التدبر

٥١ "قيل: قد اختلف في ذلك أهل العلم بلغة العرب. فكان بعض نحويي البصرة يقول: يقال"خلوت إلى فلان" إذا أريد به: خلوت إليه في حاجة خاصة. لا يحتمل -إذا قيل كذلك- إلا الخلاء إليه في قضاء الحاجة. فأما إذا قيل:"خلوت به" احتمل معنيين: أحدهما: الخلاء به في الحاجة، والآخر: في السخرية به. فعلى هذا القول، (وإذا خلوا إلى شياطينهم) ، لا شك أفصح منه لو قيل: "وإذا خلوا بشياطينهم"، لما في قول القائل:"إذا خلوا بشياطينهم" من التباس المعنى على سامعيه، الذي هو منتف عن قوله:"وإذا خلوا إلى شياطينهم". فهذا أحد الأقوال" انتهى من "جامع البيان" (1/309). الوقفة كاملة
٥٢ ألست مؤمنا؟ من علامات الإيمان أنك إذا سمعت آية مُصدّرة بـ﴿يا أيهـا الذين آمنوا﴾ تشعر أنك معني بها وأنها موجهة لك. الوقفة كاملة
٥٣ [ واتخذ قوم موسى من بعده .. عجلاً جسداً له خوار ( ألم يروا أنه لا يكلمهم .. ) ] القرار الذي ندمنا على اتخاذه ، كان ينقصه القليل من التأمّل . الوقفة كاملة
٥٤ ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ﴾ : هذه الآيه يقصد بها الأنبياء لكن العجيب ان كل من قرأ الوحي ( القرآن الكريم ) بتأمل وتدبر أحسَّ ان الله يكلمه و كأنما الآيات أُنزلت عليه وتتكلم عنه . الوقفة كاملة
٥٥ كلمة (القول) في القرآن لها معنيان : ١- الحديث والكلام : وهو الأكثر، ومنه ﴿ ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ﴾ ، ﴿ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول .. ﴾ . ٢- العذاب : ومنه قوله ﴿ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ﴾ . الوقفة كاملة
٥٦ (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) مخاوفك وآلامك ربما تسوقك إلى حيث تفتح لك أبواب السعادة. كان خائفا فأمن وتزوج ثم كلمه ربه الوقفة كاملة
٥٧ (سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) أسمعني الله وإياكم ووالدينا هذا السلام .. الوقفة كاملة
٥٨ عن أبي سعيد الخدري قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} قال: إذا تركوا الأمر بالمعروف؛ والنهي عن المنكر؛ وجب السخط عليهم.. الوقفة كاملة
٥٩ {الَّـذِيـــنَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْـــرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } وردت الأحاديث بالنهي عن المن في الصدقة ، ففي صحيح مسلم ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : المنان بما أعطى ، والمسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " . الوقفة كاملة
٦٠ (إذا زلزت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها)آيتان فقط تصوران انهيار النظام الأرضي بأكلمه يوم القيامة! الوقفة كاملة

التساؤلات

٥١ س/ ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ هل مقصد الآية أن الله يهدي من يريد هو سبحانه هدايته؟ أم أن الله يهدي من يريد من الناس أن يهتدي؟ وهل تحتمل المعنيين؟ ج/ فاعل (يريد) هو الله تعالى، ونظائرها في القرآن الكريم تدل على ذلك والهداية عليه هداية التوفيق لأن هداية البيان عامة للخلق، أما كون فاعل (يريد) العبد فليس بظاهر ولا أعرف أحدًا قال به غير أحد المعاصرين مستدلًا بقرب (من) ولكن قاعدة المتحدث عنه أرجح من القرب. الوقفة كاملة
٥٢ س/ في سورة النساء، قال الله عن المنافقين: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ وفي الآية التي بعدها يقول الله لنبيه ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾ كيف أوفق بين المعنيين؟ ج/ في الآية الأولى ذمٌ للمنافقين الذين ينسبون ما يأيتيهم من نعمة وخير إلى الله تعالى وما يصيبهم من ضرر وجدب ومرض إلى النبي (ﷺ) تشاؤماً وبغضاً له، والجميع من عند الله تعالى خلقاً وتقديراً. وفي الآية الثانية فيها إخبار بأن الحسنة من الله تعالى فضلاً وإنعاماً، والسيئة بسبب ذنب الإنسان. الوقفة كاملة
٥٣ س/ ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا﴾ قرأت أن معنى مرج اختلط؛ هل معني الآية الصور المنتشرة لالتقاء بحرين دون أن يختلطا؟ ج/ نعم معنى مرج خلط ولا يعني ذلك ما ذكرتم، وأكثر أهل التفسير فسروا البحرين بالأنهار العذبة والبحار المالحة. وجعل بينهما برزخا، وهو: الحاجز من الأرض ،لئلا يبغي هذا على هذا، وقيل أن بين البحرين، العذب والفرات، حاجزا لا يظهر للعيان، يمنع به اختلاط الماء العذب بالماء المالح رغم التقاء الماءين في نهاية مصب الأنهار، روي عن بعض السلف. ويقال إنه يوجد الآن في عمق البحار عيونٌ عذبة تنبع من الأرض، فإذا ثبت هذا فلا مانع من الجمع بين القولين ولا تعارض بينهما. الوقفة كاملة
٥٤ س/ سمعت أن ابن تيمية يقول إن قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ تقتضي طلب الهداية وطلب الثبات عليه؛ أين وجه الدليل في طلب الثبات؟ ج/ الواجب أن يستحضر الداعي بالهداية معنياها هداية التعليم والإرشاد وهداية التوفيق إلى العمل الخاصة بالله تعالى كما ينبغي أن يستحضر طلب أصلها ثباتًا ودوامًا؛ ولا يطلبها موحد إلا وهو محصل أصلها ويستحضر طلب زيادتها وقد يكون طلب الثبات من معنى الهداية نفسها وقد يكون من مقتضياتها. ففسره ابن جرير والزجاج والنحاس وجماعة من اللغويين بالثبات على الهدى. وفسره بعضهم بطلب زيادة الهدى. والقلب يتقلّب، وحاجة المرء إلى سؤال الله تعالى التثبيت من سؤاله الهداية .. ولكل عبد حاجات خاصّة للهداية بما يناسب حاله، إذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فهو طالب من الله أن يُعرِّفَه إيَّاه ويبّينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه؛ فيجعل في قلبه علمه وإرادته والقدرة عليه؛ فجَرَّدَ الفعل من الحرف، وأتى به مجرَّدا معدى بنفسه ليتضمَّن هذه المراتب كلَّها، ولو عُدِّيَ بحرف تعين معناه وتخصَّص بحسب معناه .. "ابن القيم"، وقال "ابن تيمية": (أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة .. فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب). الوقفة كاملة
٥٥ س/ لماذا قُدم النصارى على الصابئين في موضع، وقُدم الصابئون على النصارى في موضع آخر؟ ج/ أجاب الفيروزابادي في البصائر عن ذلك بقوله: "النصارى مقدمون على الصابئين في الرتبة لأنهم أهل الكتب، فقدمهم في البقرة، والصابئون مقدمون على النصارى في الزمان، لأنهم كانوا قبلهم فقدمهم في الحج، وراعى في المائدة المعنيين فقدمهم في اللفظ وأخرهم في التقدير: لأن تقديره والصابئون كذلك". وفي توجيه متشابه القرآن للكرماني مثل ذلك. الوقفة كاملة
٥٦ س/ ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذه الآية نزلت فيمن عبدوا الأصنام من دون الله وهي نزلت للتحذير كما جاء في قوله تعالى: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) فهل يصح الاستشهاد بها في حسن الظن بالله؟ ج/ هذه آية تخويف، بالسياق وبإجماع أهل التفسير، أي: ما تظنون أنه فاعل بكم إذ عبدتم غيره، وليست بمعنى الرجاء أصالة. وقد يستدل بها له على عموم اللفظ. ويغني عن تكلف الاستدلال بها لمعنى الرجاء الحديث الصحيح العام لمعنيي رجاء الخير وظن السوء (أنا عند ظن عبدي بي). الوقفة كاملة
٥٧ س/ ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ كيف نجمع بين المعنيين في هاتين الآيتين التكذيب بالبعث في الآية الأولى، ثم قولهم نموت ونحيا في الثانية؟ ج/ لاشك أنهم ينكرون البعث والآيتان صريحتان فيه وليس معنى نحيا للبعث بل هي حياتهم الدنيا التي يقر بها كل أحد، والظاهر أن يكون الذكر على غير الترتيب في الزمن مثل؛ (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي)، وقيل: هي على الترتيب والموت هو كونهم مواتا أي نطفا. مثل؛ الموت في (وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا) (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ). الوقفة كاملة
٥٨ س/ ما معني قوله تعالي: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾؟ ج/ أي: أتباع الرسل، كما قال أخوة يوسف في قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) أي: اسأل أهل القرية. الوقفة كاملة
٥٩ س/ كيف نجمع بين الآيات التي تقول: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ كعقاب لهم في الآخرة وبين: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾؟ ج/ لا يكلمهم الله تكليما خاصًا وهو تكليم التكريم والرضا، فهو يكلم تكليم استعتاب ليعتذر العبد فيقبل عذره، ويكلم تكليم تبكيت وإهانة، كتكليمه لأهل النار: وهذا وجه الجمع بين إثبات التكليم وبين ما جاء في القرآن والسنة من نفي التكليم. الوقفة كاملة
٦٠ س/ في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ كيف يكون التكليم؟ ج/ تكلمهم أي تخاطبهم أما كيف فهذا لابد فيه من نقل صحيح عن معصوم لأنه أمر غيبي. الوقفة كاملة

أسرار بلاغية

٥١ آية (١٥٧)-(١٥٨) : (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ) * في الأولى قدّم القتل وفي الثانية قدّم الموت: قد يكون هذا لغرض التلوين والتنويع في الأسلوب حتى لا يصير نفس الرتابة، لكن هناك شيء آخر وهو أنه لما تكلم عن الشهادة في سبيل الله يعني قدّمها على الموت الإعتيادي لأنها مقدمة وللشهداء منزلة. لكن لما تكلم عن الموت والقتل الإعتيادي كأن قد يُقتَل خطأ أو بثأر أو تقتله أفعى، فقدّم الشيء الطبيعي والأكثر الذي هو الموت. * الفرق بين (مُتُّمْ) بالضم ومِتم بالكسر(أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (٣٥)المؤمنون) : مُتم مسندة إلى المعلوم أي مُتُّمْ أنتم والتاء ضمير مبني في محل رفع فاعل، أما (مِتُّمْ) بالكسر مبنية للمجهول بمعني من وقع عليه الموت بمعنى أُمِتُّم. الضمة أثقل الحركات، حالة الموت المذكورة في آل عمران أثقل وأشد مما هو مذكور في آية المؤمنون حيث ذكر أولاً معركة أحد وما أصابهم من قتل ثم ذكر الموت في الغزوات والضرب في الأرض وهذا كله موت في الغربة، بينما في سورة المؤمنون يتحدث عن الموت على الفراش بين الأهل (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (٣٥))، أيها الأصعب؟ الموت في الغربة والجهاد فجاء معها بالحركة الأثقل . الوقفة كاملة
٥٢ آية (١٧٠) : (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) * قال (خَلْفِهِمْ) وليس بعدهم لأن (خلف) هي نقيضة (أمام) وهي غالبًا للمكان، والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً، أما (بعد) نقيضة (قبل) وتستعمل غالبًا في الزمان، وأحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى وفي قوله تعالى (..بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) الذين معهم في المعركة والقتال فهي للمكان. * (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) من حيث التأليف والتركيبة البيانية : • (لا خوف عليهم) بالإسم و (ولا هم يحزنون) بالفعل ، ما قال لا يخافون كما قال ولا هم يحزنون : وذلك لأنهم يخافون في الواقع وخوفهم يوم الآخرة (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) هؤلاء مؤمنون يخافون، الخوف مدح لهم هنا ، كل المكّلفين يخافون حتى يؤمّن الله من يؤمّن ، ولما كان الخوف حقيقة عبّر عنه بالإسم. • لم يقل لا يخافون : معنى (لا خوف عليهم) يعني لا يُخشى عليهم خطر، أما هم فقد يكونوا خائفين أو غير خائفين، قد يكون هناك إنسان غير خائف لأنه لا يقدر الخطر لكن هنالك خطر عليه، الطفل مثلاً لا يخاف النار هو لا يعلم العواقب ولا يقدرها ونحن نخاف عليه ، إذن لم يقل لا يخافون لأن واقع الأمر أنهم يخافون فأمّنهم الله بقوله (لا خوف عليهم) وهذا هو المهم . • لم يقل لا خوف عليهم ولا حزن؟ هو قال (ولا هم يحزنون) جعل الحزن بالفعل وأسند إليه (ولا هم يحزنون) ، لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يصح المعنى لأن ذلك يعني لا يحزن عليهم أحد يعني نفى الحزن عن غيرهم ولم ينفه عنهم يعني هم قد يحزنون لكن لا يحزن عليهم أحد ، والمطلوب أن تنفي عنهم الحزن لا أن تنفيه عن غيرهم ، ثم قد يكون هذا ذم أن لا يحزن عليهم أحد كما قال ربنا (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) النحل) يعني لا يستحقون أن تحزن عليهم ، إذن لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يستقيم المعنى قد يكون ذم وليس فيه فائدة ولا ينفعهم . • خصص الحزن بتقديم (هم) (ولا هم يحزنون) : التقديم أفاد الحصر ، أراد ربنا تبارك وتعالى أن ينفي عنهم الحزن ويثبته لغيرهم يعني ليس هم الذين يحزنون لكن الذي يحزن غيرهم من الكفرة هؤلاء أصحاب الحزن ، لو قال لا خوف عليهم ولا يحزنون يعني هم لا يحزنون لكن لم يثبت الحزن لغيرهم . • لم يخصص الخوف ما قال لا عليهم خوف بتقديم الجار والمجرور كما قال ولا هم يحزنون : وهذا أيضاً لا يصح ، عندما يقول لا عليهم خوف يعني ليس عليهم الخوف ولكن الخوف على غيرهم ، أنت نفيت الخوف عنه وأثبته على غيرهم أي الكفار، من يخاف على الكفار؟ وهم مغضوب عليهم؟ هذا المعنى يفهم إذا قدّم وقال لا عليهم خوف كان نفاه عنهم وأثبته على غيرهم . • (لا خوف عليهم) الإسم مرفوع وهنالك قراءة لا خوفَ بالفتح فلماذا فيها قراءتين؟ لا خوفَ عليهم بالنصب نص في نفي الجنس ولا النافية للجنس تعمل عمل (إنّ). لما تقول لا رجلَ بالبناء على الفتح هذا نفي نص الجنس يعني لا يوجد أيّ رجل مطلقاً ، لا رجلٌ نفي الجنس على الأرجح ويحتمل نفي الواحد لكن مع إحتمال وجود رجلين أو ثلاثة أو أربعة هذا احتمال واحتمال. لا خوفٌ عليهم في غير القرآن يمكن أن تجعله لا خوفٌ عليهم بل أكثر من خوف ، بينما لا خوفَ عليهم نفي جنس الخوف . لا شك السياق نفي الجنس تخصيصاً من أكثر من ناحية : من ناحية مقام مدح ، من ناحية قال (ولا هم يحزنون) فإذا كانوا لا يحزنون فإنه لا خوف عليهم لأن الحزن إذا كان هنالك شيء مخوف فتحزن لذلك ، إذن دلت القرائن على نفي الخوف تنصيصاً وجاء بـ (لا) النافية للجنس أيضاً في قراءة أخرى. فإذن القراءتان دلت على نفي الخوف تنصيصاً وبالقرينة. لكن هنالك مسألة إذا كان هو أفاد نفي الجنس تنصيصاً أو بالقرينة إذن لماذا يأت بنفي الجنس ولم يقل لا خوفَ عليهم؟ هو عندما يقول (لا خوفٌ عليهم) بالرفع هذا يفيد معنيين: ١- الأول كون حرف الجر (عليهم) متعلق بالخوف مثلاً (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) متعلق بـ(خاف) ، لو كان الجار والمجرور (عليهم) متعلقاً بالخوف يكون الخبر محذوفاً لأن لا خوفٌ عليهم الخبر يكون محذوفاً . ٢- يحتمل أن يكون الجار والمجرور (عليهم) ليس متعلقاً بالخوف وإنما متعلق بكان واستقر يعني لا خوف كائن عليك. مثل (عليكم أن تجلسوا في الصف) إذا تعلق الصف بالجلوس لا يكون هنالك خبر، الجلوس في الصف مطلوب نافع مفيد، لا خوفٌ عليك موجود . إذن فيها معنيين واحتمالين وليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معينا ً، إذن هذا توسع في المعنى جمع معنيين : إذا أخذناها على أن (عليهم) متعلقة بالخوف يكون الخبر محذوف يعني لا خوف عليهم من أي مكروه أو لا خوف واقع عليهم إذن الرفع فيها احتمالين أن يكون (عليهم) متعلق بخوف فيكون الخبر محذوف تقديره كائن أو موجود أو (عليهم) هو الخبر، الخوفُ عليهم وكل واحدة لها دلالة . أما لا خوفَ عليهم ليس له إلا دلالة واحدة (عليهم) هو الخبر نصّاً لا يجوز أن يتعلق بالخوف نحوياً ، لأنه لو كان تعلق به سيكون شبيهاً بالمضاف فنقول لا خوفاً عليهم بالنصب ولا يصح البناء مطلقاً لأنه شبيه بالمضاف ولا يمكن أن نبني . لو اكتفى لا خوفَ عليهم سنفقد معنى (لا خوفَ) خوفَ نعربها إسم لا النافية للجنس، أما (لا خوفٌ) (لا) نعربها إما عاملة عمل ليس وقسم يجعلها مهملة فيكون خوف مبتدأ وعليهم خبر. • هو نفي الخوف الثابت والمتجدد ونفى الحزن الثابت والمتجدد : - قال (لا خوف عليهم) هذا ينفي الخوف الثابت . - نفي الحزن المتجدد من الفعل المضارع (ولا هم يحزنون) الذي فيه تجدد واستمرار وهذا يقتضي (لا خوف عليهم) لأن الحزن مرحلة تالية للخوف فإذا نفى ما يستجد من الحزن ينفي ما يستجد من الخوف. - نفي الحزن المتجدد ينفي الخوف المتجدد لأنك تخاف فتحزن، الخوف أولاً ثم الحزن بعدما يقع إذا وقع ما يخاف منه . - نفي الخوف الثابت ينفي الحزن الثابت ، فجاء أحدهما بالفعل والآخر بالإسم وأحدهما مرتبط بالآخر . • لم يقل لا خوفٌ عليهم ولا حزن لهم؟ - جملتان إسميتان تدلان على الثبوت؟ لو قال لا حزن لهم هو ينفي الحزن عنهم ولا يثبته لغيرهم، هو قال (ولا هم يحزنون) أثبت الحزن لغيرهم . - لو قال ولا لهم حزن هذا تنصيص على الجنس بمعنى ليس هنالك نص في نفي الجنس يعني لا لهم حزن لأن لا النافية للجنس لا يتقدم خبرها على إسمها فإذا تقدّم لا تعود نصاً في نفي الجنس ثم يجب رفع الحزن لا يجوز نصبه ولا بناءه (ولا لهم حزنٌ) ما دام تقدم الخبر تصير (لا) مهملة. - ثم سنخسر الثابت والمتجدد لأنها تصبح كلها إسماً إذن تنفي الثابت فقط ولا تنفي الثابت والمتجدد. هذا كله في (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). الوقفة كاملة
٥٣ * لماذا ترد السمع مفرد والأبصار ثم القلوب بالجمع (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة) ؟ هذه هي الآية الثانية في الكلام على الكفار في أول سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)). هؤلاء كانوا من عتاة الكفرة من الذين علم الله سبحانه وتعالى أنهم قد أقفلوا قلوبهم لذلك يقال لهم (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) هذه التصريحات في القرآن تجاه أناس من دلائل النبوة، هذا لا يكون من كلام بشر لأنه ما يكون موقفك لو أن هؤلاء تظاهروا بالإسلام وقالوا نحن أسلمنا؟ يكون الكلام غير وارد، لكن هذا علم الله سبحانه وتعالى. هؤلاء عتاة الكفر أغلقوا قلوبهم. الختم هو الطابَع من الطين،الأصل أن العربي كان يغلق فوهة شيء من الأشياء إذا أراد أن يحفظها ويأتي بشيء من الطين يضعه على مكان عقدة الخيط ويختم بخاتِمه (خاتَم وخاتِم) والآن مستعمل هذا الختم بالشمع الأحمر. متى يختم بالشمع الأحمر؟ على الغلق، يعني يقفل المكان ثم يختم عليهم بالشمع الأحمر وليس وهو مفتوح، إذن هم أغلقوا قلوبهم أولاً فختم الله سبحلنه وتعالى عليها. لا يحتج أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ختم فهم مسيّرون لأنهم هم أغلقوا قلوبهم أولاً لأن الختم لا يكون إلا على شيء مغلق. فهم أغلقوا قلوبهم وما عادوا مستعدين للإستماع ولا للتقبّل لذا قيل للرسول  (سواء عليهم أأنذرتهم أو تنذرهم) هؤلاء لا يؤمنون هؤلاءإنتهى حالهم، وهذا الأمر لا يكون لعموم المسلمين لا يقول الإنسان هذا مقفل قلبه لأنك أنت لا تعلم ذلك. إذن الختم لا يكون إلا بعد الإغلاق هم أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها. القلب عند العرب هو موطن العقل والتفكير هم هكذا يستعملونه، والدماغ عندهم حشو الجمجمة. في لغة العرب أن الإنسان يعقل ويفكر والعاطفة وكلها في القلب. فالقرآن كلّم الناس أن موطن العقل وموطن التفكير عندهم القلوب، بماذا يتدبر الإنسان؟ بما يسمعه لأن الأصل أن الآيات تلقى إلقاء على الناس.الدعوة شفاهاً، كلام شفاهاً، الرسول  كان يكلمهم فهم إذا أغلقوا قلوبهم ما فائدة أن يأتي كأنهم لا يحتاجون إلى آذانهم. فإذا سمعوا شيئاً هذا الشيء يدعوهم إلى التفكر، إلى النظر (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) السمع هو الوسيلة الأولى الذي يدعوك إلى أن تنظر، تسمع، يقال لك انظر فتنظر. أولاً أغلقوا قلوبهم فختم عليها. الطريق إلى القلوب هو السمع ما عاد ينفع فختم عليها أيضاً والسمع وسيلة التذكير بالإبصار فغشّيت الأبصار(غشاوة) لذلك جاء هذا الترتيب الطبيعي ولا يمكن أن يتغير إلا في ظرف معين سنتطرق إليه في سورة الاسراء(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) . ومن جانب آخر : القلوب ما يحوك فيها التفكير هذا شيء واسع مطلق والإنسان وهو ساكت وفي فكره وفي قلبه و في تفكيره ليس له حدود. النظر أيضاً واسع لكنه لا شك أقل من القلب، أنت تنظر إلى مكان محدود النظر يأتي في الدرجة الثانية في السعة، متنوع، يعني ترى أشياء كثيرة.أما السمع فيستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي. البصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر فالذي يتعامل مع الكثير إستعمل له الجمع والذي يتعامل مع الواحد إستعمل له المفرد (السمع). لأنه لو مجموعة من الناس وألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم صورة واحدة ستدخل هذه الذبذبات وتترجم في رؤوسهم - إذا كانوا يعرفون العربية - بصورة واحدة لا تختلف (ختم الله على قلوبهم) كلمة كلمة كلمة، عدة كلمات متصلة هذا الذي يستقبلونه فإذن المستقبل في السمع واحد لكن لما استقبلوه كلٌ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي توحيد السمع وجمع القلوب. لما ينظر فيما حوله كلٌ ينظر من زاويته فكلٌ يرى حسب وجهة نظره. القلوب جمع قلب والأبصار جمع بصر ليس عندنا جمع آخر ، قلوب جمع كثرة وأبصار جمع قِلّة وطبعاً كلاهما يستعمل للكثرة والقلة. مما قلناه أن القلوب مشاربها وتهيؤاتها وتصورها شيء واسع فهذا كلام العرب. العرب جاءوا على لغة القرآن. العرب جمعوا القلب على قلوب إحساسهم هذا وجمعوا البصر على أبصار، هذه ميزة للعربية ومن خلال النظر في كتاب الله سبحانه وتعالى. بعض علمائنا يقولون وحّد كلمة السمع لأن صورتها صورة المصدر والمصدر عادة لا يُجمع لأنه يدل على الحدث المطلق. لأن مدركات السمع واحد وهو الصوت بينما مدركات القلوب ومدركات الأبصار متعددة. ما يدركه السمع واحد وهو الصوت اللغوي والترجمة تكون في الذهن أي في القلب والنظر مدركاته كثيرة والقلب مدركاته كثيرة ومدركات السمع هو الصوت اللغوي وهو هذه الموجة. -(لكن العرب جمعت السمع على أسماع )- هنا القرآن استخدم ختم على القلب وعلى السمع والعطف لأنه أراد أن يجمع بختم واحد القلوب والسمع لارتباط الموضوع، لأن موضوع التفكر يكون عن طريق السماع فلما أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع فختم على الإثنين: ختم على قلوبهم وعلى سمعهم بختمين وليس بختم واحد لأن القلب شيء والسمع شيء آخر. (وعلى أبصارهم غشاوة) هذه جملة جديدة وليست معطوفة ولو أردنا أن نقف نقف على سمعهم ثم نقول وعلى أبصارهم غشاوة. البصر يحتاج لتغطية أما السمع فيحتاج إلى ختم لأنه ليس هناك شيء يغطيه. الوقفة كاملة
٥٤ آية (١٣٣) : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) * جاء بصيغة سارعوا للمبالغة في طلب الإسراع. * هناك فرق بين فعل الخير وبين المسارعة فيه والله تعالى يريد منا المسارعة في الخير وهي التوجه باقبال واندفاع الى الله تعالى ويريدنا أن نلجأ إليه كالذي يفِرّ (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) ولم يقل امشوا أو اذهبوا، ولا نكون كالمنافقين الذين إذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى. * تنكير (مَغْفِرَةٍ) ووصلها بقوله (مِّن رَّبِّكُمْ) مع استطاعة الإضافة مباشرة بأن يقول: وسارعوا إلى مغفرة ربكم غرضه التضخيم والتعظيم. * قال (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا) ولم يقل جنة طولها لتمثيل شدة الإتساع ليُطلق العنان لخيال السامع فإذا كان عرض الجنة بهذا الإتساع صعب التخيّل فكيف يكون طولها؟! * الفرق البياني بين آية ١٣٣ من سورة آل عمران وآية ٢١ من سورة الحديد: سورة آل عمران (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) سياق الآيات - جاء قبلها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هناك تشريع ونهي عن ارتكاب إثم عظيم ودعوة للتقوى. - لو لاحظنا الناحية الفنية لرأينا وضع كل واحدة يناسب ما هي فيه ففي آل عمران نرى المتقين والأمر بالتقوى يتكرر عدة مرات. سورة الحديد (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) سياق الآيات - جاء قبلها (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(٢٠)) فيها نوع من الإيضاح والشرح لقضية معينة وليس فيها نهي أو أمر. - في سورة الحديد تتكرر عبارات (آمَنُوا بِاللهِ) (الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (يُضَاعَفُ لَهُمْ) ففيها تفضلات كثيرة. سورة آل عمران سارعوا - سابقوا - لما جاء التحريم طلب منهم أن يسارعوا لأن كل واحد مسؤول عن فعله لأنه أمر شخصي فطلب إليه أن يُسرع إلى مغفرة بالتوبة والتوبة شخصية. - عندما قال (وَسَارِعُواْ) قال (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ). سورة الحديد سارعوا - سابقوا - (سَابِقُوا) الكلام قبلها على الدنيا التي فيها تنافس ولعب وتفاخر كلُ يريد أن يظهر شأنه، ولكن المسابقة هي أن تتسابقوا إلى مغفرة من ربكم وتلجأون إليه عن هذا اللهو والعبث لكن فيه تسابق والسباق قطعاً فيه سرعة وزيادة. - وعندما قال (سَابِقُوا) قال (كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) والسماء أوسع من السموات فهي تشملها وغيرها، وكثرة الخلق المتجهين لمكان واحد تقتضي المسابقة، فإن قلّوا اقتضى ذلك المسارعة فقط ، وليس المسابقة. ذكر الواو وعدمه سورة آل عمران جاءت الآية في إطار العطف (وَاتَّقُوا اللَّهَ) (وَاتَّقُوا النَّارَ) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ) لاحظ الواوات، ثم (وَسَارِعُواْ). سورة الحديد لم تأت في سياق العطف فجاءت (سَابِقُوا) من غير الواو. السماء -السموات سورة آل عمران السموات السبع وهي موطن الملائكة جزء من السماء بمعناها الواسع الذي جاء في سورة الحديد والذي يشمل الفضاء والسقف والمطر والسحاب. سورة الحديد ا لسماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان: ١ـ واحدة السموات السبع، كقوله تعالى (ولقد زَيّنا السّماءَ الدنيا بِمَصابيح). ٢ـ كل ما علا وارتفع مما عدا الأرض : ـ فسقف البيت في اللغة يسمى سماء كقوله تعالى (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) ليمد حبلًا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه). ـ وقد تكون بمعنى السحاب (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً). ـ وقد تكون بمعنى المطر (يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا). ـ وقد تكون بمعنى الفضاء والجو (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ). ـ والارتفاع العالى (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) . عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ - كَعَرْضِ السَّمَاءِ سورة آل عمران - لما قال (السَّمَاوَاتُ) قال (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ)، - لم يستخدم الكاف لكن لما استعمل السموات إستعمل التحديد (عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) للتقريب. سورة الحديد - (كعرض) أقوى من (عرضها) وأشمل وأوسع . - كلمة (السَّمَاءِ) تأتي عامة وهي أقوى وأوسع وأشمل، فعندما اتسعت اتساعًا هائلًا غير محدود جاء بأداة التشبيه الكاف لأن المشبه به (كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) عادة أبلغ من المشبه، فهي لا تبلغ هذا المبلغ الواسع فهذا إطلاق لأن السماء والأرض عظيمة جداً. لِلْمُتَّقِينَ - لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ سورة آل عمران عندما ضيَّق وقال (السَّمَاوَاتُ) حدَّدها (لِلْمُتَّقِينَ) ثم وصفهم في الآيات التالية، وهؤلاء المتقون جزء من الذين آمنوا. سورة الحديد وعندما وسّع وقال (السَّمَاءِ) عمّم القول ليسع الخلق (لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) ولم يحدد عملًا محدداً لهؤلاء. - اتسع المكان فاتسع الخلق، ذكر السماء التي تشمل السموات وزيادة، وذكر الذين آمنوا بالله ورسله وهي تشمل المتقين وزيادة، ثم زاد وقال (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ). لأن الفضل أوسع مما جاء في آل عمران. الوقفة كاملة
٥٥ آية (٣٥) : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) * الفرق بين (مُتُّمْ) بالضم ومِتم بالكسر: مُتم مسندة إلى المعلوم أي مُتُّمْ أنتم والتاء ضمير مبني في محل رفع فاعل، أما (مِتُّمْ) بالكسر مبنية للمجهول بمعني من وقع عليه الموت بمعنى أُمِتُّم. الضمة أثقل الحركات، حالة الموت المذكورة في آل عمران (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (١٥٨)) أثقل وأشد مما هو مذكور في آية المؤمنون حيث ذكر أولاً معركة أحد وما أصابهم من قتل ثم ذكر الموت في الغزوات والضرب في الأرض وهذا كله موت في الغربة، بينما في سورة المؤمنون يتحدث عن الموت على الفراش بين الأهل (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (٣٥))، أيها الأصعب؟ الموت في الغربة والجهاد فجاء معها بالحركة الأثقل . الوقفة كاملة
٥٦ * قال تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء (22) البقرة) – (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات) .ما الفرق بين البناء والبنيان؟ في سورة البقرة كلمة بناء (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء (22)) وتأتي في مكان آخر بتعبير بنيان (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات) (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ (110) التوبة) لماذا مرة بناء ومرة بنيان؟ وفي هذا كلام عظيم يدل على أن هذا القرآن معجز بلفظه وبمعناه. كلمة بناء تطلق على ساعة عملية كم تتغرق عملية بناء الدار أو بناء الدار أو بناء العمارة أو بناء المسجد ما دمت أثناء إنشاء المبنى فهذا بناء هذا واحد ثم كلمة بناء تخصص أو تطلق على المبني الذي ليس له شهرة وليس له ميزة وقابل للتغيير والتحوير ككل بيوتنا التي عشنا فيها في صغرنا، كلنا عشنا في بيوت بيتنا كبيت الآخرين، الشارع كله، الزقاق كله، المحلّة كلها نفس البيت غرفتين وحمام ومجلس هذا بناء. إذا كان المبنى ثابتاً وتاريخياً وطويل أمد بالمئات أو بالقرون وغير قابل للتحوير يسمى بنيان. الإعجاز عجيب كل كلمة تعطي صورة دقيقة للمُسمّى بشكل لا يقبل الاختلاف. لاحظ رب العالمين لما قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء (22) البقرة) ما قال بنياناً لأن بنيان السماء يتغير وهذا ثابت علمياً كما جاء في القرآن (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات) أي أن بناء السماء ليس ثابتاً وعلماء الفلك يقولون الآن شيئاً عجباً في هذا الذي يتغير في السماء، كل جزئية فيها تتغير تتطور تتبدل من مكان إلى مكان فهي ليست ثابتة ثبوتاً مثل الأهرامات. البنيان هو البناء الثابت الذي لا يتغير ويدوم قروناً مثل الأهرامات في مصر، كحدائق بابل في العراق، كالمئذنة التي بناها في المعتصم في سامراء عندما كانت سامراء عاصمة العالم لا تزال على حالها اليوم كما بناها البناء وعمرها ألف سنة تقريباً. برج إيفل، برج بيزا في إيطاليا، بناء الباستيل بناء تاريخي، بناء غوانتنامو سيبقى تاريخياً إلى يوم القيامة. حينئذ كل بناء له مدلول وله شهرة وبناؤه ثابت والكل معني أن يبقى على نسخته الأصلية هذا بنيان (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ (110) التوبة) (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) الصافات) إلى الآن محرقة سيدنا إبراهيم موجودة في العراق كمحرقة اليهود في ألمانيا موجودة. حينئذ كل بناء له شهرة له مناسبة تاريخية ، طويل الأمد يُحرص على أن لا يُغير ولا يُبدل ويبقى على حاله الأثرية والآثار ممنوع تغييرها أو تحريفها لكن قد تصان لتعود على وفق ما كانت في اليوم الأول، كل هذا يسمى بنيان. الوقفة كاملة
٥٧ *ما الفرق البياني بين قوله تعالى (من مثله) و(مثله)؟ تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) وقال في سورة يونس (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)) وفي سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)). *أولاً ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله) ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء من مثله فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون فإن كان موجوداً ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما. هذا الأمر طبع الآيات كلها . أولاً قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب) وفي آيتي سورة يونس وهود قال تعالى (افتراه) وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه) أن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب (يقولون ساحر يقولون يعلمه بشر يقولون افتراه) أمور الريب أعم وأهم من الإفتراء والإفتراء واحد من أمور الريب. **والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول . وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنها تحتمل المعنيين أما (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بسورة مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله). ***ثم هناك أمر آخر وهو أنه حذف مفعولين الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة كأن نقول: "(قد كان منك ما يؤذيني" هذا خاص و" قد كان منك ما يُؤذي" وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محدد واضح لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (سياق التحديد ظاهر جداً والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق فحذف هنا). الوقفة كاملة
٥٨ * (قل الله يفتيكم فيهن) وكأن الله تعالى يقول للسائل المتحيّر قد وجدت طلبك فكن مستبشراً، وقدّم الله تعالى لفظ الجلالة (قل الله) ولم يقل قل يفتيكم الله للتنويه بشأن هذه الفُتية وعِظمها. * (ويستفتونك) وردت مرة واحدة في بداية آية في سورة النساء أحاطت بها الآيات المبدوءة بالواو من قبلها ومن بعدها وهي من الآية ١٢٤ إلى الآية ١٣٢ فالمناسب أن تأتي بالواو ولا تشذ عن سياق الآيات. * الفرق بين يستفتونك – يسألونك – يستنبؤنك: -- يستفتونك المستفتي حائر قد يكون عالماً لكن عنده نصّين لكن كل نص يعطي حكماً مغايراً فأيهما يتبع هذا أو هذا؟ هنا المفتي هو الذي يدلك على ترجيح أحد الرأيين وهذا التأويل الذي قد يتغير من مكان وزمان. (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء َ) (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ) (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ). -- يسألونك السائل جاهل في مسألة في قضية ما (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى) فيسأل المعلِّم (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ) فالمسؤول معلِّم والسائل طالب علم. -- يستنبؤنك أنت عندك علم أو خبر هم لا يعرفوه (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي) (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) محمد يعرف هذا. * (وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) أهي في أو عن؟ المقصود كلاهما يعني ترغبون فيهن لجمالهن ومالهن، أو ترغبون عنهن لدمامتهن وفقرهنّ، فحذف حرف الجر وقال (وَتَرْغَبُونَ) فجمع المعنيين في آن واحد توسعاً في المعنى الوقفة كاملة
٥٩ * في سورة النساء ذكرت الآية كلمة خير، وفي سورة الأحزاب (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ) ذكرت كلمة شيئ: كلمة (خيراً) اختريت لسببين، السبب الأول يخص السورة نفسها فسورة النساء تميل إلى جانب الصلح والود والإصلاح، إلى الخير فناسبها كلمة خير، والسبب الآخر يخص السياق فهذه الآية قبلها آية أخرى (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ) فذكرت الآية الأولى السوء وجاءت هذه الآية مقابلة لها فذكرت الخير (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا)، فالآية هنا تدعو إلى الخير. سورة الأحزاب تتحدث عن مؤمنين وكفار وتبين أفعال وأقوال المنافقين في غزوة الأحزاب وتبين كيف كانوا يدّعون (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) وتحدثت أيضاً عن المؤمنين فالآية بيّنت للطرفين أن أيّ شيء تبدونه سواء كان هذا الشيء خيراً أم شراً فالله يعلمه فجاءت كلمة شيء والشيء تشمل المعنيين. * الفئة المخاطّبة في الآيات مختلفة: في سورة النساء الخطاب للمؤمنين وحدهم (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨) إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)) . في سورة الأحزاب الخطاب للجميع (إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ (٥٤)) شيئاً كلمة عامة والخير شيء والشر شيء . في سورة البقرة قال تعالى (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ (٢٨٤)) قال (ما) ولم يقل خيراً أو شيئاً، الخطاب هنا لكل البشر وينطبق بالدرجة الأولى على المؤمنين بواقع أن القرآن يخاطب الرسول والمؤمنين. * قال تعالى في سورة النساء (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ) ولم تأت في سورة الأحزاب، لأن سورة النساء تدعو إلى جانب العفو والإصلاح والسلام والإنصاف والمودة وحسن العشرة فنأتي سياقات تدعم هذا الإتجاه. * اختلفت خواتيم الآيات: ختام آية النساء (أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) الختام يناسب العفو، وكلمة قديراً تدل على أن الله يعفو عن مقدرة لا عن عجز أو ضعف أو احتياج للناس، الله قدير على العفو وقدير على العقوبة لو أراد، - هذا من باب التوسع في المعنى - قدير على العفو وقدير على أن لا يعفو، فالآية تدعو المؤمنين إلى أن يتخلقوا بصفة من صفات الله عز وجل. ختام آية الأحزاب (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٥٤)) هنا تنبيه للفريقين للمؤمنين والمنافقين وتنبيه لكل البشر حتى يرتدع الإنسان فلا يُبدي إلا الخير. في آية سورة البقرة (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تنبيه إلى أن الإنسان محاسب، الهدف من هذه الاية أن يحرص كل المسلمين على ما يقولون ، ما يعلنون وما يخفون ويعلموا أن الله يحاسبهم. والختام يبين أن الله قدير على أن يعلم ما في نفوسهم وقدير على أن يعذب هؤلاء وقدير على أن يعفو عن هؤلاء. كل ختام يناسب ما جاء في صدر الآية الوقفة كاملة
٦٠ ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)الأنفال و (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ )آل عمران؟وذكر (لكم) وحذفها؟ د.أحمد الكبيسى : فى آل عمران أيضاً تقول الآية (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ آل عمران) آية أخرى (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ آل عمران) وفي آية الأنفال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ الأنفال) إذاً هي نفس القضية ملائكة نازلين من السماء مرة منزلين مرة مسومين مرة مردفين هذا أولاً في هذه الآيتين أشياء كثيرة. الخلاف الثاني هي نفس الموضوع مرة يقول (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿126﴾ آل عمران) في آية الأنفال لم يقل (لكم) (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ الأنفال) ليش مرة بشرى لكم ومرة بشرى مطلقة؟ هذا خلاف ثاني، ثالثاً مرة قال (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) في الأنفال وفي آل عمران قال (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) ما في عبث ليش قال به قلوبكم ومرة قال قلوبكم به؟ هذا رسم للمعنى الهائل أخيراً مرة قال (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) في آل عمران وفي الأنفال قال (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) معنى آخر تماماً. نبدأ واحدة واحدة طبعاً الملائكة الذين نزلوا في بدر تعرفونهم أول مرة لما أنزلهم الله تعالى وحاربوا مع المسلمين أنزلهم فهم منزَلين. لما قال مسومين هل تعرفون بأن ملائكة السماء الذين اشتركوا في بدر لهم علامات تعرفهم جميع الملائكة بأنها هؤلاء هم الملائكة البدريون كالبدريين من البشر أنتم تعرفون أن الذين اشتركوا في بدر رب العالمين كرمهم تكريماً (اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم) وكل التاريخ تاريخ الصحابة فلان ابن فلان وهو من البدريين تاج وسام مسومين كما أن الذين قاتلوا في بدر وسِموا بأنهم بدريون فإن الملائكة الذين اشتركوا في بدرٍ أيضاً يسمون في السماء الملائكة البدريون ومعروفون عند كل الملائكة بوسام أو لون أو إشارة أن هذا من الخمسة آلاف ملك الذي نزل يقاتلون مع المسلمين في بدر الكبرى التي غيرت تاريخ العالم كله. كان ممكن في تلك المعركة الكبرى التي غيرت تاريخ العالم كله أن ينتهي الإسلام لو انتصر المشركون وهم كثرة والمسلمون قلة (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴿26﴾ الأنفال) نزل ملائكة. لاحظ إذاً كلمة منزَلين فهم لم ينزلوا من أنفسهم الله أنزلهم قال أنزلوا فقد جاءوا مأمورين ويقودهم جبريل، هذا أمر. الأمر الآخر كونهم مسومين بهم علامات عنده علامة يعرف بها أنه هذا بدري، ثالثاً مردفين طبعاً الألفين الآخرين هؤلاء رديف فأنت عندما تقاتل تقاتل بالجيش الأصلي بالجيش الرئيسي لما المعركة تشتد تبعث مدد يعني ألف ألفين هذا يسمونه رديف الرديف الذي يأتي بعدك لكي يساعدك. الله يتكلم في آية الأنفال لما قال مردفين لأنه بعثهم بعد ما اشتدت المعركة تحتاج إلى مدد بعث الله مدداً آخر فرب العالمين بالأنفال يتكلم على ألف من الملائكة هؤلاء الذين آتوا في الآخر جاءوا رديف أي جاءوا مدداً هكذا هو الفرق بين منزلين ومسومين ومردفين الخ. المسألة الثانية بآل عمران انظر إلى النص الدقيق لما الله قال سيبعث معكم خمسة آلاف (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ) يا أهل بدر. في الأنفال نفس الموضوع قال (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى) ما في لكم ليس هذا عبثاً . لماذا في آية يا أهل بدر (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ) هذا في آل عمران قصة بدر كاملة لما تكلم رب العالمين عنها وفي الأنفال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) إلى أن قال (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى) وكيف تعرف أنت الفرق؟ اقرأ الآية شوف ظروفها ونسقها تسلسلها كيف جاءت قبلها الأحداث تصل بسهولة مع توفيق الله عز وجل إلى اكتشاف هذا الذوق الحسي الإعجازي اللغوي العالي. هناك رب العالمين يتكلم أن محمد صلى الله عليه وسلم يكلمهم محمد يقول لجماعته لما خافوا وكذا طبعاً كانوا خائفين وهذا من حقهم ثلاثمائة واحد يعني ناس راحوا حتى يعترضون قافلة أبو سفيان فيها كم بعير وكم حصان وأخذوا أموالنا هؤلاء جماعة أبو سفيان أخذوا أموال المسلمين في مكة قالوا خذوا هذه مكانها غنيمة شوية حنطة شوية شعير شوية سمن لا يوجد شيء فراحوا يأتون بها فلما ذهبوا ليأتون بها وإذا كل أمم الشرك أمامهم كل مكة جاءتهم فقالوا ماذا نفعل الآن؟ حتى قال صلى الله عليه وسلم نرجع؟ حتى النبي قال ما رأيكم؟ ماذا تقولون نرجع إلى مكة ولا نقاتل؟ فكلهم موجودون فلما الله أخبره هذا الذي سوف يحصل (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ ﴿126﴾ آل عمران) فقط أنتم يا أهل بدر. بهذا العسر بهذا الخوف وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنون الخ قال لا أنا سأنزل عليكم ملائكة هذا خاص بكم يا أهل بدر لن يتكرر مع غيركم إلا أنتم فقط في هذه الصورة وهذه الحالة وهذه العلنية علناً فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكلمهم. إذاً هذه البشارة الأولى التي في آل عمران آية 126 الكلام خاص لأهل بدر فقط لظروفهم الخاصة. الآية الثانية رب العالمين تكلم من ناحية ثانية تكلم عنهم ليس لكونهم قلة لا، تكلم عنهم في الظاهر أن هؤلاء أهل بدر جلسوا يستغيثون استغاثة يعني أحسن استغاثة بالله فرب العالمين تكلم عن موقفه مع كل من يستغيث به فآية الأنفال ليست خطاباً لأهل بدر خطاب لكن لكل من يقع في مصيبة في ضنك في شدة في كرب إذا أحسن الاستغاثة. لو تقرأون التاريخ الإنساني كله من آدم إلى يومنا هذا قصص رواها التاريخ عجائب، واحد في بحر وكان سيغرق فاستغاث استغاثة يا الله وإذا هذا المركب يوصله بأمان إلى البر، كان مرة أحد الناس ذاهب إلى خراسان من العراق وبالطريق جاءه قطاع طرق كالعادة وأخذوا بضاعته ولكنهم كانوا مصرين على قتله فقال لهم دعوني أصلي ركعتين فصلى ركعتين وهم كانوا خمسة ويبدو أنه في السجود استغاث بالله استغاثة في غاية الروعة وأثناء سجوده وقد أطال السجود سمع أقدام فرس جامح يغير، طبعاً الفرس إذا جاء من بعيد يركض فالأرض تهتز وهو ساجد شعر بأن الأرض تهتز وفعلاً ما أن سلّم إلا فارس وصل وما أن وصل الفارس حتى قطع رؤوس الأربعة بضربة واحدة قتلهم جميعاً طبعاً هذا الرجل لا يعرف هذا الفارس من هو، فهذا الفارس يحدث هذا الرجل الذي أحسن الاستغاثة قال له يا فلان يا عبد الله والله عندما استغثت بالله تجاوبت أصداء استغاثتك بالسماء فكلنا كنا نتنافس من الذي ينزل لكي يلبي هذه الاستغاثة. وطبعاً كل واحد منكم فليسمعني الآن فليتذكر حياته السابقة هل وقع في يوم من الأيام في شدة عظيمة مرض أو أحد أولاده أو عدو أو غرق أو طائرة تعطلت أو سيارة في صحراء وقع بشدة وجلس بينه وبين نفسه في ساعة من ساعات الصفاء مع الله لا يوجد أحد ودعا الله وبكى واستغاث بالله وكيف جاء الغيث والغوث من حيث لا يشعر هذه الاستغاثة تجاوبت أصداؤها في السماء فبعث الله بها الفرج. رب العالمين يقول صح محمد معكم نعم وقال لكم هذا الكلام نحن بلّغناه هذا لكن في جانب آخر هذا جانب محمد صلى الله عليه وسلم، في جانب آخر وهو أنكم أنتم استغثتم استغاثات كل واحد جالس مع نفسه يا أرحم الراحمين يا مغيث الغائثين يا مجيب يا أرحم الراحمين من القلب والأعماق كل واحد يتذكر مع أهله وهو جاء بدون سلاح أصلاً ما عندهم سلاح كل واحد معه عصى جاؤوا لكي يأسروا قافلة فهم لم يخرجوا لحرب فوجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة هذه الاستغاثة جحفلت الملائكة (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى ﴿10﴾ الأنفال) لم يقل  لكم، هذه عامة. هناك في الأولى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هنا عموم السبب وعموم اللفظ ولذلك (لكم) هذه حذفها من سورة الأنفال افهمها أنها لك وليست فقط لأهل بدر أنت تستطيع أن تكون بدرياً إذا أحسنت الاستغاثة إذا وقع بك كرب. إذاً فهمنا الفرق بين ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين ومنزلين ومردفين وفهمنا الفرق بين إلا بشرى لكم وبشرى بدون لكم ننتقل إلى أيضاً جزء آخر في نفس الآية. يقول بآية آل عمران (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) بالأنفال نفس الآية ولكن قال (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) لماذا هناك قلوبكم أولاً وهنا قلوبكم ثانياً بالأخير؟ أقول لك جداً طبيعي أولئك صحابة وعايشين مع النبي صلى الله عليه وسلم وشافوا معجزات فقلوبهم مطمئنة لكن القلوب متعلقة بالمدد متى يأتي المدد؟ هم واثقون مائة بالمائة أن المدد آتٍ فينتظرون المدد فإذاً مشكلتهم بالمدد أما الاطمئنان هو مطمئن بالله ناس صحابة شاف الوحي وشاف النبي صلى الله عليه وسلم إذاً قدّم القلوب لأنهم كانوا في غاية الرعب في غاية الخوف (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الذي يستغيث في غاية الخوف فإذاً صار التركيز أين؟ التركيز على اطمئنان القلب من الخوف لأنهم كانوا خائفين، ولكنهم في البداية واثقين أن الله سيبعث المدد. لنا جميعاً نحن الذي ما فيها لكم إلا بشرى للجميع نحن في الحقيقة مشكلتنا المدد كيف سيأتي المدد؟ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معجزات نحن الآن ما في معجزات فمشكلتنا أين؟ لو أصابك كرب في العام الماضي أو قبل سنتين في مدينة اعتدى عليها جيش غازي جيش سيمسح فيها الأرض وكلهم سيموتون هذا (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) بالمدد. رب العالمين عندما قال (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) بهذا القرآن لما قال تطمئن قلوبكم يعني يتكلم عن القلب المطمئن وينبغي أن يكون قلب المؤمن مطمئناً لأن اطمئنان قلب المؤمن هو هدف من أهداف هذا القرآن الكريم (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿27﴾ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴿28﴾ الفجر) من حيث أن هذه النفس والقرآن الكريم يطلق كلمة النفس على القلب والقلب على النفس أحياناً وهذا كلامٌ آخر تحدثنا عنه سابقاً والآن العلم الحديث يثبت أن التفكير يبدأ بالقلب وليس بالدماغ. كان سابقاً يقولون كل كلمة قلب يعني دماغ لا، الآن القلب القلب والدماغ الدماغ والنفس النفس. فرب العالمين يقول (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) قدّم اطمئنان القلوب يعني عليكم أن تجتهدوا لكي تطمئن قلوبكم بهذا القرآن الكريم. لما يقول (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) يجب أن تتعامل مع القرآن تعاملاً علمياً بفهمٍ وتدبر لكي يستطيع هذا القرآن بفهمك هذا أن يُدخِل الطمأنينة على قلبك ونفسك إذاً هما قضيتان قضية أن القرآن مشحون بقوةٍ جدلية بحيث يستطيع أن يُطمئِن أي قلبٍ أو أي نفسٍ متزعزعة، وعلى نفسك أو قلبك أو عقلك أن يكون مطمئناً  إذن هما قضيتان قضية أن هذا القرآن كيف تتعامل معه تعاملاً تستل منه قدرته على الطمأنينة، القضية الثانية عليك أن ترعى قلبك أو نفسك أو عقلك لكي يطمئن من تعامله ذلك مع القرآن الكريم وهكذا في كل الأساليب . الوقفة كاملة


إظهار النتائج من 51 إلى 60 من إجمالي 429 نتيجة.