عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٤٥﴾    [النور   آية:٤٥]
آية (45): *(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) وفي الحجر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)) ما وجه التوافق بين الآيتين؟(د.فاضل السامرائى) ما هو الصلصال؟ الصلصال هو طين يابس، ما هو الطين؟ الطين هو ماء وتراب، إذن هذا الماء. الصلصال هو الطين اليابس والطين هو التراب والماء، إذن الماء أولاً. إذن هذه مراحل الخلق، يضع الماء على التراب يصير طيناً ثم يكون طين لازب ثم حمأ مسنون ثم صلصال كالفخار، إذن لا تعارض بين مراحل خلق الإنسان. *ما الفرق بين (ما) و (من) في الإستخدام اللغوي؟(د.فاضل السامرائى) في اللغة تستعمل (ما) لذوات غير العاقل ولصفات العقلاء (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ (29) طه) ماذا في يمينه؟ عصاه، (تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. تقول من هذا؟ هذا فلان، تسأل ما هو؟ تسأل عن صفته فيقال مثلاً هو تاجر، (من هو؟) تسأل عن ذاته. (ما) هي تستعمل لأمرين: لذات غير العاقل ولصفات العقلاء (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء (3) النساء) عاقل وربنا سبحانه وتعالى يستخدمها لنفسه كما جاء في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)) يتكلم عن نفسه سبحانه. (ما) تقع على صفات أولي العلم جميعاً حتى قسم من النُحاة أدق لا يقولون العقل لأن الله تعالى لا يوصف بالعقل ولا يصق نفسه أنه العاقل وإنما العالِم، فيقول النحاة لذوي العلم وذوات غير العاقل. في سورة الليل قال تعالى (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3)) من الخالق؟ الله سبحانه وتعالى، في سورة الكافرون (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) ما أعبد هو الله تعالى، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4)) الأصنام غير عاقلة و(ما) تستعمل لذوات غير العاقل وتستعمل لصفات العقلاء. (من) إذا إنفردت تكون لذوات العقلاء تحديداً، قد تستعمل في مواطن تخرج عن هذا الأمر مثلاً أنت تُنزِلأ غير العاقل منزلة العاقل، تتكلم مع حصانك يقولون لك: من تُكلِّم؟ تقول: أكلِّم من يفهمني، من يحفظني، هذا تجوّز. في الأصل أن (من) لذات غير العاقل وأحياناً يشترط العاقل مع غير العاقل فتطلق عليهم (من) فيصير تفصيل (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) من يمشي على بطنه غير العاقل، من يمشي على رجلين الإنسان، اجتمعت في عموم فصّل بـ (من) لها مواطن. أما إذا انفردت فلا تكون إلا للعاقل (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك) لذي العِلم. * ورتل القرآن ترتيلاً : (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ (45)) تأمل كيف استعملت (من) لغير العاقل عند قوله تعالى (مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) (مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) وذلك لأن المشي أكثر ما يُطلق على بني البشر. وقد استعمل المشي لهذه الكائنات كلها فلزم من ذلك تغليب ضمير العقلاء عليها. ولم يبدأ في ترتيبه بـ (مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ) وهم البشر المعنيون بالمشي لأن ترتيب الأجناس هنا ليس لغرض تمييز جنس على آخر بل لإظهار قدرة الله عز وجل وعظمته. فالزاحف على بطنه دون ظهور أعضاء المشي أعجب ممن يمشي على رجلين ومن يمشي على رجلين أعجب ممن يمشي على أربع. فبدأ بأكثرها تعقيداً وصولاً إلى أبسطها صورة.