عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴿٤٠﴾    [آل عمران   آية:٤٠]
آية (40): * {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) } إن زكريا - وهو الطالب - يصيبه التعجب من الاستجابة فيتساءل. كيف يكون ذلك؟ (الشيخ محمد متولي الشعراوي) والحق يورد ذلك ليعلمنا أن النفس البشرية دائما تكون في دائرات التلوين، وليست في دائرات التمكين، وذلك ليعطي الله لخلقه الذين لا يهتدون إلى الصراط المستقيم الأسوة في أنه إذا ما حدث له ابتلاء فعليه الرجوع إلى الله، فيقول زكريا: { أَنَّىا يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ }. إن بلوغ الكبر ليس دليلا على أنه عاجز عن الإنجاب لأنه يكون كبير العمر، وقادرا على إخصاب امرأة، ذلك أن الإخصاب بالنسبة لبعض الرجال ليس أمرا عسيرا مهما بلغ من العمر إن لم يكن عاقرا، ولكن المرأة هي العنصر المهم، فإن كانت عاقرا، فذلك قمة العجز في الأسباب. ولو أن زكريا قال فقط: { وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ } لكان أمرا غير مستحب بالنسبة لزوجته، ولكان معنى ذلك أنه نسب لنفسه الصلاحية وهي غير القادرة. إنه أدب النبوة وهو أدب عال؛ لذلك أوردها من أولها: { وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ } ولنر دقة القول في: { بَلَغَنِي الْكِبَرُ } ‘ إنه لم يقل: " بلغت الكبر " بل يقول: إن الكبر هو الذي جاءني ولم أجيء أنا إلى الكبر؛ لأن بلوغ الشيء يعني أن هناك إحساسا ورغبة في أن تذهب إليه، وذكر زكريا { وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ } هو تضخيم لطلاقة القدرة عند من يستمع للقصة، لقد أورد كل الخوالج البشرية، وبعد ذلك يأتي القول الفصل: { قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } إنها طلاقة القدرة التي فوق الأسباب لأنها خالقة الأسباب.