أسرار بلاغية
| ٤٢١ | {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} أي ما ذكره من إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل وتسخير الشمس والقمر وغير ذلك مما ذكر؛ إنما كان بسبب أن الله هو الحق الخالق الموجد القادر وأن ما يدعون من دونه هو الباطل؛ لأنها عاجزة عن أي شيء. وأن ما أمر به أو نهى عنه إنما يجب طاعته فيه لأنه الحق، فكل ما ذكره عنه من صفات الكمال والقدرة إنما هو بسبب أنه الحق. وكل أوامره ونواهيه لازمة بسبب أنه الحق. فقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} تعليل لكل أفعاله وصفاته وتعليل للزوم طاعة كل أوامره ونواهيه. ثم إنه لم يقل: (ذلك بأن الله حق) فيجعله من جملة ما هو حق، وإنما قال: (هو الحق) للدلالة على أنه لا حق سواه، فإنه لولا الله لم يكن شيء في الوجود أصلاً، فإن الله هو الحق الأول والآخر، وهو الحق الذي لولاه لم يكن هناك حق أصلًا، ولكان كل شيء باطلًا غير موجود. قد تقول: ولكن هناك أشياء أخرى توصف بأنها حق، فإن الجنة حق، وإن النار حق، وإن النبيين حق، وإن الملائكة حق كما قال . فنقول: ومن ينكر ذلك؟ ولكن كل ما ذكرته وما لم تذكره مما هو حق إنما هو حق بإيجاد الله له وهو يكتسب هذا الحق من الله، فلو لم يكن الله موجودًا لم يكن شيء مما ذكرت ولا غيره، فإن الله هو الحق الأول وهو الذي يحق الحق ويبطل الباطل. جاء في (التفسير الكبير): "ما معنى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} وأي تعلق له بما تقدم؟. الجواب فيه وجهان: أحدهما: أن المراد أن ذلك الوصف الذي تقدم ذكره من القدرة على هذه الأمور إنما حصل لأجل أن الله هو الحق، أي هو الموجود الواجب لذاته الذي يمتنع عليه التغيير والزوال فلا جرم أتي بالوعد والوعيد. ثانيهما: أن ما يفعل من عبادته هو الحق وما يفعل من عبادة غيره فهو الباطل كما قال: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ} (1). وجاء في (الكشاف): "ذلك الذي وصف من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون، فكيف بالجماد الذي تدعونه من دون الله، إنما هو بسب أنه هو الحق الثابت إلهيته وأن من دونه باطل الإلهية" (2). وقال: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} بتكرار (أن) لتوكيد بطلان ما يدعون من دونه، فإنه كان من الممكن أن يقول: (وما يدعون من دونه الباطل) من دون تكرار لـ (أن) فيكون أقل توكيدًا. ثم إنه عرف الباطل وكان من الممكن أن يقول: (وأن ما يدعون من دونه باطل) فيجعل ما يدعون من دونه من جملة ما هو باطل. وما ذكره أولى، ذلك أنه لم يذكر مسألة ثانوية أو جزئية مما توصف بالبطلان، كأن تقول: أنت أخذت مني درهمًا وهذا باطل. أو تقول: أنت ذكرت أن ذلك الشيء البعيد حيوان مع أنه شجرة وهذا باطل. ولكنه ذكر أعظم المسائل على الإطلاق وهي مسألة العبادة، فهؤلاء المعنيون اتخذوا من دون الله آلهة، وهذا أكبر من الشرك، فإن الشرك أن تتخذ مع الله إلهًا، وهؤلاء اتخذوا من دونه آلهة، وهذا أبطل الباطل. فإن كان الله هو الحق فما يدعون من دونه هو الباطل. وعرف الباطل للدلالة على أنه أظهر الباطل وأتمه، فهو الباطل الظاهر التام. وقال: (ما يدعون) دون (من يدعون لإظهار شناعة فعلهم، وذلك أن (ما) لغير العاقل، فهم يدعون ما لا يعقل أصلًا وهو من أظهر الباطل. وقد تقول: لقد قال ههنا: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} من دون ضمير فصل، وقال في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} {الحج: 62}، فجاء بضمير الفصل مع الباطل فقال: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} فما السبب؟. فنقول: إن سياق كل من الآيتين يوضح سبب ذلك، "فآية الحج واقعة في سياق الصراع مع أهل الباطل ومجاهدتهم أشق أنواع الجهاد. ويبدأ الصراع بعد ذكر الأمم السالفة وتكذيبهم لرسلهم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} {الحج: 51}، إلى أن يقول: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} {الحج: 58}. وهذا من نتائج الصراع: الهجرة من الديار والأرض والقتل والموت، فهنا أنصار الباطل ساعون لإطفاء نور الله معاجزون معاندون. ولا تجد مثل هذا في سورة (لقمان)، وإنما هو عرض لأصحاب الباطل من وجه آخر ليس فيه هذا الصراع، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} {لقمان: 21}. {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} {لقمان: 23 – 25}. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} {لقمان: 29 – 30}. فأنت ترى أن السياق مع أهل الباطل هنا يختلف. فهم في الصورة الأولى معاجزون معاندون مصارعون متمكنون في الأرض، نتيجته هجرة المؤمنين أو قتلهم أو موتهم، فاحتاج الأمر إلى زيادة تثبيت المؤمنين وعدم افتتانهم بسلطة أصحاب الباطل وتمكينهم من رقاب الناس، فإن للسلطان فتنة ورهبة، فاقتضى السياق توكيد أن ما هم عليه هو الباطل. وأما الآية الثانية ففي سياق الجدل العقلي والمحاجة بين الفريقين، وليس فيها ذكر لصولة الباطل وبطشه. فلم يقتض السياق ما اقتضاه في الآية الأولى من التوكيد. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه لما تقدم في سورة الحج ذكر ما يدعون من دون الله من المعبودات الباطلة فقال: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} {الحج: 12 – 13}، ولم يتقدم مثل ذلك في (لقمان) أكد ذلك في الحج. جاء في (ملاك التأويل): "إن سورة الحج ورد فيها ما يستدعي هذا التأكيد بالضمير المنفصل ويناسبه وهو تكرر الإشارة إلى آلهتهم والإفصاح بذكرها تعريفا بوهن مرتكبهم وشنيع حالهم، وأوضح هذا التكرر وأشده ملاءمة الإتيان بهذا الضمير المعتد فصلا أو مبتدأ قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} {الحج: 31}، وقوله في آخر السورة: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} {الحج: 73}، هذه الآية والتي ذكرنا قبلها أنسب شيء لقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} {الحج: 62}" (3). وجاء في (روح المعاني): "وكأنه إنما قيل هنا: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} بدون ضمير الفصل، وفي سورة الحج {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} بتوسيط ضمير الفصل لما أن الحط على المشركين وآلهتهم في هذه السورة دون الحط عليهم في تلك السورة" (4). وجاء في أيضًا أن زيادة (هو) في آية الحج دون أية لقمان لأن ما في الحج إنما وقع بين عشر آيات كل آية مؤكدة مرة أو مرتين، ولهذا أيضًا زيدت اللام في قوله تعالى الآتي: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} دون نظيره في تلك السورة. ويمكن أن يقال: تقدم في هذه السورة ذكر الشيطان فلهذا ذكرت هذه المؤكدات، بخلاف سورة (لقمان) فإنه لم يتقدم ذكر الشيطان هناك" (5). وقال: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، فكرر (أن) وجاء بضمير الفصل وعزف الخبر والصفة لحصر العلو والكبر فيه سبحانه ولبيان أنه لا علي ولا كبير غيره على الحقيقة، فهو العلي القاهر كما قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} {الأنعام: 18}، وهو الكبير السلطان العظيم الشأن. وقد ذكر هذين الاسمين الكريمين بعد أن وصف نفسه بالحق ووصف ما يدعونه بالباطل لبيان أن الحق عال على وجه الثبوت والدوام، وأنه يعلو الباطل ويزهقه، فالحق عال ظاهر والباطل سافل مهين، والحق كبير والباطل صغير صغارا وصغا. فمهما انتفش وانتفخ فإنه قميء ذليل حقير. وقد ذكر هذين الاسمين تطمينًا وتثبيتًا لأهل الحق، وإنذارًا وتحذيرًا لأهل الباطل. جاء في (التفسير الكبير): "أي تعلق لقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} بما تقدم؟. والجواب: معنى العلي: القاهر المقتدر الذي لا يغلب، فنبه بذلك على أنه القادر على الضر والنفع دون سائر من يعبد مرغا بذلك في عبادته زاجرا عن عبادة غيره. فأما الكبير فهو العظيم في قدرته وسلطانه، وذلك أيضا يفيد كمال القدرة" (6). (1) التفسير الكبير 8/246. (2) الكشاف 2/520. (3) التعبير القرآني 172 – 174، وانظر ملاك التأويل 2/724. (4) روح المعاني 21/104. (5) روح المعاني 17/191. (6) التفسير الكبير 23/61. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 497 إلى ص 502. الوقفة كاملة |
| ٤٢٢ | {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)} لما ذكر تسخير بعض ما في السماوات في آية سابقة، ذكر في هذه الآية تسخير بعض ما في الأرض وهي الفلك. فذكر هناك جري الشمس والقمر، وذكر هنا جري الفلك. ولما قال: {بِنِعْمَةِ اللَّهِ}، وقال: {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} علمنا أن الله هو مجريها ومسيرها فأغنى ذلك عن أن يقول: (ألم تر أن الله يجري الفلك) أو نحو ذلك. وقوله: {بِنِعْمَةِ اللَّهِ} يفيد معنيين: الأول: أنها تجري بسبب نعمة الله وهو تسخيرها وتسخير البحر، فمن نعمة الله أنه سخر الفلك لنا كما قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} {إبراهيم: 32}، وأنه سخر البحر لتجري فيه الفلك كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} {الجاثية: 12}. والمعنى الآخر: أنها تجري بنعمة الله، أي بما تحمله من البضائع مما أنعم الله به على الإنسان. والمعنيان مرادان، فهي تجري بنعمة التسخير، وهي تجري بما تحمله من النعم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 503 إلى ص 503. * * * {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} وهي آيات عظيمة، منها آيات في التسخير، ومنها آيات في أسرار البحار وما أودع فيها من العجائب، ومنها آيات في ضعف الإنسان وخوفه وعجزه وإنابته إلى ربه حين يركب البحر، وكيف يعود إلى ما كان عليه حين ينجيه إلى البر، ومنها آيات في أهوال البحر وعجيب قدرة الله إذا شاء أن ينجي المرء بعد أن انقطعت به الأسباب. وغير ذلك من الآيات. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 503 إلى ص 504. * * * {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} صبار على طاعة الله وعلى ما يصيبه من الشدائد، شكور على ما أفاض عليه من النعم أو على ما يمن عليه من النجاة. فالصبر إما أن يكون صبرًا على الطاعة أو صبرًا على الشدة، فالطاعات تحتاج إلى الصبر، فالصلاة مثلا تحتاج إلى الصبر كما قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} {طه: 132}، والصوم يحتاج إلى الصبر، بل إنه نصف الصبر كما قال ، والجهاد يحتاج إلى الصبر. والطاعات كلها تحتاج إلى الصبر. والشدائد تحتاج إلى الصبر كما هو معلوم. والشكر يكون على النعمة، ولذا كثيرًا ما تقترن النعمة بطلب الشكر في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} {النحل: 114}، وقال: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {المائدة: 6}. وقال في إبراهيم عليه السلام: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} {النحل: 121}. وقد يكون الشكر على النجاة من الشدة كما قال تعالى على لسان راكبي البحر: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {يونس: 22}. وقال ههنا لكل صبار شكور فذكر الشكر لما ذكر نعمته فقال: {تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ} {لقمان: 31}، وذكر الصبر لما قال بعد ذلك: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}. جاء في (البحر المحيط): "ولما تقدم ذكر جري الفلك في البحر وكان في ذلك ما لا يخفى على راكبه من الخوف، وتقدم ذكر النعمة، ناسب الختم بالصبر على ما يحذر، وبالشكر على ما أنعم به تعالى" (1). وقد اقترن وصف (الصبار) بالشكور دومًا في القرآن، فلم ترد كلمة (صبار) إلا وقال معها: (شكور). وقد جاء بهذين الوصفين على صيغة المبالغة للدلالة على أن الإنسان يحتاج إلى الصبر على وجه الدوام، ويحتاج إلى الشكر على وجه الدوام. فالإنسان تلزمه طاعة ربه على الدوام، فيحتاج إلى الصبر على الطاعة. وهو عرضة لما يكره فيحتاج إلى الصبر على ما يكره. ويحتاج إلى الشكر على الدوام؛ لأن نعم الله عليه دائمة مستفيضة. ومن الملاحظ في التعبير القرآني أنه إذا ذكر تهديدًا في البحر أو خوفًا فيه قرن ذكر الصبر بالشكر، فإن لم يذكر التخويف والتحذير ذكر الشكر وحده ولم يذكر الصبر، ولما قال في هذه الآية: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} ذكر الصبر فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ومثله ما جاء في سورة الشورى وهو قوله: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ} {الشورى: 32 – 34{. فإنه لما هددهم بالإغراق وإهلاكهم في البحر بقوله: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} ذكر الصبر فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. فإن لم يذكر التهديد ذكر الشكر وحده ولم يذكر الصبر كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {النحل: 14}. وقوله: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {الروم: 46}. وقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {فاطر: 12}. وقوله: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {الجاثية: 12}. فإنه لما ذكر النعم عليهم ولم يذكر تهديدًا أو تخويفًا ذكر الشكر ولم يذكر الصبر، والله أعلم. (1) البحر المحيط 7/188. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 504 إلى ص 506. الوقفة كاملة |
| ٤٢٣ | {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)} لقد أمر الله الناس أن يتقوا ربهم فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}، وقال: (ربكم) بإفراد الرب وإضافته إليهم ليدل على أن لهم ربًا واحدًا، فليس ثمة أرباب ولا هو رب فئة دون فئة أو شعب دون شعب، وإنما هو رب الناس جميعًا. واختيار لفظ الرب ههنا له دلالته، ذلك أن الرب هو المربي والمالك والسيد والمنعم والقيم، وهذا يعني أن بيده النفع والضر، فعلى الناس أن يتقوا من بيده ذاك لئلا يمسك نفعه عنهم ويوقع بهم الضر. والناس عادة يحذرون من بيده نفعهم أو يمكن أن يضرهم، بخلاف من لا يملك شيئًا إزاءهم، فذكرهم بربوبيته لهم لأن ذلك من موجبات الاتقاء. واختيار لفظ الرب مناسب أيضًا لذكر الوالد والولد بعده، ذلك أن الرب هو المربي والمعلم والمرشد والقيم، وكذلك الوالد مع ولده فإنه القيم عليه والموجه له والمربي، فهو تناسب لطيف. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 512 إلى ص 512. * * * {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} معنى (لا يجزي): لا يقضي، والمعنى لا ينفعه بشيء ولا يدفع عنه شيئًا (1). لقد قال ههنا: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ}، والتقدير (لا يجزي فيه)، غير أنه لم يذكر الجار والمجرور، فلم يقل: (لا يجزي فيه). بخلاف آيات أخرى فإنه ذكر الجار والمجرور فيها، فقد قال: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} {البقرة: 281}، وقال: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} {النور: 37 – 38}. والسبب - والله أعلم - أن الحذف يفيد الإطلاق، ذلك أن النفع والدفع في قوله: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ .....} لا يختص بذلك اليوم فقط، فإنه إذا جزى أحد عن أحد فإنه لا يقتصر أثر ذلك على ذلك اليوم، بل سيمتد إلى الأبد لأنه سيكون في الجنة، ولو قال: (فيه) لربما أفهم أن أثر ذلك مقتصر على ذلك اليوم. ولذا حيث قال: (لا تجزي) لم يقل: (فيه) وذلك نحو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} {البقرة: 48}، وقوله {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} {البقرة: 123}. بخلاف قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} {البقرة: 281}، فإن ذلك مختص بيوم الحساب، يدل على ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ}. ويوم الرجوع إلى الله وتوفية الحساب هو يوم القيامة، فذكر (فيه) للتخصيص. ونحوه قوله تعالى: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} {النور: 37 – 38}، فإن ذلك مختص بيوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار وهو يوم الجزاء فذكر (فيه) لذلك، والله أعلم. وقال ههنا: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ}، فذكر الوالد والولد، وقال في البقرة: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} فذكر عموم النفس وذلك لأكثر من مناسبة. فقد ذكر في السورة الوالدين والوصية بهما ومصاحبتهما بالمعروف، فبين بقوله: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ....} أن الإحسان إليهما ومصاحبتهما بالمعروف إنما هو مختص في الدنيا ولا يمتد إلى الاخرة. ثم من ناحية أخرى أنه لما ذكر الرب بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} ذكر أنه لا يجزي الوالد عن ولده، لأن الوالد مرب لابنه، فناسب ذكر الرب ذكر الوالد والولد، ولم يرد مثل ذلك في البقرة، فذكر عموم النفس. وقدم الوالد على الولد فقال: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} لأن الأب أكثر شفقة على الولد وأحرص على الدفع عنه فقدمه لذلك. جاء في (البحر المحيط): "لما كان الوالد أكثر شفقة على الولد من الولد على أبيه بدأ به أولاً" (2). وجاء في (التحرير والتنوير): "وابتدئ بالوالد لأنه أشد شفقة على ابنه فلا يجد له مخلصًا من سوء إلا فعله" (3). وقال في الوالد: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ} بالفعل، وقال في الولد: {وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ} بالاسم، ذلك أن الله وصى الإنسان بوالديه إحسانًا، وهو مكلف بذلك على جهة الدوام والثبوت، بخلاف الوالد فإنه غير مكلف بولده بعد البلوغ، وإنما يدفع عنه أو ينفعه بدافع الشفقة، ففرق بين الجزاءين، فجعل المكلف بالصيغة الاسمية وجعل غير المكلف بالصيغة الفعلية؛ لأن الاسم يدل على الثبوت، وهو أثبت وأدوم من الفعل. ثم إنه لما مر في السورة توصية الإنسان بوالديه ومصاحبتهما بالمعروف ولم يذكر مثل ذلك في معاملة الآباء للأبناء ذكر جزاء الوالدين بالصيغة الاسمية الدالة على الثبوت. جاء في (التفسير الكبير): "الابن من شأنه أن يكون جازيًا عن والده لما له عليه من الحقوق، والوالد يجزي لما فيه من الشفقة وليس بواجب عليه ذلك، فقال في الوالد: (لا يجزي) وقال في الولد: {وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ}" (4). وقال أحمد بن المنير في الانتصاف من الكشاف): "إن الله تعالى لما أكد الوصية على الآباء وقرن شكرهم بوجوب شكره عز وجل، وأوجب على الولد أن يكفي والده ما يسووه بحسب نهاية إمكانه، قطع ههنا وهم الوالد في أن يكون الولد في القيامة مجزيه بحقه عليه. ويكفيه ما يلقاه من أهوال القيامة كما أوجب الله عليه في الدنيا ذلك في حقه. فلما كان إجزاء الولد عن الوالد مظنون الوقوع لأن الله حضه عليه في الدنيا كان جديرًا بتأكيد النفي لإزالة هذا الوهم، ولا كذلك العكس" (5). وعبر عن الولد بالمولود في قوله: {وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}، قيل: لأن الولد يقع على الولد وولد الولد، بخلاف المولود فإنه من ولد منك، فإن "الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته، فضلاً أن يشفع لمن فوقه من أجداده" (6). وقيل: إنه عبر بمولود دون (ولد) "لإشعار (مولود) بالمعنى الاشتقاقي دون (ولد) الذي هو اسم بمنزلة الجوامد لقصد التنبيه على أن تلك الصلة الرقيقة لا تخول صاحبها التعرض لنفع أبيه المشرك في الآخرة وفاء له بما تومئ إليه المولودية من تجشم المشقة من تربيته، فلعله يتجشم الإلحاح في الجزاء عنه في الآخرة حسمًا لطمعه في الجزاء عنه" (7). وقوله: (شيئًا) يحتمل معنيين: المصدرية، أي لا يجزي الولد عن والده شيئًا من الجزاء، ويحتمل المفعولية، أي لا يجزي عنه شيئًا من الأشياء. والمعنيان مرادان، فهو لا يجزي عنه شيئًا من الجزاء ولا شيئًا من الأشياء. (1) انظر المحرر الوجيز 11/519، روح المعاني 21/103. (2) البحر المحيط 7/189. (3) التحرير والتنوير 12/193. (4) التفسير الكبير 9/133. (5) الانتصاف من الكشاف بحاشية الكشاف 2/521. (6) الكشاف 2/521. (7) التحرير والتنوير 21/194. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 513 إلى ص 516. * * * {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يدخل فيه كل وعد وعد به، ومنه ما وعد به عباده في الآخرة. {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فتنسوا الآخرة وتشتغلوا بالدنيا. وقد أسند الفعل إلى الحياة الدنيا، والمعنى: لا تغتروا بالحياة الدنيا إهابة بهم إلى أن يأخذوا حذرهم منها، هذا إضافة إلى ما في ذلك من المجاز، فكأن الحياة تنصب الشرك لغير الناس. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 516 إلى ص 517. * * * {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الغرور: صيغة مبالغة، وقد وصف بها الشيطان لكثرة غره الناس. وقد اختار (الغرور) على (الشيطان) ليشمل كل ما يغر وأول ذلك الشيطان. وقد أكد الفعلين بالنون الثقيلة التوكيد النهي، ولتوكيد أن الدنيا والشيطان مما يغران الناس غرورًا مؤكدًا، بل هما أكبر مدعاتين إلى الغرور، والله أعلم. وقدم الحياة الدنيا على الشيطان لأنها هي مبتغى الإنسان وهي همه ومطلبه، وهو يكدح من أجلها. ولأن الشيطان قد يغرهم بها ويجعلها شرك الغرور. وقال: (الحياة الدنيا) ولم يقل: (الدنيا) لأن الحياة هي المطلب الأول للإنسان ومراده، والله أعلم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 517 إلى ص 517. الوقفة كاملة |
| ٤٢٤ | ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: - هل ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ خبر أم إنشاء؟ أكثر المفسرين والذين ينظرون في اللغة قالوا هي إخبار؛ أنك تخبر أن الحمد لله سبحانه وتعالي، قسم قال هي إنشاء لأنه فيها استشعار التعظيم والمحبة الحمد لله، وقسم ذهب إلى أنه خبر يتضمن إنشاء؛ (خبر لكن فيه إنشاء)، حقيقة أحياناً التعبيرات تحتمل أن تكون خبرًا أو إنشاءً؛ التعبير الواحد محتمل أن يكون خبرًا أو إنشاءً بحسب المقام الذي يقال فيه. - و(الْحَمْدُ لِلَّهِ) هي من هذه العبارات التي يمكن أن تستعمل خبرًا أو إنشاءً يعني أنت تخبر أن (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ليس لأحد سواه، الحقيقة هو الحمد له هو مجرٍ نعم تقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فتخبر، وأحيانًا هنالك أمر تمر أنت في حالة من الحالات و تستشعر نعمة الله عليك و تشعر في نفسك شيء لله سبحانه وتعالى من التعظيم والإجلال والمحبة فتقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ)؛ هكذا يعني أن ليس القصد أن تخبر عن ذلك و إنما تستشعر عظمة الله سبحانه فتقول (الْحَمْدُ لِلَّهِ)؛ ولذلك هذه العبارة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) هي فعلاً خبر يتضمن انشاءً فيه اخبار لكن فيه معني الانشاء، فهذه العبارة جمعت الخبر والإنشاء على هذا قد تقول لماذا لم يقل ربنا إن الحمد لله؛ لماذا قال (الحمد لله) ولماذا لم يقل (إن الحمد لله). الوقفة كاملة |
| ٤٢٥ | ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ الوحيدة في القرآن بهذا الفاصلة فجاءت فاصلة الآية بقوله تعالى: {ينصرون} وذلك في سياق الحرب والمحارب يريد النصر، والآية تصور فئات من الناس قبل الإسلام، وتظاهر بعضهم على بعض، فكل يريد النصر كما جاء عند السعدي وغيره. ويقول تعالى أيضاً: ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ من النظر وهو على معنيين واحتمالين: ١- فقد يكون من النظر بالعين؛ لأن هذه الفاصلة جاءت في معرض اللعنة {أولئك عليهم لعنة الله} والملعون مطرود وبعيد عن الرحمة، فلا ينظر بالعين لبعده فختم بقوله {ولا هم ينظرون}. ٢- وقد يكون من النظر وهو الإمهال وإعطاء الفرصة، فهؤلاء لا يمهلون لعظم جرمهم في حق الله تعالى فهم لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. وبهذين المعنيين تتجلى هذه الفاصلة الكريمة، ولا جرم أن المعنيين مرادان؛ لأن اللفظ القرآني حمّال معانٍ كما لا يخفى عليكم ومما يعزز المعنى الثاني ما جاء في سورة النحل في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ وهذا من النظر وإعطاء الفرصة ولا يخفف عنهم لعظم افترائهم على الله تعالى وإشراكهم في جنبه فهم لا ينظرون فضلاً عن أن يخفف عنه العذاب. الوقفة كاملة |
| ٤٢٦ | ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا﴾ ﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ • في النمل {القول عليهم} ، في القصص {عليهم القول}. • كل كلمة نالت أهميتها في التقديم. • سورة (النمل) كلها قول وكلام: {إذ قال موسى لأهله} ، {وقالا الحمد لله} ، {قال يا أيها الناس} ، {قالت نملة} ، {وقال رب أوزعني} ، {قال أحطت بما لم} ، {قال سننظر} ، {قالت يا أيها الملأ} ، {قالوا نحن أولوا قوة} ، {قال عفريت من الجن} ، {قال الذي عنده علم من الكتاب} ، {قالوا تقاسموا بالله} في الأخير {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}. إِذًا كما نرى كلها قول، فقدم ما له العناية بالسياق {القول عليهم} فتأمل! • في (القصص) الكلام على الكفار والمجرمين أنفسهم {ويوم يناديهم فيقولوا أين شركائي الذين كنتم تزعمون} بعدها {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم} ، {ويوم يناديهم فيقولوا ماذا...} فقدم الجار والمجرور {عليهم} والضمير {هم} راجع لهم، فتأمل! الوقفة كاملة |
| ٤٢٧ | ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ النبي من النبو وهي المنزلة والرفعة. فالنبي عليه الصلاة والسلام ذو منزلة عند قومه. وهذه الآية تشير لهذا المعنى {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة..} فهذه إساءة لمنزلة النبي أو النبيء سمي بذلك؛ لأنه ينبئ بأخبار عظيمة عن الله تعالى: {يا أيها النبي حرئّض...}. ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ من الرسالة، في سياقات التكليفات الشرعية { يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل...}. والآيات التالية تجمع هذين المعنيين: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..} الآية تتحدث عن المنزلة. {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله..} الآية تتحدث عن حكم شرعي. الوقفة كاملة |
| ٤٢٨ | ﴿أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ لم يقل:(كفروا بربهم) و لكن قال:(كفروا ربهم)و فارق كبير بين المعنيين، فمعنى(كفروا ربهم) أي ستروا وجوده و أنكروه، فلا وجود له عندهم، ولكن معنى(كفروا بربهم) هو اعتراف بوجود الله لكنهم لم يؤمنوا به، و في الآية تهديد للملاحدة الذين ينكرون وجود الله. الوقفة كاملة |
| ٤٢٩ | س/ (قبلا) جاءت بقراءتين (قُبُلا) و(قِبَلا) هل هذا من التغاير التصريفي ام من التغاير الإعرابي؟ ج/ قرئت في الكهف و الأنعام، بكسر القاف وفتح الباء ومعناه معاينه، وقرئت بضم القاف والباء في السورتين، ويحتمل أن يكون جمع قبيل وهو الصنف، أي لو حشرنا عليهم كل شيء صنفا لم يؤمنوا، وأن يكون جمع قبيل وهو الضمين، أي وحشرنا عليهم كل شيء فكفلوا لهم بأن ما تقوله حق. وأن يكون {قُبُلًا}مقابلة. وهذا من التغاير الصرفي، وقد ورد التغاير الصرفي في القراءات في الصيغة لمعنيين مختلفين، أو لعدِّة معان، وقد تختلف أوزان الأسماء والأفعال في الحروف مما يُخرجها عن صيغتها أحيانا، لاختلاف اللغات، ولأنّ المعنيين المتغايرين في القراءات القرآنية يمكن أن يحتملهما السيّاق القرآني. الوقفة كاملة |
إظهار النتائج من 421 إلى 430 من إجمالي 429 نتيجة.