*(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) البقرة) لِمَ قدّم ربنا تعالى الأمر بالتقوى على الأمر بترك الربا مع أن الآيات تعالج قضية الربا؟
أُمِر الناس بتقوى الله تعالى قبل الأمر بترك الربا لأن تقوى الله هي أصل الامتثال والاجتناب وترك الربا من جملتها وخصلة من خصال التقوى.
فروق في الصيغ بين سورتي "الأعراف" و "الشعراء":
ففي سورة "الأعراف"
الأحداث ممتدة من مجيء موسى عليه السلام إلى فرعون وحتى نهاية فرعون وفيها كلام طويل عن بني إسرائيل.
وأما سورة "الشعراء"
القصة تأخذ جانب من مقابلة موسى وفرعون وتنتهي بنهاية فرعون
*ما دلالة كلمة ميسرة ؟
قال تعالى في سورة البقرة (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280}).
اليسار هو الغنى المؤقت كالفقير إذا جاءه مال فعليه أن يؤدي دينه وهذا يفسّر أن يُنظر المعسر حتى يزول عذره. وقد يكون الفقير موسراً بين ساعة وساعة ولا يصبح غنياً بين ساعة وساعة وقولنا ذو سعة بمعنى موسّع عليه.(وإن كان ذو عسرة) بمعنى إن وُجِد .
*ما الفرق بين (ماعملت) و (ماكسبت)؟
قال تعالى(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (111)النحل) و قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (281) البقرة). في آية النحل قال ماعملت. في سياق الأموال يقول (ما كسبت) وفي سياق العمل يقول (ما عملت). في البقرة في سياق الأموال وقبلها أمور مادية من ترك الربا (278) الربا كسب حرام، آية المعسِر (280)، آية الدين (282) البقرة، في سياق الأموال فناسب ذكر الكسب أما آية النحل ليس لها علاقة بالكسب وقال قبلها (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110) النحل) ليس فيها كسب فالجهاد والفتنة والصبر ليست كسباً. ففي سياق الأموال قال كسب وفي سياق الأعمال قال عمل.
في الاية قبلها قلنا أن الكسب منوط بالمال في الغالب ولهذا يقول تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ (134) البقرة) جعلها كالأموال وككسب الإنسان.
*قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان) وقال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة) الآيتين جملتان وصفيتان فلماذا الحذف (فيه) في إحداها والذكر في الأخرى؟
السبب أن التقدير حاصل (يجزي فيه) لكن لماذا الحذف؟ الحذف يفيد الإطلاق ولا يختص بذلك اليوم. فالجزاء ليس منحصراً في ذلك اليوم وإنما سيمتد أثره إلى ما بعد ذلك اليوم وكلما يذكر الجزاء يحذف (فيه) (لا تجزي) و(لا يجزي) . أما في الآية الثانية فذكر (فيه) لأنه منحصر فقط في يوم الحساب وليس عموماً. وكذلك في قوله تعالى (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) اليوم منحصر في يوم القيامة والحساب لذا ذكر (فيه). وحذف (فيه) عندما كان اليوم ليس محصوراً بيوم معين.
* ما اللمسة البيانية في الآية (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ (282) البقرة) ؟ ولماذ ذكر الله ورب في نفس الآية؟
الله غير الرب فالرب هو المربي والموجه والمرشد والمعلم والقيّم ولذلك يصح أن تقول عن إنسان هو رب الدار، رب الشيء،. لفظ الجلالة الله هو إسم العلم من العبادة هو الإله المعبود. (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ) سبب الإختيار؟ هذه الآية جزء من آية الدين (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) يتكلم عن الدائن والمدين. الدائن أحسن إلى المدين وأجره أعلى من أجر المتصدق لأن المتصدق أجره عشرة أضعاف والدائن ثمانية عشر كما في الحديث لأنه أخرج المحتاج من حاجته إذن الدائن أحسن إلى المدين فعلى المدين أن لا يبخس حق من أحسن إليه، الرب أحسن إلى العبد في تعليمه وتوجيهه إذن الدائن هو الذي أحسن إلى المدين والله هو الذي أحسن إلى الدائن فمكنّ له. وقال في ختام الآية (وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) والمعلم مربي رب فناسب رب من ناحية الإحسان ومن ناحية التعليم. لو قال (وليتق الله) فقط ليس فيها معنى الإحسان والإفادة وأن هذا أحسن إليك فكما أحسن الله إليك وآتاك المال وجعل يدك أعلى، لو قال ليتق ربه كلمة رب لا تعني الله بالضرورة لأن الرب قد تكون رب الدَيْن. أراد أن يجرّدها لله سبحانه وتعالى ولهذا قال (وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ).
*(فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا (282) البقرة) البخس هو النقص فهل اختيار البخس في قوله تعالى (ولا يبخس منه شيئاً) لغاية وسبب؟
نعم فالبخس وإن كان بمعنى النقص إلا أنه يدل على الإنقاص بخفاء وغفلة عن صاحب الحق لذلك كان اختيار هذا اللفظ دون غيره.
*تناسب خواتيم الزخرف مع فواتح الدخان*
قال في خواتيم الزخرف (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)) وفي أوائل الدخان قال (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)) هذا تعميم. في خاتمة الزخرف قال (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)) وفي الدخان قال (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)) أكدت وحدانية الله سبحانه وتعالى.
قال في أواخر الزخرف (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)) في الدخان قال (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)) اتركهم وانظر نهايتهم.
**هدف سورة الدخان : تحذير من الإنخداع بالسلطة والتمكين**
هذه السورة تركّز على مظهر آخر من المظاهر المادية ألا وهو مظهر التمكين والسلطة (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) آية 27 وعرضت السورة قصة فرعون وقومه وما حلّ بهم من العذاب بسبب الطغيان والإجرام وكيف تركوا كل آثارهم وقصورهم وحدائقهم بسبب ما حلّ بهم من ضياع وتشرد بسبب طغيانهم في الأرض وعصيانهم لأوامر الله بعد أن مكّنهم الله في الأرض فلم يحافظوا على الأمانة واستكبروا بما أعطاهم الله تعالى فكان عاقبتهم الهلاك والضياع.
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) الشعراء) وفي الدخان (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23)) المعروف أن السرى يكون ليلاً فلماذا قال ليلاً ولماذا لم يقل ليلاً في آية سورة الشعراء؟(د.فاضل السامرائى)
هذا الظرف المؤكِّد.
قسم يقول أن هذا من باب التوكيد، الإسراء بالليل والسؤال عن آيتين في إحداهما لم يقل ليلاً (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) الشعراء) وفي الدخان قال ليلاً (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)) نفهم من الناحية النحوية ما معنى خرجت ليلاً أو جئت ليلاً؟ هذا ما قرره النحاة سيبويه وغيره عندما تقول ليلاً أو صباحاً أو جئت صباحاً هذا يعني إما في يومك أو في يوم بعينه. جئت صباحاً تتكلم عن يوم يعني اليوم، تتكلم مثلاً عن يوم مثلاً الجمعة تقول جئت صباحاً، أو إذا قلت جئت ليلاً يعني ليلتك هذه. لكن جئت في ليل أو في صباح تعني أيّ ليل أو أيّ صباح، هذه قاعدة مقررة في النحو. (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) يعني عشاء ذلك اليوم الذي خرجوا فيه. إذن لما أقول أُخرج ليلاً يعني هذا اليوم الذي أكلمك الآن فيه، ليلاً وصباحاً ومساءً هذه مقررة، إذا أردت مساء ليلتك أو مساء يوم بعينه أو ليل يومك أو ليلة بعينها هذا كله يدخل فيه. إذن عندنا أمرين: أسر ليلاً يعني الليلة هذه، (أسر بعبادي) ليس فيها وقت محدد. قال في الشعراء (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)) إذن فيها متسع حتى يجمع فرعون جماعته ويرسل في المدائن. وفي الدخان قال (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) هذا أمر وقع هذا أسرع، هذا تصوير للحادثة في ليلة حدوثها عندما قال اليوم يعني اليوم تخرد وكأن سورة الشعراء وحيٌ من الله ليجهز نفسه حتى يأتي الأمر، بينما الكلام قبلها على السحرة (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ (49)) كلام عام ووراءها قال (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)) تكلم كلاماً آخر وليس فيها الأمر بالخروج هذه الليلة والآن فرعون عنده متسع في الكلام وإرسال في المدائن. (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) الدخان) فإذن ليلاً الآن تخرج هذه الليلة والسياق واضح.
* عندما تقول أقبل ليلاً لا بد أن تكون الليلة معينة بخلاف لقد أقبل في ليل. لما تقول جاء صباحاً تعني أنه إما في صباح هذا اليوم أو يوم بعينه. بينما لو قلت جاء في صباح تحتمل أي صباح. لما قال (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا) يعني هذه الليلة. لو قال فأسر بعبادي لا تعني هذا. لو قال فأسر بعبادي في الليل لا تحتمل هذا المعنى ، فإذن (ليلاً) أكّدت أنه ليل وأنه جزء من الليل وأنه محدد للتعيين فإذن وجودها قوي.
*(وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ (282) البقرة) ما الفرق بين قولنا (واشهدوا شهيدين) وقوله تعالى (واستشهدوا شهيدين)؟
انظر إلى هذا التصوير البديع الذي ترسمه زيادة السين والتاء في قوله تعالى (واستشهدوا) هذه الكلمة تدل على طلب شهادة الشاهدين وتكليف بالسعي للإشهاد وهذا ما لا يفيده لفظ (وأشهدوا) الذي يدل على مجرد الشهادة.