قال تعالي في سورة البقرة في الآية الثامنة والخمسين بعد المئة : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 158 ] .
وقال في سورة البقرة أيضا : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } [ البقرة : 184 ] .
سؤال : لماذا في الآية الأولي : { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } بالواو , وقال في الآية الأخري : { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } بالفاء ؟
الجواب : إن الآية الأولي في طاعة أخري ؛ من حج , أو عمرة , أو طواف , أي : فمن أتي بنفل آخر من نحو هذا الخير , فإن الله شاكر عليم .
أما الآية الأخري , ف‘ن التطوع والزيادة في نفس الفدية بأن يزيد علي القدر المذكور , منحيث عدد الذين يطعمهم , فيجعله أكثر من مسكين , أو يزيد علي القدر المذكور .
جاء في ( روح المعاني ) : ´فمن تطوع خيرا بأن زاد علي القدر المذكور في الفدية , أو زاد علي عدد من يلزمه إطعامه , فيطعم مسكينين فصاعدا , أو جمع بين الإطعام والصوم " .
فإن هذه الآية في أمر واحد , فيجعل التطوع قسما في الفدية .
أما الآية الأولي , فإنها في طاعة منفصلة .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 15)
قال تعالي في سورة البقرة : { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } [ البقرة : 177 ] .
وقال في سورة النساء : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } [ النساء : 136 ] .
سؤال : قدم الايمان باليوم الآخر في سورة البقرة علي الملائكة والكتاب والنبيين . وأخر اليوم الآخر في آية النساء , فلماذا ؟
الجواب : إن السياق قبل آية البقرة في ذكر اليوم الآخر , وما أعد فيه لن عصاه , قال تعالي : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [174] أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [175] ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [176]لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ ... } [ البقرة : 174 – 177 ] .
فذكر الكتاب بعد يوم القيامة , فقال : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } بعد ذكر ما أعده الله لمن عصاه يوم القيامة . وهو نظير ما ورد في الآية المذكورة { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ } من تقديم الإيمان باليوم الآخر علي الإيمان بالكتاب .
وأما في آية النساء , فليس السياق في اليوم الآخر , فجعله آخرا , فإنه قال في الآية المئة والخمسين ( 150 ) : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } .
وقال في الآية ( 152 ) : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } .
فلم يذكر اليوم الآخر فأخره .
فقدم اليوم الآخر في البقرة مناسبة للسياق , وأخره في النساء , للسبب نفسه .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 16)
قال تعالي في سورة البقرة : { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [ البقرة : 196 ] .
سؤال : لماذا ذكر أن العشرة كاملة , مع أنه معلوم أن الثلاثة والسبعة عشرة ؟
الجواب : قيل في ذلك أوجه منها :
أنه جاء بـ ( كاملة ) لئلا يتوهم أن الواو بمعني ( أو ) التخييرية , فيختار أحد الأمرين .
والواو قد تأتي للإباحة , في نحو قولك : ( جالس الحسن وابن سيرين ) , وفولهم : ( الكلمة أسم , وفعل , وحرف ) أي : اسم , أو فعل , أو حرف .
وقيل : هي صفة مؤكدة , نحو قوله تعالي : { وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ} [ النحل : 51 ] .
والتوكيد غير عزيز في اللغة , وذلك نحو أن تقول : ( كتبت بيدي ) , و ( رأيت بعينيي ) , و ( سمعت بأذني ) وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] .
وهو يفيد تقرير الحكم وتوكيده , وقوله : ( كاملة ) للإفادة ألا ينقص من الأيام شيئا , وللدلالة علي أنه كمال لصائمه , وانها مجزئة عن الهدي .
أو أن المعني : تلك عشرة كمل الحج بها , والله أعلم .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 19)
– سؤال : قال تعالي : { وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ البقرة : 212 ] .
وقال نحو هذا في أكثر من موضع , فما معني هذا ؟
الجواب : إن لهذا التعبير أكثر من دلالة كلها صحيحة , ومن ذلك :
1- أنه لا يسأل عما يفعل , ولا يحاسبه أحد .
2- وانه يرزق من غير تقتير , وبلا نهاية لما يعطيه . فهو لا يخشي أن تنفذ خزائنه , كما يفعل المخلوقون , فإنهم يحسبون حسابا لما عندهم .
3- وأنه لا يحاسب المرزوق , فيرزقه علي قدر طاعته أو معصيته , وإنما يمد من يشاء من هؤلاء وهؤلاء علي ما تقتضيه حكمته , كما قال تعالي : { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً} [ الإسراء : 20 ] .
4- أنه يعني أنه يوسع علي من توجب الحكمة التوسعة عليه , ولا يفعل ذلك من غير حكمة .
5- هو يرزق من يشاء من غير حساب من العبد , فقد يرزق العبد , وهو لا يعلم , ولا يحسب لذلك حسابا , كما قال تعالي : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً [2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 – 3 ] .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 20)
لماذا قال الله سبحانه : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [ البقرة : 240 ] .
وقال : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 233 ] .
فاستعمل الحول , ولم يستعمل العام أو السنة , كما قال الله سبحانه : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [ لقمان : 14 ] .
الجواب : أما السنة والعام والحجة فقد ذكرناها في كتابنا ( من أسرار البيان القرآني – باب المفردات ) .
واما استعمال الحول ههنا , فله مناسبته , ذلك أن معني ( الحول ) السنة " اعتبارا بانقلابها , ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها " .
ومن معاني ( الحول ) في اللغة التحول والتغير , يقال : ( حال ) أي " تحول من موضع إلي موضع , وحال فلان عن العهد ؛ أي : زال " .
ومن معاني ( الحول ) الحجز والمنع , يقال : " حال الشئ بين الشيئين يحول حولا وتحويلا ؛ أي : حجز " .
قال تعالي : { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } [ هود : 43 ] .
وقال : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [ الانفال : 24 ] .
ولم يستعمل القرآن ( الحول ) إلا في حالتي الوفاة أو الطلاق , وكلاهما تحول وحاجز .
قال تعالي : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ....} [ البقرة : 240 ] .
وقال : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 233 ] .
فقد ذكر بعضهم أن هذه الآية خاصة بالمطلقات , يدل علي ذلك أمران :
الأمر الأول : أن الآية ذكرت عقيب آيات الطلاق , فكانت من تتمتها .
والأمر الآخر : أن إيجاب الرزق والكسوة فيما بعد للمرضعات يقتضي التخصيص ؛ إذ لو كانت الزوجة باقية لوجب علي الزوج ذلك بسبب الزوجية , لا الإرضاع .
والوفاة تحول وتغير , والوفاة حاجز بين الزوجين , فناسب استعمال الحول , والطلاق تحول وتغير وهو حاجز بين الزوجين , فناسب استعمال الحول أيضا .
وذلك من لطيف التناسب ودقته .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 21)
قال تعالي في سورة البقرة : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ البقرة : 260 ] .
سؤال : لماذا قال : { فَصُرْهُنَّ } بالفاء , ثم قال : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ } فجاء بـ ( ثم ) , ولم يأت بالفاء ؟
الجواب : الفاء تدل علي الترتيب والتعقيب , و ( ثم ) تدل علي الترتيب والتراخي , كما هو معلوم . فجاء بـ ( ثم ) لئلا يفهم أنه إذا طالت المدة لم يكن الأمر علي ما ذكر , وليجعل لابراهيم سعة في الانتقال والحركة والتصرف . ولو جاء بالفاء لم يكن الوقت بهذه السعة .
ولا شك أن إحياءها بعد الذبح بمدة طويلة أدل علي القدرة من الاسراع في ذلك ؛ لاحتمال تغير اللحم والأجهزة وفسادها , وذلك أبعد عن الحياة .
فجاء بـ ( ثم ) ؛ ليدل علي أن ذلك لا يخرج عن قدرة الله , ضاق الوقت أو اتسع .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 23)
قال الله سبحانه في سورة البقرة : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ } [ البقرة : 282 ] , وقال في الآية نفسها : { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } .
سؤال : لماذا قال أولا : { وَاسْتَشْهِدُواْ } ,وقال فيما بعد : { وَأَشْهِدُوْاْ } ؟
الجواب : إن ( استشهد ) أبلغ من ( أشهد ) , فإن ( استشهد ) قد يفيد الطلب ؛ أي : طلب الإشهاد كاستنجد بمعني طلب النجدة , واستنصر بمعني طلب النصرة .
وقد يكون للمبالغة , كاستيأس ؛ أي المبالغة في اليأس , واستقر بمعني المبالغة في الاستقرار .
وكلا المعنيين أبلغ من ( أشهد ) .
هذه , وإن المقام مع ( استشهدوا ) أبلغ من ( اشهدوا ) ؛ ذلك أنه قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء .... وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ ...} [ البقرة : 282 ] . فقد ذكر الاستشهاد مع الدين , وذلك لحفظ حقوق الدائن , ثم ذكر أن الكاتب ينبغي أن يكتب بالعدل . ثم أمر الذي عليه الحق أن يتقي الله ربه , ولا يبخس من الحق شيئا , ثم ذكر أنه إذا كان الذي الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو , فليملل وليه بالعدل .
ثم قال : { وَاسْتَشْهِدُواْ } , وقال : { شَهِيدَيْنِ } , ولم يقل ( رجلين ) ؛ لأن الشهيد هو المبالغ في الشهادة , العالم بموقعها , المقتدر علي أدائها .
في حين قال : { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } فمقام حفظ الحقوق مع الاستشهاد أبلغ , والاحتياط أكبر , فناسب ذكر الاستشهاد , وناسب ذلك ذكر الشهيد , وهو المبالغ في الشهادة . فناسب المبالغة في الاستشهاد في الشهيد , فناسب كل موضعه .
جاء في ( روح المعاني ) : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } أي : اطلبوهما ليتحملا الشهادة علي ما جري بينكما " .
وجوز أن تكون السين والتاء للمالغة " إيماء إلي طلب من تكررت منه الشهادة , فهو عالم بموقعها , مقتدر علي أدائها , وكأن فيها رمزا إلي العدالة ؛ لأنه لا يتكرر ذلك الشخص عند الحكام , إلا وهو مقبول عندهم , ولعله لم يقل : جلين ؛ لذلك " .
وجاء في ( البحر المحيط ) : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ } , أي : اطلبوا للاشهاد شهيدين , فيكون ( استعمل ) للطلب , ويحتمل أن يكون موافقة ( أفعل ) أي : أشهدوا , نحو استيقن موافق أيقن ....
ولفظ ( شهيد ) للمبالغة , وكأنهم أمروا بأن يستشهدوا من كثرت منه الشهادة , فهو عالم بمواقع الشهادة وما يشهد فيه ؛ لتكرر ذلك منه .
فأمروا بطلب الأكمل , وكان في ذلك إشارة إلي العدالة " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 23)