ] .
سؤال : لماذا قال في الحجر : { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } , وقال في الصافات : { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } ؟
الجواب : إن معني ( مبين ) ظاهر للمبصرين . ومعني ( ثاقب ) نافذ بضوئه وشعاعه المنير , ونير أي : متقد . والثقب : الخرق النافذ . و ( المارد ) هو العتي الشديد , فإن معني ( تمرد ) عتا . و ( الرجيم ) هو الملعون , وهو المطرود المبعد , والمرمي بالشهب , قال تعالي : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } [ الملك : 5 ] .
والوصف بالمارد أقوي وأشد من الوصف بالرجيم . و ( الخطف ) هو الاستلاب والاختلاس والاخذ في خفة وسرعة , قال تعالي : { حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [ الحج : 31 ] .
و ( الاستراق ) أخذ الشئ بخفية . واستراق السمع قد يكون بالتنصت , ولا يقتضي الحركة . أما الخطف ففيه سرعة واختلاس واستلاب . فالمقام في الصافات أشد ؛ وأسرع , وفيه حركة وسرعة , وهو الخطف استدعي من الحفظ ما هو أشد , فقال :
أ- ويقذفون من كل جانب .
ب- وقال : ( دحورا ) وهو مصدر بمعني الحال , أي : مطرودين علي سبيل الاهانة والاذلال , أو مفعول له .
ت- وقال : { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ } , وهو أقوي من ( حفظناها ) المذكورة في آية الحجر ؛ لأنه مصدر , وهو غير مقيد بزمن والمصدر أقوي من الفعل .
ث- وقال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } أي : دائم .
ج- وفال : { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } وهو أقوي من المبين ؛ لأنه مبين وزيادة , وأنه قد يخرق أجسادهم ويثقبها . أما المبين فقد يكون ذا نور قليل , ولا يقتضي شدته, فناسب كل تعبير موضعه .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 74)
قال تعالي في سورة الحجر في قوم لوط : { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [73] فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ [74] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ [75] وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ [76] إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ [77]} [ الحجر : 73 – 77 ] .
ثم قال في أصحاب الأيكة : { وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ [78] فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ [79]} [ الحجر : 78 – 79 ] .
سؤال :
1- لماذا قال أولا في قوم لوط : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } , ثم قال بعدها : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ؟
2- لماذا قال في أصحاب الأيكة : ( وإنهما ) بالتثنية , ولم يقل : ( وإنهم ) أو ( وإنها ) بالافراد ؟
الجواب : أما قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } , فلأنه ذكر آيات , ولم يذكر آية واحدة , فقد قال :
1- فأخذتهم الصيحة مشرقين : وهذه آية , وهي الأخذ بالصيحة .
2- فجعلنا عاليها سافلها : وهذه آية أخري .
3- وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل : وهذه آية ثالثة , فقال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } .
وأما في قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ } , فهذا يعود علي قوله : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ } , وذلك يعود علي الآثار الباقية من قرية قوم لوط , وهي آية وليست جميع الآيات , أي : إنها بطريق واضح .
- وأما قوله : { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } , فالضمير يعود علي محلي قوم لوط , وقوم شعيب أصحاب الأيكة , فإنهما بطريق واضحة مسلوكة . فأعاد الضمير عليهما بالتثنية .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 76)
قال تعالي في سورة النحل : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } [ النحل : 48 ] .
سؤال : لماذا أفرد اليمين وجمع الشمائل فقال : { عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ } ؟
الجواب : قيل : إن ذلك لعدة مناسبات منها :
إنه قيل : إن المراد باليمين جهة المشرق , والمراد بالشمال جهة المغرب , وإن الظلال في جهة المغرب بعد الزوال تمتد وتكثر , بخلافها في جهة المشرق , فإنها تنقص وتضمحل , حتي لا يبقي منها إلا اليسير , فناسب جمع الشمائل وإفراد اليمين . جاء في ( روح المعاني ) : " قيل : إنه أفرد وجمع بالنظر غلي الغايتين ؛ لأن ظل الغداة يضمحل حتي لا يبقي منه الا اليسير , فكأنه جهة واحدة . وهو في العشي علي العكس ؛ لاستيلائه علي جميع الجهات " .
وقيل أيضا : إن اليمين وهو جهة المشرق إنما هو جهة مطلع النور , وإن الشمال هو جهة المغرب , وهو الظلمة . والقرآن يفرد النور ويجمع الظلمات حيث وردا في القرآن . قال تعالي : { وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } [ الانعام : 1 ] , فناسب إفراد اليمين وجمع ا
الشمال , كما أفرد النور وجمع الظلمات .
وقيل : أيضا " إن الظل الجائي من جهة المشرق لا يتعلق به أمر شرعي , والجائي من جهة المغرب يتعلق به ذلك .فإن صلاة الظهر يدخل وقتها بأول حدوثه من تلك الجهة , يزول الشمس عن وسط السماء , ووقت العصر بصيرورته مثل الشاخص أو مثليه بعد ظل الزوال ... ووقت المغرب بشموله البسيطة بغروب الشمس . وما ألطف وقوع ( سجدا ) بعد ( الشمائل ) علي هذا " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 77)