عرض وقفات احكام وآداب

  • ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴿٣٢﴾    [النجم   آية:٣٢]
تزكية النَّفس التزكية المنهي عنها هي مدح النفس، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] النفس تتشوف وتشرأب إلى المدح، فإن وجد من غيرها فرحت به، وإن لم يوجد بعض الناس لا يصبر، إذا لم يمدح مدح نفسه، وهذا من الضعة بمكان عظيم؛ لأن الناس ينفرون من تزكية النفس، الواحد إذا مدح نفسه نفر الناس عنه، ومع ذلك يقدم بعض الناس بكل صفاقة يمدح نفسه، ويثني عليها، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] قد يحتاج الإنسان إلى ذكر بعض محاسنه، لا سيما إذا ظُلم، ابن عمر -رضي الله عنهما- لما وصف بالعي قال: "كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟!" ويحتاجون إلى المدح أحياناً في مقابلة الذم بغير حق، دفاعاً عن النفس، لا لذات النفس، ولا لحظ النفس؛ إنما ليقبل ما يصدر عن هذه النفس، لو أن عالماً ذُم على الجميع أن يدافع عنه، يدافع عن عرضه؛ لكن عليه أيضاً أن يبين ما يبطل هذا الذم، ولو كان في فحواه ما يقتضي المدح، {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] فمثل هذا لا يدخل في النهي، بعض الناس يحب أن يمدح ويزكى ويثنى عليه، فإن كانت محبته للثناء عليه بما ليس فيه، وما لم يفعله فهو مذموم قولاً واحداً، {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} [(188) سورة آل عمران] أما إذا مدح إذا كان يحب أنْ يُمدح ويثنى عليه بفعله فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يطرد، ويقول: حب الثناء مذموم على كل حال، ومنهم من يفهم من آية آل عمران أنه لا يدخل في الذم، وعلى كل حال مدح النفس، ومحبة الثناء والمدح خدش في الإخلاص، وقد تقضي عليه، ولذا يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه بسكين يقينك وعلمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الأعرابي: "أعطني يا محمد، فإن مدحي زين، وذمي شين" قال: ((ذاك الله)) ما في هناك أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنه في حال المسلمين الآن على كافة المستويات الفرح بالمدح من الكبير أو الصغير، من الشريف أو الوضيع، فضلاً عن أن يقال لفلان من الناس: إن الملك ذكرك البارحة وأثنى عليك، أو الوزير الفلاني أو الأمير، يمكن ما ينام بعد هذه المدحة فرحاً، مع أنه جاء في الحديث الصحيح: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) من الذي يذكر؟ الله -جل وعلا-، الذي ينفع مدحه ويضر ذمه، ((ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) فعليكم بالذكر، اذكروا الله يذكركم، هذا بالنسبة لمدح النفس وتزكيتها المنهي عنه.
  • ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾    [الأحزاب   آية:٥٦]
إفراد الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- دون السلام. الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- جاء الأمر بها في قوله -جلا وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، ولا يتم امتثال الأمر في الآية حتى يصلي ويسلم، أما الاقتصار على الصلاة دون السلام، أو السلام دون الصلاة، فلا يتم الامتثال بذلك، ومن ذلك ما جاء في (المنظومة البيقونية): (مصليًا على *** محمد خير نبي أرسلا)، فلم يسلّم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك الإمام مسلم –رحمه الله- أفرد الصلاة دون السلام، فصرح النووي –رحمه الله- في مقدمة (شرح مسلم) بكراهة إفراد الصلاة دون السلام، وابن حجر خص الكراهية بمن كان ديدنه ذلك، يصلي باستمرار ولا يسلم، أو يسلم باستمرار ولا يصلي، أما من كان يجمع بينهما تارة، ويفرد أحدهما تارة، فلا تتناوله الكراهة، وعلى كل حال امتثال الأمر لا يتم إلا بالجمع بينهما.
  • ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٤٦﴾    [فصلت   آية:٤٦]
العناية بحفظ اللسان: ينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وغير المحرم كذلك. قال -صلى الله عليه وسلم-: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» [الترمذي: 2317]، والمحرم من باب أولى. وجاء الحث على حفظ الجوارح في الحج، وأيضًا في سائر الأحوال والأوقات والأزمان، لكنه بالنسبة للحاج أولى؛ ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. كما يقال أيضًا مثل هذا بالنسبة للصائم. وكثير من الناس تسول له نفسه، أو تمنيه أن يسلك هذا المسلك إذا حجّ، لا سيما وأن الحجّ يمكن أن يؤدّى بأربعة أيام. فيقول الإنسان بإمكانه أن يملك نفسه، ويملك جوارحه خلال الأربعة الأيام. لكن الواقع يشهد بضده ولو حرص الإنسان ما دامت أيامه معمورة بالقيل والقال فإنه لن يستطيع أن يملك نفسه في هذه الأيام. ولو اعتزل ولم يأته أحد لذهب يبحث عن من يتكلم معه فيما كان يتكلم به طول حياته وأيام رخائه، وقد وُجد من يغتاب الناس عشية عرفة، ووُجد من يسبّ الناس ويشتمهم عشية عرفة؛ لأنه مشى على هذا طول حياته، ولم يتعرف على الله في الرخاء ليعرفه في مثل هذه الشدة. ووجد من يتابع النساء في عرفة؛ لأنه في سائر أيامه مشى على هذا. ويوجد من ينام عشية عرفة إلى أن تغرب الشمس؛ لأنه مفرط في بقية أيامه، والجزاء من جنس العمل، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [سورة فصلت: 46]، هذا ما قدمت يداك، وهذا ما جنيت على نفسك. فعلى الإنسان أن يحرص على حفظ جوارحه طول حياته، ليُحفظ في مثل هذه الأيام. وقد وجد من يغتاب في الاعتكاف، ووجد من ينام عن ليلة ترجى أن تكون ليلة القدر وهو معتكف؛ لأنه طول أيامه على هذه الحالة. وإذا كان المعتكف ديدنه التأخر عن الصلوات، وهذا أمر مشاهد ومجرب، نسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عن الجميع، ثم خرج بعد أن أعلن عن الشهر، مغرب آخر يوم من رمضان، فإنه في الغالب إذا كانت تفوته شيء من الصلوات في شعبان، أن تفوته العشاء، أو يفوته شيء منها ليلة العيد، وهو الآن خرج من المعتكف؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء. ونعرف أناس -ولله الحمد- لا فرق عنده بين عشية عرفة وغيره، ولا بين الاعتكاف وغيره، هذا حاله على طول العام. ولو قيل له: إن الروح تخرج الآن، لا يمكن أن يزيد تسبيحه. وهذا موجود -ولله الحمد- والخير في أمة محمد، وما زال فيها. لكن الإشكال في عموم الناس، لا سيما كثير من طلاب العلم، والله المستعان.
  • ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾    [التكاثر   آية:١]
الزيارة الشرعية للقبور. يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:(وزيارة القبور على وجهين زيارة شرعية وزيارة بدعية). والزيارة الشرعية التي جاء الحث عليها: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» [ابن ماجة: 1569]، وجاء أيضًا: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» [مسلم: 977]. ولا شك أن زيارة القبور والنظر إليها والتأمل في أحوال المقبورين ومآلهم، لا شك أنه يورث في القلب إنابة وخشية لله -جلّ وعلا-، ويحثه على العمل الصالح، ويكفه عن العمل السيء، وهذا الأصل في القلب الحي. لكن مع الأسف أننا جربنا هذا وجربه غيرنا فوجدنا الجدوى ضعيفة جدًا. وذكر القرطبي المفسر في تفسير قوله تعالى: {ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1، 2] ذكر شيء من حال السلف في هذا الموضع، وإذا عرضنا عليه أحوالنا نجد أننا لا شيء بالنسبة لهم. والقلب لا شك أنه في أول الأمر إن كانت فيه حياة أنه يتأثر، ثم بعد ذلك إما أن يزداد هذا التأثر أو ينقص، على حسب حياة هذا القلب و موته. فبعض الناس كل ما زاد تردده على هذه القبور زاد تأثره وزاد تأمله. ومنهم من إذا تكررت منه الزيارة خف أمرها وقل شأنها. ويحدثنا بعض الناس يقول: أنا لا أفرق بين القبر، وبين حفرة غيار الزيت. يعني هذا سواء نطقنا به، أو لم ننطق به، فهذا هو الواقع، ونجد هذا من أنفسنا مع الأسف. ولا شك أن هذا القلب يحتاج إلى بعث من جديد، يحتاج إلى إحياء هذا الميِّت. والحسن البصري يقول: تفقد قلبك في ثلاثة مواطن: (عند قراءة القرآن، وفي الصلاة، والدعاء، إن وجدته وإلا فاعلم أن الباب مغلق)، وهذا حالنا، نسأل الله -جلّ وعلا- أن يحيي قلوبنا. فرق بين حال الناس اليوم وبين حالهم قبل ثلاثين سنة أو أكثر من ذلك، يعني بعد انفتاح الدنيا تغيّر الناس تغيرًا كبيرًا جدًا. الصحابة -رضوان الله عليهم- أنكروا قلوبهم بعد أن نفضوا من دفن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لماذا؟ لأنهم يرون في المشاهدة والواقع ما يتأثرون به، نعم يتأثرون بما تركه من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن ليس الخبر كالعيان. كان الناس قبل ثلاثين سنة وهذا شيء أدركناه، بعض الناس إذا رأى الجنازة صار له مدة تتراءى له في النوم، وبعضهم لا يخرج في ذلك اليوم ويحصل له من الأثر ما يحصل، والآن لا فرق. ومن الطرائف التي تذكر مع شديد الأسف أنك تجد العامل في ثلاجة المقبرة يضع بعض أمتعته مع الميت حتى تبرد، إما مشروب، وإما شيء آخر، أين القلوب؟!، والله المستعان. والزيارة الشرعية للقبور التي جاء الحث عليها يقصد منها نفع الميت، وانتفاع الزائر. يقول ابن تيمية: (فالشرعية المقصود بها السلام على الميت والدعاء له كما يقصد بالصلاة على جنازته فزيارته من جنس الصلاة عليه) هذا نفع للميت. والزائر ينتفع بتغيّر حاله ووضعه إذا رأى القبر. وعثمان -رضي الله عنه- إذا رأى القبر بكى بكاء شديدًا، فيقال له: أنت ترى ما هو أعظم من ذلك؟ قال: هذا أول المنازل. فهذه المرحلة الحاسمة الفاصلة، وهذا مفترق الطرق، فإما يمين أو شمال وليس هناك غيرهم. والقرطبي -رحمه الله تعالى- يقول: إذا كانت زيارة القبور لا تؤثر فيك فاحرص على حضور المحتضرين. فإن حالهم ووضعهم مؤثر، يؤثر حتى في القلب المريض. لكن ماذا عمن لا يتأثر ولا في هذه الحالة؟!، يمر بالحوادث ويرى الناس تجاذبهم أرواحهم، ويلفظون أنفاسهم وكأن لا شيء. القلوب دخلها ما دخلها بعد انفتاح الدنيا، وهذا شيء ملاحظ. قد يقول قائل: الناس فيهم خير، وكثر العلم وكثر طلاب العلم، وكثر رواد المساجد. لكن هذه صور ظاهرة والله -جلّ وعلا- لا ينظر إلى الصور الظاهرة، إنما ينظر إلى القلوب والأعمال. والقلوب تأثرت بلا شك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «فو الله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا» [البخاري: 3185] وهذا هو الحاصل لما فتحت الدنيا. نعم الأبدان مقبلة ولله الحمد، لكن يبقى أن المعوَّل على القلوب.
  • ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾    [الأنبياء   آية:٣٥]
المَخْرَجْ مِنَ الفِتَنْ الأُمَّةُ الآنْ تُفْتَتَنْ وتُمْتَحَنْ وتُخْتَبَر؛ لِيُنْظَر مَدَى تَمَسُّكِها بِدِينِهَا، اللهُ -سُبْحَانَهُ وتَعَالى- يَفْتِنْ؛ لِيَخْتَبِرْ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء/35]، {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه/40] ويَفْتِنْ ويَخْتَبِرْ ويَبْتَلِي الخَلْقْ بَعْضَهُم بِبَعْضْ، فَالفَاتِنْ مِنَ الخَلْقْ بِإِذْنِ اللهِ -عزَّ وجل- وَإِرَادَتِهِ، ولا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ إِرَادَتِهِ، آثِمْ إِنْ لَمْ يَتُبْ {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البُرُوج/10] والمَفْتُونْ: الطَّرَفْ الآخَرْ، وهُو الأُمَّةُ الإِسْلامِيَّة فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفْ، الفِتْنَة لهَا سَبَبْ، وهُو إِدْبَارُهَا عَنْ دِينِهَا، إدبارها عن دينها، هَذَا هُوَ السَّبَبْ, فُتِنَّا وابْتُلِينَا بِأَعْدَائِنَا؛ والنَّتِيجَة إنْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذِهِ الفِتَنْ، وَرَجَعْنَا إِلَى دِينِنَا؛ صَارَتْ الفِتْنَةُ خَيْراً لَنَا، وإنْ اسْتَمَرَّ بِنَا الغَيُّ والضَّلالْ؛ صَارَتْ سُوءاً عَلَى سُوءْ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [الأنبياء/35]، ابْتُلِينَا سِنِينْ؛ بَلْ عُقُودْ فِي هَذِهِ البِلادْ وغَيْرِهَا بِالجُوعْ، والخَوْف، والقَتْل، والنَّهْب؛ وثَبَتَ أَكْثَرُ المُسْلِمِينْ عَلَى دِينِهِم، فَلَمْ يَتَنَازَلُوا لا عَنْ دِينْ ولا عِرْضْ، ثُمَّ ابْتُلُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِالسَّرَّاءْ فَفُتِحَتْ عَلَيْهِم الدُّنْيَا التِّي خَشِيَهَا النَّبِي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- عَلَى أُمَّتِهِ ((والله لا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُم؛ ولَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْكُم الدُّنْيَا كَمَا فُتِحَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ؛ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا؛ فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ)) وهَذَا هُو الحَاصِلْ، فُتِحَتْ عَلَيْنَا الدُّنْيَا؛ فَحَصَلَ الخَلَلْ الكَبِيرْ الابْتِلاء بِالشَّرْ, الابْتِلاء بِضِيقِ ذَاتِ اليَدْ بِالفَقْرْ يَتَجَاوَزُهُ كَثِيرٌ مِن النَّاسْ؛ لَكِنْ الابْتِلَاءْ بِالسَّعَة وانْفِتَاحْ الدُّنْيَا والغِنَى هَذَا قَلَّ مَنْ يَتَجَاوَزُهُ؛ وَلِذَا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ الخَلَلْ الكَبِيرْ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ عَلَيْنَا الدُّنْيَا وهَذَا أَمْرٌ تُشَاهِدُونَهُ، النِّعَمْ كُفِرَتْ عَلَى كَافَّة المُسْتَوَيَاتْ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ الله-، لَوْ نَظَرْنَا إِلَى وَاقِعْ عُمُومْ المُسْلِمِينْ عَامَّةُ النَّاسْ، وَجَدْنَاهُمْ لَمَّا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ الدُّنْيَا؛ فَرَّطُوا فِي أَمْرِ الله -عَزَّ وَجَل-، وتَنَكَّبُوا عَنْ الجَادَّة، وقُلْ مِثْلَ هَذَا فِي بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبْ إِلَى العِلْم، وبَعْض مَنْ يَنْتَسِبْ إِلَى طَلَبِ العِلْمْ فِضْلًا عَنْ عِلْيَةِ القَوْمْ!!! ابْتُلِينَا فَمَا شَكَرْنَا, ابْتُلِينَا بِالضَّرَّاءْ فَصَبَرْنَا والحَمْدُ لِله، وتَجَاوَزَ أَهْلُ هَذِهِ البِلَادْ وغَيْرهم مِنْ بِلَادِ الإِسْلامْ تَجَاوَزُوا فِتْنَة الضَّرَّاءْ فِي عُقُودٍ مَضَتْ، ثُمَّ تَوَالَتْ عَلَيْهِمْ النِّعَمْ فَلَمْ يَتَجَاوَزُوهَا، وتَنَكَّبُوا عَنْ الجَادَّة، وبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، هَذَا الوَاقِعْ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم/28] فحَلَّ البَوَارْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَصْقَاعِ الأَرْضْ؛ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ المُسْلِمِينْ، فَنَحْنُ بِحَاجَة إِلَى أنْ نَرْجِعَ إلى دِينِنَا، وأَنْ نَعْتَصِمَ بِكِتَابِ رَبِّنَا، فَفِيهِ المَخْرَجْ مِنَ الفِتَنْ، فنَلْزَمْ كِتَابَ اللهِ -عَزَّ وَجَلْ- قِرَاءَةً ، وحِفْظًا، وتَدَبُّرًا، وفَهْمًا، وعِلْمًا، وعَمَلًا، فَفِيهِ كُلّ مَا يَحْتَاجُهُ المُسْلِمْ، ونَقْرَأَ مَعَهُ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ وتَدَبُّرِهِ، ومِنْ خَيْرِ مَا يُعِينْ عَلَى فَهْمِ هَذَا الكِتَابْ الذِّي فِيهِ المَخْرَجْ مِنَ الفِتَنِ كُلِّهَا مَا صَحَّ عَنْ النَّبِي -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامْ-، فَعَلَيْنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفْ, تُطْلُبْ النَّجَاة، والنَّجَاةُ بِالاعْتِصَام بِالكِتَابِ والسُّنَّة، والإِقْبَال عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَل- بِالعِبَادَاتِ الخَاصَّة والعَامَّة، اللَّازِمَة والمُتَعَدِّيَة، عَلَى الإِنْسَانْ لَا سِيَّمَا مَنْ يَنْتَسِبْ إِلَى العِلْمِ وطَلَبِهِ أَنْ يَصْدُقْ اللَّجَأْ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَل-، فَيُكْثِرْ مِنَ النَّوَافِلْ, يُكْثِرْ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنْ، مِنْ تَدَبُّرِهِ، مِنْ تَفَهُّم مَعَانِيه، مِنْ قِرَاءَة الكُتُبْ المَوْثُوقَة في التَّفْسِيرْ؛ لِيَسْتَفِيدْ مِنْ قِرَاءَتِهِ، ويُقْبِلْ أَيْضاً عَلَى العِبَادَاتْ اللَّازِمَة مِثْل الإِكْثَار مِنْ التَّطَوُّعَاتْ مِنَ الصَّلَوَاتْ والصِّيَامْ، بِرِّ الوَالِدَيْنْ، وصِلَةِ الأَرْحَامْ، والنَّفْعِ الخَاصْ والعَامْ، يَحْرِصْ عَلَى صَلاحِ نَفْسِهِ، وصَلاحْ مَنْ تَحْتِ يَدِهِ فِي بَيْتِهِ، فِي مَسْجِدِهِ، فِي حَيِّهِ، فِي مَدْرَسَتِهِ؛ وبِهَذَا تَنْجُو هَذِهِ الأُمَّة مِنْ هَذَا المَأْزِقْ والمُنْحَنَى والمُنْعَطَفْ الخَطِيرْ الذِّي تَمُرُّ بِهِ، فَكَمَا أَخْبَر النَّبِي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامْ-: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُم الأُمَمْ...)) تَدَاعَتْ الأُمَمْ الآنْ؛ لَكِنْ مَا المَخْرَجْ؟ المَخْرَجْ فِيمَا أُثِرَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامْ- مِنْ مُلَازَمَةِ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَل-، وفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةِ مَا يُعِينْ عَلَى فَهْمِ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَل- واللهُ المُسْتَعَانْ.
  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢١﴾    [النور   آية:٢١]
الحذر من تتبع خطوات الشيطان. خطوات الشيطان، الشيطان يعرف أنه لو بدأ بالغاية ما وُفق، ما وافقه من ينتسب إلى الإسلام؛ لأن لو قال للإنسان: اكفر قال: ما أكفر، لكن يبدأ به خطوات، يبدأ به بالمكروهات والشبهات، ثم لا يلبث أن يتجاوز به إلى المحرمات، ثم المحرمات تهون عليه وتسهل فلا يكون هناك سد يحول بينه وبين الكفر؛ لأنه إذا تساهل بالمحرمات تساهل بما فوقها من الكبائر والموبقات، ثم إذا هانت عليه هذه ما صار بينه وبين الشرك والكفر حاجز معين سياج يمنعه من اقتحامه يسهل عليه ارتكابه، وهذا أمر مشاهد أن من يتساهل في أول الأمر لا ينتهي إلى حد، فخطوات الشيطان يبدأ بأدنى الوسائل، يقول مثلاً: النساء الآن قَلَّت الأعمال عندهن في بيوتهن، وكل امرأة عندها خادمة ولا تستطيع أن تصنع شاي، فهي دائماً جالسة، ولذلك ركبتها الشحوم، وتوالت عليها الأمراض، وهُددت بالأخطار، لا بد لها من رياضة، تقول: افعلي رياضة في البيت، ما تفعل، يعني المسألة مسألة كسل متراكم ما تعان على أن تزاول الحركة في البيت، لو كانت تبي تتحرك لاشتغلت في أعمالها الأصلية، لكن لا تتحرك، لا بد أن تلزم، وفي البيوت ما يستطيع أحد أن يُلزم، ما لها إلا في المجامع العامة وفي المدارس بحيث يوضع لها درجات تلتزم بها، هذه خطوة من خطوات الشيطان، الخطوة الأولى يقول تحتشم، احتمال في أول الأمر أن يقول: تلعب، تزاول الرياضة بعباءتها، ويش المانع؟ وفي محيط نساء، وقد يقال في أول الأمر في الفصل نفسه لا في الفِناء، ثم بعد ذلك يقال الفصل غير مناسب، كراسي وطاولات ومدري إيش؟ اخرجن في الأسياب أوسع شوي، ثم الخطوة التي تليها في الفِناء، ثم بعد ذلك هذا اللباس، هي في محيط نساء، وهذه الألبسة تعيقها أن تزاول ما تريد بحرية، ثم بعد ذلك يقضي عليها من حيث لا تشعر، ثم تقع في الغايات، مثل ما وقع من وقع في البلدان المجاورة، يعني أعظم درس نستفيده ما وقع فيه جيراننا من المسلمين وغيرهم، يعني المسألة خطوات لو تتبعنا تاريخ هذه الفواحش التي انتشرت في البلدان الإسلامية، لوجدناها إتباعاً لخطوات الشيطان، هي تخطيط خبيث مغرض من شياطين الإنس يوحي إليه شياطين الجن بهذه الخطوات ويطبق وينفذ وينظِّر والناس يتبعونه كالأغنام، يأتي بمبرر مقبول ثم الخطوة الأولى تسهل على الناس ثم الثانية ثم الثالثة ثم...، كنا نتساءل عن هؤلاء اللواتي يزاولن بعض الأعمال التي لا تخطر على عقل، يعني بنت من بيت مسلم محافظ تخرج شبه عارية تغني بين الناس في الملأ، كنا نسأل الوافدين من تلك البلدان، هل لهؤلاء البنات آباء؟ يعني هل هن من أسر، يعني من أبٍ وأمٍ مسلمين؟ وإلا من لا أنساب لهم؟ ولا أحد يغار عليهم؟ قال: لا هؤلاء من الأسر الكبيرة؛ لأنهم يعدون وين هذا تطور وتقدم، هذه خطوات الشيطان، يملي عليهم شيئاً فشيئاً...الخ إلى أن يكون هذا هو القدوة، يكون هذا قدوة في المجتمع، ولذلك تجدون أرذال الناس تجدونهم هم القدوات الآن، والدعايات بأسمائهم، وصورهم يكتسب من وراءها الملايين وهكذا، وهم أرذال الناس وأسافلهم، لكنها خطوات الشيطان، يعني تساهلنا في الخطوة الأولى، الخطوة الثانية أختي أختي تليها بلا محالة، ثم الثالثة إلى أن نجد أنفسنا في وَحَل، لا نستطيع الخروج منه، وعلى هذا على من ولاه الله الأمر وبيده حل وعقد لا يجوز له أن يجيز الخطوة الأولى مهما كانت الظروف يعني تموت المرأة في بيتها من الأمراض ولا ترتكب ما حرم الله عليها، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه؟ ترجون العافية؟ من الله -جل وعلا-، فكيف تطلب بما يسخط الله -جل وعلا-؟! ولم يجعل الله -جل وعلا- شفاء أمتي كما في الحديث فيما حرم عليها. فهذه صورة لخطوات الشيطان، من اتبع خطوات الشيطان، اتبع الخطوة الأولى لا بد أن يقع في الثانية؛ لأن المبررات موجودة، مرصودة من الأصل، ومضبوطة ومتقنة إلى أن تخرج إلى الشارع عريانة، لكنها تدرج في المجتمع؛ لأن المجتمع ما يقبل مثل هذا أول الأمر، فخطوات الشيطان التي يمليها على أوليائه ينتظرون بها الفرص المناسبة، نسأل الله السلامة والعافية.
  • ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٢٨﴾    [البقرة   آية:٢٢٨]
أمرٌ مُهم يغفل عنهُ كثيرٌ من النَّاس ((وإنَّك لن تُنْفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك)) وهذا من فَضْلِ الله -جلَّ وعلا- ورحمتِهِ للأُمَّة أنْ جَعَل النَّفقة الواجِبَة فيها أجر؛ بلْ جعل اللَّذة فيها أجر ((أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قال: نعم، وكذلك الحلال فيه أجر)) لكن مثل هذا يحتاج إلى نِيَّة، ((وإنَّك لن تُنْفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك)) تشتري حليب لِطِفْلِك فيهِ أجر، تشتري أدْنَى شيء نفقة لأولادِك فيهِ أجر؛ لكنْ اسْتَحْضِر النِّيَّة وأنَّك تُؤدِّي بذلك واجب أوجَبَهُ اللهُ عليك، ولا أقل من أنْ يَسْتَحْضِر الإنسان النِّيَّة العامَّة، يعني إذا عَزَبَت النِّيَّة في كونِهِ يدخل بقالة يأخذ خُبز يحتاج إلى نِيَّة؛ لكنْ أقل الأحوال النِّيَّة العامَّة في ميزانِيَّة المَصْرُوف الشَّهريّ وأنت داخل المَحل الكبير تأخُذ أغراض لمُدَّة شهر تنوِي بذلك التَّقرُّب إلى الله -جلَّ وعلا- وأنَّك تُؤدِّي هذا الواجب أما بالنِّسبة لكل فردٍ فرد هذا ما فيه شك أنَّهُ فيه مشقَّة على النَّاس، بعض النَّاس يجعل يوم وليكُن اليوم الذِّي يستلم فيه المُرتَّب الشَّهريّ لِقضاء الحوائج مِيزانِيَّة الحوائِج لهذا الشَّهر، نقول خمسة آلاف مثلاً يدخل المحل الكبير ويختار بهذهِ النِّيَّة، وتجري لكَ الأُجُور إلى مثله من الأجر الثَّاني، ((وإنَّك لن تُنْفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك))، النِّيَّة العامَّة تنفع، ولذلك المُزارع إذا زَرَع ينوي بذلك الخير، وإنْ استحضر بذلك وقت الزِّراعة أنْ يُؤكل منهُ من النَّاس، من الدَّواب، من الطُّيُور، كُل هذا فيهِ أجر؛ لكنْ ما يلزم أنْ ينوِ يعني كُل ما أُكِل منهُ يُكتب لهُ أجر، النِّيَّة العَامَّة تكفيهِ؛ بل مثل هذا يقول بعض أهل العلم أنَّ مثل هذا لا يحتاج إلى نِيَّة، الأجر رُتِّب عليهِ وإنْ ما نوى، قُل مثل هذا في الفرس التِّي يربطُها للجهاد في سبيل الله ثُمَّ تشربُ من الماء يُكتب لهُ الأجر ولو لم يقصد شُربها كما جاء في الحديث الصَّحيح؛ ولو لم ينوِ شُربها من الماء؛ لأنَّهُ إنَّما رَبَطها في سبيل الله، وفضل الله واسع، فعلينا أنْ نُرِيَ الله -جلَّ وعلا- منَّا الإخلاص، وقصد التَّقرُّب إليهِ -جلَّ وعلا- ((حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك)) هذا من حُسن العِشْرَة والتَّعامُل يعني تأخُذ اللُّقمة وتضعها في فِيها، بعض النَّاس يأنَفْ من هذا ويتكبَّر؛ لكنْ لا شكَّ أنَّ هذا من العِشْرَة بالمعرُوف، وبعض النَّاس إذا دخل بيتُهُ مثل الإمبراطُور ما يُريد أحد يَتنفَّس، والنَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- في خِدْمَةِ أهلهِ {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 228].
  • ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿١٤٣﴾    [البقرة   آية:١٤٣]
تَطْويلْ الشَّعر بين الإقْتِدَاء والتَّشَبُّهْ اتِّخَاذُ الشَّعر إقْتِدَاءً بِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- تَكْمِيلاً للسُّنَنْ إذا دلَّ على صِدْقِ صَاحِبِهِ؛ لا شكَّ أنَّهُ يُؤْجَرُ على ذلك، أمَّا منْ يُزَاوِلُ المُنْكَرَات، ويَقْتَرِفُ الفَواحِشْ والجَرَائِمْ ويُربِّي الشَّعر ويَحْلِقَ لِحْيَتِهِ ويقول مُقْتَدِي! نقول: لا ما هو بصحيح، تقتدي بِهِ في غير واجب، وتترك الواجِبَات، قد يقول قائل: الجِهة مُنْفَكَّة! هذا عليهِ إثْمُهُ، وهذا لهُ أَجْرُهُ! وش المانع؟! نقول: لا يا أخي البابُ واحد، نعم، لو كانت من بابين مُخْتَلِفين، قُلنا الجِهَة مُنْفَكَّة، الآنْ الجِهَة غير مُنْفَكَّة، الآنْ هذا كُلُّهُ شَعر! تترُك المُسْتَحب وتَحْلِقُ الواجب، نقول: لا يا أخي، الباب واحِد والجِهة غير مُنْفَكَّة! ولِذا عِيبَ على منْ يقول من الأشعريَّة إنَّهُ يجب على الزَّاني أنْ يغض بَصَرَهُ عن المزنيِّ بها! لأنَّهُ مأمُور بغضِّ البَصَر! نقول: يا أخي الباب واحد وين رحت! ما حُرِّمَ البصر إلاَّ من أجلِ الزِّنا! وهذا مِثْلُهُ، وهذا بيربِّي شعر؛ لأنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ لكنْ الأوامر الصَّرِيحة التِّي عَدَّها أهلُ العلم منْ كبائِر الذُّنُوب حلق اللِّحية ؛ يَحْلِقْ لِحيتهُ! نقول يا أخي الجِهة ما هي مُنْفَكَّة كُلُّهُ شعر، وهذا يَفْعَلُهُ كثير من النَّاس يُربِّي شعر ويقول: الرسول يربي شعر، وش المانع؟! نقول: نعم إذا صَار مظهرك مثل مظهر الرَّسُول لماذا؟ لأنَّهُ يُوجد من ينازع يُوجد من يقتدي به من الكُفَّار والفُجَّار! يُرَبُّونْ شُعُورَهُم وإقتداءهم الله أعلم به، بدليل إقتداءك بهم في حلق اللِّحية، فأنتَ مُقْتَدٍ بِهِم لا بالرَّسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وتربية الشَّعر لا شكَّ أنَّ لهُ كَلَفَة ومَشَقَّة ولذلك اعْتَذَر الإمام أحمد عنهُ، قال: لولا المَشَقَّة لاتَّخَذْنَاهُ، يحتاج إلى تسريح، يحتاج إلى تَرْجِيل، ويحتاج إلى دَهْن، كثيرٌ من النَّاس ما هو بفاضي لهذهِ الأُمُور، وفي المُقَابِل فيهِ أُناس يُبالِغُون ناس يجلِسْ ساعتين ثلاث! يتنظَّف ويتجمَّل عندهُ صالون يتحلَّق فيه على ما يقولون الأشوام! ساعتين ثلاث! ودينُ الله -جلَّ وعلا- وسط بين الغالي والجافي، دِينُنا دين الطَّهارة، دينُ النَّظافة؛ لكنْ المُبالغة والغُلُوّ، وإضاعة الوقت في مثل هذه الأُمُور – لا -؛ ولِذا جاء لِكَسْرِ هذهِ الحِدَّة، جاء حديث وهو صحيح ((البذاذةُ من الإيمان)) وهذا يُعالج بِهِ من يُبالغ بالنَّظافة؛ من يُبالغ بحيث يُخرج عن الحد الشَّرعيّ، ويُعالجُ الطَّرف الآخر بـ ((الطَّهُور شَطْرُ الإيمان)) والنُّصُوص كما تعرفُون جاءت لِعِلاج الأطراف المُتنازِعة المُتباعِدَة؛ لِيَكُون المُسلم في الوَسَطْ، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة/143] وأهلُ السُّنَّة وسطٌ بين الفِرَقْ كُلِّها، يعني إذا كان الخوارج والحرُوريَّة في كِفَّة، والمُرجئة في كِفَّة؛ فَأَهْلُ السُّنَّة وسَطٌ بينهم، في نُصُوص الوَعْدْ والوَعِيد، وقُلْ مثل هذا في جميع أبوابِ الدِّينْ.
  • ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾    [البقرة   آية:١٥٥]
نعمة الأمن. يقول: تعلمون ما نعيشُهُ في هذا البلد من النِّعم، والتِّي من أهمِّها نعمةُ الأمْن وسلامةُ المُعتقد، ووُجُود العُلماء، والعِناية بالعِلم منه هذه الدورات العلمية؛ ولكنَّ الأعداء قد غَاظَهُم ذلك، وسَعواْ جاهدين لإفْسَادِهِ بما استطاعوا، وقد نَفَذَ بعضُ أفكارِهِم وللأسف إلى بعضِ شبابنا فَزَهدُوا في العلم، وطَعَنُوا في العُلماء، وسَعَى بعضُهُم في زعزعةِ الأمْن؟ لاشكَّ أنَّ مثل هذا خلل في التَّصَوُّر، فلا شكَّ أنَّ الأمْن من أعظم النِّعم، وهُو أهمُّ من نعمة الأكل والشُّرب، ولذا جاء تقديمُهُ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}[(البقرة) 155] قُدِّم الخوف على الجُوع في الابتلاء، فالأمْن لا يَعْدِلُهُ شيء، كيف يتعبَّد النَّاس؟ كيف يُحقِّق النَّاس الهدف من وُجُودِهِم بغير أمْن؟! وبعضُ المُفسِّرين ضَربَ لذلك مثلاً: بأنْ جاء بشاةٍ مكسُورة كَسِيرة أَقْلَقَها الألم، اشتدَّ عليها الألم، ووَضَع عندها الطَّعام المُناسب لها، وجاءَ بأُخرى سليمة ووضع عندها الطَّعام ورَبَطَ أمامها ذئب، لمَّا جاءَ من الغد وجد الكسيرة قد أكلت الطَّعام كُلَّهُ، ووجَدَ الخائفة من الذِّئب لم تأكُل شيئاً. فلاشكَّ أنَّ الأمْن نِعمة من الله -جل وعلا-، فمن يَسْعَى في تهدِيدِهِ أو الإخلال بهِ لاشكَّ أنَّهُ جانِي على الأُمَّة، والله المُستعان، فعلى كُلِّ أحد أنْ يُحافظ على هذا الأمْن بِقَدْرِ استِطاعتِهِ، ومع الأسَف أنَّ بعض النَّاس يُساهِم في الإخلالِ بالأمن وهو لا يشعُر، بعض النَّاس العاصِي مثلاً: العاصي مُساهم في الخلل بالأمن؛ لأنَّ الأمْن نِعمة تحتاج إلى شُكْر؛ فإذا لم نَشْكُر هذه النِّعمة فَرَّتْ؛ فإذا عَصَيْنا الله -جل وعلا- ونحنُ نَتَقَلَّب في نِعَمِهِ التِّي من أعْظَمِها نِعمة الأمْن -يعني بعد نِعمة الدِّين- المسألة مُفترضة في مُسلمين، يعني بعد نِعمة الدِّين ما فيه مثل الأمْن؛ فإذا عَصَى الإنسان رَبَّهُ، وحَلَّ بالمُسلمين بسبب مَعْصِيَتِهِ ومَعْصِية غيرِهِ والثاني والثالث هُم المُتَسَبِّبُون في اخْتِلال الأمن؛ لأنَّ الأمْر يكُونُ لهُ مُباشر، ويكُون لهُ مُتسبِّب، يكُون لهُ مباشر، مُباشرةً يعني يُحاول تهديد الأمْن؛ لكنْ هُناك من يَتَسَبَّب في زعزعة هذا الأمْن وهُم العُصاة الذِّين لم يَشْكُرُوا هذهِ النِّعمة، وعلى كُلِّ واحِدٍ من المُسلمين كِفْل من هذا، بِقَدْرِ ما يَقْتَرِفُهُ من معاصي {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[(الشورى)30] يقول: نفذَ بعضُ أفكارِهِم وللأسف إلى بعضِ شبابنا فَزَهدُوا في العلم، وطَعَنُوا في العُلماء؟ لاشكَّ أنَّ الحاجة إلى أهلِ العلم في الظُّرُوف الحَالِكة أشد، ولابُدَّ من الابتلاء، لا يَظُن العالم أو الدَّاعية أو غيره الطَّريق سهل مُمَهَّد مو بصحيح في مثل هذه الظُّرُوف نَرَى أنَّ بعض العُلماء يُواجِهُون ما يُواجِهُون، فبعضُ طُلاب العلم يقول: أنا ليش أعرِّض نفسي لِمثلِ ما وصِلُوا إليه من الإحراجات وغيرها، لماذا أصل؟ يا أخي لابُدَّ أنْ تَصِل، الطَّريق ليس بالسَّهل، وكُلَّما يزداد الأمر شِدَّة يَزْدَاد الأجْر، و تَعْظُم الأُجُور بمثلِ هذا، واللهُ المُستعان. فعلى طالبِ العلم أنْ يستمر في طَرِيقِهِ، وأنْ يَحْرَص ويَجِد ويَجْتَهِد؛ لأنَّ طَلَبَهُ للعلم وعِبَادَتَهُ لله -جل وعلا- على بَصِيرة، وسَعْيَهُ في هِدَاية النَّاس هذه لا شكَّ أنَّها نَصْرٌ للإسلام، على طالبِ العلم أنْ يَطْلُب العلم ويُجِد ويجتهد لاسِيَّما منْ أدْرَك شيئاً منهُ، لا ينبغي لهُ أنْ يُضيِّع نفسَه، على الجادَّة والطُّرُق المعرُوفة الجَواد المَسْلُوكة عند أهل العلم، ويأخُذ العلم عن أهلهِ المعرُوفين بالعلم والعمل والثَّبات والرَّوِيَّة والأناة بالرِّفق واللِّين، لابُدَّ من هذا لِيَتِمَّ لهُ ما يُريد -إنْ شاء الله تعالى-.
  • ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴿١٠﴾    [فاطر   آية:١٠]
المُدَاوَمَة على العمل الصَّالح. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال لي رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله!)) يعني يا عبد الله بن عمرو يُخاطِبُهُ ((لا تَكُن مثل فُلان كان يقُومُ من الليل، فترك قيام الليل)) [مُتَّفقٌ عليه]، وهذا يدُلُّ على أهميَّة قيام الليل، وفضل قيام الليل، ويدل أيضاً على فضل المُداومة على العمل الصَّالح، وأنَّ من عَمِلَ عملاً صالحاً عندهُ فيه حُجَّة شرعيَّة لا ينبغي لهُ أنْ يَتْرُكَهُ؛ لأنَّ التَّرك نُكُوص عن الحق، والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إذا عَمِلَ عملاً أثْبَتَهُ؛ لكنْ ما يمنع أنْ يكُون الشَّخص يَعْمل العمل في وقت نشاط ثُمَّ يفتُر عنهُ ثُمَّ يَعُود إليهِ، ولا يَمنع أنْ يترُكَهُ إلى أهمّ منهُ، قد يلزم الإنسان عمل يُداوم عليهِ من النَّوافل ثُمَّ يرى أنَّ غير هذا العمل أفضل منه، مثال ذلك: لو أنَّ أحداً من أهل العلم لَزِمَ عِبادة من العبادات صيام نوافل مثلاً، قيام الليل، صلاة أعداد من الرَّكعات أثناء النَّهار، ثُمَّ رأى أنَّ هذا العمل يَعُوقُهُ عن تعليم النَّاس الخير، أو رأى أنَّ مثل هذا العمل يُضْعِفُهُ عن عمله المَنُوط بِهِ، ثُمَّ ترك بعضهُ وخَفَّفْ، يعني هل الأفضل للعالم مثلاً أنْ يقرأ القرآن يختم كل يوم أو يُخَفِّف من القراءة ويُعلِّم النَّاس الخير؟ لو كان ديدنُهُ يقرأ القرآن في ثلاث؛ لكنْ قِراءتُهُ القرآن في ثلاث تَعُوقُهُ عن بعض الدُّرُوس أو عن التَّصدِّي لقضاء حوائج النَّاس لا سِيَّما إنْ كان مِمَّنْ يُحتاج إليه أو إفتاء النَّاس أو توجيههم، ألا يُقال لهُ اقرأ القرآن في سبع وعلِّم النَّاس الخير؟ يقول يا أخي أنا مُعتاد أنْي أقرأ في ثلاث! وترك العمل مذمُوم، نقول: نعم، إذا تركتهُ لما هو أفضل منهُ لا تُذم، أمَّا هنا يقول: ((يا عبد الله، لا تَكُن مثل فُلان كان يقُومُ من الليل، فترك قيام الليل)) نعم قيام الليل دأبُ الصَّالحين، وقد قال النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: ((نعم الرجل عبد الله)) ابن عُمر ((لو كان يقُومُ من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلاَّ قليلاً، قيام الليل دأبُ الصَّالحين، واللهُ المُستعان، ((لا تَكُن مثل فُلان)) فُلان ما سُمِّي في الغالب أنَّ ما يأتي بمثل هذا السِّياق لا يُسمَّى، ولا يُحرص على تسمِيتِهِ سَتْراً عليهِ، يعني كُتب المُبْهَمات تُعنى ببيان مثل هذا، إذا مرّ فُلان شخص مُبهم يُسَمُّونهُ، ويبحثُون عنهُ، ويحرصون على جمع الطُّرق من أجل أنْ يظهر هذا الاسم، ومعرفة المُبهمات لا شكَّ أنَّ لها فوائد؛ لكنْ مثل هذا الذِّي ورد بمثل هذا السِّياق يُسْتَرْ عليهِ؛ لأنَّ السِّياق سِياق ذمّ ، ((لا تَكُن مثل فُلان كان يقُومُ من الليل، فترك قيام الليل)) ففي هذا استحباب المُداومة على العمل الصَّالح، وعدم ترك ما اعتادَهُ الإنسان إلاَّ إذا كان تركُهُ إلى ما هو أهمّ منهُ وأفضل منهُ مفضُول ((وأحبُّ العمل إلى الله أَدْوَمُهُ – في رواية – ما دَاوم عليه صاحبه)) فالمُداومة على العمل والمُتابعة أفضل، وفعل العمل ثُمَّ الانقطاع لا شكَّ أنَّهُ يُشعر بشيء من الرَّغبة عن العمل الصَّالح، فبدلاً من أنْ يزداد الإنسان ينقُص! لا شكَّ أنَّ هذا مذمُوم شرعاً.
إظهار النتائج من 1521 إلى 1530 من إجمالي 3182 نتيجة.