قد يذكر ربنا في القرآن ( الانسان ) نحو قوله : { وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } [ الكهف : 54 ] .
وأحيانا يذكر ( البشر ) , وذلك نحو قوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ ابراهيم : 10 ] وقوله : { هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ الانبياء : 3 ] , وأحيانا يذكر ( بني آدم ) , كقوله تعالي : { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ } [ الاعراف : 27 ] . فما الفرق بين ( الانسان ) و ( البشر ) و ( بني آدم ) ؟
الجواب : الانس خلاف الجن , والانس خلاف النفور , والانسان لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض , ولا يمكن أن يقوم وحده بجميع أسبابه . ويقال : ( أنست به ) وهو خلاف الوحشة .
وقيل : إن الانسان من الظهور , وأصل الانسان من الايناس وهو الابصار , يقال : آنس الشئ ؛ أي أحسه وأبصره .
وقيل للإنس : إنس ؛ لأنهم يؤنسون ؛ أي : لا يبصرون . قال تعالي : { آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً } [ القصص : 29 ] أي : أبصر , وقيل : هو من النسيان .
وجاء في ( الفروق اللغوية ) : " إن الانسي يقتضي مخالفة الوحشي ... والانسان يقتضي مخالفته البهيمية , فيذكرون أحدهما في مضادة الآخر , ويدل علي ذلك أن اشتقاق الانسان من النسيان وأصله ( إنسيان ) .
والنسيان لا يكون إلا بعد العلم فسمي الانسان إنسانا ؛ لأنه ينسي ما عمله . وسميت البهيمة بهيمة ؛ لأنها أبهمت علي العلم والفهم , ولا
تعلم ولا تفهم فهي خلاف الانسان , والانسانية خلاف البهيمية في الحقيقة ؛ وذلك أن الانسان يصح أن يعلم إلا أنه ينسي ما عمله . والبهيمية لا يصح ان تعلم " .
وأما ( البشر ) فهو من البشرة , والبشرة " ظاهر الجلد , وعبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلدة من الشعر , بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف او الشعر أو الوبر .
وخص في القرآن في كل موضع اعتبر من الانسان جثته وظاهره بلفظ البشر , نحو : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً } وقال : { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ } .
ولما أراد الكفار الغض من الانبياء اعتبروا ذلك فقالوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ } , { مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } .
وعلي هذا قال : { إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } تنبيها أن الناس يتساوون في البشرية , وإنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة والاعمال الجميلة ؛ ولذا قال بعده : { يُوحَى إِلَيَّ } تنبيها أني تميزت عنكم بذلك " .
ومن الملاحظ في القرآن الكريم أنه إذا أراد وصف الانسان بصفات مما طبع عليها , أو غير ذلك من الصفات المتميز بها جاء بلفظ ( الانسان ) ولم يات بلفظ ( البشر ) مما يباعده عن البهيمة .
فقد يصفه بالكفر أو العجلة أو الظلم أو الجدل , أو أن يسأله سؤالا للتبكيت أو الاتعاظ أو نحو ذلك , أو أن يناديه لغرض ما , فإنه يناديه بلفظ الانسان وليس بلفظ البشر , وذلك نحو قوله تعالي : { وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً } [ الاسراء : 11 ] . وقوله : { وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً } [ الاسراء : 67 ] . { وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً } [ الاسراء : 100 ] . { وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } [ الكهف : 54 ] . { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } [ الاسراء : 83 ] . { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } الاحزاب : 72 ] . { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } [ القيامة : 36 ] . { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ } [ الانشقاق : 6 ] . { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [6] الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } [ الانفطار : 6 – 7 ] . ولم يات بنحو ذلك بلفظ ( البشر ) .
وإنما يأتي بلفظ ( البشر ) لإثبات المماثلة وانهم متساوون , ولما ليس فيه أتصاف بشئ من مميزات الانسان .
قال تعالي : { بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ } [ المائدة : 18 ] . { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ ابراهيم : 10 ] . { هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ } [ الانبياء : 3 ] . { وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34 ] . { أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 24 ] ونحو ذلك .
وأما التعبير بـ ( بني آدم ) فإنه استعمله في مقام التذكير بأبيهم , وما وقع له مع إبليس , فيحذرهم مما أوقع إباهم فيه , أو في مقام التكريم كما كرم أباهم وأسجد له ملائكته .
قال تعالي : { يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [ الاعراف : 27 ] . وقبلها : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } [ الاعراف : 26 ] . وبعدها : { يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ الاعراف : 35 ] , وكلها في سياق آدم وإبليس وإخراجه من الجنة .
ونحو ذلك قوله : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ يس : 60 ] .
ومن ذكره في مقام التكريم : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }[ الاسراء : 70 ] .
فناداهم ببني آدم لتذكيرهم بما حصل مع أبيهم , أو تكريمهم كما كرم أباهم , وتحذيرهم ممن أن يقعوا في حبائل الشيطان ومن المعصية .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 118)