عرض وقفات احكام وآداب

  • ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾    [الزمر   آية:٩]
أفلا أكون عبداً شكوراً؟! الرواتب جاء في حديث ابن عمر وغيره أنها عشر، وهنا قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين بقي منها ركعتا الصبح فتكون عشراً، وجاء أيضاً من حديث أم المؤمنين أن الرواتب اثنتي عشرة، أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح، ثنتا عشر ركعة من حافظ عليها كان أجره وثوابه إيش؟ يبنى له قصرٌ في الجنة، فإذا داوم على هذه الركعات الإثنتي عشرة مع الفرائض وهي سبع عشرة ركعة مع الوتر إحدى عشر ركعة يكون المجموع أربعين. ويقول ابن القيم: "إن من طرق الباب أربعين مرة في اليوم والليلة يوشك أن يفتح له" فأربعين ركعة كم تستغرق من عمر الإنسان؟! فإذا أضاف إليها أربع قبل العصر التي جاء الحث عليها، وأيضاً الصلوات المرغب فيها عند وجود أسبابها، نعم الضحى على الخلاف في عددها وقد تقدمت، وجاء أيضاً الترغيب في بعض الصلوات، وأهل العلم من سلف هذه الأمة وخلفها لا زالوا يكثرون التنفل امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)). وذكر عن بعضهم أعداد قد تكون في حساباتنا مبالغات، فذكر عن الإمام أحمد أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، والحافظ عبد الغني -رحمه الله- ذكر عنه أنه يصلي كذلك، لكن هناك ما يقبله العقل وما لا يقبله العقل ولا يستوعبه الوقت، ذكر ابن المطهر الرافضي عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، هل يستوعب الوقت ألف ركعة؟ ألف ركعة؟! يعني الركعة كم دقيقة؟ أقل شيء دقيقة واحدة، والوقت لا يستوعب ألف ركعة. وعلى كل حال الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فعلى الإنسان أن يأخذ منه بقدر طاقته، وما لا يجعل النفس تمل الدين وتمل العبادة، يأخذ منه بقدر ما يمتثل به ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) ويحرص أشد الحرص على ما جاء فيه النص الخاص ويزيد من ذلك ما شاء. فإذا استغل أوقات الفراغ لا سيما في الليل بالصلاة فهذا من خير ما تفنى فيه الأعمار {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] هذه إشارة إلى أن أهل هذه الصلاة التي هي قيام الليل هم أهل العلم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] وجاء الحث: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين))، ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) ومع الأسف كثير من طلاب العلم بل بعض من ينتسب إلى العلم لا نصيب له من قيام الليل، وهذا لا شك أنه تقصير وخلل، والإنسان مأمور بالفرائض بلا شك ويأثم بتركها، ولا يأثم بترك النوافل لكن هذه الفرائض يعتريها ما يعتريها من خلل ونقص فيجبر من هذه النوافل ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟)) يجبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، ولا شك أن هذا من شكر النعمة، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) هذا شكر النعمة، وبهذا تقر النعمة، والله المستعان.
  • ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴿١١٦﴾    [النحل   آية:١١٦]
أخلاق وآداب ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم يُشرع لكلِّ مُسلم أخلاق وآداب وصِفات ينبغي لهُ أنْ يتحلَّى بها، منها الصِّدق، الصِّدْق كما جاء في الحديث ((يهدي إلى البر، والبرُّ يهدي إلى الجنَّة، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُور، والفُجُور يهدِي إلى النَّار)) فالصِّدْق خصْلَةٌ حميدة على الإنسان أنْ يلتزم بها ولا يقُول: إنَّ الظُّرُوف اقْتَضَتْ عليّ أوْ ألزَمَتْنِي أنْ أُجانِب الصِّدْق؛ لأنَّ الصِّدْق مَنْجاة، منْ صَدَق ولو في أَحْلَك الظُّرُوف نجا، وهذا شيءٌ مُجرَّب قصة كعب بن مالك، الثَّلاثة الذِّين خُلِّفُوا صريحة في هذا، فالكذب حرام اتِّفَاقاً، يُباح منهُ بعضُ الصُّور من إصلاحٍ بين النَّاس والكذب على الزَّوجة في حدُود ما يُؤلِّف القُلُوب، وما أشبه ذلك، وأما ما عدا ذلك فالكذب حرام، والكذب درجات، الكذب على النَّاس مُحرَّم بلا شك، وأعظمُ منهُ الكذب على الله وعلى رسُولِهِ، ومن الكذب على الله الفُتْيَا بغير علم -نسأل الله العافِية- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}[(60) سورة الزمر] كذبُوا على الله من أولى من يدخل في هذا الباب من يُفتي ويقول على الله بغير علم، الأمانة خُلُقٌ واجِب والخِيَانة حرام، والخديعة مُخادعة المُسلمين وغِشُّهُم وجَحْد الأمانات والعَواري كُلُّ هذا مُحرَّمٌ بالكتاب والسُّنَّة وإجماع أهل العلم {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[(58) سورة النساء] {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ}[(72) سورة الأحزاب] لابُدَّ من أداءِ هذهِ الأمانة، ومن الأمانات ما كُلِّفَ بِهِ المُسْلِم من الشَّرائِع الصَّلاة أمانة، الصِّيام أمانة، الغُسل من الجنابة أمانة، فلا يجُوزُ لهُ أنْ يخُون هذه الأمانة بِحال، العفاف لابُدَّ أنْ يكُون الإنسانْ عَفِيفاً بِجميعِ ما تحتمِلُهُ هذهِ الكلمة من صُور ومعانٍ، يكُون عَفِيف القلب فلا يحقد ولا يحسد، عفيف اللِّسان لا يتكلَّم في أحدٍ إلاَّ بِحَق، ولا يستطيل في أعراض المُسلمين، ولا يكُونُ صخَّاباً في الأسواق، ولا غضُوباً لجلاجاً، و يكُونُ عفيفاً عن المحارِمِ كُلِّها، ومنْ أظهر صُور العِفَّة عِفَّةُ الإزار بأنْ لا يُحلَّ إزارهُ إلاّ على ما أحلَّهُ الله لهُ وأباحهُ لهُ، والحياءُ لا يأتي إلاَّ بِخير، وجاء في الحديث الصَّحيح ((إذا لمْ تَسْتَحِ فاصْنَع ما شئت)) ((إنَّ مما أدرك النَّاس من كلام النُّبُوَّة الأولى إذا لم تَسْتَحِ فاصْنَع ما شئت)) فالحياء لا يأتي إلا بخير، وهُو خلقٌ ينبغي أنْ يتجمَّلَ بِهِ المُسلم ويُكمِّل بِهِ نفسهُ، والمُرادُ بالحياء الحياء الذِّي يمنع من ارتكاب ما مُنِع منهُ شرعاً أو عُرفاً؛ لكنْ الحياء الذِّي يمنع من إقامة الواجِبات أو يمنع من ترك المحظُورات، يمنع من الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر، يمنع من إرشاد الجاهل هذا يُسمّى حياء؟ هذا خجل مذمُوم هذا -نسأل الله العافية- الشَّجاعة، الجبُن خُلقٌ ذميم تعوَّذ منهُ النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى كُلّ مُسلم أنْ يتعوَّذ منهُ، فالشَّجاعة خلقٌ ينبغي أنْ يَتَحَلَّى بِهِ المُسلم، فيُشرع لكلِّ مُسلم أنْ يكُون شُجاعاً، قَوَّالاً للحق، عامِلاً بِهِ، شُجاعاً في مواطِن الشَّجاعة في الحُرُوب، في الكلمة، الصَّدْع بالحق عند الحاجةِ إليهِ وهكذا، الكرم، البُخل أيضاً خُلُقٌ ذميم فعلى المُسلم أنْ يكون كريماً باذِلاً لما يُطْلَبُ منهُ فيما لا يَضُرُّ بِهِ ويَشُقُّ عليهِ، الوفاء بالعُهُود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[(1) سورة المائدة] فلا بُدَّ منْ أنْ يكُونَ المُسْلِمُ وفِيًّا لمنْ لهُ عليهِ حق، ولِمَنْ عَاهَدَهُ وعَاقَدَهُ على شيءٍ لابُدَّ أنْ يَفِيَ لهُ بِما التزم، النَّزاهةُ عنْ كُلِّ ما حرَّم الله، فَكُل ما حُرِّم عليهِ ينبغي أنْ يبتعِدَ عنهُ ويتَنَزَّهَ منهُ، ولا يُزَاوِلُ شيئاً مِمَّا حَرَّمهُ اللهُ عليهِ سواءً كان خالِياً بمُفردِهِ، أو كان بِمَجْمَعٍ من النَّاس، ولاشكَّ أنَّ العلانِيَة أشد ((كُلُّ أُمَّتِي مُعافى إلا المُجاهِرين)) لكنْ أيضاً ارتكاب المُحرَّمات ولو كان الإنسانُ خالِياً هذا أمرٌ رُتِّب عليهِ عِقاب وهو تحت المَشِيئة؛ لكنْ أشدُّ من ذلك المُجاهرة، حُسن الجِوار، فالجار لهُ حُقُوق، لهُ حق الأُخُوَّة في الدِّين، لهُ حقُّ الجِوار، وإذا كان قريب زاد حقٌّ ثالث وهو حقُّ القرابة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما زال جبريل يُوصِيني بالجار حتَّى ظننتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)) ((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ)) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ)) فلا بُدَّ من حُسْنِ الجِوار، وعدم التَّعرِّض للجار بأيِّ أذى، مُساعدة ذوي الحاجات حسب الطَّاقة، تُعين صانع، أو تصْنَع لآخر هذا من أفْضَل الأعمال، ذوي الحاجات، الأعمى الذِّي يحتاج إلى من يقُودُهُ هو بحاجة إلى من يقُودُهُ، تُمْسِك بيدِهِ فتقُودُهُ، وتُوصِلُهُ إلى المسجد، إلى بِقالة، إلى عمل إلى ما يُريد؛ لكنْ بما لا يشُقُّ عليك ولا يُعَطِّل مصالِحك، أنت عندك دوام ووجدتْ أعمى، دوامُهُ في جِهةٍ غير جِهَتِك تترِك دوامك وترُوح تودِّيه؟ لا، بما لا يَشُقُّ عليك، ولا يُعطِّلُ مصالِحك، مُساعدة ذوي الحاجة حسْب الطَّاقة، حسْب الجُهد، حسْب المُسْتَطَاع، وغير ذلك من الأخلاق التِّي دلَّ الكِتاب والسُّنَّة على مَشْرُوعِيَّتِها.
  • ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿٤٢﴾    [إبراهيم   آية:٤٢]
عَامِل نَفسَكَ بِالأَشَدّ وعَسَاك تَنجُو ((ومن وَقَع في الشُّبُهات وَقَعَ في الحرام)) السَّلَف -رَحِمَهُمُ الله- يَترُكُونَ كَمَا نُقِل عنهم واستَفَاض تِسعَة أَعشَار الحلال؛ خَشيَةَ أن يُوقِعَهم في الحرام! كيف الحلال يُوقِع في الحرام؟! نعم – الاسترسال في المُباحات، وتَعوِيد النَّفس عليها؛ قَد تَكُون فِي مَكَان يَصعُب عَلَيكَ الحُصُول عَلَيهَا، وتَجِد مَسلَك فيه كلام - يعني مَكرُوه - مَا تَملِك نَفسَك، تبي تَجرُؤ على هذا المَكرُوه، تقول مكروه، لا عِقَابَ فيه وإن كان تركُهُ أفضل! ثُمَّ بعد ذلك إذا جَرُؤتَ على المَكرُوه؛ تَدَرَّجَت النَّفس، واستَشرَهَت؛ بِحَيث تَكُون فِي مَكَانٍ لَا تَصِل إلى هذا الذِّي عَوَّدتَ نَفسكَ عَلَيهِ؛ إِلاَّ مِن طَرِيقٍ حَرَام! ثُمَّ تأتي تُعلِّل للنَّفس، تقول: اللهُ غفورٌ رَحِيم! الحمد لله، ما أشركنا ولا كفرنا ونُصلِّي ونصوم ونسمي ولا علينا شيء! ما عندنا مشكلة، يعني المسألة قد يظن بعض النَّاس أنَّ هذا تَعَنُّت، وهذا تشديد! ما هو بصحيح، يعني الإنسان يجد هذا من نَفسِهِ! لما استَرسَلنا وتَوَسَّعنا في المُباحات؛ جَرَّنا هذا إلى ارتِكَاب المَكرُوهات هذا أمرٌ مَفرُوغٌ منهُ، ما أحد بيترَدَّد فيهِ إلاَّ القليل النَّادر! لكن المُحرَّمات! وهذا تَجِدُهُ في كافَّة القِطاعات! اللي يشتغل في المُعاملة مع النَّاس أوَّل الأمر، أوَّل ما يفتح المحل تَجِدُهُ تَحَرَّز، ثُمَّ بعد ذلك مع الوقت يتوَسَّع في الأمر، ثُمَّ يأتي التَّأويل المكرُوه، يقول: لا عِقَابَ فيهِ! سهل! ثُمَّ بعد ذلك يَتَجَاوَزُهُ إلى ما بعدَهُ! يعني على سبيل المثال المُقاول يأخُذ من فُلان، ومن فُلان أعمال يُنَفِّذُها أو يُشرِف عليها وما أشبَهَ ذلك، تَجِدُهُ في أوَّلِ الأمر من الإخوان اللي ما عندهم حلّ وسَط! في أوَّل الأمر، كل شخص حِسَابُهُ بدفتر! ما هو بصفحة! لِئِلَّا يَلتَبِس! نعم – أخذ من زيد من النَّاس عَمارة يُشرِف عليها، وأخذ من فُلان عمارة يُنَفِّذُها، وأخذ من فُلان استراحة، كل واحد بدفتر! تمضي الأُمُور شهر، شهرين؛ يَجِد مَشَقَّة ، الدَّراهم تدخل الحِسَاب، وحساب هذا يجتمع مع حساب هذا، ثُم ينقص على هذا شيء، يقترض له من فُلان، هذا فلان توه ، الآن ما بعد صبينا! ما حنا محتاجين دراهم الآن نبي نأخذ من هالفلان اللي الآن ال البمم واقف على الصبة تَجِدُهُ يقترض من هذا لهذا! يعني إلى هذا الحد شيءٍ ما هو بكبير ترى!! ويقترض من هذا ويُعطيه هذا! ثُمّ بعد ذلك يبدأ هو! هو احتاج! اليوم والله أهله عندهم مُناسبة والله يناظر الجيب ما فيه شيء!! حِسَابُهُ ما فيه شيء! هات من حساب الأخوان والمسألة ما حنا نبي ناكل بهم شيء! ما حنا ماكلين شيء! نبي نرجعه عليهم، وحسابهم مضبُوط وكل شيء وشيكات واللوائح وكل شيء موجود! ثُم يسترسل بعد ذلك إلى أن يصل به الحد إلى أن يأكُل أموال النَّاس! وهذا شيء مُجرَّب ومُشاهد! لماذا ؟! لأنَّ التَّساهُل بهذهِ الأُمُور يَجُرُّ إلى ما وَرَاءَهُ! قد يقول قائل: نترُك التَّعامل مع الناس؟! – لا - لا تترُك؛ لكن لا تَفتَح على نَفسِك باب التَّأوِيل، كُن على حَذَر شديد، وعَامِل نَفسَك بالأَشَدّ؛ وعَسَاك تَنجُوا! لأنَّ هذهِ حُقُوق العِباد ((ومَن وَقَعَ في الشُّبُهات، وَقَعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى يُوشِكُ أن يَقَعَ فيهِ))، ((كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى)) يعني الذِّي يَمتهن الصَّيد مثلاً على حُدُود الحرم مثلاً، يقول أنا لا أصيد في الحرم، الصِّيد في الحرم حرام – نعم – وش يبي تسوي؟! على الحدود وهو يصيد في أوَّل الأمر يبي يصير ظهره للحرم؛ علشان ما يصيد إلى الجهة الثَّانية! ثمَّ بعد يعتدل يصير الحرم عن يمينه وعن يسارِهِ، ويجرب على شوي شوي، ثم طارت هذهِ ووقعت، قال: هذا احتمال ما هو بالحرم! شيءٍ يسير! ثم المرَّة الثَّانية يدخل الصِّيد في الحرم، يقول: أنا برى ما أنا بداخل الحرم! والصِّيد ما هو مكلف، والمُكلَّف أنا، وأنا خارج الحرم! ترى الشِّيطان يأتي بهذه الطَّريقة يُسهِّل الأُمُور بهذهِ الطَّريقة؛ المَقصُود أنَّ ((مَن وَقَعَ في الشُّبُهات وَقَعَ في الحرام)) ولا بُدّ! لأنَّ النَّفس لا بُدَّ لها من حَاجِز قويّ؛ دُونها ودُون الحرام! فليكُن بينَكَ وبينَ الحرام بَرزَخ؛ بِحيث لو اضطررت تَكُون في حُدُود هذا البَرزَخ، ثُمَّ تَعُود إذا انتَهَت الضرورة .. ((وَقَعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى، يُوشِكُ أن يَقَعَ فيهِ)) يعني إذا وَقَعت في الحرام يمكن تقول: الله يَغفُل! {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم]، {لَا تَخْفَى عليه خَافِيَةٌ}، يعني إذا كنت تبي تلبِّس على الملك أو تبي تجيه بوقت غَفلَتِهِ، طيب رجاله عندهُ حرس وعنده... لكن هُناك مَن لا يَغفُل، ولا يَنَام، ولا تَخفَى عليهِ خَافِيَة، تَجِد مُجرَّد ما تَقَع يُسَجَّل عليك! ولَيسَت مثل عُقُوبة الدُّنيا، عُقُوبة الدُّنيا قد يَضرِبك الملك ويمكن بعد تمُوت من الضَّرب أو تُشَلّ أو يجيك أمر عظيم؛ لكن أين هذا من عُقُوبةِ الآخرة؟! عُقُوبة الدُّنيا لا شيء بالنِّسبة لِعُقُوبة الآخرة! فعلى الإنسَان أن يَحتَاط ويَستَبرِأ لِدِينِهِ وعِرضِهِ.
  • ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾    [الشعراء   آية:٨٩]
اعتَنِ بِصَلَاحِ قَلبِك ((أَلَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَة)) يعني بِقَدرِ قِطعة من اللَّحم بِقَدرِ مَا يَمضَغُهُ الإنسَان، بِقَدرِ اللُّقمَة، يعني ما هو بكبيرة؛ ((إذا صَلَحَت)) هذهِ المُضغَة؛ ((صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَت، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ القلب)) القلب شأنُهُ عَظِيم، وفَسَادُهُ خَطِير، ومَرَضُهُ شَرٌّ مُستَطِير، وكَثِيرٌ من النَّاس يَعِيش بينَ النَّاس وقَلبُهُ مَمسُوخ وهُوَ لَا يَشعُر!- نَسأَل الله السَّلامة والعَافِيَة – وقَد يَكُون مِمَّن يَنتَسِبُ إلى العِلم، أو إلى طلب العلم، يعني لا نُكَابِر! يَعِيش بينَ النَّاس بقَلبٍ مَمسُوخ – نعم – وش المانع! لِكَثرَةِ مَا يُزَاوِلُهُ ويَنتَهِكُهُ مِن مُحَرَّمَات، فَالقَلب تَنبَغِي العِنَايَةُ بِهِ، العنَايَةُ بالقَلب في غَايَةِ الأَهَمِّيَّة، وجَمِيع خِطَابِ الشَّرع مُوَجَّه إِلَى القَلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88-89) سورة الشعراء] فَالقَلب شأنُهُ عَظِيم، فَعَلى المُسلِم لَا سِيَّما طَالِبُ العِلم أن يُعنَى بِصَلَاحِ قَلبِهِ، هُناك أَمرَاض للقُلُوب، وهُنَاكَ أَدوِيَة لِلقُلُوب، وخَيرُ ما يُدَاوَى بِهِ القَلب المَرِيض بالقُرآنِ الكَرِيم، بِقِرَاءَتِهِ على الوَجه المَأمُور بِهِ بالتَّرتِيل والتَّدَبُّر، أيضاً الارتِبَاط بِالله -جَلَّ وعَلَا- بِالأَذكَار، بِنَوَافِل العِبَادَات مِنَ الصِّيَامِ والقِيَام، وأَن يُعِينَ على نَفسِهِ بِكثرَةِ السُّجُود، المَقصُود أنَّ هُناك أُمُور تُعِينُ على صَلَاحِ القَلب ((وإذا فَسَدَت، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ القلب) القَلب بِمَنزِلة المَلِك، والجَوارِح أَعوَان لِهَذَا المَلِك؛ فَإِذَا كانَ المَلِك صَالِح؛ وَجَّه هؤُلَاء الأعوَان إِلَى مَا يُصلِح، وإذا كانَ المَلِك فَاسِد؛ وَجَّه الأَعوَان إلى ما يُفسِدُ ويَضُر ((إذا صَلَحَت؛ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَت، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ القلب)).
  • ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿٩﴾    [الطارق   آية:٩]
التصريح بالأشخاص يُلجأ إليه في آخر المطاف. تسمية الأشخاص إنما يلجأ إليها في آخر المطاف إذا لم تجدِ ولم تنفع السبل، وإذا كان في ذكرها مصلحة، ولم يترتب على ذكرها مفسدة أعظم، فالشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا كان ذكر الشخص يترتب عليه التحذير منه؛ لأنه متلبس ببدعة، ويخشى على الناس من أن يقتدوا به يحذر الناس منه، لا مانع من ذكر اسمه، والسلف ذكروا المبتدعة بأسمائهم وأعيانهم، وحذروا الناس من بدعهم، لكن إذا كان الناس إذا حذروا من البدع ارتدعوا، لا، لا يلزم من ذكر الأسماء، بعض العصاة العتاة إذا بينت منكراتهم ومعاصيهم وعرف الناس أن هذه منكرات تضر بهم وأن هؤلاء متلبسون لا يلزم ذكر أسمائهم؛ لكن إذا كان الناس بحيث لا يفهمون أن هذا الشخص متلبس بهذا المنكر، وهو يلبس على الناس ويروغ في طريقته وأساليبه، ويغتر به كثير من الناس لا بد من شهره، ما المانع؟ بالشرط المتقدم على ألا يترتب على ذلك مفسدة. وأبو سعيد الخدري أنكر على مروان، وهو على المنبر، بين الصحابة في خطبة جمعة؛ لكن المفسدة مأمونة، أما إذا توقع مفسدة خاصة أو عامة، إذا كانت خاصة تختص بالشخص، وأراد أن يتحمل ويرتكب العزيمة هذا أمر؛ لكن إذا كان هناك ضرر متعدي، يتعدى إلى غيره فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والله المستعان. مسألة ما يتعلق ببعض أهل العلم، وأن من يفتي بمسائل قد يكون فيها سبب لتساهل بعض الناس وفهمهم على غير مقصودها، أو هو نفسه ترخص في بعض الأمور، أو ترجح عنده بعض الأشياء إذا كان أهل للاجتهاد فالأمر فيه سعة على أن يبين القول الصواب، أما إذا كان ليس من أهل الاجتهاد فينبغي أن يبين ويذكر اسمه لئلا يغتر به الناس على أن لا ينال شخصه بشيء، يعني الشخص لا ينبغي أن ينال بشيء، فكونك تحذر من القول، وإن لزم منه ذكر القائل لا يعني أنك تنتقص هذا الرجل، نعم، تساهل في كثير من الأمور التي تجر إلى أمور لا تحمد عقباها، هو ما ينظر إلى درء المفاسد وإلى مسائل سد الذرائع وغيرها ينظر إلى المسألة بعينها بغير نظر إلى ما تجر إليه هذه المسألة، لا بد أن تبين، وما زال أهل العلم يرد بعضهم على بعض، ما زال أهل العلم قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض، ويبين بعضهم خطأ بعض؛ لكن لا يمنع، أو بل الأصل أن تذكر المحاسن؛ لئلا يجرد الإنسان من كل خير ومن كل فضل؛ لأنه وقع في خطأ واحد، هو ليس بالمعصوم يبين ما عنده من فضل وخير وعلم وعمل، ثم بعد ذلك يقال: أخطأ، وقد رُد على عمر -رضي الله عنه- قال: أخطأ عمر، إيش المانع؟ لأنه ليس بمعصوم، فمن دونه من باب أولى؛ لكن ينبغي، الأمور بمقاصدها قد يرد بعض الناس ويشهر بعض الناس؛ لأنه يرى في نفسه وهذه أمور لا يحكم بها على كل أحد، يرى في نفسه أنه لا يمكن أن يرتفع هو إلا إذا هضم غيره، ما هو بصحيح هذا؛ بل العكس، فإذا سئل عن فلان وفلان، قيل: إيش فلان ما فلان، وقصده بذلك أن يرتفع، هذا خطأ، ليس هذا بطريق للشهرة ولا للرفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ بل العكس الناس يزدرون مثل هذا النوع إذا كان الحامل له هذا المقصد، والله المستعان، والله -سبحانه وتعالى- هو المطلع على السرائر، فيحذر الإنسان من مَغِبَّة صنيعه متى؟ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [(9) سورة الطارق] يعني قد يروج على بعض الناس الآن؛ لكن غداً، يروج؟ ما يروج شيء، والله المستعان. إذا كان الشخص التبس عليه أمر فلان أو علان من الناس، وأراد أن يسأل من يثق به من أهل العلم إيش رأيك بمنهج فلان طريقة فلان؟ علم فلان؟ عمل فلان؟ نعم، بينه وبينه من باب النصح، إذا تعلق الإنسان بهذه الأمور وصارت وظيفته الجرح والتعديل لذات الجرح والتعديل، فإنه غالباً وهذا الذي يشهد به الواقع أنه يحرم العلم والعمل، فيكون نصيبه من العلم والعمل القيل والقال، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار"، يقول: "وقف على شفيرها العلماء والحكام"، والله المستعان. يا أخي بيان المنهج العام للشخص نعم منهج فلان أنه متساهل مثلاً، عموماً يعني، فلان متشدد، يعني المذاهب بجملتها، مشتهر في العالم الإسلامي كله أن الحنابلة كلهم متشددون، الحنفية متساهلون، مع أنهم في بعض الأبواب الحنفية أشد من الحنابلة، في باب الأطعمة الحنفية أشد من المالكية، في باب الأشربة المالكية أشد من الحنفية، وهكذا، ما تجد عالم، عالم يعني يستحق هذه الكلمة تجده متساهل في كل شيء أو متشدد في كل شيء، يُسيِّره الدليل، إذا ترجح عنده في هذه المسألة أو في هذا الباب من أبواب العلم والدين أن نصوص التيسير والتسهيل أو التشديد، والمسألة مفترضة في شخص من أهل الاجتهاد، من أهل العلم، وفي الجملة يعني لا يقبل قول المفتي ما لم يضم للدين والعلم الورع: وليس في فتواه مفت متبع ما لم يضف للدين والعلم الورع أما إذا كان ما عنده ورع، ما يتورع في أن يقول ما شاء متى شاء؟ وكيف شاء؟، ومتى طلب منه، هذا ما هو عالم هذا، هذا ليس بقدوة هذا.
  • ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾    [سبأ   آية:١٣]
وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ النعم تشمل نعم الدين ونعم الدنيا، والنعم المتعلقة بالدين أعظم من نعم الدنيا بلا شك، فإذا بلغ الإنسان ما يسره في دينه من انتصار للمسلمين، أو هزيمة للكفار، أو دخول أقوامٍ في الإسلام، أو التزام بعض الأشرار، أو صدور قرار ينفع الإسلام والمسلمين مثل هذه يسجد لله شكراً هذه نعم. فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما كتب له علي بإسلام أهل اليمن قرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خر ساجداً شكراً لله تعالى على ذلك، والحديث أصله في البخاري واللفظ عند البيهقي. وقد سجد كعب بن مالك لما أنزل الله توبته، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأحاديث في الباب كثيرةٌ جداً، فعلى المسلم أن يشكر الله -جل وعلا- عند تجدد النعم، ونعم الله لا تعد ولا تحصى، يتقلب المسلم في النعم ولا يلقي لها بالاً {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فليحرص الإنسان أن يكون من هذا القليل، فإذا تجددت عليه نعمة في أمر دينه أو في أمر دنياه يسجد لله -عز وجل-؛ لكي تتتابع عليه النعم، ولا يكون من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، ولا يلزم من الكفر الخروج من الإسلام لا، الكفر كفر النعمة، والله أعلم.
  • ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾    [المؤمنون   آية:٢]
الخشوع. الخشوع قالوا: هو الخضوع أو قريب منه، ويكون بالقلب والجوارح، الخشوع أمر مطلوب؛ بل هو لب الصلاة، وبقدره ينال المصلي النسبة من صلاته، فإذا خشع في صلاته وأحضر قلبه وتمثل أنه قائم بين يدي ربه وخالقه المتصرف فيه، مخبتاً متذللاً خاضعاً ينال من ذلك النسبة المناسبة لنسبة الخشوع في القلب، وبعدمه -بعدم الخشوع- ينقص، أو بنقص الخشوع ينقص ثواب الصلاة، ولذا جاء في الحديث: ((قد ينصرف الرجل من صلاته وليس له إلا ربعها... أو عشرها)) لماذا؟ لأنه لم يستحضر، لم يعقل من صلاته إلا هذه النسبة، فماذا عمن لم يعقل في صلاته شيئاً؟ دخل في الصلاة وخرج وكأنه لم يصلِ، ما عقل من صلاته شيء، لكنه جاء بالصلاة بجميع شروطها وأركانها وواجباتها، جاء بجميع ذلك، بالشروط والأركان والواجبات، صلاته صحيحة مجزئة مسقطة للطلب أو باطلة؟ ما عقل من صلاته شيء، وقل مثل هذا في العبادات، يعني شخص شرع يقرأ القرآن وما عقل من قراءته شيء، بدأ بالسورة وفرغ منها ودخل بالتي تليها وخرج منها ما يدري هو قرأ هذه السورة أو لم يقرأها، وهذا كثير وملاحظ، كثير ممن يصلي كثير ممن يقرأ بهذه الصورة، يدخل المسجد وذهنه مشغول مشوش بأمور دنياه، دعنا ممن هو مشغول بأمور الدين، فقد كان عمر -رضي الله عنه- يجهز الجيوش وهو في الصلاة، لا يدخل هذا في هذا، يحصل التشريك، عبادة بعبادة، لكن هل هذا مؤثر في الصلاة أو غير مؤثر؟ تشريك عبادة بعبادة؟ نعم؟ يعني شخص يسمع قراءة الإمام والإمام يبكي ومن حوله يبكون وهو يبكي لكن هم يبكون متأثرون بالقراءة، وهو يبكي متأثر من أوضاع المسلمين مثلاً، متألم لأوضاع المسلمين متأثر بأحوالهم، يؤثر في صلاته أو لا يؤثر؟ نعم؟ يعني هذا خلط عبادة بعبادة، عمر -رضي الله عنه- يجهز الجيوش وهو في الصلاة، هذا يسمونه تشريك لكنه تشريك عبادة بعبادة، لا شك أنه مؤثر في صلاته. شخص -وهذا حصل- يصلي في الدور الثاني في الحرم والإمام يقرأ في صلاة التهجد ويبكي ويبكي من حوله وهو يبكي لا لقراءة الإمام، يرى الطائفين ويتصور يوم العرض، اليوم الآخر، الناس يموج بعضهم في بعض، هذا تشريك، ولا شك أنه غفلة عما هو بصدده؛ لكنه غفلة إلى أين؟ ولا شك أن هذا مؤثر في الصلاة؛ لكن ليس تأثيره مثل تأثير من قلبه معلق بمتجره، هذا يختلف، وهذا أسهل بكثير ممن قلبه متأثر منشغل بمعاصي، يخطط لمعصية وهو في الصلاة هذا أمره عظيم. وقد مدح الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين بأنهم في صلاتهم إيش؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [(2) سورة المؤمنون] وجاء في الحديث: ((أول ما تفقدون من صلاتكم)) -إيش؟- ((الخشوع)) من يلاحظ حال الناس اليوم وقبل اليوم يجد أن هذا القدر المهم الذي بقدره يكون مقدار الصلة بين العبد وبين ربه، كيف يتلذذ إنسان بمناجاة ربه وقلبه غافل؟ كيف يتلذذ؟ يوجد خلط، نعم يوجد خلط في الفهم الصحيح للصلاة وغيرها من أمور الدين، تجد الإنسان ذهب إلى عمل خيري، من الأمور المطلوبة شرعاً من المستحبات، لكن عاقه هذا عن فعل..، عن صلاته مثلاً، انشغل بأمر مستحب ليس من أعمال الصلاة، ذهب لتحصيله وتشوشت نفسه عليه فما عقل من صلاته شيء، لا بد أن يعيد حسابه، الواجب أهم من النفل، الواجب أهم من النفل، فعلى الإنسان أن يتحسس هذا القلب، ويسعى جاهداً في تصفية هذا القلب، ولا أنفع للقلب من قراءة القرآن على الوجه المأمور به، ملازمة الذكر، صدق اللجأ إلى الله -سبحانه وتعالى-، والانكسار بين يديه والانطراح بين يديه، لاسيما في الأوقات التي تكون فيها فراغ البال، لا يجي من عمله ثم يقول: الله أكبر، هذا طيب؛ لكن ما تكون الآثار المترتبة على هذه العبادة مثل ما لو ارتاح من هموم الدنيا ثم أقبل عليها؛ لكن هذا يتصور فيمن همه الآخرة، أما إذا كان همه الدنيا والآخرة مجرد إسقاط واجب، هذا ما يفلح في الغالب، ليس معنى هذا أنه ما يفلح أنه يلزم عليه أنه يعذب- لا- يمكن المسألة فوق ذلك، يعني شخص يتلذذ بمناجاة الله -عز وجل- مثل هذا لا بد أن يعالج، هذا يحتاج إلى علاج.
  • ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ ﴿٤٨﴾    [الشورى   آية:٤٨]
التربية في زماننا في غاية العسر. يوجد في بعض البيوت من لا يأمر ولا ينهى، فينشأ الصغير على هذا ويشب عليه، ويكون أمر العبادة كأنه لا يعنيه حتى إذا كبر، وهذا واضح في بيوت المتدينين يعرفون الأحكام، وإذا نُشّؤوا على الخير نشأوا عليه، وفي شاب من أولاد المشايخ من المفرطين من المتساهلين بلغ إلى حدود العشرين وهو ينام النهار كله، ويجمع الصلوات، لكنه ضابط للأذكار أذكار الصباح والمساء؛ لأنه عود عليها، ومرن عليها، ونشئ عليها، ونعرف كبار الشيب في لحاهم ورؤوسهم ومع ذلك لا يعرفون الأذكار لأنهم ما نُشّؤوا عليها، وكذلك في الفروع الأخرى مما ينبغي أن يعنى به الأب في تربية أولاده. وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه قد يقول قائل: من أننا فجأة نرى ابن بعض الناس العاديين نجده ملتزم، وطالب علم، وحريص على العلم، وحريص على العبادة، بينما نجد العكس من بعض أولاد المشايخ وطلاب العلم، نقول: الهداية بيد الله، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، والحكمة الإلهية من ذلك ظاهرة؛ لئلا يقول: اهتدى ولدي لأني ربيته على علم عندي، ينسب ذلك لنفسه؛ ولئلا يقال: ضل فلان لأن والده لم يفعل السبب أو لأنه ما بذل السبب المطلوب، وينظر بعض العامة إلى أولاد المشايخ وطلاب العلم وإلى أهليهم ثم يرمونهم بالتقصير، يقولون في بعض الكبار: إنه لو كان فيه خير لنفع أولاده، نفع نساءه وبناته، لو فيه خير! وش الفرق بين امرأة فلان العالم الفلاني وامرأة جاره؟ ما فيه فرق، هذا ما نفعهم، فكيف يتصدى لنفع الناس وقد ضيع من أؤتمن عليهم؟! وما يدريهم أن هذا يحترق، يتقطع قلبه أساً وحزناً على أولاده ونسائه، وبذل من الأسباب الشيء الكثير، حتى أن منهم من إذا ذكر عنده هذا الأمر يبكي وهو من الكبار! لكن عجز، بذل السبب والنتيجة بيد الله، وإذا نظرنا إلى ما تقدم من حديث: ((النبي يأتي وليس معه أحد)) هل نقول إن هذا قصر؟! النبي يأتي معه الرجل والرجلان أين بقية الناس؟! ما بذل السبب في هدايتهم؟ بذل السبب؛ لكن {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [(48) سورة الشورى] {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [(54) سورة النــور] والأب ما عليه إلا التوجيه، ويفعل ما يستطيعه من بذل للمعروف ونهي عن منكر بقدر استطاعته، والظروف التي نعيشها فيها شيء من الاضطراب، أحياناً الإنسان يحتاج إلى اللين فإذا جربه إذا به لا يجدي، وأحياناً يحتاج إلى الشدة فإذا جربها لم تجد، التربية في غاية العسر في هذه الأيام؛ لأن الأب لا يستقل بتربية أولاده، والذي يتولى تربيتهم أكثر منه غيره، يعني يخرج من البيت في السادسة أو السابعة إلى ما بعد صلاة الظهر هذا ربع الوقت راح، ليس للوالدين فيه نصيب؛ إنما إن يسر الله له معلماً ناصحاً مخلصاً أو الضد، فالتربية بيد غيره، إذا خرج من البيت يحتاج إلى أن يرتاح، يحتاج إلى أن يلعب و يلهو، ثم تتلقفه وسائل الإعلام، وتؤدي دورها ونفوذها في قلوب الناس أشد من نفوذ غيرها من الوالدين وغيرهما. فعلى الإنسان أن يبذل السبب، وأن يلح في الدعاء إلى الله -جل وعلا-، بعض الكتاب المعاصرين بلغت به الوقاحة إلى أن قال: إن نوحاً -عليه السلام- فشل في دعوته لأنه دعاهم تسعمائة وخمسين سنة ولا استطاع أن يؤثر فيهم، حتى أقرب الناس إليه، امرأته وولده أقرب الناس إليه، ما استطاع أن يؤثر فيهم فهو فاشل في هذا -نسأل الله العافية-، ما يدري أن أجره موفور عند الله -جل وعلا-، وقد أدى ما عليه، وأما كونهم يهتدون أو لا يهتدون هذا بيد الله، والله -جل وعلا- يقول لنبيه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] حرص على هداية عمه ولكنه لم يستطيع، القلوب بيد الله -جل وعلا-، يقول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فشل في دعوته في مكة والطائف ونجح في المدينة هذا -نسأل الله العافية- سوء أدب، وقاحة، وقد يكون وراءه ما وراءه من الأفكار التي جعلته يقول مثل هذا الكلام؛ لأن مثل هذا الكلام لا يقال من فراغ، ولا يمكن أن يقول الإنسان هذه الكلمة من أول الأمر، يعني رجل مستقيم صحيح العلم والعمل ثم مفاجأة يقول هكذا، لا، يعني بشر المريسي متى وصل إلى أن يقول: سبحان ربي الأسفل؟! يعني: هل قالها بمجرد أنه قال بالقول بنفي العلو ونفي الصفات مباشرة قال هذا؟! لا، لا، قبله مقدمات كثيرة، كل مصيبة وكل سيئة تجر إلى ما بعدها، إلى ما وراءها بالتدريج، يعني قتل الأنبياء من قبل بني إسرائيل يعني ما جاء مباشرة، معلل {وذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(61) سورة البقرة] كان هناك معاصي سهلت لهم بالتدريج شيئاً فشيئاً إلى أن وصلوا إلى هذا الحد.
  • ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿٢٣٥﴾    [البقرة   آية:٢٣٥]
الصيام يُنمِّي ملكة المُراقبة. وليس الصِّيامُ في الإسلام من أجلِ تعذيب النَّفس؛ بل لِتربيتها وتزكِيَتها، والصِّيامُ أيضاً يُنمِّي لدى الصَّائم مَلَكَة المُراقبة، فهو ينتهي عن مَلاذِّ الدُّنيا وشهواتِها، وما يمنعُهُ من ذلك سوى إطلاعُ الله تعالى عليه ومُراقبتُهُ لهُ، لا جَرَمَ أنَّهُ يحصُلُ لهُ من تَكرارِ هذه المُلاحظة المُصاحِبَةِ للعمل مَلَكَة المُراقبة لله تعالى والحياءُ منهُ سُبحانهُ أنْ يراهُ حيثُ نهاهُ، و إلاّ فما الذِّي يمنع الَّصائِم أنْ يدخُل في مكانٍ ويستخفي عن النَّاس ويأكُل ويشرب؟؛ لكن هذهِ المَلَكة هو يعرف أنَّ الله -جلَّ وعلا- مُطَّلع عليه، فمن تكرار هذه العبادة مع الالتزام بعدم المفطرات مع الخلوة لا شكَّ أنَّهُ تنمي عندهُ هذهِ المَلَكة، وفي هذهِ المُراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمِهِ وتقدِيسِهِ أكبر مُعدٍّ للنُّفُوس ومُؤهِّلٍ لها لِضبطِ النَّفس ونزَاهَتِها في الدُّنيا وسعادتها في الآخرة، والمُراقبة كما قال ابن القيم في مدارج السالكين: "دوامِ علمُ العبدِ وتَيَقُّنِهِ بإطلاع الحقِّ سُبحانهُ وتعالى على ظاهِرِهِ وباطِنِهِ"، وهي ثمرةُ علم الإنسان بأنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- رقيبٌ عليهِ، نَاظِرٌ إليهِ، سامِعٌ لقولِهِ، وهو مُطَّلِعٌ على عَمَلِهِ في كُلَّ وقتٍ وكُلَّ لحظة، وكُلَّ نَفَس وكُلَّ طرفة عين والغافلُ عن هذا بمعزل، ومن أدِلَّتِهِ قولهُ تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، وقال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} [الأحزاب: 52]، وقال -جلَّ وعلا-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] إلى غير ذلك من الآيات، في حديث جبريل -الذِّي تقدَّم شرحُهُ- في سُؤالِهِ عن الدِّين سأل النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- عن الإحسان، فقال لهُ: ((أنْ تعبُد الله كأنَّكَ تراهُ؛ فإنْ لمْ تكُن تراهُ فإنَّهُ يراك))، والمٌراقبة كما قال ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- هي: "التَّعبُّد بأسماءِ الله الحُسنى" الرَّقِيبْ، والحفيظ، والعليم، والسَّميع، والبصير، فمن عقَل هذهِ الأسماء وتعبَّد بمُقتضاها حصلتُ لهُ المُراقبة ، يعني التَّعبُّد لله -جلّ وعلا- بِمعاني هذهِ الأسماء هو معنى الإحصاء الذِّي ورد في حديث الأسماء: ((من أحصاها دخل الجنة)) وش معنى أحصاها؟ عَدَّها وكتبها في ورقة وردَّدها؟ هذا الإحصاء؟! لا بُدَّ من العمل بمُقتضاها؛ فإذا عَمِل بمُقتضى الرَّقيب والحفيظ السَّميع العليم البصير حَصَلت لهُ هذهِ المُراقبة.
  • ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ﴿٨٥﴾    [النساء   آية:٨٥]
اشفعوا تُؤجرُوا. إنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- كان إذا أتاهُ سائل أو طالب حاجة، قال: ((اشفعُوا تُؤْجروا)). النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- من حِرْصِهِ على أنْ يَكْسِبَ المُسْلِمُون الأجر والثَّواب يقُول مثل هذا الكلام، وإلاّ قد يقول قائل: كيف تقول يعني لو دخل واحد على رئيس مصلحة أو مُدير دائرة وأنت جالس عنده ثم جاء واحدٍ يُقدِّم طلب يعني تستسهل أنْ يقول لك يا فُلان انْفع نفسك اشفع لصاحبك، قد يقول صاحب الطَّلب والجالس اقبل حاجة من دون شفاعة، يعني ما يقول بلسان مقالِهِ أو حالِهِ، إذا كُنت تُريد أنْ نَشفع اقْضِها بدون شفاعة؛ لكنْ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- من حِرْصِهِ ونُصْحِهِ لِأُمَّتِهِ يقول مثل هذا الكلام؛ لأنَّ الشَّفاعة ما تكلّف شيء ((اشفعوا تُؤجروا ويقضِ الله على لسان رسوله ما شاء)) النتيجة ليست بيدك، كثير من النَّاس أُوتِي جاه فَيَأْتِيهِ المُحتاج لِيَشفع لهُ عنْد فُلان وعَلاَّن، ويقول والله يا أخي عَجِزْنَا عنهُ هذا كِتَبْنا لهُ مِرَاراً ما اسْتَفَدْنا، يا أخي اكتب! ألا تريد الأجر؟ يَقْضِي الله على لسان مَخْلُوقِهِ ما شاء، طَلَبْ ولاّ ما أَجَاب قُبِل ولاّ مَا قُبل هذا ليس لك، النَّتَائِج ليس بيدك، أنْتَ مَأْمُور بالشَّفَاعة، {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النِّساء / 85]؛ فالشَّفاعة لا تُكَلِّفُ شيئاً هي مُجَرَّد كلمة، والآنْ بعد ما يحتاج إلى أنْ تَلْبَس حِذَائِك وبِشْتِك وتُرُوح تِشْفَع، لا إمَّا تِلِفُون أو وَرَقَة اكْتُب وأنْت جالس وتُرُوح يَثْبُت لك هذا الأجر، ونَعْرِف من سَادَ الأُمَّة لا بِقُوَّتِهِ ولا بِمَالِهِ ولا بشيء بمثل هذه الشَّفَاعَات؛ لأنّ بعض النَّاس يتصور أنَّهُ كُل ما كتب تهبط قيمتُهُ، ينزل مُسْتَواه وما أشبه ذلك، لا لا أبداً العكس، الذِّي يَتَولَّى الشَّفاعة للنَّاس لا شكَّ أنَّ الله -جلَّ وعلا- يَرْفَعُهُ في الدُّنيا والآخرة، النَّووي -رحمهُ الله- كان صاحب شَفَاعَات من جاءَهُ كَلَّم عنهُ الوُلاة وكَتَب، ويَسْمَع أَحياناً ما يَسُرُّهُ وأحياناً ما يَسُوءُهُ، يَضِيرُهُ شيء؟! يحصل له الأجر والباقي على الله، بعث له الوالي مرَّة من المرَّات، قال: لا تَشْفَع لِأَحَد، فَجَاءَهُ شخص شفع لهُ، ثاني شفع لهُ، لمَّا نَظَر الوالي وين المَسْأَلة؟ اعْتَرَفْ بِأَنَّ أَمْرَهُ لله، ولاّ بعض النَّاس إذا جَاءَهُ مثل هذا الكلام الخَشِن تَأْخُذُهُ العِزَّةُ بِالإِثْم ويَيْأَس وخلاص انتهى كُل شيء بالنِّسْبَةِ لهُ؛ لكنّ النَّووي أَعَادَ الشَّفَاعة، أعاد الشَّفاعة، ثُمّ قال الوالي: أَشْهَدُ أنَّهُ يَشْفَعُ لله، فَأَجَاب طلبهُ، وصار لا يَرُدُّ لهُ طَلَب، وَأَدْرَكْنَا من الشُّيُوخ مَن يَشْفَع للصَّغِير والكَبِير عِنْدَ الكَبِير والصَّغِير، ورَفَعَ الله -جَلَّ وعلا- مَنْزِلَتَهُ فِي الدُّنيا والآخرة، والآخرة اللهُ أعلمُ بِها؛ لكنْ هذا الذِّي يَغْلِبْ على الظَّن، امْتِثَالاً لهذا الحديث: ((اشفعوا تُؤجروا))، يعني ما الذِّي يَضِيرُك أنْ تُكَلِّم فُلان أو عَلان مِنْ أَجل فُلان؟ وإذا كانت هذه الشَّفاعة أيضاً فيما يُقَرِّبُ إلى الله -جَلَّ وعلا- كُنتَ مِمَّن دلَّ عليه، ولك نصيبٌ من هذا الأَجر، شَرِكْتْ صَاحب هذا الأجر ((اشفعوا تُؤجروا ويقضِ الله على لسان رسوله ما شاء)) النَّتَائِج ليست بيد الشَّافع ولا المَشْفُوع لهُ ولا المَشْفُوع عنده، الله -جلَّ وعلا- هو المُعْطِي وهو المَانِع: ((إنما أنا قاسمٌ واللهُ المُعطِي)) اشْفَع لفُلان يُعْطَ من بيت المَال كَذا أو يُعْطَ من مَال فُلان التَّاجِر كذا، الله المُعطِي -جَلَّ وعلا-، المَسْأَلَة لَيْسَت مُلْزِمَة؛ لكنْ أَنْتْ احْصَلْ عَلَى الأَجْر المُرَتَّبْ على الشَّفَاعة في هذا الحَدِيث الصَّحِيح، وعَادْ كُوْنُهُ يُجَابْ أو لا يُجَابْ تَمَنَّ أنْ يُجَابْ طَلَبْك تَمَنَّ وتَرْجُو ذلك، إِذَا لمْ يُجَبْ حَصَلَ لكَ الأَجْر وتَحْقِيقُهُ والمُسَبِّب هو الله -جَلَّ وعَلا- هو الذِّي يُرَتِّبْ المُسَبِّبَات على أَسْبَابِها، والله المُسْتعان.
إظهار النتائج من 1501 إلى 1510 من إجمالي 3182 نتيجة.