عرض وقفات احكام وآداب

  • ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١﴾    [عبس   آية:٣١]
ما يُروى عن الصحابي من أسباب النزول فهو مرفوع؛ لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- طرف في التنزيل سواء ذُكِر أو لم يُذكَر، وعليه حمل أهل العلم كلام الحاكم في قوله: (ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند)، حمله أهل العلم على أسباب النزول، ولذا يقول الحافظ العراقي: وعَدُّ ما فسّره الصحابي رفعًا فمحمولٌ على الأسباب وسبب حمله على أسباب النزول؛ أن الصحابي قد يجتهد ويفسر القرآن من غير رفعٍ للنبي –صلى الله عليه وسلم-، بل بما يعرفه من لغة العرب، أو بما استنبطه مما آتاه الله –سبحانه وتعالى- من فهم كابن عباس –رضي الله عنه- الذي دعا له النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه الله التأويل، فالذي يُؤثَر عن ابن عباس –رضي الله عنه- من التأويل من أثر هذه الدعوة من فهمه ليس بمرفوع، وليس له حكم الرفع. وأما الحاكم فكأنه نظر إلى أن التفسير بالرأي مذموم، والصحابة -رضوان الله عليهم- من أشد الناس تحريًّا وتثبتًا في تفسير القرآن من غير مستند فجعل تفسيرهم من قبيل المرفوع، قال أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- لما سئل عن تفسير الأبّ في قوله تعالى: {وَفَٰكِهَة وَأَبّا} [عبس: 31] قال: (أيُّ سماء تظلّني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله برأيي؟!). وإذا قلنا: إنه مرفوع، والنبي –صلى الله عليه وسلم- طرف في التنزيل، فكيف يُروى عن جمع من الصحابة أسباب مختلفة لنازل واحد؛ بأن يذكر عن ابن عباس –رضي الله عنه- سبب نزول، ويذكر عن ابن عمر –رضي الله عنهما- سبب نزول آخر؟، نقول: قد يتعدد سبب النزول لنازل واحد، فتنزل الآية مرتين –مثلًا- في قصتين متوافقتين يشملهما حكمها، وهذا المسلك يسلكه بعض العلماء صيانة للرواة الأثبات عن التوهيم، فقد ورد أن آيات اللعان، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] نزلت في عويمر العجلاني –رضي الله عنه- وهي في (صحيح البخاري) [7304]، وورد أنها نزلت في هلال بن أمية –رضي الله عنه- [البخاري: 4747]، يقول بعض أهل العلم: النازل نزل بسبب أحدهما، فعندما حصلت القصة نزل القرآن على النبي –صلى الله عليه وسلم- مبينًا الحكم، فتلاه على الصحابة –رضوان الله عليهم-، وسمعه من سمعه منهم، فنقل السبب والمسبب، ثم حصلت قصة ثانية، فتلا النبي –صلى الله عليه وسلم- الآية، وسمِعها من لمن يسمعها قبل، فقال: «فأنزل الله –عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}» إلى آخره، فيظن السامع الثاني أنها نزلت لأول مرة، وهي قد نزلت قبل ذلك. وبعض العلماء يحكم بالترجيح في مثل هذا ويقول: الراجح هو المحفوظ وما عداه شاذ، لكن إذا أمكن صيانة الرواة بقدر الإمكان فلا يُعدل إلى الترجيح.
  • ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾    [العنكبوت   آية:٢]
يمكن تقسيم الآيات الواردة في الفتن في القرآن الكريم إلى قسمين رئيسيين: - القسم الأول: الآيات الواردة في الفتن العامة، وهي التي تضرب سنام الدين، وتكسر قناته، وتنقض عرى التوحيد عروة عروة، وهي أخطرها على الإسلام وأهله، يقول الله جل وعلا: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ١٩١ ] فالفتنة أكبر من القتل، وحينئذٍ يصبر المسلم على قتله وإراقة دمه وإزهاق روحه خشية هذه الفتنة التي هي الردة عن الإسلام -نسأل الله السلامة والعافية-، ومعنى الفتنة في هذه الآية: الشرك، وهو قول عامة السلف. - القسم الثاني: الآيات الواردة في الفتن الخاصة التي تكون في أفراد الناس من الأنبياء والأتقياء والصالحين اختبارًا وامتحانًا وابتلاء من الله جل وعلا لهم، يقول الله جل وعلا: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [ العنكبوت: ١ - ٣ ] أي أحسب الناس أن يؤمنوا وهم لا يختبرون ويمتحنون!.
  • ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٦٧﴾    [التوبة   آية:٦٧]
((ألا أُعلِّمُكَ كلمات)) ما هذه الكلمات؟! كلمات عظيمة، على المُسلم أنْ يُعْنى بها، يقولُ بعضُ السَّلف لمَّا سَمِع الحديث، وكادَ قَلْبُهُ أنْ يَطِيرْ، يقول: "وا أسفا على عُمْرِي الذِّي ضَاع قبل أنْ أعرِفَ هذا الحديث!" لماذا؟! لأنَّها أوامر رُتِّب عليها نتائج، ولا يَسْتَغْنِي أي مُسلم عَنْ هذهِ النَّتائج، وإذا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِتَحَقُّقِ هذهِ النَّتائج؛ فعليهِ أنْ يَمْتَثِل هذه الأوامر، ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) مَعْنَاهُ: احْفَظ أوامر الله؛ فلا تُضيِّعها، واحْفَظْ حُدُود الله؛ فلا تَتَجَاوَزْهَا، واحْفَظْ مَا جَاءَكَ عَن الله من مَحْظُورَاتْ؛ لِتَجْتَنِبَها، فَمن حَفِظ الأوامر وفَعَلَها، وعَرَف النَّواهي واجْتَنَبَها؛ حَصَل لهُ جَوَابُ الطَّلب ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) والجزاءُ من جنس العمل، فمن حَفِظَ الله يعني حَفِظَ حُدُود الله، وأوامر الله واجتنبَ ما نَهَاهُ الله عنهُ، وحَفِظَ جوارحهُ؛ حَفِظَهُ اللهُ -جلَّ وعلا-، وبالمُقابل {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة/ ( 67 )] الجزاءُ من جنس العمل ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ))، ويكون هذا الحِفْظ؛ بحفظِ حُدُودِهِ، وحِفْظِ الجَوَارِحْ؛ ولِذا بعض العُلماء ولعلَّهُ طاهر بن عبد الله الطَّبري قد جَازَ المائة، واعْتَرَضَتْهُ حُفرة كبيرة؛ فَقَفَزَهَا! وقد جَازَ المائة، فقيل لهُ: كيف غَامَرْت بِهَذِهِ الحُفْرَة وأَنْت جَاوَزْتَ المائة؟! فقال: جَوَارِحٌ حَفِظْنَاهَا فِي الصِّغَر؛ فَحَفِظَهَا اللهُ لَنَا فِي الكِبَر!. ومن الشَّواهد على ذلك شيءٌ أَدْرَكْنَاهُ إمام مسجد في الرياض قبل ثلاثين عام أيَّام الحَفْرِيَّات العميقة للمجاري كان يؤم مسجد فَخَرَج من المَسْجِد، وهو كَفِيف البَصَر! والذِّي أجزمُ به أنَّهُ يُناهز المائة! فَخَرَج من المَسْجِد، فَوَقَع في حُفرةٍ عَمِيقَةٍ جدًّا! فَفَزِعَ النَّاسْ لمَّا الشيخ سَقَطْ، وهو كبير جدًّا! لمَّا أخرجُوهُ من هذه الحُفرة فإذا بِهِ لم يَمسُّهُ شيءٌ من الأذى! إلاَّ العصا انكسر! وهذا الشيخ معرُوف بالصَّلاح، ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) احْفَظْ البَدَنْ، احْفَظْ العَقل لا يَضِيعْ عَقْلُك بِمَا لَا يَنْفَعُك، أنْت عَاقِل تُضَيِّع عقلك وتُهْدِر عقلك فيما لا يَنْفَعُك؟! احْفَظْهُ مِن الصِّغر؛ يُحْفَظْ لَكَ فِي الكِبَر، احْفَظْ عِلْمَكَ مِنَ المُخَالَفَاتْ؛ يُحْفَظْ لَكَ، وتُثبِّتْ، وتُسَدَّدْ حَتَّى المُوَافَاة، ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) كلامٌ عامٌ مُطلق يتناول جميع ما يُمكن حِفْظُهُ مِنْ قِبَل العَبْد، والجزاءُ من جنس العمل.
  • ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٣١﴾    [النور   آية:٣١]
وحيثُ كان من النَّهيِ اجتَنِبهُ وإن زَلَلتَ؛ تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ ((...فإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنِبُوهُ))، وحيثُ كان من النَّهيِ اجتَنِبهُ يعني من غير مَثنَوِيَّة، أمَّا الأمر ((فإذا أمرتكم بأمر فاءتُوا منه ما استطعتم)) وإن زَلَلتَ وَقَعتَ في محظُور وتَرَكتَ مَأمُور؛ تُب منهُ، بَادِر بالتَّوبة، التَّوبة واجِبَة بشرُوطها {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [(31) سورة النــور] تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ، أَلزِم لِسَانَكَ الاستِغفَار، مع النَّدَم مِن فِعلِ هذهِ المُخالفة سَواءً كانت في تَركِ مأمُور أو فِعلِ مَحظُور، وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت، يعني مُحاسبة، مُراقبة، إذا أَوَيتَ إلى فِراشك، انظُر ماذا فَعَلت، وماذا تَرَكت، مَا فَعَلتَ من طَاعة؛ فاحمَد الله -جلَّ وعلا- على أن وَفَّقَكَ عليها، ومَا فَعَلتَ من مُخالفة سواءً كانت في كلامٍ أو قول، أو تقصير في فعل تُب إلى الله بادر حاسب نفسك قبل أن تُحاسب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] ما قدَّمت ليوم العرض على الله -جلَّ وعلا-، وإن زَلَلتَ؛ تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ. وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت والنَّهيِ هَل نَزَعَت عَن مُوجب النَّقَمِ! يعني حاسِب النَّفس هل فعلت المأمُور وتَرَكَت المحظور؛ لكن واقِعُنا! يُثقِلُ علينا المُحاسبة... لماذا؟! لأنَّ تَصَرُّفاتنا في يومنا وفي ليلتنا كثيرة! والمُخالفات كثيرة، والله يعفو ويسامح، فإذا أرادَ أن يُحاسب... كيف يُحاسب؟! لا يُحِيط بما قال! فضلًا عَمَّا فعل! أقوالُهُ لا يستطيع أن يُحيط بها، كلامُهُ كثير، تَجِد الإنسان ثرثار! في أي مجلس يَتَصَدَّر ويتكلم بِحقّ وباطل ومُباح ومحظُور وفي غيبة ونميمة وقد يقول كلمة حق، ثُمَّ بعد ذلك يُردِفُهُ... كلام كثير! يعني ما يُمكن إلاَّ إنك تجِيب لك مُسجِّل يصحبك ليلك ونهارك! فإذا أويت إلى فِراشِك تسمع هذا المسجِّل! فتكون مُدَّة التَّسجيل أكثر من وقت النُّوم! هذا واقع كثير من المُسلمين، هذا الذِّي يُثقِل المُراقبة! لكن عند سلف هذه الأُمَّة الذِّينَ يُراقِبُون ((أن تعبُدَ الله كأنَّكَ تراهُ)) هذهِ منزلَة المُراقبة؛ لأنَّ أقوالَهُم قليلة، وخُلطَتُهُم يسيرة، وأَضَرُّ شيءٍ على الإنسان الخُلطَة، هي التِّي تَجُرُّ لها الأقوال والكلام؛ لأنَّهُ لا يُمكن أن يُخالط النَّاس ويسكت! لكن لو انزَوى في بيتِهِ أو في مَسجِدِهِ أو في مَكتَبَتِهِ، وجَلَس يقرأ القرآن، ويذكر الله -جلَّ وعلا-، ويَنظُر في كتب العلم، وإذا نَشِط صَلَّى لهُ ركعتين وما أشبه ذلك؛ هذا مُرَاقَبَتُهُ ومُحاسَبَتُهُ سَهلَة؛ لأنَّ الكلمات التِّي تَكَلَّم بها مع النَّاس يسيرة ومَعدُودَة، ووقت الفراغ عندَهُ بعد شَغلِ عُمُرِهِ وأَنفَاسِهِ في طاعةِ الله، وقت فَرَاغُهُ يسير؛ لكن ماذا عَمَّن وَقتُهُ كُلُّهُ يَجُوبُ الأسواق يَمِيناً وشِمَالاً، واجتماعات، ومحافل، وما أدري ويش.. يعني هذا لا شَكَّ أنَّ المُراقبة عِندَهُ صعبة، يعني كمن يأتِي إلى مُؤَسَّسَةٍ كُبرَى مُتَعَدِّدَةِ المَنَاشِط والفُرُوع، ثُمَّ يقول: والله أنا مُحاسب لهذهِ الشَّركة، كيف تحاسب من هذه الشركة؟! لكن شخص عندَهُ مَحَلّ، ويَبِيع مِنهُ أشياء يسيرة يعرف وش باع وش اشترى وكذا... يستطيع أن يستخرج خُلاصة يومِيَّة بنفِسِهِ ما يحتاج إلى مُحاسِبِين، واللهُ المُستَعَان. والنَّهيِ هَل نَزَعَت عَن مُوجب النَّقَمِ! فإن زَكَت؛ فاحمَد المَولَى مُطَهِّرَها ......................... الذِّي طَهَّرَها وزَكَّاها هو الله -جَلَّ وعَلَا-، وهُو المُنعِم المُتَفَضِّل أوَّلًا وآخِرًا، وهو أهلُ الحَمد، وأهلُ الشُّكر. ................................ ونِعمَةُ اللهِ بالشُّكرَانِ فاستَدِمِ {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] ونِعمَةُ اللهِ بالشُّكرَانِ؛ فاستَدِمِ. وإن عَصَت فاعصِها واعلَم عَدَاوَتَها .................................. يعني النَّفس إن عَصَت أو حَاولَت ورَاوَدَت الوُقُوع في مَعصِيَة؛ فاعصِها، واعلَم عَدَاوَتَها – نعم – النَّفس عَدُوّ للإنسان، نفسُهُ التِّي بينَ جَنبَيه عَدُوَّةٌ لهُ ، تَدعُوهُ إلى ما لا يُرضِي الله -جَلَّ وعلا-. وخَالِف النَّفسَ والشَّيطان؛ واعصِهِما وإن هُما مَحَضَاكَ النُّصحَ؛ فاتَّهِمِ يعني هذا البيت حقّ، وإن كانَ في القصيدة فيها باطل كثير – نعم –... وخَالِف النَّفسَ والشَّيطان؛ واعصِهِما وإن هُما مَحَضَاكَ النُّصحَ؛ فاتَّهِمِ هذا كلام صحيح ومقبُول، والقَصِيدة فيها كما هو معلُوم فيها الشِّرك – نسأل الله العافية – أعنِي البُردة. وإن عَصَت فاعصِها واعلَم عَدَاوَتَها وحَذِّرَنها........................ حَذِّر النَّفس، وكُن باستمرار مُجاهِداً لهذِهِ النَّفس. ................................... وحَذِّرَنها وُرُودَ المَورِدَ الوَخِمِ {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [(71) سورة مريم] الوُرُود مَضمُون؛ لكن الصُّدُور من هذا الموعود هُو المَشكُوك فيهِ، وحَذِّرَنها وُرُودَ المَورِدَ الوَخِمِ.. وانظر مَخازِي المُسِيئينَ التي أُخَذُوا بِها وحَاذِر ذُنوبًا مِن عِقابِهِمِ يعني هُم عُذِّبُوا، واستَحَقُّوا العذاب مِنَ الأُمَم السَّابقة واللَّاحِقة والمُعَاصِرَة؛ إنَّما عُذِّبُوا بِذُنُوبِهِم، بِما كَسَبَت أيدِيهِم، ولا تَفعَل مِثل ما فَعَلُوا؛ لِئَلَّا تَكُون نَتِيجَتِك مثل نَتِيجَتِهِم، والسُّنَن الإلَهِيَّة لا تَتَغَيَّر، ولا تَتَبَدَّل.
  • ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿١١٠﴾    [الكهف   آية:١١٠]
بعض المبتدعة قالوا: إن قصد الجنة بالعمل، وقصد النجاة من النار بالعمل، داخل في المنع. يعني إذا عمل الإنسان عملًا يكون قصده امتثال أمر الله -جلَّ وعلا-، واجتناب نهيه فقط، من غير نظر إلى جنة ولا نار. فإن نظر إلى جنة أو إلى نار فقد دخل في قوله تعالى: {ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110]. لكن لو كان هذا النظر مؤثرًا لما ذكر في النصوص، وصار حادي يحدو للعمل. والأمر الآخر: أن الذي يخاف النار هل هو خائف من النار ذاتها، أو من الذي بيده النار يعذب بها؟!. كمثل رجل بيده سوط أو سلاح، فأنت تخاف من السلاح والسوط، أو تخاف من الذي هي بيده؟ فالسلاح أو السوط لو كان وحده ما ضرك، لكن الذي بيده السوط هو الذي يخاف منه. فالذي يخاف من النار هو في الحقيقة خائف من الله -جلَّ وعلا- الذي يعذب بالنار. والذي يرجو أو يلحظ الجنة في عمله، إنما هو يرجو الله -جلَّ وعلا- أن يدخله جنته التي ذكر عنها ما ذكر، فقولهم ليس بصحيح.
  • ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾    [يوسف   آية:١٠٠]
أهل السنة والجماعة لا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، والتحريفُ: إمالةُ الكلامِ عَنِ المَعْنَى المُتَبَادِرِ مِنْهُ إِلى مَعْنًى آخَرَ لا يَدُلُّ عليهِ اللفْظُ ولا دليلَ على إرادته، لكنْ لَوْ دَلَّ الدليلُ على إرادةِ هذا الاحتمالِ المرجوحِ، صحَّ صرفُ اللَّفظِ إليه، ويُسَمَّى تأويلًا، ومِنْهُ المقبولُ والمردود، أما المقبول: - فيُطْلِقُهُ أهلُ العلمِ ويُريدُونَ بِهِ ما يُرَادِفُ التفسيرَ، وكثيرًا ما يَقُولُ إمامُ المفسرينَ ابنُ جريرٍ الطبريُّ –رحمه الله-: (القَوْلُ فِي تأويلِ قولِ اللهِ) ويُرِيدُ بِذلكَ التفسيرَ. - ويُطْلَقُ التأويلُ على مَا يَؤُولُ إليهِ الأَمْرُ ويرجع. - ويُطْلَقُ أيضًا على تَحَقُّقِ الوعدِ أَوِ الخَبَر، كما في قوله تعالى: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ} [يوسف: 100]. وأما المردود فهو التحريف، فالتأويلُ لَهُ مُسْتَنَدٌ ومُرَجِّحٌ، وإذا خلَا عَنْ هذا المُرَجِّحِ فهو تحريفٌ، فصار مردودًا. فأهلُ البدعِ يُسَمُّونَ تحريفَهم تأويلًا حين يصرِفون اللفظَ عن معناه الراجحِ إلى معناه المرجوحِ من غيرِ دليلٍ ولا قرينةٍ؛ فَإِذا جَاءَ عَنِ اللهِ وَصْفٌ مِنْ الأوصافِ كاليَدِ مَثلًا، وجاءَ في لغةِ العربِ إطلاقُها على النِّعْمَةِ، قالوا: اليَدُ الحقيقيةُ احتمالٌ راجحٌ، والنعمةُ احتمالٌ مرجوحٌ، فَنَحْنُ نَعْمِدُ إِلى الاحتمالِ المرجوحِ، وهَذا هو التأويلُ. ونحن نَقُولُ: لابد أن يكونَ عِنْدَكُمْ دليلٌ يَقْتَضِي ترجيحَ وإرادةَ هذا الاحتمالِ المرجوحِ مِنْ كتابٍ أو سنةٍ لكي يكونَ تأويلًا مقبولًا، وإلا فهو تحريفٌ. والله أعلم.
  • ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴿١١﴾    [الأحقاف   آية:١١]
زوال المانع من قبول الحجة لا يشترط إذا بلغت الحجة الإنسان وفهمها لكن مع ذلك بقي لديه مانع من قبولها، وذلك كأن تقول له: (الطواف بالقبر حرام، شرك)، ويقول: (لكم قناعاتكم ولي قناعاتي، أنتم تقتدون بمشايخ وأنا أقتدي بمشايخ، فنحن منذ أن عرفنا أنفسنا وشيوخنا يفعلون هذا، والناس يعظمونهم واستفاض فضلهم ومعرفتهم، وتبرأ الذمة بتقليدهم) فمثل هذا المانع لا يشترط زواله، ولم يشترطه أحد، وإلا لكان مشركو العرب في الجاهلية معذورين؛ لأنهم تبعوا آباءهم واقتدوا بهم ووجد المانع من قبول ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال تعالى عن مقولتهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11]؛ لأنهم يعتقدون في آبائهم، وهؤلاء المبتدعة يعتقدون في مشايخهم ومتبوعيهم، والضلال كثيرًا ما يحصل بسبب هذا.
  • ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿٥﴾    [طه   آية:٥]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في بيان معنى الإيمان بالله وبما وصف به نفسه: (ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ). التكييفُ: اعتقادُ أن صفاتِه تعالى على كيفيَّةِ كذا، أو السؤال عنها بكيفَ؛ لأن اللفظ الذي وردت به الصفة له معنًى وله كيفيةٌ، والناس في هذا أقسام خمسة: الأول: من ينفي اللفظ بالكلية من غير تأويل، وهذا أشد الأقسام، وفاعله يكفر؛ لأن هذه محادَّةٌ ومُصادَمةٌ وإنكارٌ لما ثبَتَ بالضرورةِ من دينِ الإسلامِ. الثاني: من يُؤَوِّلُ اللفظ تأويلًا غيرَ سائغٍ، كما هو حالُ بعضِ طوائفِ المبتدعةِ، وبدعتُهم مُغلَّظَةٌ عندَ أهلِ العلمِ. ومثال ذلك: أن يقول المبتدع في معنى قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] أي: استولى. فيؤوِّل اللفظ تأويلًا غيرَ سائغٍ فيحرّف المعنى، وهو في الحقيقة معطّل، ولكي يقبل تعطيله ولا يعد محادة لله -تعالى- كما لو أنكر المعنى، أتى بهذا المعنى البعيد، فعطَّلَ المعنى الحقيقيّ، ثم أثبَتَ غيرَه مما لا يريدُه اللهُ، فهو مُعطِّلٌ ومُحرِّفٌ. ولذلك فأهلُ العلمِ كفَّروا الجهميَّةَ؛ لأن تأويلَهم كلا تأويل، فوجودُه مثلُ عدمِه. الثالثُ: من يُثبِتُ اللفظَ ولا يُحرِّفُه ولكن لا يَعْتَقِدُ له معنًى، بل يقولُ: هذا مُتشابِهٌ لا نعرِفُ له معنًى. وهذا يُسمَّى عندَ أهلِ العلمِ بالتفويض. الرابعُ: أن يُقَرَّ باللفظِ كما جاءَ، مع اعتقادِ أن له معنًى يَليقُ باللهِ، وهذا هو الصوابُ، وهو منهجُ أهلِ السنةِ والجماعةِ. الخامسُ: كالرابعِ يقرُّ باللفظِ والمعنى، ولكن بعدَ ذلك يطلبُ الكيفيةَ، فيعبر عن كيفية اللفظ، ويسأل عنه بـ(كيف)، فهذا هو التكييفُ. ومثاله: قول المبتدع: كيف استوى الله على العرش؟، فإذا أجيب بأنه استوى كذا، أو كما يستوي فلان، صاحب التشبيهُ التكييفَ في هذه الحال. ولذا جاء في جوابِ الإمامِ مالكٍ وأمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنها- وغيرِهما: الاستواءُ معلومٌ -يعني: معلوم المعنى فليس بطلاسمَ ولا هو من لغةٍ أخرى غريبةٍ-، والكَيْفُ مجهولٌ. فمَن دخَلَ في التكييفِ خرَجَ عن دائرةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ.
  • ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٣٥﴾    [الأحقاف   آية:٣٥]
الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يقول: (وظننت حين سألتني تجشّم ذلك أن لو عُزِم لي عليه، وقضي لي تمامه، كان أول من يصيب نفعُ ذلك إياي خاصةً) يعني أن أول من يستفيد من التأليف هو المؤلف، وأول من يستفيد من التعليم هو المعلم، هذا معنى كلامه، لكن ما معنى (عزم لي)، والفعل مبني للمجهول، من فاعله؟ يقول القاضي عياض: (قال الإمام -المازري-: لا يُظن بمسلم -بالإمام مسلم- أنه أراد لو عَزم الله لي عليه؛ لأن إرادة الله لا تسمى عزمًا، ولعله أراد: لو سهّل لي سبيل العزم، أو خلق فيّ قدرة عليه) هذا كلام المازري، وقال القاضي عياض: (قد جاء هذا اللفظ في الكتاب –صحيح مسلم- من كلام أم سلمة –رضي الله عنها- في كتاب الجنائز قالت: ثم عَزم الله لي فقلتها) يعني إذا كان المبني للمجهول مُحتمل أن المراد به الله -سبحانه وتعالى- أو غيره، فمثل قول أم سلمة –رضي الله عنها- هذا لا يَحتمل شيئًا، فإن العازم هنا هو الله -سبحانه وتعالى-. يقول القاضي: (أصل العزم القوة، ويكون بمعنى الصبر، وتوطين النفس وحملها على الشيء، والمعنى متقارب، ومنه قوله -عز وجل-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] ) المقصود أن صفة العزم لله -سبحانه وتعالى- كل هؤلاء العلماء يُنفونها عن الله -سبحانه وتعالى- بما في ذلكم النووي، والخلاف فيها أمره يسير؛ لأنه لم يثبت في إثبات صفة العزم لله شيء مرفوع لا من الكتاب ولا من السنة، وأقوى ما فيه قول أم سلمة –رضي الله عنها- هذا، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ذكر أن لأهل السنة في إثبات صفة العزم لله ونفيها قولان، لكنه رجّح إثبات صفة العزم لله -سبحانه وتعالى-، والله أعلم.
  • ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٠﴾    [البقرة   آية:٢٠]
يَذكُرُ المتكلمونَ مَسألةَ تعارُضِ القَدَرِ، فاللهُ قادرٌ على كُلِّ شيءٍ، فهل يَقدِرُ على ذاتِه المقدسةِ؟ الجوابُ: أما قدرتُه على أفعالِه فهذا مُقْتَضَى الأفعالِ، وأمَّا قدرتُه على ذاتِه بخلافِ ما كَتَبَه أوْ قَرَّرَ أنْ يَفعَلَه فهذا مِنْ بابِ التناقُضِ، كما قالوا في المثال الذي ذكروه: هل يستطيع الرب ـ أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها؟ نقول: إن كلمة (يستطيع) و(لا يستطيع)، جمع بين النقيضين، وهو مُحالٌ، والمُحالُ ليسَ بشيءٍ، فلا يَدخُلُ في قولِه: {على كل شيء قدير} [البقرة: 20] لأنَّه ليسَ بشيءٍ أصْلًا كما قَرَّرَ ذلك شيخُ الإسلامِ –رحمه الله-.
إظهار النتائج من 1451 إلى 1460 من إجمالي 3182 نتيجة.