عرض وقفة أسرار بلاغية

  • وقفات سورة الإسراء

    وقفات السورة: ٢٨٧٠ وقفات اسم السورة: ٤٣ وقفات الآيات: ٢٨٢٧
*تناسب خواتيم النحل مع فواتح الإسراء* خاتمة النحل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) أعلى المعية أن يقرِّبهم منه وفي بداية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)) هذه أعلى المعية إذن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون. هذه أعلى معية أنه تعالى جاء به وقرّبه إليه. في ختام النحل تكلم على بني إسرائيل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)) وفي بداية الإسراء قال (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)) هناك ذكر جانب وهنا ذكر جانباً آخر وكأنها استكمال لما حصل لهم. **هدف السورة: قيمة القرآن** سورة الإسراء من السور المكية التي تعنى بشؤون الدين والعقيدة والوحدانية لكن تميزت هذه السورة بأنها تتكلم عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في باقي سورة القرآن. وقد تعرّضت السورة لمعجزة الإسراء التي كانت مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لنبيه الكريم بعد ما لاقاه من أذى المشركين. وهي قصة إسراء النبي الكريم  من مكة إلى المسجد الأقصى حيث التقى بجميع الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم جميعاً وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، وتقدم الرسول  فقال له جبريل: "تقدم يامحمد فصلّ بالأنبياء إماما". وهذه معجزة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية ولم تأتي مصادفة أو عبثاً وإنما هدفها كان تسليم الرسالة التي تناقلها الأنبياء من قبل إلى رسولنا  وأمته الذين سيحملون هذه الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة. فكأن تسمية السورة تفيد انتقال الكتاب من بني إسرائيل إلى أمة محمد  وكذلك أن كل أنبياء بني إسرائيل صلّوا خلف الرسول  . وهذه السورة هي أكثر سورة ورد فيها ذكر القرآن (11 مرة). وكما سبق فإن هذه السورة ركّزت على قيمة القرآن وعظمته كما لم يرد في أي من سور القرآن الكريم. إذن قيمة القرآن هو محور السورة وقد جاء الحديث الشريف ليؤكد هذا المحور :"قال الرسول : ألا إنها ستكون فتنة فقال الإمام علي فما المخرج منها؟ قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجنّ إذ سمعوه إلا أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم." والآيات في السورة تعرض المحاور التالية:  انتقال الكتاب إلى الأمة الجديدة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) آية 1.  إنتقال الكتاب عبر الأمم (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) آية 2 و3.  تفريط بني إسرائيل بالكتاب (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ... ) آية 4.  وصول القرآن إلى أمة محمد  (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) آية 9.  قيمة الكتاب وأوامره: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*....* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) الآيات من 23 إلى 38.ربع كامل تقريباً يتحدث عن هذه الأوامر التي هي أوامر الفطرة البشرية مثل: بر الوالدين، إيتاء ذوي القربى واليتامى، عدم التبذير وعدم البخل، عدم قتل الأولاد، الإبتعاد عن الزنى، عدم قتل النفس، عدم أكل أموال اليتامى، الوفاء بالعهود، القسط في الكيل والميزان، التواضع وعدم الخيلاء.  التعقيب: قيمة هذا الكتاب: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) آية 39 و (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ) آية 41.  قيمة القرآن: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا) آية 45، (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) آية58، (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) آية 60، و(وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) آية 73.  حلاوة القرآن: هو الشفاء والرحمة (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) آية 78 و79 (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) آية 82.  عظمة القرآن: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) آية 88 و 89.  دور القرآن: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) آية 105 و 106.  ختام السورة: أحباء القرآن: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الآيات من 107 إلى 109. وكأن السورة كلها تدعو لعدم التخلي عن القرآن كما فعلت الأمم السابقة، لمّا تخلوا عن الكتاب استبدلهم الله بأمم أخرى تحافظ على الكتاب. وهذا القرآن هو الذي يخرج من الظلمات إلى النور وعلينا أن نتمسك به كما وصّانا : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" والحرف فيه بحسنة لا أقول ألم حرف وإنما أقول ألف حرف، لام حرف وميم حرف. وهذه السورة تقع في وسط القرآن وكأنما هي تذكير أن القرآن هو كتاب هذه الأمة التي جعلها تعالى أمة وسطا. وآخر السورة فيها سجدة حتى نسجد ونستشعر قيمة هذا القرآن العظيم الذي كان الذين أوتوه من قبلنا إذا سمعوه يخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وفي هذا توجيه للمسلمين أن يحافظوا على هذا القرآن ويستشعروا عظمته ويحرصوا على تطبيق تعاليمه حتى لا ينزع من هذه الأمة كما نزع ممن سبقها. سورة الإسراء تحدثت عن القرآن وتبدأ سوة الكهف مباشرة بعدها بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فسبحان الله العلي القدير. ***من اللمسات البيانية فى سورة الإسراء*** *أسئلة عامة : *لماذا جاء الخطاب في سورة الإسراء لـ (بني إسرائيل) وليس لليهود؟(د.فاضل السامرائى) لأن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب(وهوإسرائيل)وهم المعنيّون بالأمر وليس اليهود عموماً هم المقصودون في الآية. * ذكر أن الأنبياء لا يتكلمون اللغة العربية وفي رحلة الإسراء والمعراج قال الأنبياء للرسول صلى الله عليه وسلم أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح؟(د.حسام النعيمى) هذا خارج حياة الأرض في العالم الآخرعالم الغيب لأن الله سبحانه وتعالى طوى لحبيبه محمد  الزمان بحيث عرض عليه ما بعد قيام الساعة، عرض عليه أناساً يعذبون وهو رآهم حقيقة وليس مجازاً. رأى الجنة وما فيها ورأى النار وما فيها وهذا شيء غيب خارج قوانين الأرض. ونحن عندنا إشارات أن كلام أهل الجنة وكلام الآخرة سيكون بالعربية. أسماء الملائكة عربية: لما يتحدث القرآن عن النار خازنها مالك ومالك إسم عربي وخازن الجنة رضوان ورضوان إسم عربي. أول ما يموت الإنسان اللذان يوقظانه ويحاسبانه منكر ونكير أسماء عربية. هذه مؤشرات وعندنا حديث لا أدري إن كان ضعيفاً : " أُحبّ العرب لثلاث لأني عربي، كلام أهل الجنة عربي، والمسلمون يحبون العرب" الحديث الضعيف غير الموضوع يؤخذ منه لأنه لما يكون الحديث ضعيفاً أي هناك إحتمال خمسين في المئة أن يكون الرسول  قاله أما الموضوع فهو كذب. الضعيف عليه إشكال معناه صحيح لأن الرسول  عربي والمسلمون يحبون العرب فكان العربي إذا ذهب إلى باكستان وتركيا يتمسحون به ويتبركون به . *فى قضية الإسراء أكان بالروح ام بالجسد؟(د.حسام النعيمى) أبو حيان الأندلسي لما جاء ليبحث في مسألة الإسراء أكان بالروح والجسد أو كان بالروح؟ ذكر إثنين من الصحابة قالا الإسراء كان بالروح، قال إن صح الكلام، النقل عنهما لأنهما لو يقولا حدثنا رسول الله  ولكنه كان إجتهاد منهما قالا الإسراء بالروح قال إن صحّ فلا يعتدّ به لأن فلان في أيام الإسراء كان كافراً لو قال حدثني فلان من الصحابة عن رسول الله  يُقبل كلامه لكن هذا رأيه، وفلان كان صغيراً. لما يأتينا رأي إذا كان صحابي ينسبه للرسول  فلا مجال للمشاحة فيه. *في سورة الإسراء قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) هذه الآيات ختمت بالسميع البصير مع أنه من المعروف أن الإسراء والمعراج يدل على قدرة الله فلماذا لم تختم الآية مثلاً وأنه على كل شيء قدير أو إنه هو السميع العليم؟ وما دلالة قوله تعالى (ليلاً) مع أن السُرى هو المشي ليلاً؟ (د.فاضل السامرائى) الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) من الناحية البيانية وضع هذه الآية بالنسبة لما قبلها وما بعدها من الملاحظ أن سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد يعني بداية السورة التي قبلها (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) وبداية السورة التي بعدها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) إذن هذه السورة هي كسورة حفت بالتسبيح قبلها والتحميد بعدها. والسورة نفسها أي آيات سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد بدأت بالتسبيح (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) وانتهت بالتحميد (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) السورة وآياتها هكذا. ثم من الملاحظ أنها سُبقت بالمعية مع الله تعالى في آخر السورة قبلها قال (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) النحل) أعلى المعيّة هي المصاحبة وأعلى المعية أن يُعرج به إليه لا معية أعلى من ذلك فدلّ على أنه  أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون، لا معية أعلى من ذلك ولن تحصل لنبي مثل هذه المعية. هذه وضع السورة. نلاحظ في هذه الآية المباركة فيها آثار تعبيرية كثيرة: بدأت السورة بقوله (سبحان) وسبحان في اللغة إسم مصدر ويقولون علم على التسبيح أو إسم مصدر بمعنى التسبيح يعني ننزهك يا رب عن كل نقص. ورد التسبيح في القرآن بصور شتى ورد بفعل ماضي (سبح لله)، مضارع (يسبح لله) وأمر (سبِّح باسم ربك العظيم) وبالمصدر أو اسمه (سبحان) (سبحان ربي) حتى يشمل كل أحوال التسبيح، يستغرق كل أحوال التسبيح. سؤال: إذن التنوع اللفظي من حيث الصيغ الصرفية والصيغ النحوية التي جاءت للدلالة على الشمول والعموم؟ كل الأحوال وكل الأزمان الماضي والحال والاستقبال والأمر والمصدر. ثم هنا في سورة الإسراء بالذات قال (سبحان) بدأ بالمصدر بدون ذكر لفاعل التسبيح ولا الزمن لأن المصدر هو حدث مجرد غير مقيد بفاعل ولا بزمن. بدأت السورة بكلمة (سبحان) المصدر أو إسم المصدر الذي هو لم يقيد بفاعل ولا بزمن لغرض الإطلاق يعني هو أهل التسبيح هو يستحقه سواء كان هنالك من يسبحه من خلقه أو لم يكن. لو كان هناك فاعل لربط التسبيح به لكن عندما أطلقه (سبحان) لم يقيده بفاعل ويقتضي التسبيح بحد ذاته بغض النظر عن الذي يقوم بفعل التسبيح ولا بزمنه لأن المصدر حدث مجرد ولو اقترن بزمن أصبح فعلاً. إذن هو إطلاق التسبيح من أي زمن قبل الخلق بعد الخلق قبل وجود أي كائن وبعده سواء كان هنالك من يسبحه أو لم يكن (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)، هذا أمر. نلاحظ أن افتتاح السورة بالتسبيح طبع السورة بالتسبيح فشاع فيها التسبيح إلى حد كبير فقال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)) (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) هذا أعظم إطلاق في التسبيح (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) هذا أعظم إطلاق لا ملائكة ولا عاقل ولا غير عاقل (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)) (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)) ولا أعلم أن هناك سورة تدانيها في التسبيح وكثرته بدأت بالتسبيح وليست هنالك سورة تدانيها في شيوعها ولعل هذا إشارة في نقله  إلى عالم التسبيح. هذا أمر. ثم قال (بعبده) لم يقل بمحمد ولم يقل بالرسول ليدل على أن الإنسان مهما عظم ومهما كبر فلا يعدو أن يكون عبداً لله. هذا مقام تشريف ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي أنه أرفع من سائر العباد ولئلا يعظم محمد على غير ما ينبغي فيُدعى له منزلة أعلى من العبودية فهو عبد ثم العبودية أعلى وسام، أعلى وسام للخلق هو مقام العبودية، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) وعلى أيوب قال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص). نلاحظ أولاً أنه لما ذكر ربنا موسى  عند المناجاة فقال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (143) الأعراف) ذكره باسمه ولم يقل عبدنا موسى ولا الرسول موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كان عاقبة ذلك أن خر موسى صعقاً لو قال عبدنا كيف يخر صعقاً؟ مناسبة المقام، قال موسى بامسه العلم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) لم يقل وخر عبدنا موسى هذه ليست مناسبة للتكريم. ذكر عبد أقوى من ذكر الإسم المجرد (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) هذه العبودية الاختيارية هي أعلى وسام. *في نفس السورة قال تعالى(فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (5))هذا مجال تشريف لهؤلاء العباد؟ العبودية قسمان إختيارية وقسرية، القسرية ليس فيها فضل كلنا عبد لله شاء أم أبى (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) مريم) ليس فيها فضل الفضل هو في الاختيار كلما عبد وذلل الإنسان نفسه لله ازداد تقرباً إليه وزاد رفعة عنده، هذه العبودية الاختيارية. ثم السؤال قال لماذا قال (ليلاً) مع أن الإسراء والسُرى يكون ليلاً. نحن عندنا عموماً الظروف قسمان ظرف مؤسِس وظرف مؤكد والحال عندنا حال مؤسِسة وحال مؤكِّدة والصفة صفة مؤسِسة وصفة مؤكِّدة. ضبط المؤكد كأن تقول سريت ليلاً. المؤسس تأتي بشيء جديد والمؤكد يؤكد المعنى الذي قبله، مكثت زمناً المكث يجب أن يكون زمناً إذن هذا ظرف مؤكِّد لم يؤسس معنى جديداً. في اللغة عندنا الظرف والحال والصفة مؤسسة ومؤكدة. ليدلنا على أن كل هذا الذي حصل هو في جزء من الليل. ولو قال (أسرى) لا يعني جزء من الليل وإنما قد يكون بدأ بالإسراء في الليل، لا نعلم ولو قال أسرى ليس بالضرورة أن ينتهي بالليل وإنما يبدأ بالليل، قد يكون ستة أشهر لأن الليل مدة بعيدة . قال (أسرى بعبده ليلاً) يعني تمت هذه بجزء من الليل ذهاباً وإياباً، ليس فقط التوكيد وإنما أراد ربنا أن يعلمنا أن الأمر كله تم واكتمل بجزء من الليل. لو قال أسرى قد يكون استغرق الليل كله ولكنه قال ليلاً يعني بجزء من الليل. *هل هنالك فرق بين ليلاً والليل؟ نعم وقد نص على ذلك النحاة وسيبويه إذا عرّفته بـ (أل) استغرقته يعني لما تقول صحوت الليل يعني كل الليل، حدثته الليل يعني كل الليل لكن حدثته ليلاً يعني جزء من الليل، قال تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) لم يقل ليلاً ولو قال ليلاً يعني بجزء من الليل، (يسبحون الليل والنهار) اي طول الليل والنهار أكدها قوله تعالى (لا يفترون). كل ما حصل في جزء من الليل. هذه دقائق تجدها في كتب اللغة. ثم قال (من المسجد الحرام) للدلالة على قدرته أن الإسراء من هذا المكان إلى المسجد الأقصى. وفي بعض الروايات دلالة شرعية وكثير من العلماء يقولون أن الإسراء كان من بيت أم هانئ وهذا البيت هو خارج المسجد الحرام لكن هذه إشارة على أن مكة كلها حرم وكلها مسجد حرام وما دخل فيه من التوسعة هو مسجد حرام حكمه حكم المسجد الحرام وما دخل فيه هو من المسجد الحرام. هل المسجد الحرام الآن كما كان في زمن الرسول أو توسع؟ *المسجد في اللغة ربما يدل على بناء معين؟ ولذلك قالوا هذه فيها إشارة شرعية إلى أن مكة كلها تدخل في الحرم. لو قال بهذا الرأي قال هذاد]ليل على أنه كل مكة هي جزء من البيت الحرام وعلى أي حال الله أعلم بهذا. ثم قال (إلى المسجد الأقصى) لم يكن ثمة مسجد بمعنى مسجد كان هناك بيت المقدس ليس هنالك مسجد بمعنى المسجد تقام فيه الصلاة كما نعرفه الآن وقال المسجد دلالة على أنه سيكون وهم كانوا يعرفون أن المقصود بيت المقدس لأنه بُني للعبادة بعد الكعبة بأربعين سنة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) آل عمران). نلاحظ أنه قال (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) حول المسجد الأقصى طبعاً بإسناد فعل المباركة إلى الله تعالى (باركنا) ولم يقل بورك حوله مع أنه في بدابة الآية لم يكن الضمير ضمير المتكلم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ليدل على أن المتكلم هو الله وليس نقلاً عنه هو الذي باركه. لو قال بارك حوله يعني يتكلم عن غائب. قد يسأل سائل لماذا لم يتكلم ربنا تعالى بضمير المتكلم في حال الإسراء؟ ماذا يقول سبحاني؟! وقال (باركنا حوله) ولم يقل باركناه لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد ولو قال باركناه يعني فقط المسجد. هذا حكم آخر مكة كلها حرم. بارك المسجد وحول المسجد لم يقل إذن باركناه ويكفيه بركة أنه مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن). *باركنا حوله هل توحي بالضرورة أن المسجد مبارك؟ هو المباركة حوله جاءت بسبب المسجد ثم ربنا تعالى ينسب المساجد إليه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ (18) التوبة) وفي الحديث "أحب البقاع إلى الله المساجد" والمساجد بيوت الله في الأرض، حتى في الجاهلية لما قال زهير: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله، هذا تعظيم للبيت. ثم لاحظ أنه أطلق المباركة (باركنا) لم يقل باركناه بكذا. بارك قد تكون معنوية من البركة أما (باركنا حوله) عامة روحانية ومعنوية ومادية كلها مباركة مطلقة. ثم نلاحظ أنه قال (باركنا حوله) ولم يقل (باركنا ما حوله) حتى تبقى المباركة دائمة لأنه لو قالها ستخص الأشياء المعينة التي حوله وإذا زالت تزول المباركة أما (باركنا حوله) لا بد للمسجد أن يكون له حول فباركه. لو قال باركنا ما حوله يعني بارك الأشياء المعينة التي حوله إذا زالت تزول المباركة أما باركنا حوله بقيت المباركة ببقاء حوله. ثم قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لما قال (باركنا حوله) يعني إلتفت إلى المتكلم ليدل على أن المتكلم هو الله قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لماذا أسرى؟ (لنريه) تعليل وهذه لام العِلة يعني إذن تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة ومعنى ذلك أن هنالك منهجاً لهذه الرحلة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حتى يرى من آياتنا، وقال (من آياتنا) وليس آياتنا (من للتبعيض) يعني هناك أمور محددة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لا يراها كلها وإنما جزء. إذن هي معللة ولحكمة. الآيات بمعنى مخلوقات الله العظيمة والمعجزات. * إذن رحلة الإسراء والمعراج كلها ليرى الرسول  من آيات الله؟ نعم من آيات الله. نلاحظ قال (لنريه) ولم يقل ليرى ولم يقل ليُرى. (ليرى) من تلقاء نفسه وإنما هذه رحلة فيها منهج. لما قال (لنريه) من الذي يُريه؟ الله سبحانه وتعالى، لو قال ليُرى لا نعلم من الذي أراه لكن قوله (لنريه) ذكر الفاعل هو الذي يريه بإرادته وهذا تعظيم لله وللرسول، الله تعالى هو الذي يريه بإرادته هذه. *بعد ذلك قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم)؟ هذه بعد أن أراه ربه، أراه فرأى إنما بداية الرؤية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إذن وأضاف الآيات إلى نفسه سبحانه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وليس من الآيات، كلها تعظيم. *جمع آيات هنا هل له دلالة خاصة؟ هي ليست آية واحدة وإنما جمع من الآيات. (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) رجع للإفراد بعد أن قال (من آياتنا، لنريه، باركنا) قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ليدل على أنه واحد لا شريك له منزه عن الشرك وذكرنا في أكثر من مناسبة أن هذا أسلوب مضطرد في القرآن الكريم أنه حيث يذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه واحد لا شريك له. وقال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يقل إنه سميع بصير، (هو) ضمير الفصل الإعلان له الكامل في ذلك وأنه مختص به سبحانه. يأتي السؤال لماذا قال (السميع البصير) وكان المضمون أن يأتي بما يدل على القدرة؟ *هل هناك فرق في النحو بين (إنه هو السميع البصير) و(إنه السميع البصير)؟ إنه هو السميع البصير آكد. مع أنه وردت في القرآن (والله سميع عليم) هذه حسب السياق الذي يأتي بها والضمير (هو) للتأكيد، آكد والكمال في ذلك، لم يقل على كل شيء قدير، هكذا كان المضمون، هو أفاد القدرة لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) دل على قدرته ولو قال كل شيء قدير هو مفهوم مما سبق لم يضف شيئاً جديداً وإنما هو معلوم مما مضى ولكنه أراد أن يذكر ملحظاً آخر: هو أولاً لماذا أسرى به؟ ليرى ويسمع وليدل على أن ما يراه يراه ربه وأن ما يسمعه يسمعه ربه. إذن هو اختيار لأنه أراد ربه أن يرى ويبصر ويسمع قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فما يسمعه يسمعه ربه وما يبصره يبصره ربه. قد تسأل لماذا لم يقل السميع العليم مع أنه سبحانه قالها في مواطن؟ الذي يسمعك ويبصرك هو عليم بك، الذي يعلم ليس بالضرورة أن يبصرك إذن هنا ما هو أدل على العلم لأن العليم قد يكون غائباً عنك إذن هنا السميع البصير شمل العلم والرؤية والسمع هذا أمر. تقول ربنا قال في مواطن السميع العليم قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقال (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) لماذا؟ لما قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) لما ذكر الشيطان الذي لا يُرى ولا تُرى وساوسه وإنما تُعلم قال (السميع العليم) لكن لما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) هؤلاء يُبصر بعضهم بعضاً. *لماذا قدم السمع على البصر في الآية (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ؟ في الأكثر وليس الغالب يقول السميع العليم لأنه من يسمعك أقرب إليك ممن يراك. نلاحظ أنه ذكر في هذه الآية جملة من صفات الله سبحانه، ذكر الحياة لما يقول (سميع بصير، أسرى بعبده) معناه أنه حيّ، الحياة والقدرة في الإسراء والحكمة (لنريه من آياتنا) والسمع والبصر، يعني لا شك أن السميع البصير القدير يكون حيّ، من يفعل العلّة فهو حكيم وذكر صفة الخلق تضمناً (لنريه من آياتنا) إذن ذكر أبرز صفات الألوهية الحياة والخلق والملك والقدرة والحكمة والسمع والبصر. ذكر هذه الأمور تعريض بآلهة الكفار التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل وهي عاجزة. نلاحظ أنه ذكر الكمال فيما ذكر من صفات الله، ليس فقط ذكرها وإنما ذكر الكمال فيها، ذكر الكمال في القدرة والسمع والبصر والحكمة، أي شخص قد يكون سميع بصير ولكنه أحمق متهور فتكون هذه الصفات عيباً فيه، ربنا نفى هذا بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) نزّه نفسه عن صفات النقص وما لا يليق إذن كان كاملاً في هذه الصفات كلها منزهاً عن العيوب فاستحق الثناء هذا علاوة على أن قوله(سُبْحَانَ) يفيد تنزيهه عما كان يصفه أهل الجاهلية (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) الإسراء). .