التدبر

٢١ (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (وَلَّى مُدْبِرًا) و (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) التولية والإدبار بمعنيين مختلفين: فالتولية أن يولي الشيء ظهره، والإدبار أن يهرب منه، فما كل مولٍّ مدبر، وكل مدبر مولٍّ. الوقفة كاملة
٢٢ في تدبري للقرآن وجدتُ أنّ تضمين شيءٍ معنى شيءٍ آخر يجمع له المعنيَين.. فـ (رَّاضِيَةٍ) بمعنى مرضيَّة تجمع للعِيشة رضاها هي، ورضا عايشِها بها. الوقفة كاملة
٢٣ قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)، وقال: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا) (الجن: ١)، حين تقرأ كلام أولئك الجن عن القرآن يتملكك العجب! أفي جلسة واحدة صنع بهم القرآن كل هذا؟ مع أنهم يقينًا لم يسمعوا إلا شيئًا يسيرًا من القرآن! إنك -لو تأملت- لانكشف لك سر هذا: إنه استماعهم الواعي وتدبرهم لما سمعوه، وشعورهم أنهم معنيون بتلك الآيات، فمتى قال أحدنا: إنا سمعنا قرآنًا عجبًا؟ الوقفة كاملة
٢٤ قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ)، وقال: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا) (الجن: ١)، حين تقرأ كلام أولئك الجن عن القرآن يتملكك العجب! أفي جلسة واحدة صنع بهم القرآن كل هذا؟ مع أنهم يقينًا لم يسمعوا إلا شيئًا يسيرًا من القرآن! إنك -لو تأملت- لانكشف لك سر هذا: إنه استماعهم الواعي وتدبرهم لما سمعوه، وشعورهم أنهم معنيون بتلك الآيات، فمتى قال أحدنا: إنا سمعنا قرآنًا عجبًا؟ الوقفة كاملة
٢٥ كثيرون يتلون هذه الآية فتنصرف أفئدتهم إلى بعض من يعرفون ممن أسرف على نفسه، دون أن يشعروا أنهم معنيون بذلك ابتداءً! وهذا من أخطر أنواع الإسراف؛ لما في ذلك من التزكية للنفس، والغفلة عن محقرات الذنوب حتى يهلك. الوقفة كاملة
٢٦ فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم )عطف السبعة على الثلاثة يحتمل معنيين: 1-أن تكون سبعة خارجة عن الثلاثة. 2-أن تكون سبعة بالثلاثة التي قبلها، فلما قال: (تلك عشرة كاملة) علمنا أن السبعة مستقلة لا تدخل فيها الثلاثة المتقدمة. الوقفة كاملة
٢٧ تدبر الثناء على يوسف: ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وموسى: (إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا) بكسر اللام وفتحها في الآيتين، في قراءتين سبعيتين ومعنيين بديعين، حيث أخلصا في عملهما فأخلصهما الله واصطفاهما. الوقفة كاملة
٢٨ (والمراد "بأخفى" أي أخفى من السر: وهو ما يتكلمه الإنسان من حديث النفس ونحوه). الوقفة كاملة
٢٩ " ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا " [ معلنا بالدعاء . قال ابن عباس : بأعلى صوتي . ( ثم إني أعلنت لهم ) كررت الدعاء معلنا ( وأسررت لهم إسرارا ) قال ابن عباس : يريد الرجل بعد الرجل أكلمه سرا بيني وبينه أدعوه إلى عبادتك وتوحيدك ] الوقفة كاملة
٣٠ (مَكَانًا سُوًى) يحتمل معنيين : 1- مكان متوسط يصل إليه جميع الناس. 2- مكان مستوٍ غير مرتفع، بحيث يستطيع الجميع رؤية الحدث .(15/9303) الوقفة كاملة

التساؤلات

٢١ س/ يقول الله عزوجل فى سورة مريم ( ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) وقال عز وجل فى سورة التوبة:(نسوا الله فنسيهم)، فكيف يستقيم المعنى؟ ج/ النسيان يطلق على معنين: الأول: الذهول عن الشيء وهو المنفي عن الله تعالى. الثاني: ترك الشيء مع ذكره، وهو المثبت في حق الله تعالى. الوقفة كاملة
٢٢ س/ ﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ قيلَ لَهُم كُفّوا أَيدِيَكُم وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتالُ إِذا فَريقٌ مِنهُم يَخشَونَ النّاسَ كَخَشيَةِ اللَّهِ أَو أَشَدَّ خَشيَةً وَقالوا رَبَّنا لِمَ كَتَبتَ عَلَينَا القِتالَ لَولا أَخَّرتَنا إِلى أَجَلٍ قَريبٍ قُل مَتاعُ الدُّنيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا﴾ ما تفسير الآية؟ ج/ اختلف المفسرون فيمن عناهم الله بذلك: فقيل أنهم نفر من الصحابة طلبوا الإذن بالقتال لرفع الذلّ عنهم قبل أن يفرض الجهاد فلما هاجروا وحصل لهم الأمن والعزة كرهوا القتال واعتراهم ما يعتري البشر من الخوف من القتال وتبعاته من فقد النفوس والأموال، وقيل أن المعني بها: المنافقون وهو الأشبه بالسياق عند بعض المفسرين، والقول الثالث: أن المعني بها اليهود، كما رُوي عن ابن عباس ومجاهد، وكأنه مثل ضربه الله لهذه الأمة لئلا تصنع صنيعه. ومعنى الآية بإجمال: ألم تعلم -تعجيبًا من فعلهم- أمر أولئك الذين قيل لهم قبل الإذن بالجهاد: امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم، وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلاة والزكاة،فلما فُرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد تغير حالهم، فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم، كخوفهم من الله أو أشد ويقولون: ربنا لِمَ أَوْجَبْتَ علينا القتال؟ هلا أمهلتنا إلى وقت قريب، رغبة منهم في متاع الحياة الدنيا، قل لهم: متاع الدنيا قليل، والآخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى، فعمل بما أُمر به، واجتنب ما نُهي عنه، لا يظلم ربك أحدًا شيئًا، ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق نَواة التمرة. الوقفة كاملة
٢٣ س/ (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) لماذا قال موسى ﷺ هذه المقولة؟ ولماذا أشرك نفسه بالإهلاك؟ ج/ بعد حادثة عبادة العجل اختار موسى عليه السلام سبعين رجلًا من قومه لمناجاة الله تعالى واستغفاره مما فعل قومهم، فلما ذهبوا معه طلبوا من موسى أن يكلّموا الله كما كلمه، وأن يروه تعالى بأعينهم. فأخذتهم الرجفة، فماتوا جميعًا، فدعا موسى ربّه: رب لو شئت أهلكتهم من قبل مجيئهم وأنا معهم. الوقفة كاملة
٢٤ س/ (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ...) و في قصة عبادة العجل: (أفلا يرون أنه لا يكلمهم...) من صفات الإلٰهية عدم تكليم الناس مباشرة فكيف جعلها الله سبحانه صفة أساسية لدحض شبهة عبادة العجل الذي اتخذه بنو إسرائيل؟ ج/ الله سبحانه وتعالى كلّم بعض عباده مباشرةً مثل موسى ﷺ، وسيكلم عباده يوم القيامة مباشرةً، وصفة الكلام ثابتة لله سبحانه على الوجه الذي يليق به بأدلة كثيرة يتكلم متى شاء بما شاء مع من شاء. وإنما ذكر الله في هذه الآية صور الوحي للبشر كيف تكون. وأما عدم تكليم العجل المنحوت لهم فهو لعجزه وعدم قدرته، وضعفه فهو لذلك دليل على نقصه وعدم استحقاقه للعبادة. بل هو استدلالٌ على أن الكلام صفة كمال ينبغي اتصاف الإله الحق الكامل بها. س/ هل في ذلك رد ضمني على المعتزلة الذين ادّعوا خلق القرآن، إذ كيف أن الله ينفي صفة الإلٰهية عن العجل وكلامه، وفي ذلك إثبات منه سبحانه لصفة الكلام لنفسه؟ ج/ نعم صحيح فيه إثبات لصفة الكلام لله، ورد على من أنكر ذلك كالمعتزلة وغيرهم. الوقفة كاملة
٢٥ س/ هل الآية ١٠٦ من سورة النحل المعني بها عمار بن ياسر رضي الله عنه؟ ج/ نعم، وشدَّد المشركون العذاب على عمار بن ياسر، وقالوا: لا نَتْرُكُك حتى تَسُبَّ مُحَمَّدًا أو تقولَ في اللاتِ والعُزّى خيرًا ففعل، فتركوه فأَتى النبيَّ (ﷺ) يبكي فقال: ما وراءَك. قال شَرٌّ يا رسولَ اللهِ، كان الأمرُ كذا وكذا ! ! قال: فكيف تَجِدُ قلبَك؟ قال: أجِدُه مطمئنًّا بالإيمانِ، فقال: يا عمارُ إن عادوا فَعُدْ. فأنزل اللهُ تعالى: (إلّا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ). الوقفة كاملة
٢٦ س/ قال تعالى:﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ...) أرجو تفسير معني الزينة الأولي والزينة الثانية. ج/ الزينة: ما يحصل به الحسن والجمال، وهي قسمان: خَلْقية ومكتسبة، والآية نهت المرأة عن التزين الذي يلفت إليها أنظار الرجال، إلا ما يشق ستره، واستثنت إظهارها للرجال المحارم، وقد اختلف العلماء في المقدار الذي يجوز إظهاره منها، ليس هذا مكان بسطه وتوضيحه. الوقفة كاملة
٢٧ س/ قال تعالى: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾ ما معني تغيير خلق الله ؟ ج/ قال ابن سعدي - رحمه الله: وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم، والوشر والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن. الوقفة كاملة
٢٨ س/ ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ ما معني اصطفاكِ الأولى والثانية ؟ ج/ الاصطفاء الأول بمعنى الاختيار، فاختارها الله لتكون أمًا لعيسى عليه السلام، والاصطفاء الثاني بمعنى التفضيل، ففضلها الله على نساء العالمين. الوقفة كاملة
٢٩ س/ ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾ ما المقصود بالروح ؟ ج/ اختلف في المراد بالروح في هذه الآية على أقوال كثيرة؛ من أحسنها: أنهم أرواح بني آدم، ومنها: أنه جبريل. قال الطبري: والروح خلق من خلقه؛ وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء .. والله أعلم أيّ ذلك هو؛ ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره يجب التسليم له؛ ولا حجة تدلّ عليه؛ وغير ضائر الجهل به. الوقفة كاملة
٣٠ س/ ما تفسير (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ)؟ هل ذكر الجهالة هنا قيد، وهل يُعمل سوء بغير جهالة؟ ج/ الجهالة هنا تشمل معنين؛ الأول: (ضد العلم)، الثاني: (بمعنى الطيش والسفه، واتباع الهوى) فالإنسان يفعل المعصية إما لجهله أو لطيشه. والله أعلم. الوقفة كاملة

أسرار بلاغية

٢١ آية (٥٦) : (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) * رحمة جاءت بالمؤنث وقريب بالمذكر لغويًا: - كلمة قريب تطابق إذا كان القُرب في النَسَب تحديداً تقول هو قريبي وهي قريبتي، وإذا لم تكن للنسب فتجوز المطابقة وعدمها قال تعالى (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) الشورى) هذه ليست للنسب. - من جهة أخرى رحمة الله مضاف ومضاف إليه وفي باب الإضافة يجوز أن يكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير والتأنيث أو غير ذلك مثل (إمارة العقل مكسوفٌ) لم يقل مكسوفة، وقال تعالى (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤) الشعراء) لم يقل خاضعة جعل الخضوع للمضاف إليه (خاضعين) هذا يجوز لأن الأعناق جزء من الإنسان. (وما حب الديار شغفن قلبي) الحب مفرد وشغفن مؤنث وجمع (للديار وليست للحب). - في الآية الرحمة يصح الإستغناء عنه بحيث إذا حذفنا يبقى المعنى العام واحد (إن الله قريب من المحسنين). بيانيًا: لو قال قريبة ستكون الرحمة هي القريبة فقط لكن لما قال قريب كسب معنيين رحمته وهو قريب، فالتذكير يشعر بقربه هو وقرب رحمته. الوقفة كاملة
٢٢ آية (٥٩) : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) * دلالة الاختلافات بين آية الأعراف وآية هود (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦)) والمؤمنون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣)) : - فى الأعراف (لَقَدْ أَرْسَلْنَا) غير منسوق بواو العطف وفى هود والمؤمنون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا) بواو العطف : آية الأعراف لم يتقدمها ذكر إرسال الرسل إلى الأمم ولا أمر بدعاء الخلق إلى الإيمان ولا جملة يناسبها عطف، إنما تقدم قبلها ذكر أصحاب الأعراف ثم قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) إلى قوله (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) ثم ابتدأت قصص الرسل مع أممهم فقال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) وتتابع قصصهم. آية هود تقدم قبلها ذكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبذلك افتتحت السورة قال تعالى (الـرْ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ..) ثم استمر ذكر دعائهم وتحذيرهم من التولي ثم ذكر تحديه عليه السلام إياهم بالقرآن ولم يعدل بالآى عن هذا الغرض إلى ذكر إرسال نوح عليه السلام فوردت الآى بذلك منسوقة. آية المؤمنون ورد قبلها ما يناسب عطفها عليه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) الآيات ، فذكرهم بإيجادهم وانتقالهم متقلبين فى أطوار مكتنفين بتوالى إنعامه وإحسانه ثم عطف على ذلك ما أنعم به من إرسال الرسل فذكر أولهم إرسالا إلى الخلق ليناسب ما بدأوا به من النعم الأولية فقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) وكل ما ذكر فى هذه الآى نعم متناسبة والآء متوالية ولهذا لم يذكر فى هذه الآية ذكر عذاب الا بالإيماء الوجيز وخصت بقوله عقب الأمر بالعبادة (أَفَلَا تَتَّقُونَ) فذكرهم بالتقوى المجردة لنجاتهم وتخلصهم من العذاب ولم يكن ليلائم ذكر العذاب والإفصاح به ما تقدم من التذكير بإحسانه سبحانه وإنعامه من أول السورة إلى هنا. - اختلاف مقاله عليه السلام لهم فى كل سورة من الثلاث : إن دعاء الرسل أممهم يتكرر ويتوالى فى أوقات مختلفة متباينة فمرة يرغبون ومرة يخوفون وينذرون بحسب اختلاف الأوقات وما يناسب كل وقت وما يجرى فيه ويشاهد من أقوال المدعوين وأحوالهم، ألا ترى أن نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين كان يدعوا قبائل العرب إذا وفدوا على مكة ويقف على كل قبيلة فيكلمهم ويسمعهم القرآن ويدعوهم إلى الله بما يناسب أحوالهم: فى الأعراف لما تقدم ذكر اليوم الآخر وأهواله من أول السورة إلى ابتداء قصة نوح كقوله (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ...) وقوله (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ...) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ...) قوله (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ... هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) فلما تقدم من أهوال هذا اليوم ما لم يتقدم فى السورتين الأخريين ناسبه من مقالات نوح لقومه (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وناسب قوله : (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) قول الممتحنين (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا) . في هود افتتح نوح دعاء قومه بقوله (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) يناسب قول نبينا صلى الله عليه وسلم للعرب فى إخبار الله تعالى عنه (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) وأما قوله (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) فمناسب لما تقدم من ذكر العذاب (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) وقوله (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) وقوله (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) . - افتتاح أمرهم بالعبادة فى الأعراف والمؤمنين وقوله فى سورة هود قبل أمره إياهم (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) : افتتاح أمرهم بعبادة الله هو أول ما يطلب به الخلق، أما افتتاح مكالمتهم فى سورة هود بقوله (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) لمطابقته ما افتتحت به السورة من قول محمد صلى الله عليه وسلم بأمر ربه مخاطبا بكلامه تعالى (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ). الوقفة كاملة
٢٣ آية (٢٣١ - ٢٣٢) : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) * إذا بلغت الأجل وانتهت العدة، هل يوجد إلا التسريح؟ فما دلالة قوله (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)؟ البلوغ يأتي بمعنيين، المعنى الأول المقاربة، والمعنى الثاني الوصول الحقيقي والفعلي. في الآية الأولى طلق الرجل زوجته لكن عدتها لم تنته بل قاربت على الانتهاء فربما يمكنه أن يسرحها أو يمسكها بإحسان. والله تعالى يريدنا أن نتمسك باستبقاء الحياة الزوجية إلى آخر فرصة تتسع للإمساك ، إذن هنا (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي قاربن بلوغ الأجل. * الفرق بين الاستهزاء و السخرية: الاستهزاء أعم من السخرية ، فالاستهزاء عام بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا) ويقال هو المزح في خفية. السخرية لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص تحديداً (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ (٣٨)هود). الوقفة كاملة
٢٤ آية (٢٣٣) : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). * قال الوالدات ولم يقل على الوالد وإنما قال المولود له لأنه ابنه استحقاقاً يُدعى باسمه ويلتحق به في النسب ُكماً أنه المسؤول عنه يتكفله ويرعاه فهو له وليس للأم فالوالدة (هي وَلَدت) لكن المولود للأب. * استعمال (وَالْوَالِدَاتُ) بالجمع و(الْمَوْلُودِ لَهُ) بالإفراد يحتمل أن يكون للمولود له أكثر من زوجة فالوالدات بالجمع لتشملهن. * نلاحظ أنه تعالى قال (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ) ولم يقل على الوالدات لأنهن لسن مكلفات شرعاً بإرضاع الولد فيمكن لهن أن لا يُرضعن أو أن يأتين بمرضعة. * لكنه تعالى قال (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ) لأن هذا واجب الأب فجمع سبحانه البيان والشرع والحكم. * الفرق بين (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) : -- (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) الأب مكلّف بأن يُنفق على أولاده ، من الذي كلفه؟ سواء كان العُرف أو الرحم أو القانون أو الفقه - وكله يرجع إلى مشيئة الله - لكن التكليف المباشر لم يذكر أنه من الله عز وجل ما قال أنا أكلفك فهو مكلّف (مبني للمجهول). -- عندما يكون هناك حكمٌ شرعي منصوصٌ عليه بالقرآن الكريم بالتعيين يقول (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(٢٨٦)) هذا تكليف من رب العالمين سبحانه ليس مبنياً للمجهول. -- رب العالمين يتكلم بصيغة التعظيم بنون المتكلم (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(٤٢)الأعراف) وحيثما تكلم بصيغة الجمع معناه هو يفعل شيئاً لا يستطيع أحد غيره أن يفعله، فقط هذا من اختصاص الله والسياق عن المؤمنين وجزائهم في الجنة بياناً وإظهاراً لقدرهم عند الله عز وجل. * دلالة كلمة (تضار) فى قوله تعالى (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) هذا حكم شرعي (لا) ناهية وليست نافية بدليل الراء في (يضارَّ) مفتوحة. ولكن هل هي لا تضارَر؟ أي لا يضرها أحد أو لا تضارِر، هي لا تضر أحداً؟ المعنيان مرادان وكلاهما منهي. أي لا يوقع عليها ضرر بحيث الأب يضرها إذا كانت مطلقة؟ أو هي لا تضر زوجها بحيث تمنع إبنها؟ هذا من باب التوسع في المعنى. * (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ (٢٣٣) لم َلم يقل ولا والد بولده بدل ولا مولود له بولده؟ لو قال لا تضار والدة بولدها ولا والد بولده يكون الحكم واحد، هذا ولِد له حكماً وشرعاً وعرفاً ينتسب لأبيه ويلتحق بأبيه ولو قال ولا والد بولده لصار الحكم واحداً فلما تغير الحكم تغيرت الصيغة (وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) هذه لام الاستحقاق. * الملاحظ في القرآن الكريم أنه إذا استعمل الفعل المضارع بعد الشرط فمظنة التكرار. واستعمال الماضي مظنة عدم التكرار. (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) إذا انفصلا انتهى الأمر، كم مرة سيطلق؟ لا تتكرر هذه الإرادة. الوقفة كاملة
٢٥ آية (٢٤٣) : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) * (أَلَمْ تَرَ) في اللغة العربية تأتي بمعنيين. الأول: السؤال عن الرؤية البصرية والرؤية القلبية، والمعنى الآخر معناها ألم تعلم ألم ينتهي علمك؟ للتعجيب سواء رآه أو لم يسبق له رؤيته للفت نظر السامع الذي يحدثه والمخاطب إلى أمر يدعو إلى التأمل والعجب من الحالة أو من قدرة الله أو ما إلى ذلك، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) ألم ينتهي علمك؟ ألم تسمع منهم؟ ألا تتعجب من أولئك؟ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ) إقرأ الحوار بينهم ألا تعجب من هذا المتكبر وكيف كان يحاوره إبراهيم؟. * الفرق بين آلآف وألوف (وَهُمْ أُلُوفٌ) في القرآن: آلآف من أوزان جمع القِلّة (أفعال) أفعُل، أفعال، أفعِلة، فِعلة. من أوزان القِلّة، وألوف من الكثرة. لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى (أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (١٢٤) آل عمران) لأن القلة من الثلاثة إلى العشرة فإن تجاوزها دخل في الكثرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) قال بعضهم قطعاً أكثر من عشرة آلآف وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفاً. الوقفة كاملة
٢٦ آية (٢٥٥) - آية الكرسيّ - سيّدة آي القرآن الكريم : "اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" * (اللّهُ) بدأ الإخبار عن الذات الإلهية ونلاحظ أن كل جملة في هذه الآية تصح أن تكون خبراً للمبتدأ (الله) لآن كل جملة فيها ضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى: الله لا تأخذه سنة ولا نوم، الله له ما في السموات وما في الأرض، الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، الله يعلم مابين أيديهم وما خلفهم، الله لا يحيطون بعلمه إلا بما شاء، الله وسع كرسيّه السموات والأرض، الله لا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم. * (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) بدأت الآية بالتوحيد ونفي الشرك وهو المطلب الأول للعقيدة عن طريق الإخبار عن الله. * (الْحَيُّ) الحيّ معرّفة، والحيّ هو الكامل الإتصاف بالحياة ولم يقل حيّ لأنها تفيد أنه من جملة الأحياء. فالتعريف بـ(ال) هي دلالة على الكمال والقصر لأن ما سواه يصيبه الموت. والتعريف قد يأتي بالكمال والقصر، فالله له الكمال في الحياة وقصراً فالله هو الحيّ لا حيّ سواه على الحقيقة لآن كل ما عداه يجوز عليه الموت وهو الذي يفيض على الخلق بالحياة. * (الْقَيُّومُ) من صيغ المبالغة من القيام، ومن معانيها القائم في تدبير أمر خلقه ، ومن معانيها القائم على كل شيء ، ومن معانيها الذي لا ينعس ولا ينام لأنه إذا نعس أو نام لا يكون قيّوماً ومن معانيها القائم بذاته وهو القيّوم جاءت معرّفة لأنه لا قيّوم سواه على الأرض حصراً. * (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) المتعارف عليه أن يأتي النعاس ثم ينام الإنسان، ولهذا جاءت (سِنَةٌ) في ترتيب الآية قبل النوم وهذا ما يعرف بتقديم السبق، فهو سبحانه لا يأخذه حتى ما يتقدم النوم من الفتور.. ولم يقل سبحانه لا (تأخذه سنة ونوم) أو (سنة أو نوم) ففي قوله سنة ولا نوم ينفيهما سواءً اجتمعا أو افترقا لكن لو قال سبحانه سنة ونوم فإنه ينفي الجمع ولا ينفي الإفراد فقد تأخذه سنة دون النوم أو يأخذه النوم دون السنة. * (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) : - الجملة تفيد التخصيص فهو لا يترك شيئاً في السموات والأرض إلا هو قائم عليه سبحانه. - جاءت بعد (الحيّ القيّوم) ليدلّ على أنه قيوم على ملكه الذي لا يشاركه فيه أحد غيره وهناك فرق بين من يقوم على ملكه ومن يقوم على ملك غيره، فالأخير قد يغفل عن ملك غيره أما الذي يقوم على ملكه لا يغفل ولا ينام فسبحانه له كمال القيومية. - قدّم الجار والمجرور (لَّهُ) على المبتدأ (مَا فِي السَّمَاوَاتِ) ذلك له حصراُ قصراً فنفى الشرك له في الملك. - (ما) تفيد ذوات غير العاقل وصفات العقلاء، فجمع العقلاء وغيرهم ولو قال (من) لخصّ العقلاء. (ما) بقصد الإحاطة والشمول. * (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) : - دلالة واضحة على تبيان ملكوت الله وكبريائه فلمّا قال (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) شمل ما في الدنيا ثم (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) هذا في الآخرة، فدلّ هذا على ملكه وحكمه في الدنيا والآخرة. - (مَن ذَا) أسلوب الإستفهام الإنكاري أقوى من النفي. - دلّ هذا على أنه حيّ قيّوم كيف؟ لأن الذي يُستشفع عنده حيّ والذي لا يستطيع أحد أن يتقدم إلا بإذنه يجعله قائم بأمر خلقه. - دلَّ على شرف ومكانة الشافع عند الله تعالى وهو محمد صلى الله عليه وسلم. - قال (إِلاَّ بِإِذْنِهِ) فلا أحد يشفع عند الله بحق الله ولكن يشفع من خصّه الله تعالى بهذا الإذن وهذه كرامة ما بعدها كرامة. - الفرق بين (مَن ذَا الَّذِي) و (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ) في سورة الملك (٢٠) : (هَذَا) مكون من (هـ) للتنبيه والتوكيد و(ذا) اسم الإشارة فإذا كان الأمر لا يدعو إليها لا يأتي بها. سياق الآيات في سورة الملك في خطاب الكافرين في مقام تحدّي الندّ وليس مقام شفاعة ولذلك جاء بـ(هـ) التنبيه للإستخفاف بالشخص الذي ينصر من دون الرحمن فهو أشد وأقوى من سياق آية الكرسي التي هي في سياق المؤمنين والشفاعة والشفيع هو طالب حاجة يرجو قضاءها ويعلم أن الأمر ليس بيده وإنما بيد من هو أعلى منه. كما أن التعبير في آية الكرسي اكتسب معنيين: قوة الإستفهام والإشارة ولو قال (من الذي) لفاتت قوة الإشارة بينما آية الملك دلت على الإشارة فقط. ولا يوجد تعبير آخر أقوى من (مَن ذَا) لكسب المعنيين معاً بمعنى (من الذي يشفع ومن هذا الذي يشفع). * (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) : في سورة مريم (لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ) ولم ترد على هذا الاسلوب في آية الكرسي: ففي سورة مريم سياق الآيات عن الملك (ولهم رزقهم فيها، تلك الجنة التي نورث من عبادنا، رب السموات والآرض..) الذي يرزق هو الذي يورّث فهو مالك، وقوله رب السموات فهو مالكهم، أما في آية الكرسي فالسياق في العلم (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) وبعدها (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء). * (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) : - لم يقل ولا يعلمون شيئاً من علمه لأن الإحاطة تقتضي الإحتواء على جميع أطراف الشيء بحيث لا يشذّ منه جزء من أوله ولا آخره فأراد ربنا أن يصور لنا قصر علمنا وضعف مداركنا فنحن قد نعلم شيئاً كان مجهولاً بالأمس ولكننا لا نستطيع أن نحيط بكل ما يلزم عنه ولا نقدر على إدراك كل ما له به صلة ولذلك فإن علومنا قابلة للتبديل والتعديل. - انظر أيضاً إلى قوله تعالى (بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ) ولم يقل ولا يحيطون بعلمه وهذا مزيد من الدقة في تصغير معارفنا وعلومنا. - (إِلاَّ بِمَا شَاء) تحتمل معنيين في اللغة: أن تكون (ما) مصدرية بمعنى (إلا بمشيئته) أو أن تكون اسماًً موصولاً بمعنى (إلا بالذي شاء) وهنا جمع المعنيين أي لا يحيطون بعلمه إلا بمشيئته وبالذي يشاؤه نوعاً وقدراً. - ذكر نفي الإحاطة بالذات في سورة طه ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي ففي سورة طه جاءت الآية تعقيباً على عبادة بني اسرائيل للعجل وقد صنعوه بأيديهم وأحاطوا به علماً والله لا يحاط به، فناسب أن يقول (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) أما في آية الكرسي فالسياق جاء في العلم. * (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) : - دلّ على أن السموات والأرض من ملكه، وقبلها قال تعالى (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) فدلّ على أن الذي فيهما هو ملكه أيضاً لأن المالك قد يملك الشيء لكن لا يملك ما فيه وقد يكون العكس. - استخدام صيغة الماضي في فعل (وَسِعَ) تدلّ على أنه وسعهما فعلاً فلو قال يسع لكان فقط إخبار عن مقدار السعة فعندما نقول تسع داري ألف شخص فليس بالضرورة أن يكون فيها ألف شخص ولكن عندما نقول وسعت داري ألف شخص فهذا حصل فعلاً . - (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) الله أعلم بما يليق بذاته ونحن نقف عند ما قال ربنا ، وفي اللغة يستعملون الكرسيّ مجازاً يقصدون به القدرة والملك والتدبير أي وسع ملكه وعلمه السموات والأرض، فاشغل نفسك بما كلفك الله به وما ستسأل عنه يوم القيامة. * (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) : - جاء بـ (لا) للدلالة على الزمن المطلق أي (لا يمكن أن يحصل) لا يثقله ولا يجهده. - استعمال صيغة المثنى (حِفْظُهُمَا) للسموات والأرض لأنه جعلهما مجموعتين، السموات كتلة واحدة والأرض كتلة واحدة. - (أل التعريف) لأنه لا عليّ ولا عظيم على الحقيقة سواه فهو العليّ العظيم حصراً والعليّ من العلو والغلبة والسلطان والعلو عن النظير والمثيل. والعظيم من العظمة، وهذين الوصفين وردا مرتين في ملك السموات والأرض في آية الكرسي في سورة البقرة، وفي سورة الشورى (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) والأمرين في ملك السموات والأرض بما يدلّ على العلو والعظمة حصراً له سبحانه. * الخطوط التعبيرية في الآية: - الملاحظ في آية الكرسي أنها ذكرت في بدايتها صفتين من صفات الله تعالى (الحيّ القيّوم) وانتهت بصفتين (العليّ العظيم) وكل جملة في الآية المباركة تدل على أنه الحيّ القيّوم والعليّ العظيم سبحانه تقدست صفاته. فالذي لا إله إلا هو هو الحي القيوم والذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو حيّ وقيّوم والذي له ما في السموات وما في الأرض أي المالك والذي يدبر أمر ملكه هو الحيّ القيوم والذي لا يُشفع عنده إلا باذنه هو الحي القيوم والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحاط بشيء من علمه هو الحيّ القيّوم القيّم على الآخرين والذي وسع كرسيه السموات والأرض هو الحيّ القيّوم والذي لا يؤده حفظهما هو الحيّ القيّوم لأن الذي يحفظ هو الحي القيوم، والحي القيوم هو العلي العظيم والذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو العلي العظيم والذي له ما في السموات وما في الأرض هو العلي العظيم والذي لا يشفع عنده إلا باذنه هو العلي العظيم والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم والذي لا يحاط بعلمه إلا بما شاء هو العليّ العظيم. - الملاحظ في الآية أنها تذكر من كل الأشياء اثنين اثنين، بدأها بصفتين من صفات الله تعالى (الحي القيوم) وذكر اثنين من النوم(سنة ونوم) وكرّر (لا) مرتين (لا تأخذه سنة ولا نوم) وذكر اثنين في الملكية (السموات والأرض) وكرر (ما) مرتين وذكر اثنين من علمه في (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) وذكر اثنين مما وسعه الكرسي (وسع كرسيه السموات والأرض) وختم الآية باثنين من صفاته (العليّ العظيم). وقد ورد اسمين من أسماء الله الحسنى مرتين في القرآن: في سورة البقرة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ومرة في سورة (آل عمران) في الأية الثانية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) (لاحظ الرقم ٢). والعلي العظيم وردت مرتين أيضاً في القرآن مرة في سورة البقرة في آية الكرسيّ ومرة في سورة الشورى في الآية الرابعة. الوقفة كاملة
٢٧ آية (٢٥٩) : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) * دلالة (فَأَمَاتَهُ) هنا وإستخدام الضرب على السمع في الكهف (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١)) : أولاً أهل الكهف لم يموتوا وإنما ناموا ولذلك لا يصلح أن يقال: أماتهم. أما (أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) نلاحظ أنه إستعمل كلمة يحيي وكلمة الموت فناسب ذلك أن يقول (فأماته الله) لأنه تكلم عن موت وحياة. * قال (فَأَمَاتَهُ) ولم يقل (أحياه) لأن أحياه أي جعل فيه الروح، جعله حياً. أما بعثه أي جعله ينهض فالبعث فيه معنى الإنهاض، بعثه يعني الحياة جزء منه. الفعل بعث له معنيان متقاربان: المعنى الأول: أرسله والإرسال كأنه بعد تقييده كأنه كان عنده ثابت ثم أرسله لذلك يقولون أرسل السهم. ثم فيه معنى النهوض: يقول بعث الناقة لما تكون باركة أي أقامها وأنهضها بأن حلّ رباطها. هذان المعنيان متقاربان: بعثه أي أنهضه كاملاً مبصراً عاقلاً لأنه بعث بمعنى إستوى قائماً كما تستوي الناقة واقفة إذا بعثتها.. فلما ينهض هذا النائم الميت أي نهض بوعيه بعقله حتى يحاور حتى يقال له كم لبثت؟ ويجيب. ثم ختامها (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) لما عُرِّف قدرة الله سبحانه وتعالى ثم بدأ الحمار يتكوّن شيئاً فشيئاً فعند ذلك قال (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مسألة كان يعلمها لكنه متعجب أنها قرية ميتة كيف يبعثها الله تعالى؟ لكنها الآن أصبحت يقيناً. * الفرق بين ذكر التنوين وحذفه فى (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) الكهف) و (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) : فى الكهف سنين بدل وليس تمييز عدد ، لو أضفنا نقول مائة سنة لكن فى الكهف ليست مضافة، ثلاث مائة لم تضفها حتى تقول ثلاث مائة سنة،. (سنين) بدل لأن تمييز العدد له أحكام بعد المائة والألف يكون مفرد مضاف إليه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (١٤) العنكبوت) (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ (٢٥٩) البقرة) (ثَلَاثَ مِائَةٍ) نوّن لأن هذا أمر عجيب فنوّن، هذا تنوين التمكين لكن الغرض منه، لماذا لم يضف؟ لأن الأمر يدعو إلى العجب والتعجيب (ثَلَاثَ مِائَةٍ) أبهمت ويسمى الإيضاح بعد الإبهام. إذا قلنا (ثَلَاثَ مِائَةٍ) السامع لا يتوقع أو لا ينتظر منك شيئاً آخر لأنه لو أردت أن تضيف لأضفت بعد المائة، إذن انتهى السائل فإذا جئت بالبدل تكون أتيت بشيء جديد ما كان يتوقعه قالوا الإيضاح بعد الإبهام. * (وَلِنَجْعَلَكَ) على ماذا مععطوفة؟ لما نجد العطف على مقدر محذوف نفهم أن هناك أموراً أخرى لم يذكرها ، فعندما أحياه الله تعالى هل فقط ليجعله آية للناس؟ هنالك أمور أخرى لكن ذكر منها (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ)، * في قراءة عاصم (كَيْفَ نُنشِزُهَا) وفي قراءة ورش (كيف نَنشرها) فما الفرق في المعنى بين الكلمتين؟ نُنشزها هذه قراءة حفص أي نردها إلى أماكنها لأنه لما الحمار مات سقطت عظامه، فنُنشزها يعني نرفعها من مكانها ونضع كل واحدة في مكانها، أمّا نُنشرها يعني نحييها، من النشور (ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (٢٢) عبس) يعني أحياه. نَنشرها النشر ضد الطيّ كأنها كانت مجموعة نبسطها. الإثنتان فيهما إحياء لكن مراحل، العظام كانت مجتمعة ينشرها ويرفعها ويحييها. تدور الدلالة في فلك واحد حول الإحياء، لكن كل واحدة لها دلالة. الوقفة كاملة
٢٨ آية (٢٦٠) : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) *ما اللمسة البيانية في كلمة (وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) على لسان إبراهيم : إبراهيم عليه السلام في هذا الطلب كان يناجي ربه وربه يخاطبه إذن المسألة لا علاقة لها بقوة الإيمان لأن إيمانه لا شك فيه فمخاطبة الله عز وجل هي أعلى ما يمكن أن يكون من أسباب الإيمان، فلا يحتاج إلى دليل، الله سبحانه وتعالى يعلم أنه مؤمن، والتساؤل (أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى) هو لتقرير أمر للسامعين لأن السامع لما يسمع سؤال إبراهيم عليه السلام سيسأل : ألم يكن إبراهيم كامل الإيمان؟ إذن أثبت الإيمان لإبراهيم عليه السلام حتى لا يخطر في قلوبنا أنه طلب هذا الأمر ليثبت إيمانه. إذن ما موضع الإطمئنان هنا؟ علماؤنا يقولون أن إبراهيم عليه السلام كان يتطلع إلى أن يرى سر الصنعة الإلهية كيف تكون؟ والقلب نقول أنه غير مطمئن إذا كان يشغله شيء. (أَرِنِي) أريد أن أرى رؤية العين لأن إحياء الموتى لا يُرى فهو كان يتطلع إلى أن يرى هذا الشيء . والله تعالى لم يجبه لِماذا تريد أن ترى؟ فالأنبياء مقرّبون إلى الله سبحانه وتعالى هو يختارهم فلا يفاجئهم بردٍ يضربهم على أفواههم، ولذلك قيل له: خذ أربعة من الطير ويبدو أن الجبال التي حوله كانت أربعة (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي إحملهن إليك حتى تتعرف إليهن وترى أشكالهن وهي أيضاً تشم رائحتك وتتعرف من أنت. ما قال القرآن قطّعهن لأن هذا معلوم من كلمة (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا). إذن أربعة طيور قسمهن أربعة أقسام ومن كل طير وضع قسماً على جبل فاجتمعت. جميعاً بمجرد أن ناداها وجاءت إليه مسرعات (يَأْتِينَكَ سَعْيًا). في موقف شبيه في قصة العزير أراه مثالاً في نفسه هو. مسألة إحياء الموتى كانت تداعب أذهان وفكر الكثيرين من باب الإطلاع على الشيء ولمعرفته وليس للشك لأنه كان هناك يقين بأن الله تعالى يحيي الموتى وهذا هو الإيمان. * (من) في قوله (مِّنَ الطَّيْرِ) تدل على التبعيض وهذا يضيف معنى آخر وهو التعدد والاختلاف خلافاً لقولنا أربعة طيور التي لا تدل على تعدد أنواعها فقد تكون من صنف واحد وحتى لا يتوهم مشكك بأن بعض الأنواع أهون بالإحياء والبعث من بعض. * (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ) (ثم) تفيد الترتيب والتراخي والفاء تدل على التعقيب، (ثم) في الآية تفيد معنيين: - حتى يجعل لإبراهيم متسعاً في الحركة وينتقل من جبل إلى جبل فصعود أربعة جبال يحتاج وقتاً. - هذا أدل على قدرة الله لأنه بمرور الزمن اللحم قد يفسد وكلما كان أقرب للذبح سيكون أسرع في الحياة، لكن حتى يبين أنه حتى لو تأخر الوقت سيحصل الأمر وستأتيك الطيور مسرعة، بينما لو جاء بالفاء لم يفد هذين المعنيين. *(يَأْتِينَكَ سَعْيًا) : - السعي هو نوع من أنواع المشي لا من أنواع الطيران ولكن خصّ ربنا تعالى إجابة الطيور بالسعي لا بالطيران مع أن هذا مخالف لطبيعة الطير ليكون دليلاً وآية على عودة الحياة بعد موت والحياة التي رُدّت إليهن مخالفة لحياتهن السابقة ولذلك عجزن عن الطيران لأنه غير معهود بهذه الحياة الجديدة. - (سَعْيًا) لم يقل ساعيات مع أنها حال وهذا يفيد المبالغة فعندما تقول أقبل راكضاً، راكضاً يدل على الحدث وصاحب الحدث، أقبل ركضاً تحوّل الشخص إلى مصدر، هو صار ركضاً. ولذلك ما قال ساعيات اي ليس فيهن شيء يُثقلهن من المادة يتحولن من أقصى الهمود إلى حركة أي هنّ أصبحن سعياً. * دلالة ختام الآية (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وليس على كل شيء قدير: - أولاً سياق الآية قد يحسم الأمر لدى المتكلم حسب ما يريده على ماذا يريد أن يركز؟ فقبلها كان الكلام عن إبراهيم عليه السلام لما قال (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ألا يعلم الآن أن الله على كل شيء قدير؟ يعلم. واستدل بذلك على ما سبق من الآيات (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) إذن هو يعلم، (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) إذن هو يؤمن وإنما الآن يريد أمراً آخر. - الآيات جاءت في سياق النمرود لما قال (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) جاء بشخصين قتل واحد وأطلق الآخر، هو معتز بحكمه عزيز وحاكم لذا قال (وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ربنا هو العزيز الحكيم والخطاب في الآية موجه إلى إبراهيم عليه السلام . - جاء قبل هذه الآية (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) والطاغوت كل رأسٍ ظالم يعتز بحكمه ويخرج الناس بالبطش والإنكال والتنكيل من النور إلى الظلمات، فالسياق يقتضي (أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لا الطاغوت المتجبر ولا الظالم إنما الله. - يقول المفسرون أن الله تعالى إذا خرق الناموس والأسباب فلعزته وحكمة يريدها هو، والذي يفعل هكذا هو الحاكم والقادر والعزيز فالله تعالى لا يفعل ذلك إلا لحكمة يريدها ولعزّته سبحانه فأراد ربنا لا أن يبين قدرته لأن إبراهيم يعلمها لكنه أراد أن يبين عزّته وحكمته. الوقفة كاملة
٢٩ آية (١٦) : (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) * الفرق بين السبيل والصراط: الصراط هو الطريق المستقيم الواسع ولم يرد في القرآن إلا مفرداً لأنه يُراد به الإسلام (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (١٥٣) الأنعام) ، والصراط هو أوسع الطرق أياً كان (مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) الصافات) ويأتي الصراط دائماً موصوفاً ومضافاً يدل على أن هذا طريق الخير وذاك طريق الشر. وكما قال الزمخشري أصلها من سرط أي ابتلع لأنه يبتلع السالكين فيه. السبيل هو الطريق السهل السبيل عام وفيه معني السعة ، يأتي مفرداً ويأتي جمعاً (سبل) لأنها سهلة ميسرة للسير فيها، وتستخدم سبل للخير والشر (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ (١٦) المائدة) طرق الخير، (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) طرق الشر، والسبل هي الطرق المتفرعة عن الصراط لذلك تجمعه سبل الخير، سبل الشر. الوقفة كاملة
٣٠ آية (١١٢) : (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) * النداء (يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ ) : - النداء إذا كان من الأدنى إلى الأعلى لا يناديه بإسمه المجرّد والحواريون أدنى درجة من عيسى فلابد من وجود قدر من الاحترام والمجاملة. - ينادونه باسمه الكامل كأن في نفوسهم نوع من الشك، لِمَ لم يقولوا له يا رسول الله؟ هم قرروا معرفتهم به أنه إبن مريم وأن أمه ولدته من غير أب وأنه معجزة وآية من آيات الله، هم ليسوا منكرين تماماً ولم يكونوا مؤمنين إيماناً جازماً قاطعاً، ولكنهم ما قالوا هل يستطيع ربنا وإنما قالوا (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ولما قال عيسى (اتَّقُوا اللَّهَ) قالوا (قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ). * الإستطاعة في اللغة لها معنيان: بمعنى القدرة (هل يقدر؟) والإستطاعة بمعنى الفِعل (هل تفعل؟). نضرب مثالاً: تقول لشخص فقير:هل تستطيع شراء هذه السيارة؟ أي هل لديك القدرة على شرائها؟ وإذا كان غنياً: هل لديك الرغبة أن تفعل ؟. فلما قالوا: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) لا يعنون هل يقدر ربك وإنما هل يفعل ربك إذا دعوتَه؟. من أين فهمنا هذا المعنى؟ لماذا لا يكون شكاً في قدرته سبحانه وتعالى؟ - أولاً من كونهم آمنوا فهم مؤمنون. - الأمر الثاني من قراءة الكسائي (هل تستطيع ربَّكَ) (ربَّك) مفعول به لفعل محذوف تقديره تدعو، أي هل تقدر أن تدعو ربك؟. هذه قراءة سبعية قرأ بها جمهور كبير من العرب فهي قراءة متواترة تبيّن لنا معنى القراءات الأخرى. فلما نجمع بين القراءات: هل تفعل وتدعو ربك؟ وهل يستجيب لك؟ فالسؤال عن الإستجابة لدعاء عيسى عليه السلام وليس عن قدرة الباري عز وجل. * ما قالوا: ربنا وإنما قالوا (رَبُّكَ) أنت مع أنهم آمنوا به. هذا فيه فائدتان: - كأنما أوكلوا الأمر إليه أنه ربك فهذا الفعل أنت تقوم به. - نوع من رفعة شأن عيسى أنه ربك قبل أن يكون ربنا، فيه إشارة إلى تقديم عيسى عليه السلام. * (أن ينزّل) ليس للتدرج هنا وإنما فيه معنى التأكيد والتقوية فهم يريدون أن يؤكدوا التنزيل. * دلالة التعبير عن الطعام بالمائدة: المائدة هي ما يكون فيها طعام وإذا لم يكن فيها طعام يقال له خِوان مثل المنضدة فإذا وضعنا عليها الطعام تكون مائدة ولا تكون مائدة من غير طعام. فلما قالوا مائدة يعني يريدون طعاماً من السماء. الوقفة كاملة


إظهار النتائج من 21 إلى 30 من إجمالي 429 نتيجة.