عرض وقفة التساؤلات
- ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ﴿١٥﴾ ﴾ [نوح آية:١٥]
- ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴿٥١﴾ ﴾ [الكهف آية:٥١]
- ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٩﴾ ﴾ [فصلت آية:٩]
- ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ﴿١٠﴾ ﴾ [فصلت آية:١٠]
- ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴿١١﴾ ﴾ [فصلت آية:١١]
- ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿١٢﴾ ﴾ [فصلت آية:١٢]
- ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴿١٣﴾ ﴾ [فصلت آية:١٣]
س/ ﴿أَلَم تَرَوا كَيفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾
أشكلت علي هذه الآية والإشكال هو كيف يخاطب نبي الله نوح عليه السلام قومه بالنظر في السماوات السبع؟ هل هي مما يمكن إدراكه بالرؤية؟ أم أنها بالسماع وتنزل منزلة اليقين؟
ج/ تساؤلك هذا هو بالفعل محل استشكالٍ عند العلماء، كيف لنوحٍ عليه السلام أن يستدل عليهم بشئ لم يشاهدوه وهو خلق السماوات سبعًا طباقًا؟ ولم يروا كيف خلقها الله سبعا طباقا، فالإشكال هنا هو كيف قيل لهم: ﴿ألم تروا كيف﴾ والكيف للحالة والهيئة، وهم لم يشاهدوها كما قال تعالى:
﴿ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم﴾ [الكهف: ٥١] .
وهذا الإشكال ذكره ابن كثير والقرطبي والشيخ عطية محمد سالم في تتمة أضواء البيان، وقد أحسن الشيخ عطية في عرض هذا الإشكال والجواب عنه، وحاصل جوابه:
"وهنا تساءل ابن كثير تساؤلا واردا، وهو قوله: طباقا أي: واحدة فوق واحدة، وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط ؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس، مما علم من التسيير والكسوفات. وأظنه يعني التسيير من السير، فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضا، فأدناها القمر في السماء الدنيا، وذكر الكواكب السبعة في السماوات السبع، وكلام أهل الهيئة ولم يتعرض للإشكال بحل يركن إليه.
وقال القرطبي: قوله تعالى: ﴿ألم تروا كيف﴾ على جهة الإخبار لا المعاينة.
كما تقول: ألم تر كيف فعلت بفلان كذا ؟
وعلى كلام القرطبي يرد السؤال الأول، إذا كان ذلك على جهة الإخبار، فكيف يجعل الخبر دليلا على خبر آخر لا يدرك إلا بالسمع ؟
والجواب عن ذلك مجملا مما تشير إليه آيات القرآن الكريم كالآتي:
أولا: إن تساؤل ابن كثير هل يتلقى ذلك من جهة السمع فقط ؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس، لا محل له؛ لأنه لا طريق إلا النقل فقط، كما قال تعالى:
﴿ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم﴾ [الكهف: ٥١]،
أي: آدم. فلم نعلم كيف خلق، ولا كيف سارت الروح في جسم جماد صلصال، فتحول إلى جسم حساس نام ناطق.
وأما قول القرطبي: إنه على جهة الإخبار لا المعاينة، فهو الذي يشهد له القرآن.
ويجيب القرآن على السؤال الوارد عليه، وذلك في قوله تعالى: ﴿قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين﴾ ﴿وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين﴾ ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾ ﴿فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم﴾ ﴿فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾ [فصلت: ٩ - ١٣]؛
لأن الله تعالى خاطب هنا الكفار قطعا؛ لقوله: ﴿قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين﴾ .
وخاطبهم بأمور مفصلة لم يشهدوها قطعا من خلق الأرض في يومين، ومن تقدير أقواتها في أربعة أيام، ومن استوائه إلى السماء وهي دخان.
ومن قوله لها وللأرض: ﴿ائتيا طوعا أو كرها﴾ .
ومن قولهما: ﴿أتينا طائعين﴾ .
ومن قضائهن سبع سماوات في يومين.
ومن وحيه في كل سماء أمرها.
كل ذلك تفصيل لأمور لم يشهدوها ولم يعلموا عنها بشيء، ومن ضمنها قضاؤه سبع سماوات، فكان كله على سبيل الإخبار لجماعة الكفار.
وعقبه بقوله: ﴿ذلك تقدير العزيز العليم﴾؛ فكان مقتضى هذا الإخبار وموجب هذا التقدير من العزيز العليم، أن يصدقوا أو أن يؤمنوا. وهذا من خصائص كل إخبار يكون مقطوعا بصدقه من كل من هو واثق بقوله: يقول الخبر، وكان لقوة صدقه ملزما لسامعه، ولا يبالي قائله بقبول السامع له أو إعراضه عنه.
ولذا قال تعالى بعد ذلك مباشرة:
﴿فإن أعرضوا﴾ أي: بعد إعلامهم بذلك كله، فلا عليك منهم: ﴿فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود﴾ .
وحيث إن الله خاطبهم هنا ﴿ألم تروا كيف﴾ فكان هذا أمرا لفرط صدق الإخبار به،كالمشاهد المحسوس الملزم لهم.
وقد جاءت السنة، وبينت تلك الكيفية أنها سبع طباق، بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وشمل كل سماء وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام.
وقد يقال: إن الرؤية هنا في الكيفية حاصلة بالعين محسوسة، ولكن في شخصية الرسول ﷺ ليلة الإسراء والمعراج؛ حيث عرج به ورأى السبع الطباق، وكان يستأذن لكل سماء. ومشاهدة الواحد من الجنس كمشاهدة الجميع، فكأننا شاهدناها كلنا لإيماننا بصدقه ﷺ ولحقيقة معرفتهم إياه ﷺ في الصدق من قبل. والعلم عند الله تعالى".