عرض وقفات احكام وآداب

  • ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿١٠١﴾    [النساء   آية:١٠١]
"فرمل ثلاثاً" رمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً ومشى أربعاً، والرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ومشى أربعاً، والسبب في هذا الرمل، المشركون في عمرة القضاء قالوا: إنه يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فجلسوا مما يلي الحجر، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يرمل من الركن إلى اليماني ويمشي بينهما، رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة إبقاءً عليهم، ثم رمل بعد ذلك من الركن إلى الركن في حجة الوداع، فأصل الرمل شرع لسبب، وهو قول المشركين: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، لكن في حجة الوداع هل هناك من يقول: يقدم محمد... الخ، ليس هناك من يقول، فالحكم شرع لسبب وارتفع السبب، وأهل العلم يقولون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، العلة ارتفعت والسبب انتهى، ليس هناك من يقول: يقدم محمد وأصحابه... الخ. لكنه -عليه الصلاة والسلام- رمل في حجة الوداع من الركن إلى الركن فيكون هذا من الأحكام التي شرعت لسبب فارتفع السبب وبقي الحكم، كالقصر في الصلاة، القصر في الصلاة سببه الخوف، وقد نص عليه في الآية {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] إن خفتم بهذا القيد، شرع القصر بسبب الخوف في السفر ثم ارتفع، فصار القصر صدقة تصدق الله بها، فيقصر الإنسان وهو آمن ما يكون، ومثله ما معنا، شرع الرمل لعلة فارتفعت العلة، ارتفع السبب وبقي الحكم.
  • ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿٧﴾    [النحل   آية:٧]
النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث بالحنيفية السمحة، ((والدين يسر -ولله الحمد- ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وعليكم من الدين ما تطيقون، ((بشرا ولا تنفرا، يسرا ولا تعسرا)) الدين سمح ميسر كما أن دستوره الخالد القرآن ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] والدين يسر ولله الحمد، لكنه أيضاً هو دين تكاليف ((حفت الجنة بالمكاره)) حفت الجنة بالمكاره، لا يعني أن الدين يسر أن الإنسان يتفلت من الأوامر والنواهي ويقول: الدين يسر لا، يقول الله -جل وعلا- عن الحج -بيته-: {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل] والحج فيه مشقة، الصيام في أيام الصيف الحارة فيه مشقة، الصلاة في الليالي الشديدة البرد شاقة، الجهاد شاق، إذاً الدين يسر يعني فيما يحتمله الإنسان في ظروفه العادية، يعني اليسر حده ما يحتمله المكلف في ظروفه العادية؛ لأن الإنسان مستعد أن يعمل من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعمل من طلوع الشمس إلى نصف الليل في تجارته، ويحمل الأثقال ويصبر على الحر والبرد هذا محتمل، ولا يقول: إننا لا نطيق الصيام في الحر ومع ذلك يزاول تجارته في الحر، يعني الضابط لهذا اليسر، أما ما أوجبه الله -جل وعلا- فلا مساومة عليه، لكن ما يفعله المكلف مما وراء ذلك من مستحبات ((اكلفوا من العمل ما تطيقون))، (( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) يعني الإنسان طاقة، النبي -عليه الصلاة والسلام- منع من أراد أن يصوم النهار ويقوم الليل، يصوم ولا يفطر يقوم ولا ينام، ومنع ابن عمر أن يقرأ القرآن في أقل من سبع ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) كل هذا من أجل الاستمرار؛ لأن أحب الدين إلى الله أدومه وإن قل، فهذه الشريعة ولله الحمد هذه سمتها أنه ليس فيها آصار ولا أغلال ولا تكليف بمحال وما لا يطاق، فيها تكاليف، فيها ما فيه مخالفة لهوى النفس وهذا من أشق الأمور، مخالفة هوى النفس من أشق الأمور ولذا صبر الكفار على القتل في مقابل ألا يخالفوا هواهم، والله المستعان.
  • ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿١٧﴾    [آل عمران   آية:١٧]
قال رسُول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: ((تَسَحَّرُوا فإنَّ في السحور بركة)) وهذا أمر بالسحُور، وأقَلُّ أحوالِهِ الاستحباب، والأصل في الأمر الوُجُوب؛ لكنْ ثَبَت أنَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- واصل؛ فالأمر بالسَّحُور مُستحب، ومن أقوى ما يُصرف بِهِ من الوُجُوب إلى الاستحباب العِلَّة، العلَّة إيش؟ ((فإنَّ في السَّحُور بركة)) طلب البركة واجب ولا َّ مُستحب؟ مُستحب، إذاً الأمر بالسَّحُور مُستحب، وفيهِ مُخالفة لأهل الكتاب، اتِّباعاً للسُّنَّة، وامتِثالاً للأمر، ومُخالفة لأهل الكتاب، والتَّقَوِّي بِهِ، وقد جاء مَدْحُهُ ((نِعم السَّحُور)) ولا سِيَّما إذا كان من التَّمر، أيضاً وقت السَّحُور، وهو وقت الاستغفار، {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] ينبغي أن يكون الإنسان مُستيقظ في هذا الوقت يدعو الله -جلَّ وعلا- ويستغفر، وأُمُور كثيرة مُترتِّبة على تناول هذا الطَّعام، وفيه أيضاً إعانة على مُزاولة هذه العِبادة والتَّقوِّي على العِبادات الأُخرى، ومُخالفة أهل الكتاب، وامتثال هذا الأمر ((تَسَحَّرُوا فإنَّ في السحور بركة)).
  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾    [المائدة   آية:٢]
قوله: ((لا يحل)) يعني يحرم، ((لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر)) يعني مسلمة؛ لأنها هي الممتثلة لمثل هذه التوجيهات الشرعية، وهذا لا يعني أنَّ غير المسلمة يجوز أن تسافر، أو يُسافَر بها من قبل المسلمين- لا - ؛ لأنها مخاطبة بفروع الشريعة، وهذا منها، وحينئذ يتجه الخطاب إلى من مكَّنَها، قد يقول قائل: هو يسافر بالشغالة يمين ويسار من غير محرم، وهي المكلفة هي المخاطبة بهذا النفي وإثبات الحُرْمَة؟ نقول هذا تعاون، إعانة لها على ارتكاب المحرم، والإعانة على ارتكاب المحرم مُحَرَّمَة، {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [(2) سورة المائدة]. ((أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حُرْمة)) قد يقول قائل: الآن ما هي مسيرة يوم وليلة؛ تسافر للحج ساعة، ساعة ونصف وهو واصلةٍ جدة، ما تحتاج إلى محرم؟ نقول تحتاج إلى محرم؛ لأن قوله: ((مسيرة يوم وليلة)) لا مفهوم له، لا مفهوم له بدليل أنَّهُ اختلف التحديد، في بعض الروايات ثلاثة أيام، وفي بعضها مسيرة يوم، وفي بعضها مسيرة ليلة، المقصود أنَّها لا تسافر بدون مَحْرَم، ومع الأسف الشديد توسَّعَ النَّاس في ذلك، يجعل بنته، زوجته، أخته تسافر، ويومياً تُسافر بدون محرم، تعمل في بلدٍ آخر وتذهب وتأتي على اعتبار أنها مع جمع من النسوة! نقول ما يكفي ((إلا مع ذي محرم منها))، يعني من محارمها، ومحرمها زوجها أو من تحرم عليه على التَّأبيد، هذا المحْرم، أما الجمع من النسوة، هذا وإن قال به بعض أهل العلم؛ لكن ما يكفي ((إلا مع ذي محرم))، يعني محرم منها. بعض الشراح قال: محرم منه، يعني محرم منه يعني امرأة من نسائه تكفي، التَّوسُّع في هذا الباب أورث مشاكل كثيرة، والتَّسَاهُل والتَّسَامح في مثل هذا يُعَرِّض الأعراض للانْتِهَاك، والآنْ يُبْنَى على مثل هذه المسائل مسائل أخرى، يُسْأَل عنها لتكون شرعية ومبنية على أمور ممنوعة، شخص يسأل يقول: هل يجوز تأخير صلاة الفجر إلى الساعة السَّابعة؟!! لماذا؟ يقول هو يسافر بمدرسات من بلد إلى بلد ولا يتمكَّن من الصلاة إلا إذا وصل البلد الثاني؟! يريد أن يبني مسائل شرعية على أمور غير مشروعة أصلاً، ما يُمكن أن تنضبط الفتوى بهذه الطريقة، ابْنِ نتائج شرعية على مُقَدِّمات شرعية، امرأة تسافر بدون محرم، يقول: لا أستطيع أن أقف في منتصف الطريق وأصلي، نقول له اترك هذه المهنة! طيب من يُوَصِّل هؤلاء المدرسات؟ يوصلونهن أولياء الأمور، أولياء أمورهن يوصلونهن، المسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، إذا كان يستطيع أن يوصلها امتثالاً لهذا الخبر ((إلا مع ذي محرم)) وإلا تُتْرَك، ما هناك ضرورة ولله الحمد، أما أنْ تُرْتَكَب المُحَرَّمات لأمور لا ضرورة داعية إليها، ما وصل الأمر إلى حدِّ الضرورة، ومع ذلك يبنون عليه تأخير صلاة الصبح، طيب تصلي قبل ما تمشي، يقول: نطلع قبل صلاة الفجر بساعة! ولا نصل إلا بعد طلوع الشمس بساعة!!! يريد أن يؤخر صلاة الفجر لماذا؟ لأنه يوصل مدرسات بدون محرم، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [(40) سورة النــور]، بعض الناس يتسامح يقول: سلِّم المرأة إلى المطار، سلمها حتى تركب الطائرة، وتُستَلم من المطار الثاني!!! كم حصل من عطل ومن خلل؟، كم حصل من مضايقة في الطائرات للنساء؟ كم حصل من مضايقة في القطار للنساء؟ يقول سلِّمها للقطار في محطة القطار، واستقبلها هناك، أو يستقبلها محرم آخر هناك! نقول: يا أخي اتق الله في محارمك، التَّسامح والتَّساهل إلى هذا الحد يورث مشاكل، طيب تعطل القطار، تعطل القطار في آخر السفر، قبل سنتين أو ثلاث في منتصف الطريق في الظلام وبين أشجار والقطار فيه أكثر من خمسمائة امرأة ولا فيه إلا يمكن خمسين رجل، هؤلاء النسوة بذمة من؟ يتحمل أولياء الأمور، فمثل هذا التساهل يجرُّ إلى كوارث، أيش المانع، يا أخي لا تسافر البتة هو الحاجة أو الضرورة إلى هذا السفر، الحج ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام إذا لم تجد المرأة محرم تُلزَم بالحج؟ ما تلزم بالحج؛ بل من شروط وجوب الحج على المرأة وجود محرم، والله المستعان.
  • ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧﴾    [الحج   آية:٢٧]
التَّلْبِيَة المُرادُ بها إجابةُ النِّداء والدَّعوة من الله -عزَّ وجل- على لسانِ خليلِهِ إبراهيم {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج/27]؛ ولذا شُرَع لكلِّ حاج ومِثْلُهُ المُعتمر أنْ يقُول لَبَّيْك إجابَةً لهذهِ الدَّعوة، ولِهذا النِّداء ولهذا التَّأذِينْ، عن ابن عُمر -رضي الله عنهما- ((أنَّ تَلْبِيَة رسُول الله -صلى الله عليهِ وسلَّم- لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْك إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْك لا شَرِيكَ لك))؛ ولِذا يقول جابر -رضي اللهُ عنهُ-: ((وأَهَلَّ النبيُّ -صلى الله عليهِ وسلَّم- بالتَّوحيد))، مُخَالِفاً لما كانَ يُهِلُّ بِهِ المُشْرِكُونْ ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْك)) يقولون: إلاّ شريكاً هو لك تَمْلِكُهُ وما مَلَكْ! يُشرِكُون نَسْأل الله العافِية الشِّرْك الأكبر؛ فالنَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- خَالَفَهُم فَأَهَلَّ بالتَّوحيد ((لا شَرِيكَ لك))، ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك)) هو مُثَنَّى يعني إجابة واسْتِجابة بعد اسْتِجابة، ((إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْك لا شَرِيكَ لك)) كَرَّرَ التَّوحيد، قال وكان ابنُ عمر يزيدُ فيها ((لَبَّيْكَ لَبَّيْك وسَعْدَيْك والخيرُ بِيَدَيْك والرَّغْبَاءُ إليكَ والعمل))، التَّلْبِيَة النَّبَوِيَّة التِّي يَقْتَصِرُ عليها النَّبيُّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ولا يَزِيدُ عليها، لا يَزِيدُ على ما جاءَ في صَدْرِ هذا الحديث: ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْك، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْك لا شَرِيكَ لك)) قال جابر: وكان النَّاس يَزِيدُون على تَلْبِيَة النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، والنَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَسْمَعُهُم ولا يُنْكِرُ عليهم، تَلْبِيَة ابن عُمر، زِيادة ابن عُمر: (( لَبَّيْكَ لَبَّيْك وسَعْدَيْك والخيرُ بِيَدَيْك والرَّغْبَاءُ إليكَ والعمل)) اكْتَسَبَتْ الشَّرْعِيَّة من أين؟! من إقْرَارِ النَّبيِّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، والإقْرَار أحد وُجُوه السُّنَنْ؛ لكنْ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لَزِمَ تَلْبِيَتُهُ هل الأفْضَلْ للمُسْلِم أنْ يَلْزَم ما لزمه النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أو يَتَجَاوزُهُ إلى ما يَقُولُهُ الصَّحَابة مِمَّا لَفْظُهُ صَحِيح وأَقَرَّهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؟! يَلْزَم ما لَزِمَهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أَوْلَى؛ لكنَّهُ إذا سَمِعَ أَحَداً يُلَبِّي بغَيْرِ هذهِ التَّلْبِيَة يُنْكِر عليهِ ولاّ ما يُنْكِر عليهِ؟! لا يُنْكِر عليهِ، يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ ما اخْتَارَهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لِنَفْسِهِ فلا يَزِيد على تَلْبِيَة النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-؛ لكنْ لوْ سَمِعَ أحَدًا يُلَبِّي بالصِّيَغْ التِّي جَاءَتْ عنْ الصَّحابة مِمَّا سَمِعَهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ولَمْ يُنْكِرْهُ؛ لأنَّهُ ليسَ لهُ أنْ يُنْكِر ما أَقَرَّهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فالأمرُ ولو كان خِلافُ الأوْلَى لا يُنْكَر، وقدْ اكْتَسَبَ الشَّرْعِيَّة منْ إقْرَارِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، التَّلْبِيَة سُنَّة عند جُمهُور أهلِ العِلْم، وقِيلَ بِوُجُوبِها، ويَرْفَعُ بِها المُلَبِّي صَوْتَهُ، وكان الصَّحابة -رِضْوَان الله عليهم- يَصْرُخُونَ بها، يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُم بالتَّلْبِيَة ويُكَرِّرُونَ التَّلْبِيَة، والمَرأةُ تُخْفِضُ صَوْتَها؛ لِئَلاَّ يُفْتَتِنَ بها من فِي قَلْبِهِ مَرَضْ، فَتُخْفِضْ صَوْتَها بالتَّلْبِيَة بِحيث تُسْمِع نَفْسَها ورَفِيقَتَها ولا تَرْفَعُ صَوْتَها بالتَّلْبِيَة، أمَّا الرَّجُل فالمشْرُوع لهُ أنْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بالتَّلْبِيَة، التَّلْبِيَة الجَمَاعِيَّة، بعض النَّاسْ إذا اجْتَمَعُوا يُلَبِّي واحد ثُمّ يُلَبِّي الجميع بِصَوتٍ واحِد مُرْتَفِع، تَلْبِيَة جَمَاعِيَّة مِثْلُها تكبير جَمَاعِي، تَهْلِيل جَمَاعِي، كُلّ هذا مِمَّا أُحْدِثْ، كُلّ هذا من المُحْدَثَاتْ، يَنْبَغِي أنْ يكُون كُلّ واحِد يُلَبِّي بِمُفْرَدِهِ.
  • ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿٢﴾    [الكوثر   آية:٢]
عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "ضحَّى النبي -عليه الصَّلاة والسلام-" ، في يوم النَّحر يقول الله {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر/2]، وفي يوم الفطر: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى/15]، فالذكر في يوم الفطر، والنُّسك في يوم الأضحى، عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: "ضحَّى النبي -صلى الله عليه وسلَّم- ضَحَّى بكبشين" والكبش ذكر الضأن، أملحين، والأملح كما قال المؤلف -رحمهُ الله تعالى- الأغبر وهو الذي فيه سوادٌ وبياض، ومنهم من يقول هو الأبيض المُشبَّه بالملح؛ لكنْ الأكثر على أنَّهُ الأغبر الذي فيه سوادٌ وبياض "بكبشين أملحين أقرنين" وجاء في الصَّحيح: "سمينين"، وجاء في المُستخرج: "ثمينين" "أقرنين" لكلِّ واحدٍ منهما قرنان "أقرنين ذبَحَهُما -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- بيدِهِ"، فيُستحب التَّضحية بالذَّكر من الضَّأن، وأنْ يكون اللَّون المذكُور أمْلَح، وأنْ يكَون لهُ قَرْن، التَّضحية بالأقْرَن أفضل من التَّضحِية بالأجمّ وإنْ كانَ مُجْزِياً، "ذبَحَهُما" وأنْ يَتَوَلَّى ذبحَ أُضْحِيَتِهِ بِنَفْسِهِ كما فَعَل النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- إذا كانَ يُحْسِنُ ذلك، وإذا كان لا يُحْسِنْ لَمْ يَتَعَوَّد هذا يَشْهَد أُضْحِيَتَهُ، وقد ذَبَح النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ثلاثاً وسِتِّينَ منَ البُدْن التِّي أهْدَاها في حَجَّةِ الوَدَاع "ذبَحَهُما بيدِهِ وسَمَّى وكَبَّر قائِلاً بسم الله، والله أكبر" أمَّا التَّسْمِيَة فهي شَرْط لِحِلّ الذَّبِيحة، وأمَّا التَّكبير فهو على سبيل النَّدْب والاسْتِحْبَاب، الخُطَباء يُرَدِّدُون قُبَيْل الذَّبْح في الخُطَبْ، يقول: بسم الله وُجُوباً والله أ كبر اسْتِحْبَاباً يعني على ما يقولُ الفُقهاء قائِلاً: بسم الله وُجُوباً والله أ كبر اسْتِحْبَاباً، تَجِد العَامَّة إذا أَضْجَعَ أُضْحِيَتَهُ قال: بسم الله وُجُوباً والله أكبر اسْتِحْبَاباً! يَظُنُّون أنَّ هذا اللَّفْظ مطلُوب، مع أنَّ الخطيب يَتْبَع الفُقهاء العُلماء الذِّينَ قالُوا هذا، يَذْكُر اللَّفْظ مَقْرُوناً بِبَيَان حُكمِهِ أنَّ التَّسْمِيَة واجِبَة، والتَّكبير مُسْتَحَب، وتَجِد العَامِّي إذا سَمِع هذا الكلام يقول: إذا أَضْجَعَ أُضْحِيَتَهُ قال: بسم الله وُجُوباً والله أكبر اسْتِحْبَاباً! يعني حَرفيَّة المسألة، مع أنَّهُ ينبغي أنْ تُغيَّر هذهِ الصِّيغة إذا حَفِظَها النَّاس وصَارُوا يَتَدَاوَلُونها "وسَمَّى وكبَّر وَوَضَع رِجْلَهُ على صِفاحهِما" يعني السُّنَّة أنْ تُضْجَعْ الأُضْحِيَة إذا كانت من الغَنم ، أو من البَقَر على الجَنْب الأيْسَر، ويَضَع رِجْلَهُ اليُمْنَى على الصَّفَحْة اليُمْنَى الرَّقَبَة، ويُمْسِك الرَّأس باليد اليُسْرَى والمُدْيَة باليد اليُمْنَى ويُمِرُّها على الحَلْق والمريء والودْجَينْ، والدَّم الذِّي يخرج نَجِسْ إجماعاً وهو الدَّم المَسْفُوح، "وََضَع رِجْلَهُ على صِفاحِهِما" كُلّ هذهِ سُنَن، فالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ضَحَّى بِكَبْشَيْن أَحَدُهُما عن مُحمَّد -عليه الصَّلاة والسَّلام- وعن آلِ مُحمَّد، والثَّاني عمَّن لمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّة مُحمَّد -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فالأُضْحِيَة سُنَّة في قولِ عَامَّةِ أهلِ العِلم، وأوْجَبَها أبو حنيفة ومَال شيخ الإسلام -رحمهُ الله- إلى ذلك، وتُسْتَحب في حقّ الجميع، حتَّى الفقير يُستحبُّ لهُ أنْ يَقْتَرِض فَيُضَحِّي، وهي تُجْزِئ عن الشَّخص وعن أهل بَيْتِهِ يكفِيهِم أُضْحِيَة واحِدَة عنهُ وعن أهلِ بَيْتِهِ.
  • ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴿١٤٨﴾    [النساء   آية:١٤٨]
مطل الغني: المراد به مدافعته وتأخيره الدفع، دفع المال لمستحقه ((ظلم)) في بعض الروايات: ((لي الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) وما دام ظلم فهو محرم ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) فيجب دفع المال لصاحبه متى طلبه، إذا كان حالاً، ولا يجوز حينئذٍ تأخيره، وإذا أخره الواجد وهو الغني استحق العقوبة، استحق التعزير من قبل الإمام ((يبيح عرضه)) بأن يقول صاحب الدين: مطلني فلان، ما هو يبيح عرضه يعني يلصق به التهم، ويتحدث به في المجالس، ويستطيل في عرضه بما كان وما لم يكن! لا، أهل العلم يقولون: يبيح من عرضه أن تقول: مطلني فلان، {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] وهذا مظلوم لكن بقدر المظلمة، وعقوبته يعني يعزر، من الذي يعزره؟ من له التعزير وهو الإمام، ما يأتي يقول له: أعطني مالي، يقول: والله غداً -إن شاء الله- تأتينا، أو الجمعة أو السبت ثم يضربه وإلا يتعدى عليه، يقول: أنا الشرع أباح لي عقوبته، وأنا أعاقبه! ليست لك العقوبة، وإنما العقوبة لمن جعل الله بيده الحدود والتعازير وهو الإمام.
  • ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴿١٠١﴾    [النساء   آية:١٠١]
"نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية" لحوم الحمر الأهلية كانت مباحة، كانت في أول الأمر مباحة، ثم جاء ما يدل على تحريمها والسبب أنها هي الظهر الذي يركب، أفنيت الحمر، أكلت الحمر، فصدر الأمر بتحريمها، فهي محرمة عند جمهور العلماء، وعند المالكية مكروه كراهة شديدة، والسبب الباعث على تحريمها كونها الوسيلة وسيلة النقل، فإذا أفنيت الناس محتاجون إلى الانتقال بها، لكن هل هذا السبب يستقل بكونه علة يرتفع الحكم بارتفاعها؟ نعم؟ لا يستقل بكونه علة، وإلا قد يقول قائل: خلاص الآن ما لها فائدة الحمر، لا يستقل بكونه علة؛ لأن من الأحكام ما يشرع لسبب، ويرتفع السبب ويبقى الحكم، مثال ذلك؟ طالب:....... نعم؟ طالب:....... الاضطباع، أو الرمل في الطواف؟ طالب:....... لا لا الرمل في الطواف، في عمرة القضاء قال المشركون: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- الأشواط الثلاثة، وما منعه من أن يرمل بقية الأشواط إلا الإبقاء عليهم، الرمل الآن مشروع أو غير مشروع؟ مشروع، في أحد يقول: إن المسلمين يجون وقد وهنتهم الحمى أو المرض أو غيره؟ ارتفعت العلة وبقي الحكم، ومثله قصر الصلاة في السفر، علته: {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفع الخوف، فصار القصر صدقة تصدق الله بها، فهناك علل وأسباب يقرر من أجلها الأحكام ثم ترتفع هذه العلل وتستمر الأحكام وهذا منها، الحمر الأهلية لما كانت مباحة فهي داخلة في قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] ولما حرمت "يحرم عليهم الخبائث" يعني هذا الحمار بعينه أمس طيب واليوم خبيث؟ نعم لما كان حلال أمس هو طيب واليوم لما حرم صار خبيث، يعني انقلبت عينه من الطيب إلى الخبث، أو نقول: هذا طيب وخبث معنوي يتبع التحليل والتحريم؟ يعني مادته اللي أكل منه أمس ما يتضرر واللي أكل منه اليوم يتضرر؟ هاه؟ نعم؟ طالب:....... هل نقول: هذا الوصف بالطيب أو بالخبث هل هو تغير حقيقة بمعنى أن من أكل الحمار قبل تحريمه لا يتضرر بشيء ومن أكله بعد تحريمه وصيرورته خبيثاً يتضرر؟ أو نقول: هذه أمور معنوية تابعة للحكم الشرعي وليس لأحد كلام؟ أو أن الله -جل وعلا- نزع الخصائص التي تجعلها طيبة، وأودع فيها خصائص الخبيث؟ يعني مثل الخمر أن الله -جل وعلا- لما حرمها سلبها المنافع، وهذا ليس ببعيد.
  • ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾    [العنكبوت   آية:٦٩]
عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رباط يوم)) الرباط لزوم الثغور، هي الحدود التي بين المسلمين والأعداء، التي يخشى على المسلمين من مرور الأعداء من خلالها، الثغور، فالمرابطة في هذه الثغور من أفضل الأعمال، ومن خير ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، فرباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وابن المبارك الإمام المجاهد يقول: إذا أشكل على أحد أمر –يعني وإن كان من أهل العلم- فليسأل أهل الثغور، طيب أنت أشكل عليك مسألة علمية تسأل أهل الثغور؟ قد يكون أهل الثغور ما عندهم شيء من العلم مثلما عندك، يقول: لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [(69) سورة العنكبوت] يقول: اسألوهم، تجدون الخير كله عندهم. ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)) يوم واحد، وركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، طيب إذا كانت هذه الأمور اليسيرة خير من الدنيا ليش عامة المسلمين عموم المسلمين خاصتهم وعامتهم تعلقوا بالدنيا؟ هذه غفلة. الناس في غفلة عما يراد بهم كأنهم غنم في أيدي جزارِ غفلة، ركعتين بدقيقتين خير من الدنيا وما فيها، من يعرف حقيقة الدنيا؟ يعرفها أهل الآخرة، يعرفها العباد، يعرفها الزهاد، يعرفها سعيد بن المسيب، لما خطبت ابنته لابن الخليفة للوليد بن عبد الملك، السفير الخطيب، الخطيب هذا الواسطة بينهما السفير بينهما يقول: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يتزوج ابنتك، جاءتك الدنيا بحذافيرها، يقول: إيش الدنيا؟ إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا يقسم لي الخليفة من هذا الجناح؟ ويزوجها طالب لا يملك شيئاً البتة، لكنه يملك رأس المال الدين، هؤلاء الذين عرفوا حقيقة الدنيا، وعرفوا ما أعد الله لخلقه في الآخرة.
  • ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨﴾    [النحل   آية:٨]
فهذه النصوص تدل على إباحة لحوم الخيل، وقال بهذا أكثر أهل العلم؛ بأن لحم الخيل مباح، ومثله حمر الوحش، الحنفية قالوا: بكراهة أكل لحوم الخيل، وأيضاً هو مروي عن الإمام مالك، والمحقق عند الحنفية عند المتأخرين أن الكراهة هذه للتحريم، يعني يحرم أكل لحوم الخيل عند الحنفية، طيب دليلكم يالحنفية؟ قالوا: الله -جل وعلا- امتن بركوب الخيل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] فلو كانت مما يؤكل ما جمعت مع الحمر الخيل الحمير البغال تجمع وتساق بمساق واحد، أولاً: معروف عند أهل العلم أن الاستدلال بدلالة الاقتران ودلالة الاقتران ضعيفة، يبقى أقوى ما عندهم الامتنان بالركوب والتزين، ولو كانت مما يؤكل لكان الامتنان بأكلها؛ لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، هل هذا مطرد؟ أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع فلو كانت تؤكل لامتن بأكلها، ما امتن بركوبها، هم يقولون هذا، لكن هذا لا يطرد، الغنم وش أعظم وجوه الانتفاع بها؟ الأكل، وذلك ما يمتن بما هو أعظم من الأكل، لكن الخيل تركب وتؤكل أيهما أعظم نفع؟ الركوب، ركوبها أعظم في الانتفاع من أكلها؛ لأن لحمها أقل من مستوى لحم غيرها مثل الإبل والغنم والبقر، من جهة، وأيضاً استعمالها مركوب أفضل من غيرها، ولذلك يمتن بها على أساس أنها مركوب، ولا يمتن بها على أساس أنها مأكول، وإن كانت مأكولة، ولذا الإنسان يمدح بأبرز ما فيه، وإن كان فيه صفات أخرى، نعم لو تصورنا أن شخص خطيب من أخطب الناس ويقول الشعر، لكن صفة الخطابة أقوى، يترجم في طبقات الخطباء أو في طبقات الشعراء؟ الخطباء، لكن العكس لو كان شاعر بارع وخطابته ما لها زود مثل غيره، يترجم في طبقات الشعراء، وقل مثل هذا فيما لو كان مفسر وعنده شيء من الفقه يترجم في طبقات المفسرين، لو كان فقيه ومشارك في التفسير وهكذا، فكل إنسان يدرج فيما يتميز به أكثر من غيره، وهنا بالنسبة للخيل ركوبها أفضل من أكلها، وقولهم أيضاً بعد: إن الأكل أعظم وجوه الانتفاع صحيح، لكن يبقى أنه ليس على سبيل الاطراد، ليس على سبيل الاطراد، لو قدر أنك في مفازة واحتجت للأكل، يعني معنى ضرورة بحيث تموت، احتجت للأكل واحتجت إلى قطع هذه المفازة، هل تقول: والله أنحر الفرس وآكله وأتغدى وأتعشى واستأنس والركوب يحلها الله؟ أو تقول: لا أتعدى هذه المفازة ثم بعد ذلك أشوف أنظر، فالمسألة ما هي مطردة أن الأكل أعظم من غيره باستمرار، لا، قد تكون الحاجة إلى الركوب أكثر من الحاجة إلى الأكل، ولذا لما امتن -جل وعلا- في آخر سورة ياسين {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [(71- 72) سورة يــس] قدم الركوب على الأكل؛ لأن الركوب أحياناً يكون أهم من الأكل، أنت الآن في طريق ومعك خمسين ريال ما معك غيرها، السيارة تحتاج إلى بنزين وإلا تبي تقف، وأنت تبي تتعشى، تتعشى أو تعبي بنزين؟ تعبي بنزين تتعشى وتجلس، ما هو بصحيح، لكن لو قدر أن هناك ضرورة تبي تموت، لا تأكل يا أخي أهم، الركوب ينحل، فليس بمطرد أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع من كل وجه في كل ظرف وفي كل زمان، فقولهم مرجوح، والأدلة لا إشكال فيها وهي صريحة في إباحة أكل لحوم الخيل، والبغل جاء النهي عنه كالحمار، في خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وعن البغال، وهو متولد بين الخيل والحمار، بين مباح ومحظور، فالذي يتولد بين مباح ومحظور يغلب فيه جانب الحظر من باب اتقاء الشبهة، وهذا فيه نص.
إظهار النتائج من 1461 إلى 1470 من إجمالي 3182 نتيجة.