عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴿٨٧﴾ ﴾ [التوبة آية:٨٧]
( وطبَع الله على قلوبهم )
الآية الأولى جاءت بالمبني للمجهول(فطُبِع ) والثانية بالمبني للمعلوم ( وطَبَع الله) فهل بينهما فرق .
نعم هناك فرق ، والفرق سنوضحه كالتالي :
أولاً : قوله (وطُبِع ) بالمجهول ، هي تشبه الفعل (كُتِب) الذي ورد في الآيات التالية :
1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ﴿١٨٣﴾ سورة البقرة
2-{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ﴿٢١٦﴾ سورة البقرة
3-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ﴿١٧٨﴾ سورة البقرة
فالأحكام التكليفية جاءت بهذه الصيغة المبني للمجهول ، والتي تفيد المشاركة في الحكم التكليفي ، وكيف ذلك ؟
المؤمن دخل في المعادلة التكليفية بسبب إيمانه، فهو لما ارتضى أن يكون مؤمناً بالله تعالى، فهو قد أذن لنفسه وارتضى لها أن تنفذ أحكام الله تعالى وأوامره ، فهو شريك في الحكم التكليفي بسبب إيمانه، فلولا إيمانه لما كلف بالصيام والجهاد والقصاص ، وغيرها من الأحكام .
وهنا (فطُبِع) للمجهول ،لأن المنافقين بسبب نفاقهم ومرض قلوبهم واختيارهم النفاق والكفر، استحقوا أن يطبع على قلوبهم ،فسبب أفعالهم هذه استحقوا أن يكونوا طرفاً في الطبع على قلوبهم .
أما الآية الأخرى ( فطبع الله على قلوبهم ) فهي تبين الفرق بين الطبع الأول والثاني ، وأن الطبع الثاني أشد من الأول وأقسى ، وذلك لأن الثاني الذي تولاه هو الله عز وجل ، أما الأول ففيه طرف مشاركة من المنافقين ، ويوضح ذلك تذييل الآيتين ، فالأولى (لا يفقهون)، والفقه هو فهم الذات للذات ، ومن لم يفهم من نفسه شيئاً،فسيفهم من غيره، ويصيب علماً من الآخرين .
أما (لا يعلمون) فهو أشد ،لأنه لن يعلم شيئاَ لا من نفسه، ولا من غيره ، ونفي العلم أشد من نفي الفقه .(في المطبوع 9/5419)