عرض وقفات أسرار بلاغية
*(عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) البلد) لماذا قدم الجار والمجرور؟ ولماذا قُرِئت (مؤصدة) بالهمز وما الفرق بينها وبين موصدة بدون الهمز؟(د.حسام النعيمى)
أولاً هي قُرئت موصدة وقرئت مؤصدة، يعني عندنا قراءتان والذين قرأوا موصدة من السبعة أكثر ممن قرأ مؤصدة. الذين قرأوا مؤصدة أبو عمرو قارئ البصرة وحمزة من قراء الكوفة وحفص عن عاصم. لأن شعبة قرأها عن عاصم من غير همز وإبن كثير ونافع (المغرب العربي، لما أقول المغرب أعني شمال أفريقيا الجزائر، المغرب، تونس وليبيا في الغالب تأخذ بقراءة المشارقة وبعضهم يأخذ بقراءة أهل المغرب) عندنا فعلان: الفعل أصد بالهمز ووصد وكلاهما بمعنى الغلق. الثلاثي هذا لما تدخل عليه الهمزة يعني: وصد تصير أوصد صار من أربعة أحرف، جينما يكون أربعة أحرف في المضارع وفيه همزة تُحذف. عندنا دحرج مضارعه يدحرج (فعلل يفعلل) (هذا الكلام فيه طول لذا نكمله في الحلقة القادمة).
في الجزء الأول من السؤال لماذا تقدمت الجار والمجرور لأنه كأنه نار مؤصدة عليهم. مبتدأ وخبر و(عليهم) متعلّق بخبر محذوف. (نار) نكرة ولا يجوز الإبتداء بالنكرة لكن وصِفت. كان ممكناً في غير القرآن أن يقول نار مؤصدة عليهم لأنها النكرة موصوفة لكن هو ذكرهم من قبل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)) إقتراب الأفعال واقتراب الضمير في (عليهم) هؤلاء الذين أتكلم بشأنهم عليهم نار مؤصدة. الشيء الثاني لما يقول (عليهم) يعني هناك شيء سينزل من فوق سيعُمّهم ما ذكر ما هو. يمكن في غير القرآن عليهم رحمة، عليهم غفران، فكأنه يشوقهم (عليهم ماذا؟) هؤلاء الذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة أصحاب الشمال عليهم نار مؤصدة ولو لم يقدِّم يفوت هذا المعنى، معنى المفاجأة بعد ذلك لما يقول عليهم ينتظرون عليهم ماذا ثم يفاجئهم. والأمر الآخر لو قيل في غير القرآن (نار مؤصدة عليهم) كأن النار يفسّر وصف للمشأمة (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود) كأنه بدل فحتى لا يكون هذا الخلط واللبس، هذه البدلية هم أصحاب الشمال وليست المشأمة هي النار وإنما المشأمة أن يأخذون كتبهم بشكالهم وما قال الشمال وإنما مشأمة حتى يشمل اليد الشمال والشؤم حتى يجمع عليهم الأمرين ولذلك قدم هنا. هذه فائدة التقديم في هذا الموضع. يبقى التفصيل من أين جاءت كلمة مؤصدة ومن أين جاءت كلمة موصدة جانب صرفي .
العلماء يقولون عندنا فِعلان: أَصَد ووَصَد يقولون كلاهما بمعنى، أصد مثل وصد لكن ما عندنا في العربية، في الإستعمال العربي وصد وأصد وإنما عندنا أوصد وآصد. أوصد الباب وآصد الباب كلاهما بمعنى، كلاهما بِزِنَة أفعل (أوصد بزنة أفعل، وآصد بزنة أفعل أيضاً لأن أصله أأصد بهمزتين). لما يكون عندنا همزتان في أول الكلمة، الثانية ساكنة هذه الساكنة تُقلب إلى جنس حركة ما قبلها. فإذا كانت حركة ما قبلها فتحة تقلب ألفاً، من أمن نقول آمن أصلها أأمن، إيمان أصلها إئمان بالكسرة، أُومن أصلها أؤمن فتُقلب وهذا القلب واجب وليس إختيارياً باختيارهم. إذا إلتقت همزتان في الأول الكلمة الثانية ساكنة تقلب إلى جنس حركة ما قبلها وجوباً وليس جوازاً.
آصد أصلها أأصد، أأصد وأوصد من أربعة أحرف، الفعل إذا كان من أربعة أحرف مثل دحرج لما تتصل به أحرف المضارَعة المفروض أن لا يتغير فيه شيء، يعني دحرج يبدأ بالدال والحاء (دح)، يدحرج يبدأ بالياء والدال لا يتغير، بعثر يُبعثر، زلزل يزلزل، لما نأتي إلى الرباعي المبدوء بهمزة مثل أكرم المفروض أن يقال يؤكرم بزِنة يدحرج لكن العرب ما قالوا يؤكرم. عندنا شطر بيت ما قبله شيء ولا بعده شيء – وأنا فتشت فلم أعرف قائله ورجعت في الموسوعة الشعرية في المجمع الثقافي في أبو ظبي وفيها مليوني وأربعمائة ألف بيت من الشعر ما وجدته – يقول الشاعر: فإنه أهلٌ لأن يُأكرم.
لما نأتي إلى آصد المفروض (يُأأصد) العرب لا تقول يُأأصد كما لا تقول يأكرم إنما قال يؤصد ومن أوصد ما قالوا يُأوصد وإنما قالوا يوصد, لما نأخذ إسم المفعول بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر سيكون عندنا من يؤصد مؤصَد ومن يوصِد موصَد، التأنيث مؤصدة وموصدة. إذن كلا اللفظين يعود إلى معنى واحد وهو من الرباعي وهو إسم مفعول فالمعنى واحد لكن بعض قبائل العرب نطقتها هكذا مثلما بعض قبائل العرب تقول أكّد الشيء يؤكّده تأكيداً وبعضهم يقول وكّد الشيء يوكّده توكيداً والتوكيد يقول علماؤنا أفصح من التأكيد. القبائل التي تقول يوكِّد أفصح من القبائل التي تقول يؤكد.
عندنا في مؤصدة قراءتان: قارئ البصرة أبو عمرو وأحد قراء الكوفة حمزة وحفص عن عاصم معناه بعض قبائل الكوفة قرأت مؤصدة وقبائل البصرة كانت تقرأ مؤصدة، المدينة (نافع) والآن أهل المغرب يقرأون بها، مكة (إبن كثير)، الشام (إبن عامر)، بعض قبائل الكوفة الأخرى (الكسائي وشعبة عن عاصم) كلهم كانوا يقرأون موصدة فالذي يقرأ مؤصدة في الحقيقة أقل من الذين يقرأون موصدة وكما قلنا سابقاً كلتا القرآتين ثابتة عن رسول الله بقراءته إياها مباشرة أو بإجازتها عن ربه سبحانه وتعالى لهذه القبائل. فهذه إذن مسألة مؤصدة وموصدة كلتاهما بمعنى واحد لكن موصدة هل تعني مغلقة أو تعني مُطبقة؟ بعض العلماء قالوا هي على معناها مغلقة عليهم وبعض العلماء قالوا في قوله (عليهم نار مؤصدة) أي كأن النار جاءت من علو غطّتهم كأنها مطبقة عليهم بسبب حرف الجر (على) وقلنا أن هذه الصورة عندما نقول عليهم كأنه نزلت عليهم وشملتهم وغطّتهم وكلا القولين له ما يؤيده من لغة العرب.
|
||||||
سورة مكية ابتدأت بالقسم بسبعة أشياء من مخلوقات الله تعالى في كونه وهذا القسم العظيم كله على فلاح الإنسان إذا اتقى ربه وهلاكه إذا عصاه. وقد تناولت آياتها موضوع النفس البشرية وما جبلت عليه من الخير والشر وأهمية تزكية هذه النفس لترقى بصاحبها إلى جنات النعيم وبيان عقوبة من لم يزكي نفسه (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها). ثم تنتقل الآيات لعرض قصة ثمود الذين طغوا وعقروا الناقة فاستحقوا الهلاك والعذاب من الله تعالى (كذبت ثمود بطغواها..). وختمت السورة بتأكيد على ما هو واضح في سياق كل سور هذا الجزء الثلاثين من أن الآخرة لله تعالى وأنه لا يُسأل عما يفعل من عقاب الكافرين وثواب المؤمنين. فله الأمر وله الحكم سبحانه. وهذه السورة تتحدث عن ربط ظواهر كونية ببعضها من الشمس والقمر إلى الليل والنهار والسماء والأرض وتمر الآيات سريعة في وصف هذه الظواهر الكونية ثم تأتي الآيات تتحدث عن الإنسان (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) وكأنها تريد أن تعلمنا أن الإنسان هو أهم شيء في الكون كله وأن كل المخلوقات في الكون الفسيح إنما سخّرت لأجل الإنسان فكأنما الإنسان هو المميز بين مخلوقات الله تعالى كلها.
|
||||||
*أين جواب القسم في سورة الشمس (والشمس وضحاها)؟ (د.فاضل السامرائى)
جواب القسم ليس بالضرورة أن يُذكر بحسب الغرض منه فإذا اقتضى أن يُجاب القسم يُجاب (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً {68} مريم) (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {38} النحل) وقد يُحذف إما للدلالة عليه أو للتوسع في المعنى فيحتمل المعنى كل ما يرد على الذهن وهذا في القرآن كثير (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1}) لا يوجد جواب للقسم في سورة ق وكذلك في سورة ص (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ {1}) لا نجد جواباً للقسم حُذف لاحتمال كل ما يرد في سياق الآيات فلا يريد تعالى جواباً بعينه لكنه يريد أن وسع المعنى. وقسم من المفسرين قال في سورة الشمس أن جواب القسم هو (قد أفلح من زكّاها).
|
||||||
ما دلالة استخدام (ما) و (من) ؟(د.فاضل السامرائى)
(من) لذات من يعقل، للذات، من هذا؟ هذا فلان، من أبوك؟ أبي فلان، من أنت؟ أنا فلان. إذن (من) لذات العاقل سواء كانت إسم استفهام أم شرط أم نكرة موصوفة أم إسم موصول. (ما) تستعمل للسؤال عن ذات غير العاقل مثل ما هذا؟ هذا حصان، ما تأكل؟ آكل كذا. وتستعمل لصفات العقلاء، الذات أي الشخص الكيان. (ما) تستخدم لذات غير العاقل ولصفات العقلاء. لذات غير العاقل مثل الطعام (أشرب ما تشرب) هذه ذات وصفات العقلاء مثل تقول من هذا؟ تقول خالد، ما هو؟ تقول تاجر، شاعر. (ما) تستخدم لذات غير العاقل وصفاتهم (ما لونه؟ أسود) ولصفات العقلاء (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) الشمس) الذي سواها هو الله. مهما كان معنى (ما) سواء كانت الذي أو غيره هذه دلالتها (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (3) الليل) من الخالِق؟ الله هو الخالق. إذن (ما) قد تكون لصفات العقلاء ثم قد تكون للسؤال عن حقيقة الشيء (قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ (60) الفرقان) يسألون عن حقيقته. وقد يؤتى بها للتفخيم والتعظيم (الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)) تفخيم وتعظيم سواء كان فيما هو مخوف أو فيما هو خير، عائشة قالت أبي وما أبي؟ ذلك والله فرع مديد وطود منيب.النُحاة ذكروا هذه المعاني لـ (ما) في كتب النحو والبلاغة.
|
||||||
سورة مكيّة وتتمحور آياتها عن سعي الإنسان وعمله وعن نضاله في هذه الحياة ثم نهايته إلى النعيم أو إلى الجحيم. وقد ابتدأت السورة بالقسم كما في الكثير من سور هذا الجزء (والليل إذا يغشى..) وقد أقسم الله تعالى على أن سعي الإنسان في هذه الحياة مختلف ومتباين (إن سعيكم لشتى) ثم أوضح لنا سبل السعادة (فأما من أعطى واتقى..) وسبل الشقاء (وأما من بخل واستغنى..) وجزاء كل منهما. ثم حذّرت الآيات من أن يغتر الإنسان بماله الذي لن يغني عنه شيئاً يوم القيامة (وما يغني عنه ماله إذا تردّى) وحذرت أهل مكة من عذاب الله لتكذيبهم للرسول (فأنذرتكم ناراً تلظّى..). وختمت السورة بنموذج للمؤمن الصالح الذي ينفق أمواله في سبيل الله وابتغاء مرضاته وبيّن جزاءه (وسيجنبها الأتقى* الذي يؤتي ماله يتزكّى..) وهذه الآيات نزلت في أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه حين أعتق بلال بعد أن اشتراه من سيده.
|
||||||
ما حكم (ما) في هذه الآية؟
هناك احتمالان لمعنى (ما): الاول أن (ما) اسم موصول بمعنى الذي. ويعتقد الكثيرون ان (ما) تستخدم لغير العاقل فيقولون (ما) لغير العاقل و(من) للعاقل ولكن الحقيقة أن ما تستعمل لذات غير العاقل كما في قوله: (يأكل مما تأكلون منه ويشر مما تشربون) ولصفات العقلاء كما في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (ونفس وما سواها) ويؤتى بها في التفخيم والتعظيم في صفات العقلاء، ولذلك قال تعالى (وما خلق الذكر والانثى) ويعني به ذاته العلية.
ويحتمل ان تكون مصدرية بمعنى (وخلق الذكر والانثى)اي أنه سبحانه يقسم بخلق الذكر والانثى وليس بالخالق. وعليه فإن (ما) تحتمل أمرين إما ان الله عز وجل يقسم بذاته او أنه يقسم بفعله الذي هو خلق الذكر والانثى. فلو أراد تعالى أن ينص على أحد المعنيين لجاء بذلك ولقال سبحانه (والذي خلق الذكر والانثى) وتأتي ما بمعنى اسم موصول كما سبق أو قال سبحانه (وخلق الذكر والانثى) لتعطي معنى القسم بالفعل الذي هو خلق الذكر والانثى، ولكن الصورة التي جاءت عليها الآية تفيد التوسع في المعنى فهي تفيد المعنيين السابقين معاً وكلاهما صحيح.
فيبقى مجال الترجيح في المجيء هنا بـ (ما) والاحتمال هو مقصود لإرادة ان يحتمل التعبير المعنيين الخلق والخالق، كلاهما مما يصح أن يقسم به خلقه والخالق وربنا سبحانه يقسم بخلقه ويقسم بذاته. و لو أردنا ان نرجح لقلنا أن القسم هنا القسم بالخالق والله أعلم . (وما خلق الذكر والانثى) لم يقسم بالمخلوق وإنما اقسم بالمصدر (أي خالق الذكر والانثى) أما الليل والنهار فهما مخلوقان فإذا اردنا المخلوق نؤل المصدر بالمفعول أحياناً فيصبح تأويل بعد تأويل أحياناً يطلق على المصدر ويطلق على الذات مثال: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) أحياناً يراد بالمصدر الذات. والخلق ليس مثل الليل والنهار.
مثال: زرعت زرعاً في اللغة العربية زرعاً هي المصدر وأحياناً يضع العرب المصدر موضع الذات كقوله (نخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم) فالزرع هنا اصبح الذات واليس المصدر.
سؤال: يقول السيد مصطفى ناصف في السياق اللغوي ان السياق هو الحقيقة الاولى والكلمة خارج السياق لا تفي بشيء وفائدة السياق اللغوي انه يحول معنى الكلمة من التعدد والاحتمال الى التحديد والتعيين. فلماذا لم يحدد ربنا في هذه الآية معنى (ما) ولم يترك المعنى هكذا بدون تحديد؟
جواب: هناك مبدأ عام في اللغة العربية: الجمل في اللغة على نوعين:
ذات دلالة محددة معينة قطعية (أحل الله البيع وحرم الربا)
ذات دلالة احتمالية (اشتريت قدح ماء) هنا تدل الجملة على احد امرين: إما ان اكون اشتريت القدح وإما ان اكون اشتريت ماء بقدر قدح. فإذا قلنا (اشتريت قدحاً ماءً) دلت الجملة على معنى واحد قطعي اني اشتريت الماء قطعاً ولا يحتمل ان تكون اشتريت القدح بتاتاً
ومثال ذلك ايضاً لا النافية للجنس فهي قطعية كقولنا: لا رجل حاضر، فإذا قلنا: لا رجلاً حاضراً تحتمل الجملة إما نفي الجنس (الرجال) او نفي الوحدة (ولا حتى رجل واحد حاضر)
وفي تحديدنا لهذه المعاني للجمل يجب مراعاة ما يريد المتكلم البليغ هل يريد الاحتمال او القطع.فالذي يريد الاحتمال له غرض من ارادة الاحتمال والذي يريد القطع له غرض من ارادة القطع وهنا تتفاوت البلاغة فالمتكلم البليغ يختار الجملة التي تؤدي المعنى الذي يريده. فالسياق لا يمكن ان يؤدي الى بيان المقصود لأن المقصود قد يكون هو الاحتمال بحد ذاته في القرآن يحذف حرف الجر وقد يكون هناك اربع احتمالات ومع هذا حذف الحرف لأن هذا ما أراده الله تعالى .
|
||||||
ما المراد بالذكر والانثى هنا؟
قسم من المفسرين قالوا ان الذكر هنا هو الجنس البشري وقسم آخر قال انه كل ذكر او انثى من المخلوقات جميعاً بلا تحديد وهذا الذي يبدو على الارجح لأن سياق الآيات كلها في هذه السورة في العموم والله اعلم.
|
||||||
سورة مكيّة وتتمحور آياتها عن سعي الإنسان وعمله وعن نضاله في هذه الحياة ثم نهايته إلى النعيم أو إلى الجحيم. وقد ابتدأت السورة بالقسم كما في الكثير من سور هذا الجزء (والليل إذا يغشى..) وقد أقسم الله تعالى على أن سعي الإنسان في هذه الحياة مختلف ومتباين (إن سعيكم لشتى) ثم أوضح لنا سبل السعادة (فأما من أعطى واتقى..) وسبل الشقاء (وأما من بخل واستغنى..) وجزاء كل منهما. ثم حذّرت الآيات من أن يغتر الإنسان بماله الذي لن يغني عنه شيئاً يوم القيامة (وما يغني عنه ماله إذا تردّى) وحذرت أهل مكة من عذاب الله لتكذيبهم للرسول (فأنذرتكم ناراً تلظّى..). وختمت السورة بنموذج للمؤمن الصالح الذي ينفق أمواله في سبيل الله وابتغاء مرضاته وبيّن جزاءه (وسيجنبها الأتقى* الذي يؤتي ماله يتزكّى..) وهذه الآيات نزلت في أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه حين أعتق بلال بعد أن اشتراه من سيده
|
||||||
*ما علاقة القسم (والليل اذا يغشى...) بهذا الجواب؟
منذ بداية السورة أقسم الله تعالى بأشياء متضادة: يغشى ، يتجلى، الذكر، الانثى، الليل، النهار فجواب القسم شتى يعني متباين لأن سعينا متباين ومتضاد فمنا من يعمل للجنة ومنا من يعمل للنار فكما ان الاشياء متضادة فان اعمالنا مختلفة ومتباينة ومن هذا نلاحظ أنه سبحانه أقسم بهذه الاشياء على اختلاف السعي (ان سعيكم لشتى) واختلاف الاوقات (الليل والنهار) واختلاف الساعين (الذكر والانثى) واختلاف الحالة (يغشى وتجلى) واختلاف مصير الساعين (فاما من أعطى ... وإما من بخل واستغنى)
*(والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى )
*لماذا هذا الترتيب؟
نلاحظ ان الله تعالى بدأ بالليل قبل النهار لأن الليل هو اسبق من النهار وجوداً وخلقاً لأن النهار جاء بعد خلق الأجرام وقبلها كانت الدنيا ظلام دامس والليل والنهار معاً اسبق من خلق الذكر والانثى وخلق الذكر اسبق من خلق الانثى (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) فجاء ترتيب الآيات بنفس ترتيب الخلق: الليل اولاً ثم النهار ثم الذكر ثم الانثى وعلى نفس التسلسل.
|
||||||
*ما الحكمة في عدم استخدام كلمة الزوجين في الآية ( وما خلق الزوجين الذكر والانثى)؟ كما يأتي في معظم الآيات التي فيها الذكر والانثى كقوله تعالى:( (فجعل منه الزوجين الذكر والانثى)(سورة القيامة) وقوله: (وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى)(سورة النجم) وانما قال: (وما خلق الذكر والانثى) بحذف الزوجين؟
إذا استعرضنا الآيات في سورة القيامة نرى ان الله سبحانه وتعالى فسر تطور الجنين من بداية (ألم يك نطفة) الى قوله (فجعل منه الزوجين الذكر والانثى) فالآيات جاءت اذن مفصلة وكذلك في سورة النجم (وأنه هو اضحك وأبكى) الى قوله (انه خلق الزوجين الذكر والانثى). لقد فصل سبحانه مراحل تطور الجنين في سورة القيامة وفصل القدرة الالهية في سورة النجم أما في سورة الليل فإن الله تعالى أقسم بلا تفصيل هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قوله تعالى (إن سعيكم لشتى) يقتضي عدم التفصيل وعدم ذكر الزوجين. لماذا؟ لأن كلمة الزوج في القرآن تعني المثيل كقوله تعالى (وآخر من شكله أزواج) وكلمة شتى تعني مفترق لذا لا يتناسب التماثل مع الافتراق فالزوج هو المثيل والنظير وفي الآية (إن سعيكم لشتى) تفيد التباعد فلا يصح ذكر الزوجين معها. الزوج قريب من زوجته مؤتلف معها (لتسكنوا اليها) وكلمة شتى في الآية هنا في سورة الليل تفيد الافتراق. فخلاصة القول اذن ان كلمة الزوجين لا تتناسب مع الآية (وما خلق الذكر والانثى)من الناحية اللغوية ومن ناحية الزوج والزوجة لذا كان من الانسب عدم ذكر كلمة الزوجين في الآية.
|
إظهار النتائج من 5691 إلى 5700 من إجمالي 12316 نتيجة.