التدبر

٦١ ‏{ وإنه لكتاب عزيز } : ‏للعزيز معنيان ‏١- ( القاهر ) ، والقرآن كذلك؛ لأنه هو الذي قهر الأعداء ‏وامتنع على من أراد معارضته. ‏٢- أن لا يوجد مثله. الوقفة كاملة
٦٢ لاتظن بالله الا خيرا ، ولاتتلفظ الا بخير وحق واعلم ان القدر موكول بالمنطق فهذا فلربما ابتلتك الله تعالى بسبب كلمه قلتها فهذا عزير لم يشك في القدره ولكن كان يسال عن الكيفيه فاراه الله القدره والكيفيه في نفسه الوقفة كاملة
٦٣ في كل كلمه تجد درسا عظيما في كيفيه التعامل مع الوالدين الوقفة كاملة
٦٤ ويخلد فيه مهانا موضع لا تتوافر فيه شروط مد الصلة الصغرى ولكنه يُمد وذلك للتواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكناية عن طول الخلود فى النار (فطريقة النطق بالاية تتماشي مع معني الآية)تناسق رائع((وإنك لتلقي القرءان من لدن حكيم عليم)) رواية حفص من طريق الشاطبية الوقفة كاملة
٦٥ ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ عندما ترى عيباً في أنسان أخبره ولا تُخبر غيره فهو المعني بتغييره. ◉ ففي الأولى: نصيحة وأجر. ◉ وفي الثانية: غيبة ووزر. الوقفة كاملة
٦٦ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ كلما خطر ببالي أن الذي بعث النبي الكريم ⁧(ﷺ⁩) وأنزل القرآن العظيم ونصر المؤمنين وهزم الكافرين، ‏حي سبحانه ويسمعني إن دعوته .. ‏شعرتُ بفرح لا يسعه الكون. الوقفة كاملة
٦٧ ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ • ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾: من النعيم المعجل للحفاظ في الدنيا والتي تستوجب الشكر، إتقان القرآن عن ظهر قلب، واستحضارهم الآي في مواضعها من السور، وفهم المعاني، والمعنيّ بالخطاب، وتدبر ما وراء المعاني، مع العمل بالقرآن؛ إذ ليس المراد الحفظ دون العمل، فروح العلم العمل. ووصيتي للحافظ بالضبط والمراجعة، والذي لم يحفظ اتخاذ القرار بحفظه؛ لترتع بهذا النعيم المعجل، فليست المسألة تحتاج تفكيراً، سيمضي العمر وأنت لم تقرر بعد إن لم تحسم قرارك من الآن. جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن ونسأل الله الرفعة به وأن يجعله حجة لنا لا علينا. الوقفة كاملة
٦٨ ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾: ومن دقة أحكام الله تعالى: استيعاب الحكم لاختلاف حال المعني بالحكم إذا كان يتطلب ذلك، كقوله تعالى في كفارة اليمين (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) فعين للحالف وسطية إطعام أهله، وأهل كل أحد مختلف عن أهل غيره فاستوعب الحكم شرائح الناس في قدراتهم وكذلك كلمة (من أوسط) تفيد عدم المبالغة بين طرفي الإسراف والتقتير فما يكون كثيراً عند أناس قد يكون وسطا عند غيرهم وما يكون في بلد قد يكون في غيره على خلافه فمراعاة القدرات يؤكد دقة الحكم وتناهيه في الدقة حتى أصبح بدقته آية بلاغية وحكمية من آيات الله تعالى. الوقفة كاملة
٦٩ ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾: دلالات الفظة: في النهي عن نكاح المشركات وجه الخطاب للمعنيين وهم الرجال (ولَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) وفي النهي عن إنكاح المؤمنات للمشركين وجه الخطاب للمؤمنين الرجال (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) ليفيد أن الرجل هو المعني بتزويج وليته وله ولاية التزويج على الأصل. اختلاف في بنية الكلمة. واختلاف في دلالة الخطاب فوجه الخطاب للمؤمنين في كلا الوجهين. الوقفة كاملة
٧٠ ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾: معنيان كل منهما أهم من الآخر: ١ـ لا تضعفا عن تبليغ ذكري والدعوة إلي. ٢ـ الزما ذكري ولا تفترا ليكون عونا لكما في أداء مهمتكما. فذكر الله أيها المؤمن هو رسالتك وهو سر ما أنت فيه من حفظ وثبات وتوفيق وهو زادك وسلاحك. الوقفة كاملة

التساؤلات

٦١ س/ يقول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ ما هو الطمس؟ هل هو إزالة العينين بالكلية أم هو العمى فقط؟ ج/ الطمس هنا يحتمل المعنيين: أن الله تعالى أعماهم، فلم يُبصروا شيئًا؛ أو سوّى أعينهم بوجوههم. الوقفة كاملة
٦٢ س/ ما الفرق بين ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ • ﴿قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ﴾؟ ج/ القرآن يفسر بعضه بعضا والمعني: "كانت مقدرة في علمنا الأزلي من الهالكين وهلكت، فالكل يدور حول الماضي المتحقق كانت ـ قدرناها". الوقفة كاملة
٦٣ س/ في سورة الكهف وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام جاءت الكلمات: تستطيع، تستطع، تسطع؛ هل هناك فرق لغوي أو بلاغي بينهم؟ ج/ قال (تَسْطِع) لما فسّره له وأزال إشكاله، وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلاً، فقال: (مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) فقابل الأثقل بالأثقل والأخف بالأخف، كما في (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ) وهو الصعود إلى أعلاه، (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) وهو أشق من ذلك، فقابل كلاً من المعنيين بما يناسبه لفظا. الوقفة كاملة
٦٤ س/ ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ ما الفرق في المعني بين الجملتين وما الفرق بين الابتلاء والتمحيص؟ أليست ذات الصدور هي القلوب؟ وماذا يسمى هذا الأسلوب من الناحية البلاغية؟ ج/ الفرق هو أن ابتلاء ما في الصدور يعني اختبار ما في الضمائر من نفاق وإيمان؛ وتمحيص ما في القلوب هو تنقيتها وتخليصها من وساوس الشيطان وخواطر السوء. وذات الصدور تشمل الأسرار والضمائر والعقائد وغير ذلك؛ والله أعلم. وهذا في البلاغة اسمه الكناية. الوقفة كاملة
٦٥ س/ هل يصح الاستدﻻل بسبب نزول: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ ومناسبة الآية لما قبلها من آيات؟ ج/ قاعدة عامة: سبب النزول إذا صح استدل به ودخل في المعني دخولا أوليا، ويساعد السبب في الربط بين السابق واللاحق أيضا. (الأولى) تتعلق بعدم الخنوع في طلب العدو، و(الآية التالية) تتكلم عن القرآن المشتمل على الحكم الذي يفصل بين الناس وقد أفاض البقاعي في نظم الدرر بما لا يسع كتابته .. فليرجع إليه. الوقفة كاملة
٦٦ س/ ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ هل المقصود بـ (أَوْحَى) جبريل أم الله سبحانه؟ ج/ فيها قولان، قال ابن كثير: "معناه: فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى، أو: فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل" وكلا المعنيين صحيح. الوقفة كاملة
٦٧ س/ يقول سبحانه وتعالى عن عيسى: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ المعجزة في كلامه بالمهد فكيف تكون وهو كهل؟ ج/ قال القرطبي؛ قال المهدوي: وفائدة الآية أنه أعلمهم أن عيسى عليه السلام يكلمهم في المهد ويعيش إلى أن يكلمهم كهلا. الوقفة كاملة
٦٨ س/ فسر الإمام الطبري ﴿قتل الإنسان﴾ بـ (لعن)، فما وجه هذا التفسير، وكيف نربطه بالتفسير اللغوي؟ ج/ وجه هذا التفسير أنه منقول عن السلف الذي هم أعلم بمعاني الألفاظ وأدرى بأساليب الخطاب. والمعنى اللغوي الجامع بين المعنيين هو الدعاء عليه بالهلاك، فمن لعن فقد قتل. وفي الحديث الصحيح: (لعن المؤمن كقتله). ولا وجه لمن أنكر هذا التفسير. الوقفة كاملة
٦٩ س/ اختلف العلماء في تنزلات القرآن الكريم؛ هل ذُكر منشأ الاختلاف؟ زودونا بالمصادر.!! ج/ منشأ الخلاف الآيات التي فيها النص على نزوله في رمضان: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ • ﴿الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ والقرآن نزل منجما فلابد من تأويل الآية بأحد معنيين نزل ابتداء إلى الأرض أو نزل كله إلى السماء الدنيا، ويؤيد الثاني آثار السلف. منها ماورد عن ابن عباس. الوقفة كاملة
٧٠ س/ الطبري ذكر عند تأويل ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ أن السجر بمعنى الإيقاد وهو الأشهر، ثم في إذا الشمس كورت رجح الامتلاء والفيضان وذكر آية الانفطار "فجرت" فهل يمكن القول بأنه عن قاعدته أن كلام الله يفسر بالمعنى الأشهر، وذلك لوجود آية تدل على معنى اخر؟ ج/ رجح في الطور والتكوير الامتلاء قال في الطور "وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض". س/ سؤالي لماذا لم يأخذ بالمعنى الأشهر؟ ج/ الأشهر المعنيان جميعا؛ وما رجحه أوفق للسياق. الوقفة كاملة

أسرار بلاغية

٦١ آية (45): *(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) وفي الحجر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)) ما وجه التوافق بين الآيتين؟(د.فاضل السامرائى) ما هو الصلصال؟ الصلصال هو طين يابس، ما هو الطين؟ الطين هو ماء وتراب، إذن هذا الماء. الصلصال هو الطين اليابس والطين هو التراب والماء، إذن الماء أولاً. إذن هذه مراحل الخلق، يضع الماء على التراب يصير طيناً ثم يكون طين لازب ثم حمأ مسنون ثم صلصال كالفخار، إذن لا تعارض بين مراحل خلق الإنسان. *ما الفرق بين (ما) و (من) في الإستخدام اللغوي؟(د.فاضل السامرائى) في اللغة تستعمل (ما) لذوات غير العاقل ولصفات العقلاء (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ (29) طه) ماذا في يمينه؟ عصاه، (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. تقول من هذا؟ هذا فلان، تسأل ما هو؟ تسأل عن صفته فيقال مثلاً هو تاجر، (من هو؟) تسأل عن ذاته. (ما) هي تستعمل لأمرين: لذات غير العاقل ولصفات العقلاء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل وربنا سبحانه وتعالى يستخدمها لنفسه كما جاء في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)) يتكلم عن نفسه سبحانه. (ما) تقع على صفات أولي العلم جميعاً حتى قسم من النُحاة أدق لا يقولون العقل لأن الله تعالى لا يوصف بالعقل ولا يصق نفسه أنه العاقل وإنما العالِم، فيقول النحاة لذوي العلم وذوات غير العاقل. في سورة الليل قال تعالى (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)) من الخالق؟ الله سبحانه وتعالى، في سورة الكافرون (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) ما أعبد هو الله تعالى، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)) الأصنام غير عاقلة و(ما) تستعمل لذوات غير العاقل وتستعمل لصفات العقلاء. (من) إذا إنفردت تكون لذوات العقلاء تحديداً، قد تستعمل في مواطن تخرج عن هذا الأمر مثلاً أنت تُنزِلأ غير العاقل منزلة العاقل، تتكلم مع حصانك يقولون لك: من تُكلِّم؟ تقول: أكلِّم من يفهمني، من يحفظني، هذا تجوّز. في الأصل أن (من) لذات غير العاقل وأحياناً يشترط العاقل مع غير العاقل فتطلق عليهم (من) فيصير تفصيل (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) من يمشي على بطنه غير العاقل، من يمشي على رجلين الإنسان، اجتمعت في عموم فصّل بـ (من) لها مواطن. أما إذا انفردت فلا تكون إلا للعاقل (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) لذي العِلم. * ورتل القرآن ترتيلاً : (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ (45)) تأمل كيف استعملت (من) لغير العاقل عند قوله تعالى (مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) (مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) وذلك لأن المشي أكثر ما يُطلق على بني البشر. وقد استعمل المشي لهذه الكائنات كلها فلزم من ذلك تغليب ضمير العقلاء عليها. ولم يبدأ في ترتيبه بـ (مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ) وهم البشر المعنيون بالمشي لأن ترتيب الأجناس هنا ليس لغرض تمييز جنس على آخر بل لإظهار قدرة الله عز وجل وعظمته. فالزاحف على بطنه دون ظهور أعضاء المشي أعجب ممن يمشي على رجلين ومن يمشي على رجلين أعجب ممن يمشي على أربع. فبدأ بأكثرها تعقيداً وصولاً إلى أبسطها صورة. الوقفة كاملة
٦٢ *ما هي الآية التي أشكلت على الدكتور فاضل فترة طويلة حتى اكتشف لمساتها البيانية؟ هنالك أكثر من تعبير أشكل عليّ وكنت أحلّه، لكن الذي أشكل عليّ مدة طويلة أكثر من سنة ونصف وربما سنتين هو قوله تعالى (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) من حيث التأليف والتركيبة البيانية. عدة أسئلة دارت في الذهن في حينها هو قال (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لماذا لم لا يخافون كما قال لا هم يحزنون؟ (لا خوف عليهم) بالإسم و (ولا هم يحزنون) بالفعل؟ لماذا هذه المخالفة؟ ولم يقل مثلاً لا خوف عليهم ولا حزن؟ ثم لماذا خصص الحزن بتقديم (هم) (ولا هم يحزنون)؟ لماذا لم يخصص الخوف قال ولا عليهم خوف مثلاً؟ قدّم (هم) في (ولا هم يحزنون) لماذا لم يقل لا عليهم خوف ولا هم يحزنون؟ ثم (لا خوف عليهم) الإسم مرفوع وهنالك قراءة لا خوفَ بالفتح فلماذا فيها قراءتين؟ إذا كان مقصود نفي الجنس فلماذا فيها قراءتين؟ هذه كانت أسئلة شغلت ذهني كثيراً. قال (لا خوف عليهم) ما قال لا يخافون كما قال ولا هم يحزنون وذلك لأنهم فعلاً يخافون ذلك اليوم (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور) (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) الإنسان) (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) الإنسان) هؤلاء مؤمنون يخافون، الخوف مدح هنا. فلما كان الخوف حقيقة عبّر عنه بالإسم وما قال لا يخافون لأنه يخافون ذلك اليوم. هو قال لا خوف عليهم، هذا أمر آخر. إذن هم يخافون في الواقع وخوفهم يوم الآخرة مدح لهم، كل المكّلفين يخافون حتى يؤمّن الله من يؤمّن. يبقى ما معنى (لا خوف عليهم)؟ لا خوف عليهم يعني لا يُخشى عليهم خطر، ليس عليهم خطر، لا خوف عليه يعني ليس عليه خطر أما (هم) فقد يكونوا خائفين أو غير خائفين، قد يكون هناك إنسان غير خائف وهنالك خوف عليه ولا يقدّره، غير خائف لأنه لا يقدر الخطر لكن هنالك خطر عليه، الطفل مثلاً لا يخاف الحية ولا العقرب ولا النار لكننا نحن نخاف عليه منها هو لا يعلم العواقب ولا يقدرها ونحن نخاف عليه أو هو يخاف من شيء غير مخوف فالطفل أحياناً يرى اللعبة مخيفة يخاف منها وليس عليه خوف منها. إذن قد يكون الشخص يخاف من شيء غير مخيف ولا خطر المهم أن لا يكون عليه خوف، هذا المهم أما إن كان خائفاً أو غير خائف ما دام ليس عليه خوف هذا موضوع آخر. إذن لم يقل لا يخافون لأن واقع الأمر أنهم يخافون فأمّنهم الله بقوله (لا خوف عليهم) وهذا هو المهم لأن قد يكون أحدهم لا يخاف الآخرة لأنه لا يعلمه. هو قال (ولا هم يحزنون) جعل الحزن بالفعل وأسند إليه (ولا هم يحزنون). لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يصح المعنى. لا خوف عليهم ولا حزن عليهم يعني ولا حزن عليهم يعني لا يحزن عليهم أحد يعني نفى الحزن عن غيرهم ولم ينفه عنهم يعني هم قد يحزنون لكن لا يحزن عليهم أحد. والمطلوب أن تنفي عنهم الحزن لا أن تنفيه عن غيرهم. فقد يكونوا حزينين ولا يحزن عليهم أحد فما الفائدة؟ المهم همولا يحزنون لكن أن لا يحزن عليهم أحد ما الفائدة؟ ثم قد يكون هذا ذم أن لا يحزن عليهم أحد كما قال ربنا (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) يعني لا يستحقون أن تحزن عليهم. إذن لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يستقيم المعنى قد يكون ذم وليس فيه فائدة ولا ينفعهم. ثم قال (ولا هم يحزنون) بتقديم (هم) يعني أنهم لا يحزنون ولكن الذي يحزن هو غيرهم، ليس هم الذين يحزنون لكن الذي يحزن غيرهم من الكفرة هؤلاء أصحاب الحزن. لو قال لا خوف عليهم ولا يحزنون يعني هم لا يحزنون لكن لم يثبت الحزن لغيرهم من الكفرة لكن هنا هو أثبت الحزن لهم ونفاه عن غيرهم التقديم أفاد الحصر، ما أنا فعلت هذا يعني فعله غيري أثبته لغيري، ما أنا قلته. فأراد ربنا تبارك وتعالى أن ينفي عنهم الحزن ويثبته لغيرهم (ولا هم يحزنون). ما قال لا عليهم خوف بتقديم الجار والمجرور كما قال ولا هم يحزنون وهذا أيضاً لا يصح. عندما يقول لا عليهم خوف يعني ليس عليهم الخوف ولكن الخوف على غيرهم وهذا أيضاً لا يصح. أنت لا تخاف على الكفار، أنت نفيت الخوف عنه وأثبته على غيرهم يعني أنت تخاف على غيرهم وغيرهم أي الكفار، من يخاف على الكفار؟ دعهم يذهبوا إلى الجحيم، إذن لماذا نخاف عليهم؟ هذا المعنى يفهم إذا قدّم لو قال لا عليهم خوف كان نفاه عنهم وأثبته على غيرهم ونحن لا نخاف على الكفار من الذي يخاف على الكفار وهم مغضوب عليهم؟. إذن لا يصح أن يقال لا عليهم خوف كما قال ولا هم يحزنون. يبقى السؤال لماذا قال لا خوف عليهم برفع الخوف؟ لا خوفَ عليهم نص في نفي الجنس ولا النافية للجنس تعمل عمل (إنّ). لماذا رفع (خوفٌ)؟ ما الفرق في المعنى من حيث الرفع والبناء في النصب؟ لما تقول لا رجلَ أو لا رجلُ، لما تقول لا رجلَ بالبناء على الفتح هذا نفي نص الجنس يعني لا يوجد أيّ رجل مطلقاً، ولا رجلٌ يفيد نفي الجنس على الراجح لأنه يحتمل نفي الواحد، عندما نقول لا رجلٌ إحتمال وجود رجلين أو ثلاثة أو أربعة هذا احتمال واحتمال نفي الجنس على الأرجح. لا خوفٌ عليهم يعني في غير القرآن يمكن أن تجعله لا خوفٌ عليهم بل أكثر من خوف بينما لا خوفَ عليهم نص في نفي الجنس. لا شك السياق نفي الجنس تخصيصاً من أكثر من ناحية: من ناحية مقام مدح، من ناحية قال (ولا هم يحزنون) فإذا كانوا لا يحزنون فإنه لا خوف عليهم لأن الحزن إذا كان هنالك شيء مخوف فتحزن لذلك. إذن دلت القرائن على نفي الخوف تنصيصاً وجاء بـ (لا) النافية للجنس أيضاً في قراءة أخرى. فإذن القراءتان دلت على نفي الخوف تنصيصاً وبالقرينة. لكن هنالك مسألة إذا كان هو أفاد نفي الجنس تنصيصاً أو بالقرينة إذن لماذا يأت بنفي الجنس ولم يقل لا خوفَ عليهم؟ هو عندما يقول (لا خوفٌ عليهم) بالرفع هذا يفيد معنيين: الأول كون حرف الجر (عليهم) متعلق بالخوف مثلاً (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) متعلق بـ(خاف)، إني أخاف عليك الذئاب (متعلق بخاف). لو كان الجار والمجرور (عليهم) متعلقاً بالخوف يكون الخبر محذوفاً لأن لا خوفٌ عليهم الخبر يكون محذوفاً. يحتمل أن يكون الجار والمجرور (عليهم) ليس متعلقاً بالخوف وإنما متعلق بكان واستقر يعني لا خوف كائن عليك. مثل الجلوس في الصف أو الوقوف في الساحة، الجلوس في الصف يعني عليكم أن تجلسوا في الصف، الوقوف في الساحة (مبتدأ وخبر) يعني عليكم أن تقفوا في الساحة، الجلوس في الصف لا يوجد خبر إذا تعلق الصف بالجلوس لا يكون هنالك خبر، الجلوس في الصف مطلوب نافع مفيد، الوقوف في الساحة مطلوب مأمور بها، الوقوف في الساحة عليكم أن تقفوا في الساحة. لا خوفٌ عليك موجود، لا خوف عليك إذن فيها معنيين واحتمالين وليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معيناً، إذن هذا توسع في المعنى جمع معنيين. إذا أخذناها على أن (عليهم) متعلقة بالخوف يكون الخبر محذوف يعني لا خوف عليهم من أي مكروه أو لا خوف واقع عليهم إذن الرفع فيها احتمالين أن يكون (عليهم) متعلق بخوف فيكون الخبر محذوف تقديره كائن أو موجود أو (عليهم) هو الخبر، الخوفُ عليهم. أما لا خوفَ عليهم ليس فيها احتمال، (عليهم) هو الخبر نصّاً لا يجوز أن يتعلق بالخوف نحوياً. (لا خوفٌ عليهم) فيها احتمالان (عليهم) متعلقة بالخوف والخبر محذوف مقدر والآخر أن (عليهم) هو الخبر وكل واحدة لها دلالة. لو قال لا خوفَ عليهم قطعاً (عليهم) هو الخبر لأنه لو كان تعلق به سيكون شبيهاً بالمضاف فنقول لا خوفاً عليهم بالنصب ولا يصح البناء مطلقاً لأنه شبيه بالمضاف ولا يمكن أن نبني. مثال: لا بائعَ في الدار يعني ليس هنالك أي بائع في الدار مطلقاً سواء كان هذا البائع يبيع في الدار أو في السوق أما لا بائعاً في الدار يعني الذي يبيع في الدار غير موجود ربما يوجد واحد في الدار يبيع في السوق (يفتح في بيته ما يبيعه) وكأن الدار كان فيها متجر أو هو يبيع في بيته، لا بائعاً يعني الذي يبيع في الدار غير موجود.فإذن لا خوفَ ليس له إلا دلالة واحدة (أن (عليهم) خبر لا) أما لا خوفٌ عليهم فيها دلالتان. لو اكتفى لا خوفَ عليهم سنفقد معنى. (لا خوفَ) خوفَ نعربها إسم لا النافية للجنس، أما (لا خوفٌ) (لا) نعربها إما عاملة عمل ليس وقسم يجعلها مهملة فيكون خوف مبتدأ وعليهم خبر. هو نفى الخوف والحزن الثابت والمتجدد، نفي الخوف الثابت والمتجدد ونفى الحزن الثابت والمتجدد. قال (لا خوف عليهم) هذا ينفي الخوف الثابت لأنه استعمل الحزن و (ولا هم يحزنون) نفي الحزن المتجدد. نفي الحزن لمتجدد ينفي الخوف المتجدد لأنك تخاف فتحزن، نفي الحوف الثابت ينفي الحزن الثابت فلما جاء أحدهما بالفعل والآخر بالإسم وأحدهما مرتبط بالآخر، نفى (لا خوف) نفى الخوف الثابت (ولا هم يحزنون) نفى الحزن المتجدد، لما نفى الحزن المتجدد يقتضي نفي الخوف المتجدد لأن الأمر قبل أن يقع مخوف منه فإذا وقع حزنت عليه. الخوف أولاً ثم الحزن يعدما يقع إذا وقع ما يخاف منه. فهمنا الحزن المتجدد من الفعل المضارع (لا هم يحزنون) الذي فيه تجدد واستمرار وهذا يقتضي (لا خوف عليهم) لأن الحزن مرحلة تالية للخوف فإذا نفى ما يستجد من الحزن ينفي ما يستجد من الخوف. ونفى الخوف الثابت والحزن الثابت فإذن عندما جمع الأمرين نفى الخوف عليهم الثابت والمتجدد والحزن الثابت والمتجدد. لماذا لم يقل لا خوفٌ عليهم ولا حزن لهم؟ جملتان إسميتان تدلان على الثبوت؟ لو قال لا حزن لهم هو ينفي الحزن عنهم ولا يثبته لغيرهم، هو قال (ولا هم يحزنون) أثبت الحزن لغيرهم لو قال لا حزن لهم لم يثبته لغيرهم. لو قال ولا لهم حزن هذا تنصيص على الجنس بمعنى ليس هنالك نص في نفي الجنس يعني لا لهم حزن لأن لا النافية للجنس لا يتقدم خبرها على إسمها فإذا تقدّم لا تعود نصاً في نفي الجنس ثم يجب رفع الحزن لا يجوز نصبه ولا بناءه (ولا لهم حزنٌ) ما دام تقدم الخبر تصير (لا) مهملة. ثم سنخسر الثابت والمتجدد لأنها تصبح كلها إسماً إذن تنفي الثابت فقط ولا تنفي الثابت والمتجدد. ولذلك هذا التعبير أجمع تعبير للدلالة على المعنى بحيث كل تغيير لا يمكن أن يكون فيه، هذا كله في (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). سؤال: إلى أي كتب رجعت؟ هذه لم أجدها في الكتب، رجعت إلى كتب التفسير وقد يكون هناك كتباً أخرى لم أطلع عليها، راجعت كل الكتب التي بين يدي من كتب اللغة فلم أجدها بهذا التفصيل. سؤال: إذن المدخل إلى فهم آي القرآن هو النحو والتركيب فما بال الدعاة لا يقيمون أود جملة صحيحة فصيحة؟ وكيف يفهمون القرآن وهم لم يفهموا اللغة العربية الفصحى ويخطئون فيها؟ هذا نقص عجيب. ولا بد أن نفهم جيداً قواعد اللغة حتى نعمل على سبر أغوار القرآن الكريم وهذا أول شرط وضعه أهل علوم القرآن لتفسير القرآن وهو التبحر في علوم اللغة "ولا تغني المعرفة اليسيرة" هذا أول شرطا، ليس المعرفة فقط وإنما التبحر في علوم اللغة نحوها وصرفها ولغتها وبلاغتها هكذا نصاً "ولا تغني المعرفة اليسيرة". إذن لا نأخذ التفسير من أي أحد ولا بد أن يكون مشهوداً له بالتحصيل في علوم اللغة العربية هذا أولاً وهنالك أمور أخرى. الوقفة كاملة
٦٣ آية (3): * ما دلالة الآية (ألقينا فيها رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل وما الفرق بينها وبين (وجعلنا فيها رواسى)؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة الحجر(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)). هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل. وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة المرسلات (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)) وسورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم. *يقول تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ )ما معنى الآية؟(د.حسام النعيمى) في كلام المفسرين (والجبال أوتاداً) لأن الوتِد (وتِد أفصح من وتَد) جزء منه في داخل الأرض أولاً ثم يكون مثبّتاً للخيمة. الجبال في دراسات طبيعة الأرض والعلماء يقولون أن تضاريس الأرض والجبال فيها هي التي تثبت اليابسة وإلا كانت تبقى زلازل وتطمرها المياه (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) الرعد) وهذا جاء موافقاً لكلام الله سبحانه وتعالى والذين يقولون ليسوا مسلمين كما أن الأوتاد تثبت أركان الخيمة الجبال تثبت اليابسة. (والجبال أوتاداً) ثبتناها حتى تبقى ممهدة جعلت هذه الجبال. *مرة يقول تعالى (أن تميد بكم) ومرة لا يقولها فما اللمسة البيانية فيها؟(د.فاضل السامرائى) (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم كما يقول النحاة، المعنى لماذا ألقى الرواسي؟ لئلا تميد بكم يقولون كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) يعني لئلا تكون من الجاهلين، (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة) كراهة أن تضل إحداهما أو لئلا تضل. إذن أن تميد بكم يعني لئلا تميد بكم. يبقى السؤال أحياناً يقول أن تميد بكم وأحياناً لا يقول أن تميد بكم (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ (3) الرعد) من دون أن تميد بكم. في مواضع قال أن تميد بكم أو تميد بهم وفي مواضع أخرى لم يقل هذا الشيء والسبب أنه إذا أراد بيان نعمة الله على الإنسان يقول أن تميد بكم وإذا أراد فقط أن يبين قدرة الله فيما صنع وليس له علاقة بالإنسان يعني إذا اراد بيان النعمة على الإنسان لهذا الأمر قال أن تميد بكم لماذا خلقها؟ فيها نعمة لئلا تميد بهم وإذا أراد مجرد بيان القدرة في الصنع وليس له علاقة بالإنسان لا يقول هذا لأن الكلام لا يتعلق بالإنسان وإنما يتعلق بصنع الجبال والرواسي. أن تميد بكم هنا لبيان نعمة الله على الإنسان هنا قال (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) هنا الغرض بيان نعمة الله على الإنسان في هذه الرواسي. الوقفة كاملة
٦٤ آية (17): * ما معنى السماء في المدلول القرآني ؟(د.فاضل السامرائى) السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان: 1ـ واحدة السموات السبع، كقوله تعالى: "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ" ـ الصافات:6 2ـ كل ما علا وارتفع عن الأرض ـ فسقف البيت في اللغة يسمى سماء، قال تعالى: " مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" ـ الحج:15 يقول المفسرون : (أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف ـ وقد تكون بمعنى السحاب: "أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا " ّالرعد:17 ـ وقد تكون بمعنى المطر : " ينزل السماء عليكم مدرارا" نوح ـ وقد تكون بمعنى الفضاء والجو : "أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" النحل:79 ـ و ذكر هذا الارتفاع العالي : "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) . فالسماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف . الوقفة كاملة
٦٥ * يقول الحق في سورة الرعد الآية الأخيرة (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)) من الذي عنده علم الكتاب؟(د.فاضل السامرائى) من أسلم من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام، أبي بن كعب هؤلاء عندهم علم الكتاب. *(من) مفرد أم مثنى أم جمع؟ عامة، من أسلم. *جاء في القرآن كله تقديم كلمة شهيد على بيني وبينكم كما جاء في سورة الأنعام (قل الله شهيد بيني وبينكم) وسورة يونس آية 29 والرعد آية 43 والإسراء آية 96 والأحقاف آية 8 أما في سورة العنكبوت فقد جاءت كلمة شهيد متأخرة عن بيني وبينكم في الآية 52 (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) فما سبب الإختلاف؟(د.حسام النعيمى) مسألة التقديم والتأخير في القرآن الكريم تستدعي النظر في عموم التقديم والتأخير في اللغة بمعنى أن لغة العرب لماذا تقدم ولماذا تؤخر؟ الأصل عندنا نظام للجملة العربية بشقّين: الفعل مع مرفوعه سوءا كان فاعلاً أو نائب فاعل ثم تأتي المتممات من مفعول به، حال، مفعول مطلق إلى آخره . والشق الثاني : المبتدأ والخبر ثم يأتي بعده المتممات. أحياناً بعض المتممات تتقدم على الخبر. الأصل مبتدأ وخبر أو فعل ومفعول في بعض الأحيان تكون هذه المتممات بينية تدخل بين المبتدأ والخبر (أركان الجملة الرئيسية) وفي بعض الأحيان حتى المتممات هناك نظام لها فالمفعول به يتقدم على غيره . لكن نجد أنه بشكل عام التقدم يكون للإهتمام في الغالب إلا في بعض الأحيان. يكون التقديم لإقامة الجملة. مثلاً حينما يكون المبتدأ نكرة ولا مسوّغ للإبتداء به إلا تقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور . فأحياناً يكون التقديم والتأخير واجباً وله مواطن وقوانين وأحياناً المتقدم هو المعني به وأحياناً يأتي بحيث تؤخر ما أنت مهتم به، لكلٍ قانونه ولكلٍ نظامه. لما نأتي لنظام الفعل والفاعل : أكرم زيدٌ خالداً (زيد أعطى وخالد أخذ)، أكرم خالداً زيدٌ، لم يتغير المعنى الأساسي أيضاً زيد أعطى وخالد أخذ لكنك إعتنيت بالكرم وخالد أكثر من إعتنائك بزيد. فإذا قلت: خالداً أكرم زيدٌ، تكون عنايتك بخالد أكثر من الكرم وأكثر من زيد. العربية لأنها لغة معربة فيها هذه المرونة وهذه السعة. نأتي إلى الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت) في غير القرآن يمكن القول: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم. بل حتى في القرآن في آيات أخرى في خمس آيات وردت بهذه الصيغة (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) تأتي شهيداً بعد إسم الجلالة فلماذا ؟ جاء في الآية (51)) الخطاب للرسول  (أنزلنا عليك) و (عليهم) إذن (عليك، عليهم) فناسب أن يقدّم (بيني وبينكم) لأن الخطاب للرسول : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) وإلا كان يمكن أن يقول (كفى بالله بينك وبينهم شهيداً) هذا شيء. الأهم من هذا أنه عندنا كلمة (يعلم) هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة (شهيداً) (شهيداً يعلم) يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون (بيني وبينكم) فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام (بيني وبينكم) تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم) لأن (يعلم) نعت لـ(شهيداً) فلا بد أن تتصل بها. الآيات الأخرى جاءت على الأصل يعني أن العامل تقدم على المعمول لأن (بيني وبينكم) معمولان لـ (شهيداً) تقدم على العامل. لكن لما يتقدم (شهيد) يأتي المعمول بعدها. الطبيعي أن يأتي العامل ثم يأتي المعمول (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) فما جاء على الأصل لا يُسأل عنه. كما تقول: كتب زيد رسالة، لا نقول لماذا تقدم الفاعل ؟ هذه رتبته هكذا يأتي قبله. إذا جاء الشيء على الأصل لا يُسأل عنه عندما يكون العامل مقدّماً على معموله فهذا هو الأصل. بيني وبينكم معمولان متعلقان بـ (شهيداً) لما يأتي (بيني وبينكم) بعد (شهيداً) لا يُسأل عنه لأن هذا الأصل. مع ذلك لو نظرنا في الآيات التي قد تأخر فيها الظرف نجد أن هناك أسباباً دعت إلى تأخيره ولا يمكن أن يتقدم ومن هذه الآيات قوله تعالى:(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) الرعد) الكلام على الرسالة. الوقفة كاملة
٦٦ *تناسب خواتيم النحل مع فواتح الإسراء* خاتمة النحل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) أعلى المعية أن يقرِّبهم منه وفي بداية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)) هذه أعلى المعية إذن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون. هذه أعلى معية أنه تعالى جاء به وقرّبه إليه. في ختام النحل تكلم على بني إسرائيل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)) وفي بداية الإسراء قال (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)) هناك ذكر جانب وهنا ذكر جانباً آخر وكأنها استكمال لما حصل لهم. **هدف السورة: قيمة القرآن** سورة الإسراء من السور المكية التي تعنى بشؤون الدين والعقيدة والوحدانية لكن تميزت هذه السورة بأنها تتكلم عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في باقي سورة القرآن. وقد تعرّضت السورة لمعجزة الإسراء التي كانت مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لنبيه الكريم بعد ما لاقاه من أذى المشركين. وهي قصة إسراء النبي الكريم  من مكة إلى المسجد الأقصى حيث التقى بجميع الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم جميعاً وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، وتقدم الرسول  فقال له جبريل: "تقدم يامحمد فصلّ بالأنبياء إماما". وهذه معجزة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية ولم تأتي مصادفة أو عبثاً وإنما هدفها كان تسليم الرسالة التي تناقلها الأنبياء من قبل إلى رسولنا  وأمته الذين سيحملون هذه الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة. فكأن تسمية السورة تفيد انتقال الكتاب من بني إسرائيل إلى أمة محمد  وكذلك أن كل أنبياء بني إسرائيل صلّوا خلف الرسول  . وهذه السورة هي أكثر سورة ورد فيها ذكر القرآن (11 مرة). وكما سبق فإن هذه السورة ركّزت على قيمة القرآن وعظمته كما لم يرد في أي من سور القرآن الكريم. إذن قيمة القرآن هو محور السورة وقد جاء الحديث الشريف ليؤكد هذا المحور :"قال الرسول : ألا إنها ستكون فتنة فقال الإمام علي فما المخرج منها؟ قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجنّ إذ سمعوه إلا أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم." والآيات في السورة تعرض المحاور التالية:  انتقال الكتاب إلى الأمة الجديدة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) آية 1.  إنتقال الكتاب عبر الأمم (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) آية 2 و3.  تفريط بني إسرائيل بالكتاب (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ... ) آية 4.  وصول القرآن إلى أمة محمد  (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) آية 9.  قيمة الكتاب وأوامره: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*....* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) الآيات من 23 إلى 38.ربع كامل تقريباً يتحدث عن هذه الأوامر التي هي أوامر الفطرة البشرية مثل: بر الوالدين، إيتاء ذوي القربى واليتامى، عدم التبذير وعدم البخل، عدم قتل الأولاد، الإبتعاد عن الزنى، عدم قتل النفس، عدم أكل أموال اليتامى، الوفاء بالعهود، القسط في الكيل والميزان، التواضع وعدم الخيلاء.  التعقيب: قيمة هذا الكتاب: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) آية 39 و (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ) آية 41.  قيمة القرآن: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا) آية 45، (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) آية58، (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) آية 60، و(وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) آية 73.  حلاوة القرآن: هو الشفاء والرحمة (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) آية 78 و79 (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) آية 82.  عظمة القرآن: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) آية 88 و 89.  دور القرآن: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) آية 105 و 106.  ختام السورة: أحباء القرآن: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الآيات من 107 إلى 109. وكأن السورة كلها تدعو لعدم التخلي عن القرآن كما فعلت الأمم السابقة، لمّا تخلوا عن الكتاب استبدلهم الله بأمم أخرى تحافظ على الكتاب. وهذا القرآن هو الذي يخرج من الظلمات إلى النور وعلينا أن نتمسك به كما وصّانا : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" والحرف فيه بحسنة لا أقول ألم حرف وإنما أقول ألف حرف، لام حرف وميم حرف. وهذه السورة تقع في وسط القرآن وكأنما هي تذكير أن القرآن هو كتاب هذه الأمة التي جعلها تعالى أمة وسطا. وآخر السورة فيها سجدة حتى نسجد ونستشعر قيمة هذا القرآن العظيم الذي كان الذين أوتوه من قبلنا إذا سمعوه يخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وفي هذا توجيه للمسلمين أن يحافظوا على هذا القرآن ويستشعروا عظمته ويحرصوا على تطبيق تعاليمه حتى لا ينزع من هذه الأمة كما نزع ممن سبقها. سورة الإسراء تحدثت عن القرآن وتبدأ سوة الكهف مباشرة بعدها بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فسبحان الله العلي القدير. ***من اللمسات البيانية فى سورة الإسراء*** *أسئلة عامة : *لماذا جاء الخطاب في سورة الإسراء لـ (بني إسرائيل) وليس لليهود؟(د.فاضل السامرائى) لأن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب(وهوإسرائيل)وهم المعنيّون بالأمر وليس اليهود عموماً هم المقصودون في الآية. * ذكر أن الأنبياء لا يتكلمون اللغة العربية وفي رحلة الإسراء والمعراج قال الأنبياء للرسول صلى الله عليه وسلم أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح؟(د.حسام النعيمى) هذا خارج حياة الأرض في العالم الآخرعالم الغيب لأن الله سبحانه وتعالى طوى لحبيبه محمد  الزمان بحيث عرض عليه ما بعد قيام الساعة، عرض عليه أناساً يعذبون وهو رآهم حقيقة وليس مجازاً. رأى الجنة وما فيها ورأى النار وما فيها وهذا شيء غيب خارج قوانين الأرض. ونحن عندنا إشارات أن كلام أهل الجنة وكلام الآخرة سيكون بالعربية. أسماء الملائكة عربية: لما يتحدث القرآن عن النار خازنها مالك ومالك إسم عربي وخازن الجنة رضوان ورضوان إسم عربي. أول ما يموت الإنسان اللذان يوقظانه ويحاسبانه منكر ونكير أسماء عربية. هذه مؤشرات وعندنا حديث لا أدري إن كان ضعيفاً : " أُحبّ العرب لثلاث لأني عربي، كلام أهل الجنة عربي، والمسلمون يحبون العرب" الحديث الضعيف غير الموضوع يؤخذ منه لأنه لما يكون الحديث ضعيفاً أي هناك إحتمال خمسين في المئة أن يكون الرسول  قاله أما الموضوع فهو كذب. الضعيف عليه إشكال معناه صحيح لأن الرسول  عربي والمسلمون يحبون العرب فكان العربي إذا ذهب إلى باكستان وتركيا يتمسحون به ويتبركون به . *فى قضية الإسراء أكان بالروح ام بالجسد؟(د.حسام النعيمى) أبو حيان الأندلسي لما جاء ليبحث في مسألة الإسراء أكان بالروح والجسد أو كان بالروح؟ ذكر إثنين من الصحابة قالا الإسراء كان بالروح، قال إن صح الكلام، النقل عنهما لأنهما لو يقولا حدثنا رسول الله  ولكنه كان إجتهاد منهما قالا الإسراء بالروح قال إن صحّ فلا يعتدّ به لأن فلان في أيام الإسراء كان كافراً لو قال حدثني فلان من الصحابة عن رسول الله  يُقبل كلامه لكن هذا رأيه، وفلان كان صغيراً. لما يأتينا رأي إذا كان صحابي ينسبه للرسول  فلا مجال للمشاحة فيه. *في سورة الإسراء قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) هذه الآيات ختمت بالسميع البصير مع أنه من المعروف أن الإسراء والمعراج يدل على قدرة الله فلماذا لم تختم الآية مثلاً وأنه على كل شيء قدير أو إنه هو السميع العليم؟ وما دلالة قوله تعالى (ليلاً) مع أن السُرى هو المشي ليلاً؟ (د.فاضل السامرائى) الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) من الناحية البيانية وضع هذه الآية بالنسبة لما قبلها وما بعدها من الملاحظ أن سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد يعني بداية السورة التي قبلها (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) وبداية السورة التي بعدها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) إذن هذه السورة هي كسورة حفت بالتسبيح قبلها والتحميد بعدها. والسورة نفسها أي آيات سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد بدأت بالتسبيح (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) وانتهت بالتحميد (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) السورة وآياتها هكذا. ثم من الملاحظ أنها سُبقت بالمعية مع الله تعالى في آخر السورة قبلها قال (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) النحل) أعلى المعيّة هي المصاحبة وأعلى المعية أن يُعرج به إليه لا معية أعلى من ذلك فدلّ على أنه  أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون، لا معية أعلى من ذلك ولن تحصل لنبي مثل هذه المعية. هذه وضع السورة. نلاحظ في هذه الآية المباركة فيها آثار تعبيرية كثيرة: بدأت السورة بقوله (سبحان) وسبحان في اللغة إسم مصدر ويقولون علم على التسبيح أو إسم مصدر بمعنى التسبيح يعني ننزهك يا رب عن كل نقص. ورد التسبيح في القرآن بصور شتى ورد بفعل ماضي (سبح لله)، مضارع (يسبح لله) وأمر (سبِّح باسم ربك العظيم) وبالمصدر أو اسمه (سبحان) (سبحان ربي) حتى يشمل كل أحوال التسبيح، يستغرق كل أحوال التسبيح. سؤال: إذن التنوع اللفظي من حيث الصيغ الصرفية والصيغ النحوية التي جاءت للدلالة على الشمول والعموم؟ كل الأحوال وكل الأزمان الماضي والحال والاستقبال والأمر والمصدر. ثم هنا في سورة الإسراء بالذات قال (سبحان) بدأ بالمصدر بدون ذكر لفاعل التسبيح ولا الزمن لأن المصدر هو حدث مجرد غير مقيد بفاعل ولا بزمن. بدأت السورة بكلمة (سبحان) المصدر أو إسم المصدر الذي هو لم يقيد بفاعل ولا بزمن لغرض الإطلاق يعني هو أهل التسبيح هو يستحقه سواء كان هنالك من يسبحه من خلقه أو لم يكن. لو كان هناك فاعل لربط التسبيح به لكن عندما أطلقه (سبحان) لم يقيده بفاعل ويقتضي التسبيح بحد ذاته بغض النظر عن الذي يقوم بفعل التسبيح ولا بزمنه لأن المصدر حدث مجرد ولو اقترن بزمن أصبح فعلاً. إذن هو إطلاق التسبيح من أي زمن قبل الخلق بعد الخلق قبل وجود أي كائن وبعده سواء كان هنالك من يسبحه أو لم يكن (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)، هذا أمر. نلاحظ أن افتتاح السورة بالتسبيح طبع السورة بالتسبيح فشاع فيها التسبيح إلى حد كبير فقال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)) (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) هذا أعظم إطلاق في التسبيح (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) هذا أعظم إطلاق لا ملائكة ولا عاقل ولا غير عاقل (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)) (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)) ولا أعلم أن هناك سورة تدانيها في التسبيح وكثرته بدأت بالتسبيح وليست هنالك سورة تدانيها في شيوعها ولعل هذا إشارة في نقله  إلى عالم التسبيح. هذا أمر. ثم قال (بعبده) لم يقل بمحمد ولم يقل بالرسول ليدل على أن الإنسان مهما عظم ومهما كبر فلا يعدو أن يكون عبداً لله. هذا مقام تشريف ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي أنه أرفع من سائر العباد ولئلا يعظم محمد على غير ما ينبغي فيُدعى له منزلة أعلى من العبودية فهو عبد ثم العبودية أعلى وسام، أعلى وسام للخلق هو مقام العبودية، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) وعلى أيوب قال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص). نلاحظ أولاً أنه لما ذكر ربنا موسى  عند المناجاة فقال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (143) الأعراف) ذكره باسمه ولم يقل عبدنا موسى ولا الرسول موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كان عاقبة ذلك أن خر موسى صعقاً لو قال عبدنا كيف يخر صعقاً؟ مناسبة المقام، قال موسى بامسه العلم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) لم يقل وخر عبدنا موسى هذه ليست مناسبة للتكريم. ذكر عبد أقوى من ذكر الإسم المجرد (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) هذه العبودية الاختيارية هي أعلى وسام. *في نفس السورة قال تعالى(فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (5))هذا مجال تشريف لهؤلاء العباد؟ العبودية قسمان إختيارية وقسرية، القسرية ليس فيها فضل كلنا عبد لله شاء أم أبى (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) مريم) ليس فيها فضل الفضل هو في الاختيار كلما عبد وذلل الإنسان نفسه لله ازداد تقرباً إليه وزاد رفعة عنده، هذه العبودية الاختيارية. ثم السؤال قال لماذا قال (ليلاً) مع أن الإسراء والسُرى يكون ليلاً. نحن عندنا عموماً الظروف قسمان ظرف مؤسِس وظرف مؤكد والحال عندنا حال مؤسِسة وحال مؤكِّدة والصفة صفة مؤسِسة وصفة مؤكِّدة. ضبط المؤكد كأن تقول سريت ليلاً. المؤسس تأتي بشيء جديد والمؤكد يؤكد المعنى الذي قبله، مكثت زمناً المكث يجب أن يكون زمناً إذن هذا ظرف مؤكِّد لم يؤسس معنى جديداً. في اللغة عندنا الظرف والحال والصفة مؤسسة ومؤكدة. ليدلنا على أن كل هذا الذي حصل هو في جزء من الليل. ولو قال (أسرى) لا يعني جزء من الليل وإنما قد يكون بدأ بالإسراء في الليل، لا نعلم ولو قال أسرى ليس بالضرورة أن ينتهي بالليل وإنما يبدأ بالليل، قد يكون ستة أشهر لأن الليل مدة بعيدة . قال (أسرى بعبده ليلاً) يعني تمت هذه بجزء من الليل ذهاباً وإياباً، ليس فقط التوكيد وإنما أراد ربنا أن يعلمنا أن الأمر كله تم واكتمل بجزء من الليل. لو قال أسرى قد يكون استغرق الليل كله ولكنه قال ليلاً يعني بجزء من الليل. *هل هنالك فرق بين ليلاً والليل؟ نعم وقد نص على ذلك النحاة وسيبويه إذا عرّفته بـ (أل) استغرقته يعني لما تقول صحوت الليل يعني كل الليل، حدثته الليل يعني كل الليل لكن حدثته ليلاً يعني جزء من الليل، قال تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) لم يقل ليلاً ولو قال ليلاً يعني بجزء من الليل، (يسبحون الليل والنهار) اي طول الليل والنهار أكدها قوله تعالى (لا يفترون). كل ما حصل في جزء من الليل. هذه دقائق تجدها في كتب اللغة. ثم قال (من المسجد الحرام) للدلالة على قدرته أن الإسراء من هذا المكان إلى المسجد الأقصى. وفي بعض الروايات دلالة شرعية وكثير من العلماء يقولون أن الإسراء كان من بيت أم هانئ وهذا البيت هو خارج المسجد الحرام لكن هذه إشارة على أن مكة كلها حرم وكلها مسجد حرام وما دخل فيه من التوسعة هو مسجد حرام حكمه حكم المسجد الحرام وما دخل فيه هو من المسجد الحرام. هل المسجد الحرام الآن كما كان في زمن الرسول أو توسع؟ *المسجد في اللغة ربما يدل على بناء معين؟ ولذلك قالوا هذه فيها إشارة شرعية إلى أن مكة كلها تدخل في الحرم. لو قال بهذا الرأي قال هذاد]ليل على أنه كل مكة هي جزء من البيت الحرام وعلى أي حال الله أعلم بهذا. ثم قال (إلى المسجد الأقصى) لم يكن ثمة مسجد بمعنى مسجد كان هناك بيت المقدس ليس هنالك مسجد بمعنى المسجد تقام فيه الصلاة كما نعرفه الآن وقال المسجد دلالة على أنه سيكون وهم كانوا يعرفون أن المقصود بيت المقدس لأنه بُني للعبادة بعد الكعبة بأربعين سنة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) آل عمران). نلاحظ أنه قال (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) حول المسجد الأقصى طبعاً بإسناد فعل المباركة إلى الله تعالى (باركنا) ولم يقل بورك حوله مع أنه في بدابة الآية لم يكن الضمير ضمير المتكلم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ليدل على أن المتكلم هو الله وليس نقلاً عنه هو الذي باركه. لو قال بارك حوله يعني يتكلم عن غائب. قد يسأل سائل لماذا لم يتكلم ربنا تعالى بضمير المتكلم في حال الإسراء؟ ماذا يقول سبحاني؟! وقال (باركنا حوله) ولم يقل باركناه لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد ولو قال باركناه يعني فقط المسجد. هذا حكم آخر مكة كلها حرم. بارك المسجد وحول المسجد لم يقل إذن باركناه ويكفيه بركة أنه مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن). *باركنا حوله هل توحي بالضرورة أن المسجد مبارك؟ هو المباركة حوله جاءت بسبب المسجد ثم ربنا تعالى ينسب المساجد إليه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ (18) التوبة) وفي الحديث "أحب البقاع إلى الله المساجد" والمساجد بيوت الله في الأرض، حتى في الجاهلية لما قال زهير: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله، هذا تعظيم للبيت. ثم لاحظ أنه أطلق المباركة (باركنا) لم يقل باركناه بكذا. بارك قد تكون معنوية من البركة أما (باركنا حوله) عامة روحانية ومعنوية ومادية كلها مباركة مطلقة. ثم نلاحظ أنه قال (باركنا حوله) ولم يقل (باركنا ما حوله) حتى تبقى المباركة دائمة لأنه لو قالها ستخص الأشياء المعينة التي حوله وإذا زالت تزول المباركة أما (باركنا حوله) لا بد للمسجد أن يكون له حول فباركه. لو قال باركنا ما حوله يعني بارك الأشياء المعينة التي حوله إذا زالت تزول المباركة أما باركنا حوله بقيت المباركة ببقاء حوله. ثم قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لما قال (باركنا حوله) يعني إلتفت إلى المتكلم ليدل على أن المتكلم هو الله قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لماذا أسرى؟ (لنريه) تعليل وهذه لام العِلة يعني إذن تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة ومعنى ذلك أن هنالك منهجاً لهذه الرحلة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حتى يرى من آياتنا، وقال (من آياتنا) وليس آياتنا (من للتبعيض) يعني هناك أمور محددة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لا يراها كلها وإنما جزء. إذن هي معللة ولحكمة. الآيات بمعنى مخلوقات الله العظيمة والمعجزات. * إذن رحلة الإسراء والمعراج كلها ليرى الرسول  من آيات الله؟ نعم من آيات الله. نلاحظ قال (لنريه) ولم يقل ليرى ولم يقل ليُرى. (ليرى) من تلقاء نفسه وإنما هذه رحلة فيها منهج. لما قال (لنريه) من الذي يُريه؟ الله سبحانه وتعالى، لو قال ليُرى لا نعلم من الذي أراه لكن قوله (لنريه) ذكر الفاعل هو الذي يريه بإرادته وهذا تعظيم لله وللرسول، الله تعالى هو الذي يريه بإرادته هذه. *بعد ذلك قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم)؟ هذه بعد أن أراه ربه، أراه فرأى إنما بداية الرؤية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إذن وأضاف الآيات إلى نفسه سبحانه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وليس من الآيات، كلها تعظيم. *جمع آيات هنا هل له دلالة خاصة؟ هي ليست آية واحدة وإنما جمع من الآيات. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) رجع للإفراد بعد أن قال (من آياتنا، لنريه، باركنا) قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ليدل على أنه واحد لا شريك له منزه عن الشرك وذكرنا في أكثر من مناسبة أن هذا أسلوب مضطرد في القرآن الكريم أنه حيث يذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه واحد لا شريك له. وقال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يقل إنه سميع بصير، (هو) ضمير الفصل الإعلان له الكامل في ذلك وأنه مختص به سبحانه. يأتي السؤال لماذا قال (السميع البصير) وكان المضمون أن يأتي بما يدل على القدرة؟ *هل هناك فرق في النحو بين (إنه هو السميع البصير) و(إنه السميع البصير)؟ إنه هو السميع البصير آكد. مع أنه وردت في القرآن (والله سميع عليم) هذه حسب السياق الذي يأتي بها والضمير (هو) للتأكيد، آكد والكمال في ذلك، لم يقل على كل شيء قدير، هكذا كان المضمون، هو أفاد القدرة لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) دل على قدرته ولو قال كل شيء قدير هو مفهوم مما سبق لم يضف شيئاً جديداً وإنما هو معلوم مما مضى ولكنه أراد أن يذكر ملحظاً آخر: هو أولاً لماذا أسرى به؟ ليرى ويسمع وليدل على أن ما يراه يراه ربه وأن ما يسمعه يسمعه ربه. إذن هو اختيار لأنه أراد ربه أن يرى ويبصر ويسمع قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فما يسمعه يسمعه ربه وما يبصره يبصره ربه. قد تسأل لماذا لم يقل السميع العليم مع أنه سبحانه قالها في مواطن؟ الذي يسمعك ويبصرك هو عليم بك، الذي يعلم ليس بالضرورة أن يبصرك إذن هنا ما هو أدل على العلم لأن العليم قد يكون غائباً عنك إذن هنا السميع البصير شمل العلم والرؤية والسمع هذا أمر. تقول ربنا قال في مواطن السميع العليم قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقال (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) لماذا؟ لما قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) لما ذكر الشيطان الذي لا يُرى ولا تُرى وساوسه وإنما تُعلم قال (السميع العليم) لكن لما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) هؤلاء يُبصر بعضهم بعضاً. *لماذا قدم السمع على البصر في الآية (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ؟ في الأكثر وليس الغالب يقول السميع العليم لأنه من يسمعك أقرب إليك ممن يراك. نلاحظ أنه ذكر في هذه الآية جملة من صفات الله سبحانه، ذكر الحياة لما يقول (سميع بصير، أسرى بعبده) معناه أنه حيّ، الحياة والقدرة في الإسراء والحكمة (لنريه من آياتنا) والسمع والبصر، يعني لا شك أن السميع البصير القدير يكون حيّ، من يفعل العلّة فهو حكيم وذكر صفة الخلق تضمناً (لنريه من آياتنا) إذن ذكر أبرز صفات الألوهية الحياة والخلق والملك والقدرة والحكمة والسمع والبصر. ذكر هذه الأمور تعريض بآلهة الكفار التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل وهي عاجزة. نلاحظ أنه ذكر الكمال فيما ذكر من صفات الله، ليس فقط ذكرها وإنما ذكر الكمال فيها، ذكر الكمال في القدرة والسمع والبصر والحكمة، أي شخص قد يكون سميع بصير ولكنه أحمق متهور فتكون هذه الصفات عيباً فيه، ربنا نفى هذا بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) نزّه نفسه عن صفات النقص وما لا يليق إذن كان كاملاً في هذه الصفات كلها منزهاً عن العيوب فاستحق الثناء هذا علاوة على أن قوله(سُبْحَانَ) يفيد تنزيهه عما كان يصفه أهل الجاهلية (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) الإسراء). الوقفة كاملة
٦٧ *تناسب خواتيم النحل مع فواتح الإسراء* خاتمة النحل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) أعلى المعية أن يقرِّبهم منه وفي بداية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)) هذه أعلى المعية إذن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون. هذه أعلى معية أنه تعالى جاء به وقرّبه إليه. في ختام النحل تكلم على بني إسرائيل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)) وفي بداية الإسراء قال (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)) هناك ذكر جانب وهنا ذكر جانباً آخر وكأنها استكمال لما حصل لهم. **هدف السورة: قيمة القرآن** سورة الإسراء من السور المكية التي تعنى بشؤون الدين والعقيدة والوحدانية لكن تميزت هذه السورة بأنها تتكلم عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في باقي سورة القرآن. وقد تعرّضت السورة لمعجزة الإسراء التي كانت مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لنبيه الكريم بعد ما لاقاه من أذى المشركين. وهي قصة إسراء النبي الكريم  من مكة إلى المسجد الأقصى حيث التقى بجميع الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم جميعاً وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، وتقدم الرسول  فقال له جبريل: "تقدم يامحمد فصلّ بالأنبياء إماما". وهذه معجزة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية ولم تأتي مصادفة أو عبثاً وإنما هدفها كان تسليم الرسالة التي تناقلها الأنبياء من قبل إلى رسولنا  وأمته الذين سيحملون هذه الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة. فكأن تسمية السورة تفيد انتقال الكتاب من بني إسرائيل إلى أمة محمد  وكذلك أن كل أنبياء بني إسرائيل صلّوا خلف الرسول  . وهذه السورة هي أكثر سورة ورد فيها ذكر القرآن (11 مرة). وكما سبق فإن هذه السورة ركّزت على قيمة القرآن وعظمته كما لم يرد في أي من سور القرآن الكريم. إذن قيمة القرآن هو محور السورة وقد جاء الحديث الشريف ليؤكد هذا المحور :"قال الرسول : ألا إنها ستكون فتنة فقال الإمام علي فما المخرج منها؟ قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجنّ إذ سمعوه إلا أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم." والآيات في السورة تعرض المحاور التالية:  انتقال الكتاب إلى الأمة الجديدة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) آية 1.  إنتقال الكتاب عبر الأمم (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) آية 2 و3.  تفريط بني إسرائيل بالكتاب (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ... ) آية 4.  وصول القرآن إلى أمة محمد  (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) آية 9.  قيمة الكتاب وأوامره: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*....* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) الآيات من 23 إلى 38.ربع كامل تقريباً يتحدث عن هذه الأوامر التي هي أوامر الفطرة البشرية مثل: بر الوالدين، إيتاء ذوي القربى واليتامى، عدم التبذير وعدم البخل، عدم قتل الأولاد، الإبتعاد عن الزنى، عدم قتل النفس، عدم أكل أموال اليتامى، الوفاء بالعهود، القسط في الكيل والميزان، التواضع وعدم الخيلاء.  التعقيب: قيمة هذا الكتاب: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) آية 39 و (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ) آية 41.  قيمة القرآن: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا) آية 45، (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) آية58، (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) آية 60، و(وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) آية 73.  حلاوة القرآن: هو الشفاء والرحمة (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) آية 78 و79 (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) آية 82.  عظمة القرآن: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) آية 88 و 89.  دور القرآن: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) آية 105 و 106.  ختام السورة: أحباء القرآن: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الآيات من 107 إلى 109. وكأن السورة كلها تدعو لعدم التخلي عن القرآن كما فعلت الأمم السابقة، لمّا تخلوا عن الكتاب استبدلهم الله بأمم أخرى تحافظ على الكتاب. وهذا القرآن هو الذي يخرج من الظلمات إلى النور وعلينا أن نتمسك به كما وصّانا : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" والحرف فيه بحسنة لا أقول ألم حرف وإنما أقول ألف حرف، لام حرف وميم حرف. وهذه السورة تقع في وسط القرآن وكأنما هي تذكير أن القرآن هو كتاب هذه الأمة التي جعلها تعالى أمة وسطا. وآخر السورة فيها سجدة حتى نسجد ونستشعر قيمة هذا القرآن العظيم الذي كان الذين أوتوه من قبلنا إذا سمعوه يخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وفي هذا توجيه للمسلمين أن يحافظوا على هذا القرآن ويستشعروا عظمته ويحرصوا على تطبيق تعاليمه حتى لا ينزع من هذه الأمة كما نزع ممن سبقها. سورة الإسراء تحدثت عن القرآن وتبدأ سوة الكهف مباشرة بعدها بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فسبحان الله العلي القدير. ***من اللمسات البيانية فى سورة الإسراء*** *أسئلة عامة : *لماذا جاء الخطاب في سورة الإسراء لـ (بني إسرائيل) وليس لليهود؟(د.فاضل السامرائى) لأن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب(وهوإسرائيل)وهم المعنيّون بالأمر وليس اليهود عموماً هم المقصودون في الآية. * ذكر أن الأنبياء لا يتكلمون اللغة العربية وفي رحلة الإسراء والمعراج قال الأنبياء للرسول صلى الله عليه وسلم أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح؟(د.حسام النعيمى) هذا خارج حياة الأرض في العالم الآخرعالم الغيب لأن الله سبحانه وتعالى طوى لحبيبه محمد  الزمان بحيث عرض عليه ما بعد قيام الساعة، عرض عليه أناساً يعذبون وهو رآهم حقيقة وليس مجازاً. رأى الجنة وما فيها ورأى النار وما فيها وهذا شيء غيب خارج قوانين الأرض. ونحن عندنا إشارات أن كلام أهل الجنة وكلام الآخرة سيكون بالعربية. أسماء الملائكة عربية: لما يتحدث القرآن عن النار خازنها مالك ومالك إسم عربي وخازن الجنة رضوان ورضوان إسم عربي. أول ما يموت الإنسان اللذان يوقظانه ويحاسبانه منكر ونكير أسماء عربية. هذه مؤشرات وعندنا حديث لا أدري إن كان ضعيفاً : " أُحبّ العرب لثلاث لأني عربي، كلام أهل الجنة عربي، والمسلمون يحبون العرب" الحديث الضعيف غير الموضوع يؤخذ منه لأنه لما يكون الحديث ضعيفاً أي هناك إحتمال خمسين في المئة أن يكون الرسول  قاله أما الموضوع فهو كذب. الضعيف عليه إشكال معناه صحيح لأن الرسول  عربي والمسلمون يحبون العرب فكان العربي إذا ذهب إلى باكستان وتركيا يتمسحون به ويتبركون به . *فى قضية الإسراء أكان بالروح ام بالجسد؟(د.حسام النعيمى) أبو حيان الأندلسي لما جاء ليبحث في مسألة الإسراء أكان بالروح والجسد أو كان بالروح؟ ذكر إثنين من الصحابة قالا الإسراء كان بالروح، قال إن صح الكلام، النقل عنهما لأنهما لو يقولا حدثنا رسول الله  ولكنه كان إجتهاد منهما قالا الإسراء بالروح قال إن صحّ فلا يعتدّ به لأن فلان في أيام الإسراء كان كافراً لو قال حدثني فلان من الصحابة عن رسول الله  يُقبل كلامه لكن هذا رأيه، وفلان كان صغيراً. لما يأتينا رأي إذا كان صحابي ينسبه للرسول  فلا مجال للمشاحة فيه. *في سورة الإسراء قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) هذه الآيات ختمت بالسميع البصير مع أنه من المعروف أن الإسراء والمعراج يدل على قدرة الله فلماذا لم تختم الآية مثلاً وأنه على كل شيء قدير أو إنه هو السميع العليم؟ وما دلالة قوله تعالى (ليلاً) مع أن السُرى هو المشي ليلاً؟ (د.فاضل السامرائى) الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) من الناحية البيانية وضع هذه الآية بالنسبة لما قبلها وما بعدها من الملاحظ أن سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد يعني بداية السورة التي قبلها (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) وبداية السورة التي بعدها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) إذن هذه السورة هي كسورة حفت بالتسبيح قبلها والتحميد بعدها. والسورة نفسها أي آيات سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد بدأت بالتسبيح (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) وانتهت بالتحميد (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) السورة وآياتها هكذا. ثم من الملاحظ أنها سُبقت بالمعية مع الله تعالى في آخر السورة قبلها قال (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) النحل) أعلى المعيّة هي المصاحبة وأعلى المعية أن يُعرج به إليه لا معية أعلى من ذلك فدلّ على أنه  أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون، لا معية أعلى من ذلك ولن تحصل لنبي مثل هذه المعية. هذه وضع السورة. نلاحظ في هذه الآية المباركة فيها آثار تعبيرية كثيرة: بدأت السورة بقوله (سبحان) وسبحان في اللغة إسم مصدر ويقولون علم على التسبيح أو إسم مصدر بمعنى التسبيح يعني ننزهك يا رب عن كل نقص. ورد التسبيح في القرآن بصور شتى ورد بفعل ماضي (سبح لله)، مضارع (يسبح لله) وأمر (سبِّح باسم ربك العظيم) وبالمصدر أو اسمه (سبحان) (سبحان ربي) حتى يشمل كل أحوال التسبيح، يستغرق كل أحوال التسبيح. سؤال: إذن التنوع اللفظي من حيث الصيغ الصرفية والصيغ النحوية التي جاءت للدلالة على الشمول والعموم؟ كل الأحوال وكل الأزمان الماضي والحال والاستقبال والأمر والمصدر. ثم هنا في سورة الإسراء بالذات قال (سبحان) بدأ بالمصدر بدون ذكر لفاعل التسبيح ولا الزمن لأن المصدر هو حدث مجرد غير مقيد بفاعل ولا بزمن. بدأت السورة بكلمة (سبحان) المصدر أو إسم المصدر الذي هو لم يقيد بفاعل ولا بزمن لغرض الإطلاق يعني هو أهل التسبيح هو يستحقه سواء كان هنالك من يسبحه من خلقه أو لم يكن. لو كان هناك فاعل لربط التسبيح به لكن عندما أطلقه (سبحان) لم يقيده بفاعل ويقتضي التسبيح بحد ذاته بغض النظر عن الذي يقوم بفعل التسبيح ولا بزمنه لأن المصدر حدث مجرد ولو اقترن بزمن أصبح فعلاً. إذن هو إطلاق التسبيح من أي زمن قبل الخلق بعد الخلق قبل وجود أي كائن وبعده سواء كان هنالك من يسبحه أو لم يكن (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)، هذا أمر. نلاحظ أن افتتاح السورة بالتسبيح طبع السورة بالتسبيح فشاع فيها التسبيح إلى حد كبير فقال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)) (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) هذا أعظم إطلاق في التسبيح (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) هذا أعظم إطلاق لا ملائكة ولا عاقل ولا غير عاقل (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)) (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)) ولا أعلم أن هناك سورة تدانيها في التسبيح وكثرته بدأت بالتسبيح وليست هنالك سورة تدانيها في شيوعها ولعل هذا إشارة في نقله  إلى عالم التسبيح. هذا أمر. ثم قال (بعبده) لم يقل بمحمد ولم يقل بالرسول ليدل على أن الإنسان مهما عظم ومهما كبر فلا يعدو أن يكون عبداً لله. هذا مقام تشريف ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي أنه أرفع من سائر العباد ولئلا يعظم محمد على غير ما ينبغي فيُدعى له منزلة أعلى من العبودية فهو عبد ثم العبودية أعلى وسام، أعلى وسام للخلق هو مقام العبودية، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) وعلى أيوب قال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص). نلاحظ أولاً أنه لما ذكر ربنا موسى  عند المناجاة فقال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (143) الأعراف) ذكره باسمه ولم يقل عبدنا موسى ولا الرسول موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كان عاقبة ذلك أن خر موسى صعقاً لو قال عبدنا كيف يخر صعقاً؟ مناسبة المقام، قال موسى بامسه العلم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) لم يقل وخر عبدنا موسى هذه ليست مناسبة للتكريم. ذكر عبد أقوى من ذكر الإسم المجرد (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) هذه العبودية الاختيارية هي أعلى وسام. *في نفس السورة قال تعالى(فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (5))هذا مجال تشريف لهؤلاء العباد؟ العبودية قسمان إختيارية وقسرية، القسرية ليس فيها فضل كلنا عبد لله شاء أم أبى (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) مريم) ليس فيها فضل الفضل هو في الاختيار كلما عبد وذلل الإنسان نفسه لله ازداد تقرباً إليه وزاد رفعة عنده، هذه العبودية الاختيارية. ثم السؤال قال لماذا قال (ليلاً) مع أن الإسراء والسُرى يكون ليلاً. نحن عندنا عموماً الظروف قسمان ظرف مؤسِس وظرف مؤكد والحال عندنا حال مؤسِسة وحال مؤكِّدة والصفة صفة مؤسِسة وصفة مؤكِّدة. ضبط المؤكد كأن تقول سريت ليلاً. المؤسس تأتي بشيء جديد والمؤكد يؤكد المعنى الذي قبله، مكثت زمناً المكث يجب أن يكون زمناً إذن هذا ظرف مؤكِّد لم يؤسس معنى جديداً. في اللغة عندنا الظرف والحال والصفة مؤسسة ومؤكدة. ليدلنا على أن كل هذا الذي حصل هو في جزء من الليل. ولو قال (أسرى) لا يعني جزء من الليل وإنما قد يكون بدأ بالإسراء في الليل، لا نعلم ولو قال أسرى ليس بالضرورة أن ينتهي بالليل وإنما يبدأ بالليل، قد يكون ستة أشهر لأن الليل مدة بعيدة . قال (أسرى بعبده ليلاً) يعني تمت هذه بجزء من الليل ذهاباً وإياباً، ليس فقط التوكيد وإنما أراد ربنا أن يعلمنا أن الأمر كله تم واكتمل بجزء من الليل. لو قال أسرى قد يكون استغرق الليل كله ولكنه قال ليلاً يعني بجزء من الليل. *هل هنالك فرق بين ليلاً والليل؟ نعم وقد نص على ذلك النحاة وسيبويه إذا عرّفته بـ (أل) استغرقته يعني لما تقول صحوت الليل يعني كل الليل، حدثته الليل يعني كل الليل لكن حدثته ليلاً يعني جزء من الليل، قال تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) لم يقل ليلاً ولو قال ليلاً يعني بجزء من الليل، (يسبحون الليل والنهار) اي طول الليل والنهار أكدها قوله تعالى (لا يفترون). كل ما حصل في جزء من الليل. هذه دقائق تجدها في كتب اللغة. ثم قال (من المسجد الحرام) للدلالة على قدرته أن الإسراء من هذا المكان إلى المسجد الأقصى. وفي بعض الروايات دلالة شرعية وكثير من العلماء يقولون أن الإسراء كان من بيت أم هانئ وهذا البيت هو خارج المسجد الحرام لكن هذه إشارة على أن مكة كلها حرم وكلها مسجد حرام وما دخل فيه من التوسعة هو مسجد حرام حكمه حكم المسجد الحرام وما دخل فيه هو من المسجد الحرام. هل المسجد الحرام الآن كما كان في زمن الرسول أو توسع؟ *المسجد في اللغة ربما يدل على بناء معين؟ ولذلك قالوا هذه فيها إشارة شرعية إلى أن مكة كلها تدخل في الحرم. لو قال بهذا الرأي قال هذاد]ليل على أنه كل مكة هي جزء من البيت الحرام وعلى أي حال الله أعلم بهذا. ثم قال (إلى المسجد الأقصى) لم يكن ثمة مسجد بمعنى مسجد كان هناك بيت المقدس ليس هنالك مسجد بمعنى المسجد تقام فيه الصلاة كما نعرفه الآن وقال المسجد دلالة على أنه سيكون وهم كانوا يعرفون أن المقصود بيت المقدس لأنه بُني للعبادة بعد الكعبة بأربعين سنة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) آل عمران). نلاحظ أنه قال (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) حول المسجد الأقصى طبعاً بإسناد فعل المباركة إلى الله تعالى (باركنا) ولم يقل بورك حوله مع أنه في بدابة الآية لم يكن الضمير ضمير المتكلم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ليدل على أن المتكلم هو الله وليس نقلاً عنه هو الذي باركه. لو قال بارك حوله يعني يتكلم عن غائب. قد يسأل سائل لماذا لم يتكلم ربنا تعالى بضمير المتكلم في حال الإسراء؟ ماذا يقول سبحاني؟! وقال (باركنا حوله) ولم يقل باركناه لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد ولو قال باركناه يعني فقط المسجد. هذا حكم آخر مكة كلها حرم. بارك المسجد وحول المسجد لم يقل إذن باركناه ويكفيه بركة أنه مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن). *باركنا حوله هل توحي بالضرورة أن المسجد مبارك؟ هو المباركة حوله جاءت بسبب المسجد ثم ربنا تعالى ينسب المساجد إليه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ (18) التوبة) وفي الحديث "أحب البقاع إلى الله المساجد" والمساجد بيوت الله في الأرض، حتى في الجاهلية لما قال زهير: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله، هذا تعظيم للبيت. ثم لاحظ أنه أطلق المباركة (باركنا) لم يقل باركناه بكذا. بارك قد تكون معنوية من البركة أما (باركنا حوله) عامة روحانية ومعنوية ومادية كلها مباركة مطلقة. ثم نلاحظ أنه قال (باركنا حوله) ولم يقل (باركنا ما حوله) حتى تبقى المباركة دائمة لأنه لو قالها ستخص الأشياء المعينة التي حوله وإذا زالت تزول المباركة أما (باركنا حوله) لا بد للمسجد أن يكون له حول فباركه. لو قال باركنا ما حوله يعني بارك الأشياء المعينة التي حوله إذا زالت تزول المباركة أما باركنا حوله بقيت المباركة ببقاء حوله. ثم قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لما قال (باركنا حوله) يعني إلتفت إلى المتكلم ليدل على أن المتكلم هو الله قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لماذا أسرى؟ (لنريه) تعليل وهذه لام العِلة يعني إذن تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة ومعنى ذلك أن هنالك منهجاً لهذه الرحلة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حتى يرى من آياتنا، وقال (من آياتنا) وليس آياتنا (من للتبعيض) يعني هناك أمور محددة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لا يراها كلها وإنما جزء. إذن هي معللة ولحكمة. الآيات بمعنى مخلوقات الله العظيمة والمعجزات. * إذن رحلة الإسراء والمعراج كلها ليرى الرسول  من آيات الله؟ نعم من آيات الله. نلاحظ قال (لنريه) ولم يقل ليرى ولم يقل ليُرى. (ليرى) من تلقاء نفسه وإنما هذه رحلة فيها منهج. لما قال (لنريه) من الذي يُريه؟ الله سبحانه وتعالى، لو قال ليُرى لا نعلم من الذي أراه لكن قوله (لنريه) ذكر الفاعل هو الذي يريه بإرادته وهذا تعظيم لله وللرسول، الله تعالى هو الذي يريه بإرادته هذه. *بعد ذلك قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم)؟ هذه بعد أن أراه ربه، أراه فرأى إنما بداية الرؤية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إذن وأضاف الآيات إلى نفسه سبحانه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وليس من الآيات، كلها تعظيم. *جمع آيات هنا هل له دلالة خاصة؟ هي ليست آية واحدة وإنما جمع من الآيات. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) رجع للإفراد بعد أن قال (من آياتنا، لنريه، باركنا) قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ليدل على أنه واحد لا شريك له منزه عن الشرك وذكرنا في أكثر من مناسبة أن هذا أسلوب مضطرد في القرآن الكريم أنه حيث يذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه واحد لا شريك له. وقال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يقل إنه سميع بصير، (هو) ضمير الفصل الإعلان له الكامل في ذلك وأنه مختص به سبحانه. يأتي السؤال لماذا قال (السميع البصير) وكان المضمون أن يأتي بما يدل على القدرة؟ *هل هناك فرق في النحو بين (إنه هو السميع البصير) و(إنه السميع البصير)؟ إنه هو السميع البصير آكد. مع أنه وردت في القرآن (والله سميع عليم) هذه حسب السياق الذي يأتي بها والضمير (هو) للتأكيد، آكد والكمال في ذلك، لم يقل على كل شيء قدير، هكذا كان المضمون، هو أفاد القدرة لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) دل على قدرته ولو قال كل شيء قدير هو مفهوم مما سبق لم يضف شيئاً جديداً وإنما هو معلوم مما مضى ولكنه أراد أن يذكر ملحظاً آخر: هو أولاً لماذا أسرى به؟ ليرى ويسمع وليدل على أن ما يراه يراه ربه وأن ما يسمعه يسمعه ربه. إذن هو اختيار لأنه أراد ربه أن يرى ويبصر ويسمع قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فما يسمعه يسمعه ربه وما يبصره يبصره ربه. قد تسأل لماذا لم يقل السميع العليم مع أنه سبحانه قالها في مواطن؟ الذي يسمعك ويبصرك هو عليم بك، الذي يعلم ليس بالضرورة أن يبصرك إذن هنا ما هو أدل على العلم لأن العليم قد يكون غائباً عنك إذن هنا السميع البصير شمل العلم والرؤية والسمع هذا أمر. تقول ربنا قال في مواطن السميع العليم قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقال (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) لماذا؟ لما قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) لما ذكر الشيطان الذي لا يُرى ولا تُرى وساوسه وإنما تُعلم قال (السميع العليم) لكن لما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) هؤلاء يُبصر بعضهم بعضاً. *لماذا قدم السمع على البصر في الآية (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ؟ في الأكثر وليس الغالب يقول السميع العليم لأنه من يسمعك أقرب إليك ممن يراك. نلاحظ أنه ذكر في هذه الآية جملة من صفات الله سبحانه، ذكر الحياة لما يقول (سميع بصير، أسرى بعبده) معناه أنه حيّ، الحياة والقدرة في الإسراء والحكمة (لنريه من آياتنا) والسمع والبصر، يعني لا شك أن السميع البصير القدير يكون حيّ، من يفعل العلّة فهو حكيم وذكر صفة الخلق تضمناً (لنريه من آياتنا) إذن ذكر أبرز صفات الألوهية الحياة والخلق والملك والقدرة والحكمة والسمع والبصر. ذكر هذه الأمور تعريض بآلهة الكفار التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل وهي عاجزة. نلاحظ أنه ذكر الكمال فيما ذكر من صفات الله، ليس فقط ذكرها وإنما ذكر الكمال فيها، ذكر الكمال في القدرة والسمع والبصر والحكمة، أي شخص قد يكون سميع بصير ولكنه أحمق متهور فتكون هذه الصفات عيباً فيه، ربنا نفى هذا بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) نزّه نفسه عن صفات النقص وما لا يليق إذن كان كاملاً في هذه الصفات كلها منزهاً عن العيوب فاستحق الثناء هذا علاوة على أن قوله(سُبْحَانَ) يفيد تنزيهه عما كان يصفه أهل الجاهلية (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) الإسراء). . الوقفة كاملة
٦٨ آية (1): *انظر ↑↑↑. *لمسات بيانية في الإسراء والمعراج للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي * جاء ذكر حادثة الإسراء صريحاً في الآية الأولى من سوة الإسراء أما المعراج فجاء ذكر أحداثه في سورة النجم في آيات متتالية من الآية 1 إلى الآية 18. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ حُفّت السورة كلها بالتسبيح والتحميد قبلها وبعدها ولعلّ في هذا إشارة إلى أنه  سينُقل إلى مكان وعالَم كله تسبيح: سورتي النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وسورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا )، وآياتها حُفّت بالتسبيح والتحميد في بدايتها بالآية 1 وفي آخرها (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) آية 111. وقد سُبقت السورة بالمعيّة في أواخر سورة النحل (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) آية 128 ومن أعلى أنواع المعيّة أن يُعرج به  إلى حيث من يُحبه بعدما لاقى من الأذى ما لاقاه من قومه وهذه أعلى معيّة للرسول  وكأنه هو أعلى من الذين اتقوا والذين هم محسنون. بداية السورة: سبحان: كما هو معروف لغوياً سبحان هي إما إسم مصدر أو عَلَمٌ على التسبيح. ولقد ورد التسبيح في القرآن الكريم في سور شتّى فورد بصيغة الفعل الماضي (سبّح لله ) وفعل مضارع (يُسبح لله) أو فعل أمر (فسبّح باسم ربك) وورد بتعدية الفعل نفسه (سبّح اسم ربك الأعلى) (وتسبّحوه بكرة وأصيلا) وبالباء (فسبّح باسم ربك) وورد بلفظ تسبيح وتسبيح اسمه (سبّح اسم ربك) فنحن نسبّحه ونسبّح له ونسبّح باسمه ونسبّح بحمده (فسبّح بحمد ربك ولستغفره) وباللام. سبحان الذي أسرى: المجيء بالمصدر يفيد الإطلاق بدون تقيّد بزمن أو بفعل أو بفاعل تسبيح مطلق قبل تسبيح أحد لا بفاعل معين ولا بزمن معين قبل خَلق المسبّحين أصلاّ. والإفتتاح بسبحان طبع السورة بجو التسبيح وشاع فيه ذكر التسبيح (سبحانه وتعالى عمّا يقولون علواً كبيرا) (تسبح له السموات السبع والأرض) (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) وهي أوسع وأشمل توسيع على الإطلاق. الفعل عادة مقيّد بزمن ومقيّد بفاعل فعندما قال تعالى (سبحان الذي أسرى) كان مطلقاً قبل وبعد تسبيح المسبّحين لا بفاعل معين وزمن معيّن إنما له التسبيح المطلق قبل أن يخلق المسبحين أصلاً. فالإطلاق في التسبيح في السورة متناسب جداً مع ما جاء في أول السورة (سبحان الذي) وهو التسبيح المطلق. وليس هناك في القرآن كله سورة شاع فيها التسبيح كما شاع في سورة الإسراء ولا توجد سورة تضاهيها في التسبيح ولعلها إشارة إلى أن الرسول  سينتقل إلى عالم وجو مليء بالتسبيح (الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون) فالسورة إذن مشحونة بالتسبيح. وأسرى تفيد المشي ليلاً وقد يكون من معانيها التسرية عن الرسول  بعدما لاقاه في عام الحزن وما حصل له في الطائف فأراد الله تعالى أن يُسرّي عن رسوله ويريه كيف تكون حفاوته في السماء بعد أن هان على الكفّار في قريش والطائف فآذوه ولم ينصروه هذا والله أعلم. بعبده: لم يقل برسوله ولا بمحمد وإنما قال بعبده. الإختيار لكلمة (بعبده) له جملة معاني أولها: أن الإنسان مهما عظُم لا يعدو أن يكون عبداً لله تعالى لا ينبغي لأحد أن يدّعي مقاماً ليس للآخرين وحتى لا يًعظّم أكثر مما ينبغي (كما فعل النصارى بعيسى ) فاختيار كلمة عبد حتى لا يُدعى له مقام غير مقام العبودية. فمقام العبودية لله هو أعلى مقام للخلق وأعلى وسام يُنعم الله تعالى به على عباده الصالحين تماماً كما وصفت الآيات نوح  (إنه كان عبداً شكورا) وأيوب (نعم العبد إنه أوّاب) والرسول  (وإنه لمّا قام عبد الله يدعوه). والعبودية نوعان: قسرية واختيارية، فالعبودية القسرية تتحقق شاء أم أبى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) سورة مريم أما العبودية الإختيارية فهي أعلى مقام العبودية ولمّا ذُكر موسى  ذكره الله تعالى باسمه وأعلى مقام لموسى كان في المناجاة (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) إلى قوله (خرّموسى صعقا) لم يكن ليقل خرّ عبدنا موسى أو جاء عبدنا موسى فلا يجوز أن ينسب العبودية له ثم يخرّ صعقاً هذا لا يحدث ولا يجوز أصلاً، أما الرسول  عندما ذكر بصورة العبودية أعقبها أنه عُرِج به إلى السماء وإلى سدرة المنتهى وخاطبه ربه بمقام لم يصل إليه أحد إلاّ هو  فلذا كان استعمال كلمة (بعبده) دلالة على زيادة التشريف له  والباء أيضاً إضافة تشريف وهي تدلّ على الرعاية والحفظ مثل قوله تعالى (فأوحى إلى عبده). ليلاً: كلمة أسرى معناها ليلاً لأن الإسراء لا يكون إلا ليلاً (ظرف مركّب) حتى نفهم أن الرحلة الطويلة من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى والعروج إلى السماء كانت كلها في جزء من الليل وقد جاءت كلمة (ليلاً) بدل الليل لأن الليل تدل على الليل كله أما الإسراء فقد تم في جزء من الليل فقط وليس الليل كله. من المسجد الحرام: أي من عين المكان ويكفي تسمية المسجد الحرام يعني أن لا يحدث فيه سوء. أكثر العلماء يقولون أن الإسراء لم يتم من المسجد الحرام وإنما من بيت أم هانئ وفي هذا التفاتة إلى أن مكة كلها حرم. المسجد الأقصى: لم يكن آنذاك مسجداً لكن هذا إشارة إلى أنه سيكون مسجداً. باركنا حوله: أسند تعالى المباركة لنفسه للدلالة على التعظيم ولم يقل بورك حوله والنون للعظمة لم يقل باركناه بل قال باركنا حوله لآنه لو قال باركناه لانحصرت المباركة بالمسجد فقط أما باركنا حوله فهو يشمل كل ما حوله وهو تعظيم للمسجد نفسه ولكنه إشارة أن المباركة حول المسجد أيضاً. ولم يقل باركنا ما حوله لأنها عندئذ تعني الأشياء فإذا زادت الأشياء زادت المباركة وإذا ذهبت ذهبت المباركة لكن المباركة كانت مطلقة تشمل أشياء معنوية وماديّة وروحانية بما أودع الله تعالى من رزق وخير وإرسال الرسل ولا تختص المباركة بشيء معين واحد وإنما تشمل كل هذه الأشياء. لنريه: إلتفات لأسلوب المتكلم بعد أن ابتدأ بالغائب (سبحان الذي أسرى) إلتفت سبحانه للمتكلم ليدلّ على أن المتكلّم هو الله تعالى وليس شخصاً يُخبر عنه إنما كان من الله تعالى مباشرة. وكلمة (لنُريه) تدلّ على أن أفعاله سبحانه معلّلة ولغرض معيّن ولحكمة قد يذكرها وقد يخفيها عنّا سبحانه وكأن هذه الرحلة معدّ لها. من آياتنا: أي مقرر ومُعدّ أن يرى بعض الآيات وليس كلها ولنريه: إسناد الفعل لله تعالى وشدة احتفائه برسوله  ولم يقل ليرى أو ليُرى إنما جاءت (لنُريه) وهذا إكرام وتشريف آخر من الله تعالى لرسوله  في هذا الرحلة. وإضافة الآيات إلى نفسه تعالى تأتي من باب الإحتفاء بالرسول  . إنه هو السميع البصير: عودة إلى الإفراد والوحدانية. ضمير التعظيم يأتي بعد أو قبل ضمير الوحدة في القرآن الكريم وهذا حتى لا يلتبس على السامع ويُشرك مع الله أحدا والأمثلة على ذاك كثيرة في القرآن الكريم تماما كما في سورة الكوثر (إنا أعطيناك الكوثر* فصلّ لربك وانحر) إنا تفيد التعظيم والكاف تفيد الوحدانية لأن الربّ واحد لا شريك له. وهي تدل على أنه سبحانه في الحقيقة هو المتفرّد بهذه الصفات ولقصر الصفات له سبحانه جاء بالضمير (هو) . لماذا خُتمت الآية بـ (السميع البصير)؟ ما دلالة السمع والبصر هنا؟ سياق الآيات تقتضي ذكر قدرة الله تعالى الحقيقة أنه لو قال إنه هو القدير أو إنه على كل شيء قدير لا يزيد شيئاً على معنى الآية لأن ما في الآيات اثبات لقدرة الله تعالى والرسول  أُسري به ليسمع ويرى أشياء لم يسمعها ولم يرها من قبل لذلك ناسب سياق الآيات أنه ما يراه الرسول  يراه ربّه وما يسمعه يسمعه ربّه لذلك إنه هو السميع البصير. فلماذا لم تأتي الآيات (السميع العليم) مثلاً كما وردت في آيات أخرى في القرآن؟ الذي يسمع ويرى هو عليم ولكن إذا قيل عليم قد يكون غائب عنك فالعليم ليس فيه حضور أما السميع البصير ففيه حضور. ولقد وردت (السميع العليم) في آيات أخرى لأن المقام في تلك الآيات اقتضى ذلك (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة الأعراف آية 200 عندما ذكر نزغات الشيطان، والشيطان لا يُرى ووساوسه لا تُرى كذلك لذلك جاءت الآية (سميع عليم). أما عند ذكر البشر في آية أخرى تأتي ختام الآية بـ (السميع البصير) (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة غافر آية 56. لماذا قدم السمع على البصر؟ 1. لأن من يسمعك أقرب ممن يراك فالشخص الذي تسمعه أنت أقرب إليك من الذي تراه وهذا يُشعر بالطمأنينة والأمن والقرب. 2. السمع هو أهمّ من البصر في مجال الدعوة فاقد البصر يمكن أن يبلّغ في مجال الدعوة أما فاقد السمع فيصعب تبليغه. 3. الإسراء في الليل والليل آيته السمع. وفي القرآن عندما يأتي ذكر الليل تأتي الآيات بـ (أفلا يسمعون) وعند ذكر النهار تأتي (أفلا تبصرون) فكلّ آية تناسب وقتها فالليل للسمع والنهار للإبصار. 4. قُدّم السمع على البصر في القرآن إلا في مواطن قليلة منها في سورة الكهف (أبصر به وأسمع) لأن السياق يقتضي ذلك، فقد خرج أهل الكهف فارّين حتى لا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في ظلمة الكهف وفي تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وفي سورة السجدة (ربنا أبصرنا وسمعنا) قدّم البصر هنا لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا ويكذبون في الآخرة وأبصروا العذاب والحقيقة وقولهم يعني انهم موقنون واليقين لا يتأتى إلا بالإبصار وليس بالسمع (عين اليقين) لأنهم رأوا العذاب عين اليقين. لفتة: وردت كلمة سميع والسميع في القرآن الكريم 46 مرة ووردت كذلك كلمة بصير والبصير 46 مرة. خلاصة: 1. أن الحياة والقدرة والسمع والبصر والحكمة وصفة الخلق كلها صفات وردت في هذه الآية ثم ذكر الكمال في هذه الصفات بكلمة واحدة هي (سبحانك) فالفرد قد يكون سميعا وبصيرا وذا قدرة ولكن قد يكون أحمقا أما كلمة سبحانك فجاءت نفياً وتنزيهاً لله تعالى عمّا يصفه أهل الجاهلية. 2. ارتباط أوّل السورة بآخرها فقد بدأت بالتسبيح وختمت بالتحميد. نعمة الإسراء نعمة عظيمة جليلة فجاء في ختام السورة قوله تعالى (وقل الحمد لله) حمداً لله على نعمة الإسراء. 3. ختمت السورة بالباقيات الصالحات (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) وبعد هذه الآية تبدأ سورة الكهف استجابة لهذا القول (قل الحمد لله فافتتحت سورة الكهف بالآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) وفي قوله في سورة الكهف في آية 4 (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) رد على آخر سورة الإسراء أنه سبحانه ليس له شريك في الملك. *المتوقع أن تختم الآية لأن فيها قوة وقدرة وإظهار لعظمة وغلبة الله سبحانه وتعالى لكن ربنا ختم الآية بشيء يحتاج منا إلى وقفة فقال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يقل على كل شيء قدير مثلاً؟ (إضافة للدكتور فاضل) أولاً لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) هذا يدل على القدرة، لو قال إنه على كل شيء قدير لم يزد على المعنى المفهوم في الآية، يعني لو قال إنه على كل شيء قدير هذا مفهوم مما مضى لكنه أفادنا معنى آخر استدعى السؤال. لو قال إنه على كل شيء قدير لم تضف شيئاً إلا التأكيد أو التبيين لكن هنا أضاف شيئاً. أولاً قال (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) إذن ربنا سبحانه وتعالى أسرى بعبده ليرى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويسمع أشياء لم يكن يراها ويسمعها فربنا يريه ما يرى ويسمعه ما يسمع. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرى ما يراه ربه ويسمع ما يسمعه ربه. الأمر الآخر أن هذه متعلقة بخاتمة السورة وبسياق السورة، مرة ذكرنا أن بداية السورة لها علاقة بخاتمة السورة، كل السور مفتتحها له علاقة بأواخرها. في خواتيم السورة قال (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)) (يخرون للأذقان سجداً) هذه بحاجة إلى بصر و (يقولون) محتاجة إلى سمع، هذه مستلزمات السميع البصير. قال (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى (110)) هذه محتاجة إلى سمع فالذي يدعو يحتاج إلى أن تسمعه. (وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا (110)) الصلاة حركات وأقوال، فإذن هذا كله يتعلق بالسمع والبصر. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ (111)) الذي ينبغي أن يقول يسمعه ربه، فإذن هذه متعلقة بخاتمة السورة أيضاً وما ذكر في أول السورة من إفساد بني إسرائيل (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا (5)) هذا يحتاج إلى سمع وإلى بصر ماذا يفعل هؤلاء ويبعث عليهم عباداً يرى ويسمع ما يفعل هؤلاء، إذن هي متعلقة بها. أما السميع العليم، السميع لا يقتضي الإبصار قد يعلم واحد عن طريق آخر أما البصر فهو يبصر ويرى. المسؤول يعلم عن الموظفين كثير لكن قد لا يعرفهم أصلاً ولا يبصرهم. لكن السميع البصير أقرب وأظهر في العلم. *لكن هل هنالك مسألة توأمة لغوية أو دلالية بيانية بين خواتيم الآيات أو فواصل الآيات وصدر الآيات؟ ما الرابط هنا الرسول يُسرى به ليُرى من آيات الله ثم يقول إنه هو السميع البصير؟ نعم. (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) إذن تحتاج إلى رؤية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرى ما يراه ربه، ربنا يرى الآيات حتى يراها النبي. نلاحظ ماذا ذكر في الآية، ذكر جملة من الصفات: الحياة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) معناها حيّ، القدرة، الحكمة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) هذه لعلِّة، والسمع والبصر، ذكر كل هذه الأشياء الحياة والقدرة والسمع والبصر، هذه متعلقات الألوهية وهذه أصلاً تعريض بما يعبده هؤلاء الذين ليس لهم قدرة ولا معرفة ولا سمع ولا بصر، ذكر متطلبات الألوهية كلها القدرة والحكمة والسمع والبصر أما آلهتهم فلا تسمع ولا تبصر. الإسراء كان في الليل وأداة الليل هي السمع فقدّم السمع ، السمع هو المناسب. قدّم السمع على البصر لأن من يسمعك أقرب ممن يبصرك ففيها تطمين للرسول. *هل الذي يسمع أقرب أم الذي يبصر أقرب؟ قد تسمع الإنسان على بعد لكن لا تبصره. لا، الذي يسمع أقرب. أنت تبصر النجوم لكن لا تسمع حركاتها، أنت تبصر من بعيد لكن لا تسمع ماذا يقول. السمع أقرب (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) إشعار بالطمأنينة والحفظ لأن قد تبصر أناساً بعيدين لكن لا تسمع أصواتهم لأن مدى السمع أقل من مدى البصر. *أو أن الله سبحانه وتعالى سميع بصير بما يصنع المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائهم له؟ قالوا هذا أيضاً قالوا وعيد للكفار وتكذيبهم أن الله يسمع ما يقولون ويبصر ما يفعلون، ذكر هذا المفسرون. هي جملة أمور لو قال على كل شيء قدير لا تؤدي هذه المعاني.أضافت معنى جديد، معنى آخر. *ما معنى كلمة التسبيح؟ وهل له أنواع؟(د.فاضل السامرائى) التسبيح هو التنزيه عما لا يليق، أصل التسبيح هو التنزيه (سبّح لله) أي نزّهه هؤلاء كلهم بما نفقه وبما لا نفقه من تسبيحهم (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء) الطير تسبّح والأشجار تسبّح وكل شيء يسبح (وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) الرعد) لا نفقه تسبيحها. التسبيح هو التنزيه عن كل ما لا يليق، عن كل نقص، أن تقول لله ولد أو تشبهه بخلقه أو أي شيء لا يليق بذاته. التسبيح ورد في صور شتّى: ورد التسبيح بالفعل الماضي (سبّح) وورد بالفعل المضارع (يسبح) وورد بفعل الأمر (فسبِّح) (سبِّح اسم ربك) وورد بإسم المصدر (سبحان الذي أسرى بعبده) كل هذا ورد فيه، لماذا؟ سبّح للزمن الماضي، يسبح مضارع للحال والاستقبال (المضارع للاستقبال كما في قوله تعالى (إن الله يفصل بينهم) هذا في يوم القيامة) حتى أن بعض النحاة قالوا هو للإستقبال أولاً ثم للحال. (سبِّح) الأمر وهو يدل على أن تبدأ به وتستمر، سبحان إسم مصدر. إسم المصدر قريب من المصدر، سبحان معناه علمٌ على التنزيه.نلاحظ أن الفعل مرتبط بزمن وبفاعل حتى يكون فعلاً، المصدر هو الحدث المجرّد الذي ليس له زمن ولا فاعل. إذن صار التنزيه إستغراق الزمن الماضي (سبح) والحال والمستقبل (يسبح) والأمر بالتسبيح ومداومته (سبّح) وسبحان التسبيح وإن لم يكن هناك من لم يسبح في السموات والأرض قبل الزمان وبعد الزمان إن كان أحد أو لم يكن فهو يستحق التنزيه سبحانه سواء كان هناك من يسبح بفاعل أو بدون فاعل فاستغرق جميع الأزمنة وقبل الأزمنة وبعد الأزمنة واستغرق الخلق وما قبل الخلق وما بعد الخلق. ليس هذا فقط إنما لاحظ كيف ورد التسبيح؟ ورد التسبيح (سبِّح اسم ربك الأعلى) ذكر الإسم، و(سبّحوه بكرة وأصيلا) لم يذكر الإسم وذكر المفعول به مباشرة، (سبّحه) (سبِّح اسم ربك الأعلى) متعدي وسبّح بإسمه متعدي بالباء، متعدي بنفسه والتعدية بالإسم وبالحمد (فسبح بحمد ربك)، (سبّح) هو في الأصل فعل متعدي. الفعل اللازم هو الذي يكتفي بفاعله ولا يأخذ مفعول به مثل ذهب ومشى ونام، الفعل المتعدي يتعدى إلى مفعول به مثل أعطى، وأحياناً يستعمل المتعدي كاللازم بحسب الحاجة مثلاً أحياناً يكون متعدياً إلى مفعوليم أو يذكر مفعولاً واحداً مثلاً (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) الضحى) ماذا يعطيك؟ أطلق العطاء ولم يقيّده بأمر معيّن. وقالوا يستعمل إستعمال اللازم كما في قوله تعالى (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) التوبة) وأحياناً لا يذكر المفعول به أصلاً (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) يونس) (يفقهون) فعل سمع متعدي (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل) علم تأخذ مفعولين ما ذكرها لأنه أراد الفعل بالذات ولم يُرِد المتعلق. قد نستعمل المتعدي كاللازم نريد الفعل وليس مرتبطاً بالمفعول به كما تقول مثلاً: فلان يعطي ويمنع، ماذا يعطي؟ وماذا يمنع؟ (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) هو يسمع ويرى ولا يقيّد بشيء معين. * بخصوص اللغة ما الفرق بين قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1) الإسراء) وقول سبحان من أسرى بعبده ليلاً؟ مع أن (الذي) و(من) إسم موصول؟(د.فاضل السامرائى) الإسم الموصول قسمان، قسم نسميه مختص ويسمونه أيضاً نصّ، وقسم يسموه مشترك. مختص يعني الذي للمفرد المذكر، التي للمفرد المؤنث، اللذان مثنى مذكر، اللتان مثنى مؤنث، والمشترك مثل (من) للمفرد المذكر والمؤنث والمثنى والجمع كلها، من حضر، من حضرت، من حضرا، من حضرتا، من حضروا، مذكر ومؤنث ومفرد ومثنى وجمع. وعندهم قاعدة المختص هو أعرف من المشترك فجاء ربنا بالإسم الأعرف (الذي) هذا واحد. (من) قد تكون نكرة أصلاً، (من) قد تأتي نكرة من النكرات مثلاً: هل من يساعدني؟ هل من يعينني؟ *لا نقول أين الذي يساعدني؟ هذا محدد. رب من تساعده لا يعرف لك الفضل، هذه نكرة، (من) تأتي نكرة و(الذي) لا تأتي نكرة. *هنالك خلاف إذن، ليس لأن كلاهما إسم موصول هذا يعتور مكان هذا؟ لا، أولاً إذا كان إسم موصول هذا مختص وهذا مشترك وهذا أعرف و(من) تخرج أصلاً تأتي نكرة (مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (75) آل عمران) هذه عامة. *خارج القرآن نقول عزّ مَن قائل أو عزّ مِن قائل؟ نقول عزّ مِن قائل. يعني عزّ قائلاً، هذه على التمييز أصلها التمييز عزّ قائلاً. لأن التمييز إسم بمعنى (من) مبين نكرة، يعني خاتم من ذهب وخاتم ذهباً، لله درّه من فارس، لله دره فارساً. *ما دلاله وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبد فى قوله تعالى(بعبده)؟(د.فاضل السامرائى) اختار كلمة عبد وأضافه إلى ضميره الإنسان لما يقول عن نفسه أنا عبد الله هذا تواضع والله تعالى لما يقولها عن عبد يكون تكريماً وهذا فيه تكريمان: الأول إختيار كلمة (عبد) لأن الله تعالى في القرآن الكريم لما يذكر (عبد) يذكره في مقام التكريم لأن العبودية نوعان في القرآن الكريم: العبودية الإختيارية والعبودية القسرية. العبودية الإختيارية هي أن الإنسان يختار أن يكون عبداً لله مطيعاً له وبهذا يتفاضل المؤمنون. ففي مقام مدح نوح  قال تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) أثنى على نوح وصفه بالعبودية. وقال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1) الإسراء) وصفه بالعبودية (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن). أما العبودية القسرية فليس فيها فضل لأنه رغم عن الإنسان نحن كلنا عباد الله شئنا أم أبينا (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم) عبادة قسرية رغماً عنا، الله تعالى يرزقنا ويختار لنا المكان الذي نولد فيه ويختار الأبوين ويعطينا إمكانيات ونعيش في السنن التي وضعها لا نتجاوزها هذه عبادة قسرية شئنا أم أبينا ليس فيها فضل وكل الناس هكذا (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان) هذه عبودية قسرية ليس فيها فضل وقمة العبودية هي العبودية الإختيارية وحتى الأنبياء يتفاضلون في عبوديتهم لله سبحانه وتعالى (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص). فكلمة عبد وسام للشخص من الله تعالى فإذا أضافها إلى ضميره (عبده) نسبه إليه إذن فيها تكريمان لأنه لما ينتسب العبد إلى الله تعالى يكون في حمايته. ولذلك لاحظ يقولون لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) لما ذكر كلمة عبد عرج به إلى السموات العلى وإلى سدرة المنتهى ولما ذكر موسى بإسمه قال (وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) إذن وكأن مقام العبودية عند الله سبحانه وتعالى مقام عظيم. *السُرى هو السفر ليلاً فما دلالة ذكر (ليلاً) في آية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1))؟(د.فاضل السامرائى) في الحلقة الماضية تعرضنا إلى أن هناك ظرف مؤكد وظرف مؤسس. الظرف المؤسس يعطيك معلومة جديدة لم تستفدها من الجملة السابقة للظرف كأن تقول سافرت يوم الجمعة، يوم الجمعة لم تستفدها إلا بعد أن ذكرت الظرف. أولاً (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) ليلاً: ظرف مؤكد لأن الإسراء لا يكون إلا بالليل. والتوكيد في الظروف وغير الظروف أسلوب عربي وجائز. في الصفات كقوله تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة) هي نفخة واحدة وقال تعالى (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ (51) النحل) الإلهين يعني اثنين. إذن عندنا تأسيس وتأكيد في الحال والصفات والظروف. إذن ليلاً هو ظرف مؤكد، هذا أمر. والأمر الآخر أن كلمة ليلاً أفادت معنى آخر غير كونها ظرف مؤكد وهو أن الإسراء تم في جزء من الليل. لما تقول سافرت ليلاً أي سافرت في هذا الوقت لا يعني أنك قضيت الليل كله لكن لما تقول سافرت الليل أي قضيت كل الليل سفراً. عندما تأتي بالألف واللام سافرت الليل أو الليل والنهار أو مشيت الليل والنهار أي كله لأن هذا جواب (كم؟). لما تقول سافرت ليلاً فهو توقيت وجواب عن متى؟ قد تكون سافرت في جزء منه، أما لما تقول سافرت الليل تكون قد استغرقته كله كما في قوله تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) هذا يستغرق استغراقاً لا يفترون. (ليلاً) أفاد أن هذه الحادثة كلها، الإسراء تم في جزء من الليل وهذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى أن تستغرق الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى التي تستغرق شهوراً والمعراج وما فيه كل هذا في جزء من الليل. إذن كلمة ليلاً أفادت معنيين الأول أنها ظرف مؤكد للإسراء والأمر الآخر أن هذه الحادثة استغرقت جزءاً من الليل. (أسرى بعبده) كم استغرق؟ لا نعلم. كلمة أسرى وحدها لا تدل على جزء محدد من الليل، الإسراء هو المشي بالليل فقط ولو لم يقل ليلاً لما دل على أن هذا تم في جزء من الليل. فكلمة ليلاً إذن أفادت أمرين الظرف المؤكد وأن هذه الحادثة لم تستغرق إلا جزءاً من الليل. لا توجد كلمة زائدة في القرآن أو حشو وإنما كل كلمة لها دلالة. في القرآن يقولون حرف جر زائد وهذا مصطلح لا يعنون به الزيادة التي ليس لها فائدة وإنما وقوعها بين العامل والمعمول لغرض وهو الزيادة للتوكيد كما في قوله (وما ربك بظلام للعبيد)، هو من حيث وقوعها بين العامل والمعمول تسمى زيادة فهذا مصطلح والمعنى العام هو باقٍ لكن وقعت بين العامل والمعمول وأكّدت والتأكيد أمر موجود في اللغة وقد يستدعي السياق التأكيد فكلمة زائدة عند النُحاة لا تعني أنه ليس لها فائدة، هذا قطعاً ليس هو المقصود وإنما في الغالب تفيد التوكيد وأقول في الغالب لأنه قد تفيد الزيادة شيئاً آخر غير التوكيد. سؤال: الإسراء من – إلى، ألا يقتضي المنطق أن الظرف يأتي بعد (من – إلى) يعني أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلاً؟ العامل هو أصلاً متقدم (أسرى) وبعبده وليلاً متعلقة بهذا العامل وهي معمولات لهذا العامل. يبقى الترتيب لما هو أهمّ: بدأ بالزمان (ليلاً) ثم المكان (من المسجد الحرام) كلها حصلت في جزء من الليل وهذا أمر مستغرب أنه من هذا المكان إلى ذلك المكان أن يكون في جزء من الليل، ليس مستغرباً أن تذهب من هذا المكان إلى ذلك المكان لكن المستغرب والمستبعد أن يتم ذلك في جزء من الليل لذلك هم قالوا نضرب إليها أكباد الإبل ستة أشهر ذهاباً ومجيئاً. هم لم يستغربوا من الذهاب والإياب لأنهم يذهبون ويأوبون ولكن استغربوا من الاستغراق للوقت فقط. لو لم يقل ليلاً لما فهمنا أنه تم في جزء من الليل. سؤال: هل نقول المعراج أو العروج؟ المعراج هو الآلة والعروج هو المصدر، هو الحدث. نقول الإسراء والمعراج. * ما دلالة كلمة (ليلا )؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحلاام الى المسجد الأقصى )والتوكيد باب كبير في اللغة وليس هناك باب لا يدخل فيه التوكيد مثلاً التوكيد بالجار والمجرور كما في قوله تعالى (ولا طائر يطير بجناحيه) المعلوم أن الطائر يطير بجناحيه ومع هذا جاءت كلمة بجناحيه للتوكيد, والظرف المؤكّد كما في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) الإسراء يكون ليلاً . *ما دلالة كلمة (لنريه) في سورة الإسراء؟(د.فاضل السامرائى) قد يحتمل المعنى أن الرسول  أُعطي الرؤية الإلهية وتعطلت الرؤية البشرية وربما يكون سبحانه وتعالى قد أعطاه رؤية قوية أكثر من قدرة البشر بدليل أنه رأى القافلة ورأى موسى وهو يصلي في قبره ورأى جبريل عليه السلام. والله أعلم. كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً. فلما يقول في القرآن (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر ففى أروع المواطن سمّاه عبداً. كلمة عبد لها أكثر من عشرين جمعاً ونظمها أكثر من واحد. الوقفة كاملة
٦٩ آية (17) : * في قوله تبارك وتعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)يس) لماذا سبحانه وتعالى قدّم (قبلهم) على القرون مع العلم أنه في مكان آخر يقدّم القرون (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ (13) يونس) (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ (17) الإسراء) فلماذا هذا التقديم والتأخير؟(د.فاضل السامرائى) (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) يس) تقديم الظرف (قبلهم) أو تأخيره بحسب القصد، السياق وإذا أراد تهديد المشركين الذين في زمن الرسول قدّم (قبلهم) لأن الظرف متعلق بهم وإذا لم يرد ذلك أخّر لأنهم هم المعنيين والضمير مضاف إليهم. فمثل ما ذكرت في مكان آخر (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) يس) هذه تقديم (قبلهم). (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ (13) يونس) تأخير. تقديم ما يتعلق بهم هو يعني تهديدهم بخلاف التأخير. وردت التقديم في ثمانية مواطن كلها تهديد والتأخير في موضعين ذكرتهما. (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6) الأنعام) (مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) يهددهم. (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) مريم) (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36) ق) وهكذا (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (128) طه) تهديد. بينما هنالك موضعان تأخّر فيهما الظرف ولكن ليس فيهما تهديد. نلاحظ الآية (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ (17) الإسراء) لو نظرنا في السياق ليس فيها تهديد (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿١٧﴾ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴿١٨﴾ وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴿١٩﴾ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴿٢٠﴾ الإسراء) ليس فيها تهديد وإنما ذكر القرون على العموم. أيضاً في يونس (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)) المقام في جعلهم خلائف وليس في إهلاكهم، ما قال يهلكهم وإنما قال (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). فإذن إذا أراد التهديد كل ما ورد تقديم الظرف (قبلهم) فيه تهديد وموطنان لم يرد فليس فيه تهديد. التقديم بلاغة، من حيث اللغة يجوز التقديم والتأخير لكن يبقى الاختيار البلاغي تقديم ما هو أهمّ. الوقفة كاملة
٧٠ آية (120): *ما المقصود بكون إبراهيم أمة في الآية (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)؟(د.حسام النعيمى) الأمّة في اللغة لها أكثر من معنى، من معانيها الجماعة من الناس الذي هم على فكر واحد أو على إعتقاد واحد يسمون أمة ولذلك قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) يعني بدخولكم هذا الدين تكونون من أمة الإسلام، ومن معانيها الأمة الرجل المتفرد في علمه، في خلقه. أو الرجل المُتّبَع. فكِلا هذين المعنيين يصلح على إبراهيم عليه السلام الرجل الذي لا نظير له والإمام المتّبع. ومنه قوله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) قال أبو عبيدة كان أمة أي إماماً لقومه. كان منفرداً عن سواه بالرسالة، بالنبوة، هولا نظير له بينهم. الوقفة كاملة


إظهار النتائج من 61 إلى 70 من إجمالي 429 نتيجة.