المبادرة، المبادرة! فإنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله تعالى! رحم الله امرأ نظر إلى نفسه، وبكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ هذه الآية: (إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) يعني: الأنفاس، آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك!.
لقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرًا فيكون جهرًا أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً).
دام خوفهم من ربهم فلم يفارق خوفه قلوبهم، إن نزلت بهم رغبة، خافوا أن يكون ذلك استدراجا من الله لهم، وإن نزلت بهم رهبة، خافوا أن يكون الله قد أمر بأخذهم لبعض ما سلف منهم
كان الحسن البصري إذا قرأ: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) قال: ابن آدم! هذه الدنيا إنما هي غدوة أو روحة، أما تصبر عن المعصية؟
' ويُحكى عن الحسن البصري رحمه الله أنه دخل داره، وإذا حلقة من أصدقائه، وقد استلوا سلالاً من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة، وهم مكبّون عليها يأكلون؛ فتهلّلت أسارير وجهه سروراً وضحك وقال: هكذا وجدناهم هكذا وجدناهم!! يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين '.