| ١١١ |
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً)
في الرحمة جاءت ب (إذا) التي تفيد التحقيق و الكثرة، وفي المصيبة جاء ب (إن) التي تفيد الشك والقلة ، وهذا ما يشاهده الإنسان في حياته ، فالنعم كثيرة ، والمصائب قليلة .(في المطبوع18/ 11443)
الوقفة كاملة
|
| ١١٢ |
برنامج لمسات بياينة
*ما اللمسة البيانية في الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ (85) القصص)؟ وما دلالة كلمة معاد؟ ولماذا لم يقل ميعاد؟(د.فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، الآية نزلت في الجحفة هي بشارة أنه سيعود إلى مكة فالمعاد هو من العوْد من عاد يعود والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
الوقفة كاملة
|
| ١١٣ |
قال تعالي في سورة الأنعام : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 161 ] .
وقال في سورة التوبة : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } [ التوبة : 36 ] .
سؤال: لماذا قال في آية الأنعام : { دِيناً قِيَماً } بكسر القاف , وفتح الياء .
وقال في آية التوبة : { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } بتشديد الياء كالسيد , وما الفرق بينهما ؟
الجواب : ( القيم ) بكسر القاف وفتح الياء مصدر كالصغر والكبر , ومعناه الاستقامة , وقد نعت به مبالغة , وأما ( القيّم ) فهو صفة مشبهة , أو مبالغة , ومعناه المستقيم , أي : المعتدل لا إفراط فيه , ولا تفريط .
وقيل : هو القيم علي سائر الكتب السماوية الأخري شاهدا بصحتها , وقيم علي مصالح العباد متكفل ببيانها لهم , وأنه كامل بنفسه مكمل لغيره .
والقيم السيد وسائس الأمر . وقيم القوم ؛ الذي يقومهم ويسوس امرهم .
ومن المعلوم أن النعت بالمصدر أبلغ من النعت بالوصف , وهو المناسب في سياقه ؛ ذلك أنه وصف الدين بالصراط المستقيم , وأنه ملة ابراهيم حنيفا , ثم أمره أن يقول : إن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين , فجعل كل شئ في حياته لله رب العالمين ,وأن محياه ومماته لله رب العالمين , وأنه لا شريك له وأنه رب كل شئ , فقد قال بعد هذه الآية : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [162] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [163] قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 162 – 164 ] فناسب هذه السعة الوصف بالمصدر .
ثم إنه وصفه بالاستقامة مرتين : مرة بالوصف , فقال : { إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } , ومرة بالمصدر , فقال : { دِيناً قِيَماً } , وذلك لتوكيد وصفه بالاستقامة , والمبالغة في ذلك , فناسب تكرار الوصف بالاستقامة الوصف بالمصدر .
بل إنه قيل : إن معاني ( الحنيف ) المستقيم , فيكون وصفه بالاستقامة ثلاث مرات في الآية : وهي قوله : ( إلي صراط مستقيم ) وقوله : ( حنيفا ) وقوله : ( دينا قيما ) . فناسب ذلك الوصف بالمصدر للمبالغة .
هذه علاوة علي الزيادة في التوكيد في قوله : ( إنني ) فجاء بنون
الوقاية مع ( إن ) , ولم يقل : ( إني ) , وذلك للزيادة في التوكيد .
وأما آية التوبة فقد ذكر فيها ما يتعلق بعدة الشهور , والأشهر الحرم , وحكم القتال فيهن . وذلك جزء مما ورد في سورة الأنعام الذي شمل الحياة كلها , والعبادة كلها .
فلما كان السياق في الأنعام أعم وصف بالمصدر . ولما كان ما في التوبة جزء من ذلك , وصف بالوصف وهو الصفة المشبهة .
هذا علاوة علي أن هناك قراءة متواترة أخري في آية الأنعام وهي ( دينا قيما ) بالصفة المشبهة علي وزن ( سيد ) .
فجمعت القراءتان النعت بالوصف وبالمصدر , كما جمعت الآية النعت بالوصف وبالمصدر في قوله : { إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ’ وقوله : ( حنيفا ) وقوله : ( دينا قيما ) .
وكما جمع السياق في الأنعام كل أمور الحياة والممات . فكان كل تعبير أنسب في سياقه .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 53)
الوقفة كاملة
|
| ١١٤ |
قال تعالي في سورة الأنعام : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ } [ الأنعام : 165 ] .
وقال في سورة فاطر : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ } [ فاطر : 39 ] .
سؤال : لماذا قال في سورة الأنعام : { خَلاَئِفَ الأَرْضِ } بالإضافة , وقال في فاطر : { خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ } بذكر ( في ) ؟
الجواب : قوله : { خَلاَئِفَ الأَرْضِ } بالاضافة أعم من قوله : { خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ } . فقولك مثلا : ( هو ملك بلاد الشام ) أعم من قولك : ( هو ملك بلاد الشام ) ؛ لأن هذا يحتمل أنه ملك في بعض بلاد الشام .
وقولك : ( هو ملك الأرض ) أعم من قولك : ( هو ملك في الأرض ) .
وقد ناسب العموم في قوله : { خَلاَئِفَ الأَرْضِ } في الأنعام العموم في السياق , فقد قال سبحانه : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [162] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [163] } [ الأنعام : 162 – 163 ] .
وهو أعم شئ في حياة الفرد :
1- فقد جعل كل شئ من عبادته وحياته ومماته لله رب العالمين .
2- ثم إن قوله : { رَبِّ الْعَالَمِينَ } عام يشمل جميع المخلوقات , فهو رب العالمين جميعا .
3- وكذلك قوله : { لاَ شَرِيكَ لَهُ } فنفي كل شريك له , فقد
استغرق نفي الشركاء علي العموم .
4- ثم قال بعدها : { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 164 ] .
5- فقد ذكر أنه رب كل شئ فليس ثمة شئ إلا هو ربه , فناسب العموم العموم .
وليس السياق كذلك في فاطر , فقد قال : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } [ فاطر : 39 ] فقال : { فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } بالإفراد .
وليس السياق فيها بمثل ذلك العموم . فناسب كل تعبير مكانه .
جاء في ( ملاك التأويل ) : " قد تقدم قبل آية الأنعام قوله سبحانه لنبيه عليه السلام : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الأنعام : 161 ] واستمر الخطاب له معربا عن حاله , وواضح طريقه إلي قوله : { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 164 ] فعم ما سواه سبحانه بالدخول تحت ملكه وقهره , فناسب هذا ما ذكر من إنعامه علي عباده بجعلهم خلائف الأرض . ولو كان بحرف الوعاء لم يكن ليفهم التوسعة في الاستيلاء والاطلاق إلا بضميم يحرز ذلك ؛ لأن قوله : { فِي الْأَرْضِ } إنما يفهم أنها موضع استخلافهم , وهل كلها أو بعضها ؟ ذلك محتمل " .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 55)
الوقفة كاملة
|
| ١١٥ |
استعمل ( القميص ) ثلاث مرات , كل مرة في دلالة :
1- فقد استعمل بينة مزورة للدلالة علي هلاكه واكل الذئب إياه , وذلك في قوله سبحانه : { وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } [ يوسف : 18 ] .
2- واستعمل بينة صحيحة للوصول إلي الحكم وبراءة يوسف , وذلك في قوله تعالي : { إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ [26] وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ [27] فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [28]} [ يوسف : 26 – 28 ] .
3- واستعمل بينة صحيحة للدلالة علي نجاة يوسف , وأنه لا يزال حيا , وبشري لوالده وسببا لرد بصره . وهو بينة صحيحة بقرينة الرائحة , وقرينة الرائحة تستعمل الآن في القضاء .
فقد استعمل بداية لحزن يعقوب عندما جاؤوا بقميصه , وأخبروه أن الذئب قد أكله , واستعمل نهاية لحزنه عندما جاء البشير , وألقاه علي وجهه , واستعمل للدلالة علي أنه لا يزال حيا .
واستعمل القميص لثلاث مراحل من حياته :
1- المرحلة الأولي : رميه في الجب , وصيرورته مملوكا بعد أن كان حرا , والفرقة بينه وبين أهله .
2- المرحلة الوسطي : سجنه وفقدان الحرية , والفرقة بينه وبين العزيز متولي أمره .
3- المرحلة الثالثة : في جمع شمله بأهله وسعادتهم اجمعين .
الموافقات في القصة :
1- القمصان ثلاثة .
2- الرؤي ثلاث : رؤيا يوسف , ورؤيا صاحبي السجن , ورؤيا الملك .
3- الرحلات إليه للامتيار من قبل إخزته ثلاث :
أ- عندما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون .
ب- الرحلة التي جاؤوا فيها بأخيهم , وفقد صواع الملك .
ت- الرحلة التي قالوا فيها : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } , وقال لهم : { هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } .
(أسئلة بيانية في القرآن الكريم
الجزء الثاني
ص : 70)
الوقفة كاملة
|
| ١١٦ |
برنامج لمسات بيانية
*(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) النور) ما الفرق بين اللعنة والغضب؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) و(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ(9)).
اللعنة في اللغة هي الطرد والإبعاد، إبليس لعنه أي طرده من رحمة الله. مقتضى شهادة الزوج لما يرمي زوجه إذا نفذت ستكون النتيجة أنها تقتل وترجم وتُبعد من الحياة، الزوج إذا رمى زوجته بالزنا سترجم إذن ستطرد من الحياة، تُبعد من الحياة، فهو إذن كما أبعدها من الحياة يستحق اللعنة إذا كان كذاباً يستحق الطرد والإبعاد من رحمة الله واللعنة إن كان كاذباً هذا جزاؤه كما طردها يُطرد وكما أبعدها يُبعد. أما بالنسبة للزوجة فلو فعلت ذلك فهي فعلت فاحشة كبيرة فتستحق غضب الله كأي فاعل فاحشة لأن الزوج لا يناله شيء، شهادتها تنجيها من الحدّ لكنها لو فعلت فعليها غضب الله كأي واحد يفعل فاحشة عليه غضب الله. الزوج يرمي زوجه بالزنا دون شهداء فيحتكم إلى اليمين فلو فعل ذلك مقتضى هذه الشهادة أنها ستُرجم فإن كان كاذباً يستحق لعنة الله تبارك وتعالى والطرد من رحمة الله تعالى كما فعل بها أما هي فتستحق الغضب لأنه لا يترتب على الزوج شيء.
حتى نلاحظ وراءها قال (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) النور) لعنوا هذه جزاؤها كبير الذين يرمون المحصنات.
* لم لم يتحدث عن رمي الرجال؟
الزاني المحصن إذا شهدوا عليه له أيضاً. المحصنة والمحصن نفس الحكم يجري على الإثنين.
* لكن ربما نزول الآيات في حديث الإفك كان خاصاً بالسيدة عائشة عليها رضوان الله.
*ما سبب الاختلاف في حركة كلمة الخامسة في آيتي سورة النور (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) و (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9))؟ (د.فاضل السامرائى)
الأولى مرفوعة لأنه قال تعالى (فشهادةُ أحدهم أربعُ شهادات) مبتدأ وخبر والخامسةُ معطوفة على أربع. وفي الثانية قال تعالى (أن تشهد أربعَ شهادات) (أربعَ: مفعول به) والخامسةَ معطوفة عليها.
الوقفة كاملة
|
| ١١٧ |
برنامج لمسات بيانية
آية (12):
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12))
فكرة عامة عن هذه الآية:
يقولون أصول الإيمان ثلاثة التوحيد والرسالة والحشر.
* يعني نؤمن بالله وملائكته واليوم الآخر؟
والباقي كله يدخل في هؤلاء الثلاثة، لما ذكر الرسالة يذكر الكتب.
* الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؟
لذلك قالوا الأصول ثلاثة التوحيد والرسالة والحشر. هذه الآيات التي ذكرناها في يس تجمع هذه الأصول: ذكر التوحيد في قوله تعالى (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)) وذكر الرسالة (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)) وذكر الحشر (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى (12)) إذن إلى هنا جمعت الآيات كل أصول الإيمان. ثم ارتباط هذه الآية بما قبلها واضح قال (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) قبل (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) عاقبة الإنذار والتبشير بعد إحياء الموتى. متى يحصل هذا؟ عاقبة الإنذار والتبشير؟ بعد الإحياء، عندما يحيي الموتى. عندما ذكر (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) قال (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) قال بعدها (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) فيتضح الإنذار والبشارة.
* الإنذار في الدنيا؟
وعاقبته؟
* البشارة في الآخرة!
وعاقبة الإنذار؟ في الآخرة أيضاً عاقبته إذا لم تفعل فلك النار لك جهنم. الأمران، عاقبة الأمرين ستكون في الحياة بعد الموت الإنذار والتبشير، ولذلك عندما قال (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) قال بعدها (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) كله سيحصل والعاقبة والنتيجة التي سترونها ستحصل للجميع بعد أن يحيي الموتى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ).
لو لاحظنا أنه (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) توكيد بـ (إن) وضمير الفصل (نحن)، أصلها نحن نحيي الموتى (إنّ) للتأكيد ثم جاء بضمير الفصل (نحن) لإفادة القصر والتوكيد. من يحيي الموتى حصراً؟ الله تعالى لا يشاركه في ذلك أحد.
* ألا تكون (إنّ) بمعنى (نحن)؟
(نحن) هذا يسموه ضمير الفصل له أغراض من جملتها القصر فإذن الآن أفاد التوكيد والقصر.
* في موطن آخر قال (وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) الحجر) ؟
هذا السياق. ذكرنا (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) أكد بـ إنّ وجاء بضمير الفصل (إنا نحن) وقلنا هذا التوكيد لغرض الاهتمام والقصر يعني ربنا فقط هو الذي يحيي ويميت دون غيره فأكد ذلك وجاء بضمير الفصل للدلالة على الحصر يعني لا يفعل ذلك إلا الله. أما السؤال الذي تفضلت به هو في سورة الحجر قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)) أكّد، في يس قال (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) وهنا قال (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ). لو لاحظنا في الحجر التي فيها التوكيد أكثر مما في آية يس نلاحظ في السياق نفسه ذكر من مظاهر قدرته وفصّل فيها ما لم يذكره في سورة يس. ولا شك أن إحياء الموتى من مظاهر القدرة ففصّل فيها، قال في سياق سورة الحجر (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)) فصّل في سياق سورة الحجر من مظاهر القدرة ما لم يفصّل في يس. أصلاً لم يذكر هذا الشيء في يس، فناسب الإيجاز الإيجاز والتفصيل التفصيل
* من حيث حالة العامة؟
من حيث الحالة العامة فصّل ففصّل قال (إنا لنحن) فيها توكيد فهي مناسبة للسياق. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ايضاً فصّل في ذكر الحشر في الحجر ما لم يذكره في يس. قال في الحجر (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)) في يس لم يقل إلا (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) فقط هذا في الحشر أما (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) هذا في الدنيا. بينما في الحجر فصّل فقال (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)) فمن ناحية أخرى ناسب التأكيد في آية الحجر، يعني مناسب للمقام والسياق.
* هل مسألة إحياء الموتى تحتاج إلى كل هذه التأكيدات؟ (إنّا) تأكيد و(نحن) فيها تأكيد لتقديمها و(إنا لنحن) كل هذه تأكيدات لإثبات فكرة نحيي الموتى وجاءت في موضع في القرآن الكريم؟
كثير من الناس ينكرون إحياء الموتى. هنالك قسم يؤمن بالله وينكر الحشر وهم كفار قريش (قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ (32) الجاثية) (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) ق) وهم مؤمنون بالله، (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت) إذن هذه المسألة تحتاج لأن ينكرها الكثير حتى أحياناً قسم من الذين يؤمنون بالله يرون مظاهر خلقه من إنزال السماء وقدرته لكن ينكرون إحياء الموتى فتحتاج إلى توكيد.
* (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى) أو (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) هذه اللام تعطي من التوكيد بما لا يعطي في النفس مجال للشك؟
زيادة في التأكيد.
* في قوله (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) ما معنى (وآثارهم)؟
نكتب ما قدموا من الأعمال الصالحة أو غير الصالحة هذه (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا)، تبقى الآثار والآثار ما أبقوه بعدهم من أعمال البر أو الإساءة. إذا انقطع العمل آثاره تبقى يعني الإنسان قد يعمل في حياته أعمالاً فيها فائدة للمسلمين يبقى بعده كتأليف كتاب أو بناء مسجد أو مدرسة تعلم الناس أو من أعمال البر أو سنّ أيّ سنة حسنة هذه تبقى له وتكتب له في صحيفة الأعمال حيث انتفع بها الناس وإلى متى انتفعوا. وبالعكس قد يعمل عمل فيه إضرار بالمسلمين مثل مظلمة أو ابتداع بدعة سيئة أو نشر أفكار ضارة بالمسلمين أو معادية للإسلام أو معصية إلى غير ذلك من أعمال السوء هذه تكتب عليه أوزار بقدر ما أحدثت من أضرار وبقدر ما تُحدث من أضرار تدون له وهو في قبره، وذاك وهو في قبره تدون له آثار أعمال الخير والبر وهذا تدون عليه الأوزار كما قال صلى الله عليه وسلم: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
* في قوله تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) توسط الكتابة أو موقع الكتابة هنا هل له غرض مقصود؟
هو قدّم إحياء الموتى على الكتابة مع أن إحياء الموتى متأخر عن الكتابة.
* في خارج القرآن نتصور نكتب ثم نحيي الموتى وليس العكس لأن الكتابة تأتي مع الحياة وليس بعدها؟
طبعاً من ناحية النحو الواو لا تفيد ترتيباً ولا تعقيباً، حضر فلان وخرج فلان، ليس فيها شيء. ثم التقديم والتأخير لا يقوم على السبق في الزمن دائماً أو على الأفضل ولذلك لاحظ أحياناً يقدم المتأخر (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) الحاقة) ثمود بعد عاد، مرة يقدم السجود على الركوع (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (42) آل عمران) ومرة يقدم الركوع على السجود. مرة يقدم الموت على الحياة (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك) ومرة يقدم الحياة على الموت. وأحياناً حتى في الأشخاص يقدم المتقدم في الزمن وأحياناً يؤخر الزمن. (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) النساء)
* هل لهذا غرض بلاغي ؟
هو كما ذكرنا في أكثر من مناسبة هو السياق. يعني أحياناً يأتي ما يقتضي التقديم من الأسبق في الرتبة أو الأفضل أو بالعكس الكثرة (فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2) التغابن)، السياق هو الذي يقدم ما دام الواو لا تفيد التعقيب ولا تفيد الترتيب وطالما لا تفيد الترتيب إذن التقديم والتأخير سيكون بحسب ما يقتضيه السياق. وأنا أذكر في الحلقة السابقة ذكرنا (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (32) فاطر) (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) هذا الأمر يتعلق بالمقام بالسياق قد يكون حسب السبق في الزمن وقد يكون حسب الرتبة
* واضح مما تفضلت به من أمثلة أنه لا يعري الزمن اهتماماً ولا يعري الترتيب اهتماماً ولا التصور المنطقي أيضاً لا يعطيه اهتماماً (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) يقول نكتب ونحيي؟!. هذا أمر بلاغي.
* ولا التصور البلاغي لا يعطيه أيضاً اهتماماً لماذا لم يقل نكتب ونحيي؟
الكتابة الغرض منها لما بعد الموت أو في الحياة؟ لما بعد الموت هي المهم إذن قدّم الأهم، الكتابة لا قيمة لها إلا إذا كان هنالك حياة للموتى، وإلا ما قيمة الكتابة؟ لماذا يكتب؟
* بعد البعث لا شيء!
إذن هو قدم الأهم فعلاً لأن الغرض الأول الكتابة هو لما بعد الموت.
* إذن فالموت هو الأهم!
إذن نحيي الموتى هي أهمّ والثانية تابعة لها فإذن أيّ الأهم في الواقع؟ إحياء الموتى. ثم إحياء الموتى مناسب لما ذكره من قبل من التبشير والإنذار (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)) و (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)) هذا كله يكون في الحياة بعد الموت، إذن هو مناسب لما قبله. إذن هو رتبها بحسب الأهمية، أهمّ شيء في المذكورات هو الحياة بعد الموت، ثم كتابة الأعمال، ثم الآثار لأن الآثار هي من أثر الأعمال كتابة الآثار. إذن أهمّ شيء هو الحياة بعد الموت ثم كتابة الأعمال لأنها لها ثم إحصاء الآثار. هناك أمر آخر وهو قدّم الأهمّ من ناحية أخرى ليس فقط لهذا الترتيب وإنما قدّم ما لا يستطيع فعله إلا الله، الكتابة يمكن أن يفعلها المخلوقون الملائكة مثلاً يفعلونها من حيث الفعل في حد ذاته، الكتابة يفعلها البشر لكن إحياء الموتى لا يستطيع أن يفعلها فقدم من ناحية أخرى ما لا يستطيع فعله إلا الله وهو الإحياء ولذلك جاء في الأسلوب المؤكد (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) لكن ما قال "وإنا نحن نكتب" وإنما قال (ونكتب) لأنها دونها في التوكيد.
* لماذا أكدّ هنا ولم يؤكد نكتب مع أن الكتابة حادثة بالفعل وعليها المعوّل في الحساب؟
ولكنها ليست بمنزلة إحياء الموتى، قدّم ما يفعله الله على ما يفعله غيره لأن الكتابة فعل الملائكة وقد قال تعالى (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف) (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) إذن التقديم من كل ناحية.
* إذن لا يباشر هذا العمل إلا الله سبحانه وتعالى، وإن كانت الملائكة تكتب فبأمر من الله هم يكتبون أما إحياء الموتى فلله والملائكة لا تحيي؟
طبعاً بلا شك. إذن من كل ناحية إذا كان الغرض الأول فإحياء الموتى هو الغرض الأول والكتابة بعدها لأنه لا قيمة لها إن لم يكن هناك إحياء موتى. وإذا كان من حيث الأهمية فإحياء الموتى أولاً ثم الكتابة ثم الآثار لأنها بعد العمل. وإذا كان من حيث ما يفعله الله فلا شك أن هذا دونه.
* هم ينكروا اصلاً إحياء الموتى فربما قُدمت لهذا الغرض أيضاً؟
ممكن، أصلاً السورة مبنية والجو فيها في الحياة بعد الموت. سورة يس ليس فيها ذكر الكتابة بقدر ما فيها ذكر إحياء الموتى، يشيع فيها ذكر إحياء الموتى عموماً (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)) هذا يكون بعد الإحياء، (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)) (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)) الوعد الحشر (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)) (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)) ثم يذكر مشهداً من مشاهد الحياة الآخرة في الجنة وفي النار (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)) (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63)) وآخر السورة (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)) أصلاً السورة يشيع فيها هذا الطابع العام فالتقديم مناسب للطابع العام.
* معذرة إسمح لي إذا جاءت فرضاً تقديم الكتابة على إحياء الموتى سنذهب ونلتمس أيضاً ما تفضلت به أن الكتابة عمل فقدمت الكتابة على إحياء الموتى لأن الكتابة كذا وعليها حساب العباد وفيها جنة ونار وسنلتمس ما تفضلت به!.
لكن لو أثار لك سؤالاً واحداً وقال لك ما الغرض من الكتابة؟ لماذا تكتب؟ ماذا ستقول؟
* للحساب!
إذن الكتابة ليست لذاتها. أيُّها الأهم لما أُعدّت له أو لها هي؟ هذا سؤال للمناقشة؟
* هي متعلقة على شيء آخر؟
إذن هي لذلك الغرض فستكون الأهمية لها.
* لا يقول قائل مثلاً بأنكم كعلماء تنظرون في بيان القرآن الكريم أنكم تأوّلون بحسب ما جاء في آي القرآن الكريم وإذا جاء بأسلوب آخر أيضاً ستقولوا نفس الكلام؟
هو هذا فعلاً كنت أنا أشاهده وأحسه في قسم من التعليلات. وكنت أقول لو قيل على نمط آخر وقد ذكرته في بداية كتاب التعبير القرآني ثم قلت ننظر ونبحث ونثير سؤالاً آخر ونرى ماذا سيحصل ولاحظت -ولا أقول أني عرفت الأساليب القرآنية - هنالك أمور أحياناً نراها كالقانون الرياضي أحياناً يعني تأخذ نمطاً دقيقاً بحيث لو أقول نفعل هذا؟ تقول لا. حتى أني كنت أقول لطلابي في الدراسات العليا أحياناً كنت أثير مسألة وأقول لهم هذه العبارة مثلاً لو بدلنا العبارة بهذا أو وضعنا ما ختمت به هذه الاية مكان هذه ماذا تقولون؟ ثم نبدأ ندرسها من الناحية اللغوية ثم نقول الآن نغير؟ فيقولون لا، كيف نغير؟ لا يصح. أنا لا أقول أن كل التعليلات التي قال بها العلماء ضروري أن يعتقد بها الشخص ويقتنع بها ربما يكون لا يقتنع بها لكن في المناقشة والنظر فيها يغير كثيراً من هذه النظرة.
* أفهم من كلامك أننا لا نستطيع أن نحكم على دلالة كلمة خارج السياق، الكلمة خارج السياق لا تفي بشيء والآية داخل منظومة الآيات تعطي مسرحاً للأحداث ومسرحة الأحداث من خلالها نستنبط الحكم وليس مجرد النظر في آية أو في معنى كلمة؟ لا.
* في قوله تبارك وتعالى (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) لماذا جاءت نكتب وليس نعلم مثلاً والله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء؟ فلماذا جاءت (نكتب) تحديداً؟
لغرض الاهتمام حتى توثيقها وإطلاع صاحبها عليها (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49) الكهف) يجب أن يقرأ شيئاً لتوثيقها أما العلم فهو أمر آخر (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف) إذن الكتابة الآن هي المهمة هي تتناسب مع إحياء الموتى وإطلاع صاحبها عليها، إذن يعلم ونعلم ولكن هذا توثيق فيها.
* هل الناس تحتاج لمثل هذا التوثيق من قِبل الله عز وجل؟ سبحانه عنده علم الأشياء؟
كيف لا يحتاجون؟ إقامة الحجة عليه لا له، إقامة الحجة على الشخص وليس له، يقال له أنت فعلت كذا انظر في هذه الصحيفة ماذا ترى فيها؟
* إذا جاء الله تعالى وقال هؤلاء بعث النار وهؤلاء في الجنة وتنتهي القضية على هذا الشكل؟
لكن هذا هل يراه الشخص من العدل أم يطلعه على ما فعل؟ ولذلك هو يقول : إن أهل النار يقضى بهم إلى النار وحمده في قلوبهم لأنهم علموا أنه لم يظلمهم وأنه أعطى لهم الفرصة الكافية ليرعووا وأعطاهم كل الأشياء التي كان يمكن فيها أن يرعووا ويكونوا من أصحاب النعيم. إذن إن أهل النار يُقضى بهم إلى النار وإن حمده لفي نفوسهم وفي قلوبهم.
* يقيم الحجة الكاملة؟
فيقول يقول أنا استحق هذا، هذا ما عملته.
* وبالتالي قال ربنا (ونكتب) وليس ونعلم. الموقف موقف حساب. ما زالت هذه النقطة مستمرة سيدي ، الكتابة ألا تفي بالغرض فلماذا ذكر بعدها الإحصاء (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ)؟ هو ذكر الكتابة وهي جزء من الإحصاء؟
لا، أحياناً يكتب ويضيع لكن الإحصاء هو الجمع والحفظ، يجمعها ويحفظها لكن أحياناً تكتب ورقة ويتركها كنا في السابق نكتب ما نكتب ونرمي. أما الإحصاء حفظها وجمعها حتى تكون جاهزة لمن يحاسبه رب العالمين.
* يعني لو ذكر الكتابة فقط يُتوهم معه أنه تضيع الكتابة وذكر الإحصاء قيّد المكتوب.
حفظها وجمعها في موضع واحد ووضعها سابقاً في الإمام المبين
* لماذا أحصيناه تحديداً بصيغة الماضي؟
لأنها أسبق من الكتابة (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا) والناس أحياء (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) هذا قبل أن يخلق الخلق، في اللوح المحفوظ. أحصيناه فعل ماضي هي مكتوبة في اللوح المحفوظ، ربنا سجّل كل شيء.
* إذن نحن مسيّرون طالما أنه سجل الأشياء علينا
لكن لم يجبرك عليها، هذا علمه (فِي إِمَامٍ مُبِينٍ).
* ولهذا هل الإحصاء في إمام؟ أو نكتب في إمام؟
لا، نكتب، (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) ق) هذه صحيفة الأعمال.
* كأن الكتابة من الملكين والإحصاء عند الله سبحانه وتعالى؟
(وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف) لديهم، هم يكتبون وربنا يحفظها.
* لماذا (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) نصب (كل) وليس بالرفع كما قال (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر) فلماذا النصب؟
هذا النصب نسميه اشتغال، هذا اصطلاح نحوي "التنازع والاشتغال". هو المعنى بنصب (كل) عند النحاة بمعنى أحصينا كل شيء، التقدير عند النحاة أحصينا كل شيء أحصيناه،
* خارج القرآن ما أصل (كلَّ شيء أحصيناه)؟
(كلَّ) مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور يعني أحصينا كل شيء في إمام مبين. إذن (وكل شيء أحصيناه) معناه أحصينا كلَّ شيء في إمام مبين، هذا معناها. الرفع يحتمل معنيين.
* علمتنا أن الرفع أقوى من النصب؟
الأصل هذا واضح، دلالة قطعية مفعول به لفعل محذوف أحصينا كلَّ شيء في إمام مبين، هذا النصب دلالة قطعية. الآن لو قال قائل و(كلُ شيء أحصيناه في إمام مبين) ما دلالة هذا التعبير؟ ما دلالته؟ وأين المبتدأ والخبر؟ (في إمام) أو أحصيناه؟
(في إمام) و(أحصيناه) يحتمل وسيتغير المعنى. أحد أمرين إما أن يكون (كلُّ) مبتدأ وأحصيناه خبر فيكون مثل المعنى الأول، (كلُ شيء أحصيناه في إمام) هذا معنى. والمعنى الآخر أن جملة (أحصيناه) نعت لـ (كل) والخبر (في إمام) يعني كلُ شيء أحصيناه موجود في إمام. إذن (في إمام) خبر، لكن ما هو المعنى، كلُ شيء أحصيناه يعني الأفعال قسمان قسم أحصاه وقسم لم يحصه.
* في قوله (كلُ شيء أحصيناه) فيها دلالة أن هنالك قسم لم يُحصى؟
قسم لم يُحصى، الذي أحصاه في إمام والذي لم يُحصى؟ ولذلك جاء بالدلالة القطعية التي لا تحتمل هذا الشيء.
* أنه ما ترك شيئاً إلا أحصاه؟
أنت ذكرت (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر) لا يمكن أن يقول (كلّ شيء) يعني وفعلوا كلَ شيء في الزبر؟ ماذا فعلوا في الزبر؟
* مع أن كل شيء فعلوه في الزبر مكتوب في الزبر، موجود؟
ولذلك لا يمكن النصب هنا، النصب هنا يوهِم أن كل شيء فعلوه في الزبر، ماذا فعلوا في الزبر؟ لاحظ مثلها (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) ما قال (كلُ) لو قال كلُ يعني هناك أجزاء مخلوقة وأجزاء غير مخلوقة، الذي خلقناه بقدر والذي خلقه غيرنا؟ تؤدي إلى أن هناك خالق آخر!.
* حتى قطع احتمالية ورود فهم ثاني إلى الذهن!
لا يمكن، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) يعني خلقنا كلَّ شيء، بينما إنا كلُ شيء خلقناه فيها احتمالين إنا كلُ شيء خلقناه بقدر والذي خلقه غيرنا .
* الرفع هنا يوهم أنه خلق وغيره خلق تعالى الله عن ذلك، توحي بمعنى الشرك والعياذ بالله، فبالنصب هنا تحدد دلالة قطعية واحدة؟ طبعاً.
* قلت هنا اشتغال، ما معنى اشتغال؟ وأين نجده في هذه الآية الكريمة (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12))؟
(أحصى) فعل متعدي يأخذ مفعولاً به، أحصيناه أخذ المفعول به (الضمير) إذن هو اشتغل بنصب الضمير
* اشتغل بالضمير عن نصب المفعول السابق؟
لو لم يكن هناك ضمير ما نسميه اشتغال. مثلاً (محمداً أكرمتُ) ليس فيها اشتغال وإنما مفعول به مقدّم مثل (وربك فكبر)، مثل (إياك نعبد) لكن إذا قلت (محمداً أكرمته) صار اشتغال لأن الفعل اشتغل بنصب الضمير، هذا يحتاج إلى فعل، اشتغل عن نصبه بنصب ضميره.
* في سورة يس (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) الإمام المبين كما قال الدكتور هو اللوح المحفوظ في يوم القيامة، لكن الإمامة هي منصب منصب دنيوي الله تعالى يقول لإبراهيم (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) وكأن الإمامة منصب دنيوي يخص الله تعالى به من يشاء من عباده فكيف تفسير الدكتور للإمام المبين بأنه اللوح المحفوظ؟
الإمام في اللغة قد تأتي بمعنى الطريق قال تعالى (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79) الحجر) والإمام هو الكتاب، له أكثر من دلالة وليس له دلالة واحدة في اللغة ويكفي الرجوع إلى أمهات اللغة لمعرفة معاني الإمام. وكلمة إمام يتحدد معناها داخل السياق.
* في سورة يس كلمة مبين وردت سبع مرات كثيرة وكل مرة تأتي بمعنى مختلف فلماذا وجودها 7 مرات ودلالة اختلاف معانيها؟(د.فاضل السامرائى)
مبين معناها ظاهر واضح ومُظهِر لنفسه (مبين أبان) وهذه تصلح أن تكون صفة لأشياء متعددة مختلفة: بلاغ مبين، سحر مبين، عدو مبين، ضلال مبين، ظاهر العداوة والدلالة، عدو مبين عن نفسه، ظاهر ومظهِر لنفسه، كتاب مبين، نذير مبين، يمكن أن يكون صفات لأشياء عديدة، فوز مبين مثل عظيم فوز عظيم، عذاب عظيم، قرآن عظيم هي صفة بحسب الموصوف وهنالك أشياء كثيرة يمكن أن توصف بمبين أو عظيم أو كبير.
الوقفة كاملة
|
| ١١٨ |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٩﴾ [المجادلة: 9]
* * *
خاطب المؤمنين أنهم إذا تناجوا في خلواتهم فلا يتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول كما يفعل المنافقون، و(بدأ بالإثم لعمومه ، ثم بالعدوان لعظمته في النفوس ؛ إذ هي ظلامات العباد ، ثم ترقى إلى ما هو أعظم وهو معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذا طعن على المنافقين إذ كان تناجيهم في ذلك)).
وجاء في (التفسير الكبير): ((﴿فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ﴾ وهو ما يقبح مما يخصهم ،﴿وَٱلۡعُدۡوَٰنِ﴾ وهو يؤدي إلى ظلم الغير ،﴿وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ﴾ وهو ما يكون خلافًا عليه.
وأمرهم أن يتناجوا بالبر الذي يضاد العدوان ، وبالتقوى ، وهو ما يتقى به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي)).
ومن الملاحظ في التعبير القرآني أنه لم يستعمل (المعصية) إلا في معصية الرسول، واستعمل (العصيان) عامًا ، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ٧﴾ [الحجرات: 7]
فاستعمل في الآية:﴿ٱلۡفُسُوق﴾ ولم يستعمل: (الفسق) ذلك أن الفسوق استعمله القرآن لما هو أعم من الفسق.
فإن (الفسق) استعمله القرآن في سياق الأطعمة، وبخاصة الذبائح.
أما (الفسوق) فاستعمله في الخروج عن طاعة الله عامة.
فاستعمل (الفسوق) وهو عام مع (العصيان) وهو عام.
ونظير ذلك في الخاص والعم: المغفرة والغفران ، والمرضاة والرضوان ، وغيرهما.
﴿وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾.
البر يقابل الإثم والعدوان، فهو جماع للخير ما كان للنفس وما كان للغير ، كما قال تعالى: ﴿۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ١٧٧﴾ [البقرة: 177]
﴿وَٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾: ((حفظ النفس عما يؤثم وذلك بترك المحظور)).
ومن ذلك اتقاء معصية الرسول ، فاتقاء معصية الرسول إنما هو من التقوى. جاء في (تفسير البيضاوي): (( وتناجوا بالبر والتقوى بما يتضمن خير المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول)).
لقد طلب ربنا هاهنا التناجي بالبر والتقوى ، والنهي عن التناجي بالإثم والعدوان ، وطلب في موضع آخر التعاون على البر والتقوى ، والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان ، قال تعالى:﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ٢﴾ [المائدة: 2]
والتناجي قول، والتعاون عمل.
فجمع الخير كله في الأمر والنهي في القول والعمل.
وقد ذكر في آية المجادلة التناجي.
وذكر في سورة المائدة التعاون.
لأن السياق في المجادلة إنما هو في التناجي والنجوى.
وأما السياق في المائدة ففي الاعمال من الأمر بالوفاء بالعقود وما أحله الله لهم من الأنعام وفي ابتغاء الفضل من الله والرضوان ونحو ذلك .
فناسب الأمر بالتعاون على الخير ، والنهي عن التعاون على السوء.
فناسب كل تعبير سياقه الذي ورد فيه.
﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾.
((فيما تأتون وتذرون)).
لقد أمر ربنا في الآية الكريمة بالتناجي بالبر والتقوى، ثم قال:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ ، فإن الأمر بالتناجي بالتقوى إنما ذلك بالقول.
وقوله:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ يعني: الأمر بالتقوى في العمل والقول، فجمع في ذلك طلب التقوى في القول والعمل. جاء في (نظم الدرر): (( ولكا كانت التقوى أم المحاسن أكدها ونبه عليها بقوله:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ أي: اقصدوا قصدًا يتبعه العمل أن تجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية)).
﴿ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾.
أي: تحشرون إليه خاصة لا إلى غيره ((أي: تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره، وهو يوم القيامة)) ((فيجازيكم على ذلك)).
وقدم الجار والمجرور (إليه) على الفعل (تحشرون) لإفادة الحصر.
قد تقول: لقد قال في هذه الآية ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾.
فذكر الحشر إليه.
وقال في آية المائدة:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ فوصفه بأنه شديد العقاب.
فلم ذاك؟
والجواب أن ما ذكره في المائدة من المحظورات أكثر وأشد مما ذكره في المجادلة.
فقد نهى في المجادلة عن التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول.
وأما في المائدة فقد نهى عن التعاون على الإثم والعدوان.
والتعاون على الإثم والعدوان أشد من التناجي في ذلك، فإن التناجي إنما هو قول، وأما التعاون فهو فعل للإثم والعدوان والتعاون عليه.
وذكر إضافة إلى ذلك النهي عن أن يحلّوا شعائر الله وما ذكره من نحو ذلك في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡيَ وَلَا ٱلۡقَلَٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَٰنٗاۚ﴾.
ثم نهاهم عن أن يحملهم بغضهم لقوم أساؤوا إليهم على العدوان فقال: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنََٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْۘ﴾
فلما زاد في ذكر المحظورات والنهي عنها زاد في التحذير فقال:﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾.
فناسب كل تعبير موضعه الذي ورد فيه.
(من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 117: 122)
الوقفة كاملة
|
| ١١٩ |
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ٢٢﴾ [المجادلة: 22].
* * *
مناسبة هذه الآية لما قبلها، فإنه بعد أن ذكر الذين يحادّون الله ورسوله ويتولون قوماً غضب الله عليهم، ذكر المؤمنين وصفاتهم وأنهم لا يوادّون من حادّ الله واليوم الآخر موالياً لمن حادّ الله ورسوله ولو كان أقرب الناس إليه.
وفي هذا ما فيه من الزجر والمبالغة في النهي.
جاء في (الكاشف): ((من الممتنع المحال أن تجد قوماً مؤمنين يوالون المشركين.
والغرض به أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته)).
وجاء في (النكت والعيون): ((وفيه وجهان:
أحدهما: أنه خارج مخرج النهي للذين آمنوا أن يتوادّوا من حاد الله ورسوله.
الثاني: أنه خارج مخرج الصفة لهم والمدح بأنهم لا يوادّون من حادّ الله ورسوله، وكان هذا مدحاً)).
((وقدم الآباء؛ لأنه يجب على أبنائهم طاعتهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف.
وثنى بالأبناء؛ لأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم، وثلّث بالإخوان؛ لأنهم الناصرون لهم ... وختم بالعشيرة؛ لأن الاعتماد عليهم والتناصر بهم بعد الإخوان غالباً)).
﴿أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ﴾.
أي: أثبته الله تعالى فيها.
﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ﴾.
أي: قواهم برحمته وهداه، ونور منه. فالضمير في قوله (منه) يعود على الله.
قيل: ويجوز أن يعود الضمير على الإيمان، أي: قواهم بنور الإيمان سبب لحياة القلوب. جاء في (الكشاف): ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ﴾ بلطف من عنده حييت به قلوبهم.
ويجوز أن يكون الضمير للإيمان، أي: بروح من الإيمان، على أنه في نفسه روح لحياة القلوب)).
﴿رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ﴾ بطاعتهم له.
﴿وَرَضُواْ عَنۡهُۚ﴾ بما أوتوه عاجلاً وآجلًا في الدنيا والآخرة.
وجاء في (النكت والعيون): ((رضي الله عنهم في الدنيا بطاعتهم.
﴿وَرَضُواْ عَنۡهُۚ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: رضوا عنهم في الآخرة بالثواب.
الثاني: رضوا عنه في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه.
وجاء في (التفسير الكبير) للرازي: ((أنه تعالى عدد نعمه على المؤمنين، فبدأ بقوله: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ﴾ ...
والنعمة الثانية قوله: ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ﴾ ...
النعمة الثالثة: ﴿وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ﴾ وهو إشارة إلى نعمة الجنة.
النعمة الرابعة: ﴿رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ﴾ وهي نعمة الرضوان، وهي
أعظم النعم وأجلّ المراتب.
ثم لما عدد هذه النعم ذكر الأمر الرابع من الأمور التي توجب ترك الموادة مع أعداء الله فقال: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ وهو في مقابلة فيهم: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾.
وقوله: ﴿هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ أي: المختصون بالفلاح، فليس لغيرهم فلاح.
قد تقول: لقد قال سبحانه في سورة المائدة: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ٥٦﴾.
فختم الآية بقوله: ﴿فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ﴾.
وختم آية المجادلة بقوله: ﴿أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾.
فما الفرق؟
فنقول: إن سياق كل من الآيتين يوضح ذلك.
فإن سياق آيات المائدة في استعانة الذين في قلوبهم مرض باليهود والنصارى واتخاذهم أولياء؛ ليحتموا بهم وينصرونهم، كما أخبر سبحانه عنهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ٥١ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ٥٢﴾ [المائدة: 51-52].
فقال لهم ربنا: إنه من يتول الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، وليس الذين يتولون الكافرين.
فآية المائدة في النصرة والغلبة، فختمها بقوله: ﴿هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ﴾.
(من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 152: 155)
الوقفة كاملة
|
| ١٢٠ |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ١٤﴾
* * *
إن من الأزواج من يعادين أزواجهن ويجلبن عليهم ويخاصمنهم، ومن الأولاد من يعقون آباءهم ويخاصمونهم ويؤذونهم.
ففي مثل هذه الحالات تكون الأزواج أعداء لأزواجهن، والأولاد أعداء لآبائهم.
وقد تكون الأزواج والأولاد ملهاة عن العمل الصالح.
وقد يحملونهم على ترك الواجبات وارتكاب المحظورات، وذلك لحبهم لهم والشفقة عليهم، وفي مثل هذه الحالات يكون الأولاد أعداء لآبائهم، والأزواج أعداء لأزواجهن من هذه الناحية.
وقد ناسبت هذه الآية ما قبلها من هاتين الناحيتين.
فمن الناحية الأولى، وهي حالات الخصومة والأذى، وناسب ذلك ما تقدم من قوله تعالى: ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ﴾ [التغابن: 11] فهذه مصيبة من المصائب.
وفي الحالة الأخرى يناسب ذلك قوله: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ١٢ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ١٣﴾.
فعلى المؤمنين أن يطيعوا الله ورسوله، ولا يطيعوا الأزواج والأولاد.
وذلك من لطيف التناسب.
جاء في (روح المعاني): ((فمن الأزواج أزواجًا يعادين بعولتهن،
ويخاصمنهم ويجلبن عليهم.
ومن الأولاد أولادًا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها... ومن ومن... وكذا من الأولاد...
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته، فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببًا لذلك وإن لم يطلبوه فيهلك)).
وجاء في (تفسير ابن كثير) أن ذلك ((بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ٩﴾ [المنافقون: 9].
(وقيل) يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه)).
﴿وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم﴾.
أي: إن تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها مما هو في حقكم أو في أمور الدنيا ومما يصح لكم أن تعفوا عنه.
وتصفحوا، أي: تعرضوا عن ذلك بترك التثريب واللوم.
وتغفروا، أي: تستروها بإخفائها.
فإن الله غفور رحيم، يغفر لعباده ذنوبهم مع أنه أولى بالطاعة، رحيم بهم مع إساءتهم ومعصيتهم.
وأنتم إن فعلتم ذلك يغفر الله لكم ويرحمكم.
فقوله: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيم﴾ متعلق بما قبله من جهتين:
أنه إذا فعل أزواجكم وأولادكم ما يستوجب العقوبة والتثريب فاعفوا عنهم واغفروا لهم، فإن الله غفور رحيم يغفر لعباده وإن أذنبوا وعصوا ربهم، مع أنه أولى بالطاعة من الآباء.
وأنكم إذا فعلتم ذلك فعفوتم وغفرتم فإن الله غفور رحيم، يغفر لكم ويرحمكم، وأنتم أحوج إلى مغفرته ورحمته من أولئك إليكم.
(من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 214: 216)
الوقفة كاملة
|