قوله {ونسوا حظا مما ذكروا به} كرر
لأن الأولى في اليهود والثانية في حق النصارى والمعنى لم ينالو منه نصيبا وقيل معناه ونسوا نصيبا وقيل معناه تركوا بعض ما أمروا به.
مسألة: قوله تعالى: (يحرفون الكلم عن مواضعه) . وقال بعد ذلك: (من بعد مواضعه) ؟ .
جوابه: أن الأولى هنا وأية النساء ربما أريد بها التحريف الأول عند نزول التوراة ونحو تحريفهم في قولهم موضع (حطة) : حنطة، وشبه ذلك. فجاءت (عن) لذلك. والآية الثانية: تحريفهم في زمن النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتغييرهم عن المقول لهم في التوراة بغير معناه كأنه قال من بعد ما عملوا به واعتقدوه وتدينوا به كآية الرجم ونحوها، فـ (عن) لما قرب من الأمر، و (بعد) لما بعد.
قوله {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم} ثم كررها فقال {يا أهل الكتاب}
لأن الأولى نزلت في اليهود حين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم من التوراة والنصارى حين كتموا بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل وهو قوله {يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} ثم كرر فقال {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} فكرر {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم} أي شرائعكم فإنكم على ضلال لا يرضاه الله على {فترة من الرسل} على انقطاع منهم ودروس مما جاءوا به والله أعلم
قوله {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء} ثم كرر فقال {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} كرر لأن الأولى نزلت في النصارى حين قالوا {إن الله هو المسيح ابن مريم} فقال {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما} ليس فيهما معه شريك ولو كان عيسى إلها لاقتضى أن يكون معه شريكا ثم من يذب عن المسيح وأمه وعمن في الأرض جميعا إن أراد إهلاكهم فإنهم كلهم مخلوقون له وإن قدرته شاملة عليهم وعلى كل ما يريد بهم
والثانية نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا {نحن أبناء الله وأحباؤه} فقال {ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما} والأب لا يملك ابنه ولا يهلكه ولا يعذبه وأنتم مصيركم إليه فيعذب من يشاء منكم ويغفر لمن يشاء.
قوله {قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا} وفي المائدة {فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح} زاد في هذه السورة {لكم}
لأن ما في هذه السورة نزلت في قوم بأعيانهم وهو المخلفون وما في المائدة عام لقوله {أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا} .
مسألة: قوله تعالى: (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح) وقال في الفتح: (قل فمن يملك لكم من الله شيئا) بزيادة (لكم)
جوابه: أن هذه الآية عامة في المسيح وأمه ومن في الأرض جميعا، - فليس هنا مخاطب خاص. - آية الفتح في قوم مخصوصين وهم الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمرة الحديبية، فصرح لذلك بقوله: (لكم)
مسألة: قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا) . وفى موضع آخر: بالفاء. وقال هنا: (عاقبة المكذبين* وفى النمل (عاقبة المجرمين) .
جوابه: أن آية الأنعام ظاهرة في الأمر بالسير في بلاد المهلكين فناسب ثم المرتبة على السير المأمور به. وفى المواضع الأخر: الأمر بالنظر بعد السير المتقدم كقوله تعالى: (أولم يسيروا في الأرض) فناسب أن يأتي بالفاء كأنه قيل: قد ساروا فلينظروا، أو قد ساروا فنظروا عند سيرهم. ولما تقدم هنا قوله تعالى: (فقد كذبوا بالحق) ناسب قوله: (عاقبة المكذبين) ولم يتقدم مثله في النمل.
مسألة: قوله تعالى: (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن) وفى الأنعام والأنبياء (من ربهم) و (فسيأتيهم) و (فسوف يأتيهم) ؟ تقدم ذلك في الأنعام. وأيضا: فتقدم قوله تعالى هنا: (لعلك باخع نفسك) ناسب فسيأتيهم، أي: لا تقتل نفسك فسيأتيهم أنباء ذلك.
قوله {ألم يروا كم أهلكنا} في بعض المواضع بغير واو كما في هذه السورة وفي بعضها بالواو وفي بعضها بالفاء هذه الكلمة تأتي في القرآن على وجهين أحدهما متصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة فذكره بالألف والواو لتدل الألف على الاستفهام والواو على عطف جملة على جملة قبلها وكذا الفاء لكنها أشد اتصالا بما قبلها والوجه الثاني متصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال فاقتصر على الألف دون الواو والفاء لتجري مجرى الاستئناف ولا ينقض هذا الأصل قوله {أولم يروا إلى الطير} في النحل لاتصالها بقوله {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم} وسبيله الاعتبار بالاستدلال فبنى عليه {أولم يروا إلى الطير} .
مسألة: قوله تعالى: (أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها) الآية. وفى الأنعام: ((ألم يروا) بحذف الواو؟ .
جوابه: أن ذلك بالواو أشد إنكارا، فلما كان المرئي ثمة إهلاك من قبلهم وهو أمر غائب غير مشاهد، وكان المرئي هنا إحياء الأرض وإنبات أصناف النبات والشجر، وهو مرئي كل أوان مشاهد بالحس كان الإنكار بترك الاعتبار هنا أشد، فأتى بالواو الدالة على شدة الإنكار.