• ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام :١٢٢] مع ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يونس :١٢]
• ما وجه تعقيب موضع الأنعام، بقوله : ﴿ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ، وموضع يونس، بقوله : ﴿ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ؟
• قال الإسكافي : لــ " أن يقال : إن الأول قبله : ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾، والمراد بالميت هاهنا : الكافر، والنور : الإيمان، وحياته به، ومن في الظلمات : من استمر به الكفر، ولم يتنقل عنه، فكان ذكر الكافرين بعده أولى.
أما المكان الثاني، فإن القبلة : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ﴾ [يونس :٧] فهذه صفة كفار، نعّموا أبدانهم، ودنّسوا أديانهم، واقتصروا على عمارة الحياة الدنيا، واطمأنوا بها، ولم يتّبعوا لطلب الأخرى، وهم المسرفون، الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر :٤٣]؛ لأنهم غلوا في الدنيا، وتعجل نعيمها، وتجاوزها الحد في عمارتها، والإعراض عما هو أهم لهم منها ".
• ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ [الأنعام :١٣٥] مع ﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [هود :٩٣] و ﴿ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر :٣٩]
• ما وجه التعبير بغيرالفاء في موضع هود، في قوله : ﴿ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾، و بالفاء في قوله : ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ في موضع الأنعام والزمر ؟
• قال ابن جماعة : لــ " أن القول في آيتي الأنعام والزمر؛ بأمر الله تعالى له، بقوله : (قل)؛ فناسب التوكيد في حصول الموعود به، بــ (فاء السببية)، وآية هود من قول شعيب (عليه السلام)؛ فلم يؤكد ذلك ".
• ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ﴾ [الأنعام :١٤٨] مع ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾ [النحل :٣٥]
• ما وجه الاختلاف في التعبير في الآيتين مع أن المقصود واحد؟
• قال الغرناطي : لــ " أنه لما تقدم آية الأنعام، قوله تعالى : ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام :١٤٦] وهذا إخبار عن بني إسرائيل، فيما حرم عليهم، ثم ورد بعدها، قوله تعالى : ﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا ﴾ [الأنعام :١٥٠] وهو خطاب لهم أيضاً، فقد اكتنف الآية المذكورة ما مرجعه إلى بني إسرائيل، فيما حرم عليهم، وما ألحقوه بذلك : تحريفاً وتبديلاً، ووردت الآية المتكلَّم فيها مورد ما يرد من الجمل الاعتراضية؛ لاتصال ما بعدها بما قبلها، فلم يكن ليلائم ذلك الإسهاب، وطول الكلام؛ إذ الوجه فيما يردْ اعتراضاً أن يؤخر، وأما آية النحل؛ فلم يتقدمها خطاب لغير العرب : مؤمنهم،وكافرهم، وقد أطنب في تذكيرهم ووعظهم، وقد بسط لهم ذكر نِعَم ودلائل؛ فناسب ذلك الإسهاب الوارد فيها، من قوله : ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾ ولم يكن ليناسب آية الأنعام، ما ورد هنا، ولا الوارد هنا ذلك الإيجاز، والله سبحانه أعلم ".
• وقال ابن جماعة : لــ " أن لفظ الإشراك؛ مؤذن بالشريك، فلم يقل : ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ بخلاف : ﴿ مَا عَبَدْنَا ﴾ ليس مُؤْذِناً بإشراك غيره، فلذلك جاء : ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ ".
• ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام :١٥١] مع ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام :١٥٢] و ﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام :١٥٣]
• ما وجه تعقيب كل موضع بما خص به ؟
• قال الكرماني : " لأن الآية الأولى؛ مشتملة على خمسة أشياء، كلها عظام جسام، فكانت الوصية بها من أبلغ الوصايا، فختم الآية الأولى، بما في الإنسان من أشرف السجايا، وهو العقل الذي امتاز به الإنسان، عن سائر الحيوان.
والآية الثانية : مشتملة على خمسة أشياء، يقبح تعاطي ضدها وارتكابها، وكانت الوصية بها تجري، مجرى الزجر والوعظ؛ فختم الآية، بقوله : ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ أي : تتعظون بمواعظ الله.
والآية الثالثة : مشتملة على ذكر الصراط المستقيم، والتحريض على اتباعه، واجتناب مناهيه، فختم الآية بالتقوى، التي هي ملاك العمل، وخير الزاد ".
• ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام :١٦٣] مع ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف :١٤٣] و ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس :٧٢]
• ما وجه التعبير، بقوله : ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ بموضع الأنعام، وبقوله : ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ بموضع الأعراف، وبقوله : ﴿ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ بموضع يونس ؟
• قال ابن جماعة : لــ " أن المراد ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ من أهل مكة - شرفها الله تعالى -؛ لأنه أول المسلمين منهم، ولم يكن نوح أول من أسلم في زمانه، ومثله قول سحرة فرعون : ﴿ أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء :٥١] يريد : أولهم من قوم فرعون وآله، وأما قول موسى : ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أراد : أول المصدِّقين بامتناع الرؤية في الدنيا، ولم يرد الإيمان الذي هو : الدين ".
• ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ [الأنعام :١٦٥] مع ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [فاطر :٣٩]
• ما وجه التعبير بقوله : ﴿ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ بموضع الأنعام، وبقوله : ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ بموضع فاطر ؟
• قال الغرناطي : لــ " أنه لما تقدم قبل آية الأعراف، قوله سبحانه : ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام :١٦١]، واستمر الخطاب له معرفاً عن حاله، وواضح طريقه، إلى قوله : ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام :١٦٤]، فعمّ ما سواه سبحانه بالدخول تحت ملكه وقهره، فناسب هذا ما ذكر من إنعامه على عباده، بجعلهم خلائف الأرض، ولو كان بحرف الوعاء لم يكن ليفهم التوسعة في الاستيلاء والإطلاق، إلا بضمير يحرز ذلك، أن قوله : ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ إنما يفهم أنه موضع استخلافهم، وهل كلها أو بعضها؛ ذلك محتمل، أما بغير حرف الوعاء؛ فأظهر في التعميم، وإن كان لم يكن نصاً إلا أنه أظهر من المتقيد بحرف الوعاء؛ فناسب الإطلاقُ الإطلاقَ.
وأما قوله في سورة الملائكة : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ فقد تقدم قبله : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [فاطر :٣٦] إلى قوله : ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم ﴾ [فاطر :٣٧] ثم أعقب قوله : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ بقوله : ﴿ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴾، فلما اكتنف الآية ما ذكرته مما هو نقيض الوارد في آية الأنعام؛ ناسب ذلك التقييد بحرف الوعاء؛ إذ لا يلائم البسطُ القبضَ، فجاء كل على ما يجب، ولا يناسب العكس، والله سبحانه أعلم بما أراد ".